أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - اليوم العالمي للديمقراطية















المزيد.....



اليوم العالمي للديمقراطية


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 2829 - 2009 / 11 / 14 - 14:20
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



القرار رقم 62/7 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8 نوفمبر تشرين الثاني 2007 تضمن اعتبار 15 سبتمبر / أيلول من كل عام يوما للاحتفال باليوم العالمي للديمقراطية. وقد حث القرار الدول الأعضاء وسائر المنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني (المنظمات غير الحكومية) للاحتفاء بهذه المناسبة ابتداء من العام 2008 من خلال حزمة من المناشط والعناوين تتضمن تسليط الضوء على واقع الديمقراطية في العالم، ومعاينة مدى التقدم المحرز على هذا الصعيد، ومعالجة المعوقات المختلفة التي لا تزال تعترضها، وتمنع تعميمها وتشريعها لتصبح حقا ملزما ومعترفا به من قبل جميع الحكومات والمجتمعات في العالم. احتفال هذا العام جاء تحت شعار ‘’الديمقراطية والتسامح السياسي’’.
هذا الشعار تضمن تبني وتفعيل مبادئ حقوق الإنسان الأساسية في المجالات السياسية، المدنية، الاقتصادية، والاجتماعية باعتبارها تشكل حزمة واحدة، تمثل قيما ومعايير إنسانية وكونية مشتركة، باتت ملزمة من الناحية القانونية لجميع الحكومات والأفراد والجماعات المختلفة، كما هو مثبت في بنود ومواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة في 10 ديسمبر كانون الإول ,1948 وفي العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية والبرتوكولات الملحقة الصادرة لاحقا، والتي صادقت عليها غالبية الدول. يذكر أن الدول التي لم تصادق على تلك الاتفاقيات أو تحفظت على بعض بنودها لتعارضها مع ‘’خصوصياتها’’ السيادية أو الدينية أو الاجتماعية والثقافية تنتمي أساسا إلى العالمين العربي والإسلامي.
شدد الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه بهذه المناسبة على ضرورة الالتزام ببناء مجتمعات قائمة على المشاركة وسيادة القانون وحقوق الإنسان الأساسية والمساهمة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسلم والأمن الدوليين واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
في الواقع إن هناك علاقة جدلية متداخلة ما بين مبادئ الديمقراطية وآلياتها ومفاهيم ومعايير حقوق الإنسان، وتبرز هنا قضايا ومرتكزات حقوقية تمثل شروطا أساسية للديمقراطية، مثل وجود الدستور الذي يتضمن شكل وماهية الدولة، ونسق وتركيب السلطة، ووظائفها وصلاحياتها وواجباتها وفقا للعقد الاجتماعي المبرم مع الشعب، والذي يحدده مستوى التطور والوعي السياسي والاجتماعي والثقافي، ونسبة موازين القوى الاجتماعية والطبقية السائدة. غير أنه في كل الحالات فإن المبادئ الديمقراطية تقوم على أساس حاكمية الدستور والقانون، والفصل بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الثلاث، ونبذ استخدام القوة والعنف الممنهج أو التهديد بهما (في العلاقة بين الحاكم والمحكوم) في جميع الحالات والظروف، في مرحلة السلم والهدوء أو في حال الإرهاب والحرب.
الديمقراطية تستوجب العمل على ترسيخ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وإطلاق الحريات العامة التي تشمل التعددية وحرية الرأي والتفكير والتعبير والنشر والتجمع وتشريع قيام مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة عن المجتمع السياسي (الدولة) وإرساء استقلال القضاء، وتحقيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، من خلال التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع الحر للهيئات التمثيلية المركزية (مجلس النواب أو الشورى) والمناطقية (الأقاليم والمحافظات) والمحلية (البلديات).
هذه الحقوق الأساسية (رغم الإخلال بها وانتهاكها في الكثير من الحالات) تدخل في صلب العملية الديمقراطية بل وتشكل جوهرها.
الديمقراطية ليست أيدلوجيا محددة ومقفلة، أو معطى ثابتاً لا يتغير، إنها تستطيع التعايش مع الأيدلوجيات الرأسمالية (الأحزاب الليبرالية) والاشتراكية (الأحزاب الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية) والدينية (الأحزاب المسيحية الديمقراطية) وغيرها من الأيدلوجيات ونستثني هنا الأيدلوجيات والنظم الشمولية التي تستند إلى الهيمنة الأحادية للحزب والطبقة والعرق والعشيرة والدين والمذهب. الديمقراطية مع إنها تشكل إطارا عاما وأسلوب عمل للدولة وطريقة حياة وتفكير للأفراد والمجتمع، غير أنها تظل على الدوام قابلة للتنوع والمراجعة والتعديل والتطوير والإغناء، سواء في مسارها التاريخي والموضوع العام أو في بعض تفاصيلها، وذلك وفقا لطبيعة النظم السياسية والتقاليد والخصائص الاجتماعية والثقافية المتباينة للمجتمعات.
غير أن هذا التباين لا يعني أو يفترض بأي حال قبول تبرير رفض الخطوط والعناصر الأساسية المتفق عليها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك تحت ذريعة الخصوصية الاجتماعية والدينية والثقافية كما هو حال غالبية المجتمعات العربية والإسلامية، التي تأتي وفقا للتقارير الدولية والإقليمية في ذيل قائمة دول العالم في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الديمقراطية في بيئات مسلمة

أشرت في مقالي السابق إلى أن غالبية المجتمعات العربية والإسلامية تأتي وفقا للتقارير الدولية والإقليمية في ذيل قائمة دول العالم في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان . غير أني وجدت ذلك التوصيف في ضوء الواقع الراهن ينطبق تحديدا على البلدان والمجتمعات العربية على وجه الخصوص، دون أن يعني ذلك إغفال الصعوبات والمخاطر التي تكتنف المسار الديمقراطي في البلدان الإسلامية.
غالبية الدول الإسلامية -غير العربية- شملتها بدرجات متفاوتة الموجات الديمقراطية المتتالية التي شهدها العالم وخصوصا ما يطلق عليها الموجة الرابعة للديمقراطية التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي و المنظومة الاشتراكية ، وكان تحطيم جدار برلين 1989 رمزا قويا ومعبرا عن تلك المرحلة أو الموجة الجديدة للديمقراطية التي اكتسحت بلدانا عديدة في شرق ووسط أوروبا ودول شرق آسيا -باستثناء الصين- وبلدان إفريقيا (جنوب الصحراء) السمراء. العديد من البلدان الإسلامية أخذت وتبنت الخيار الديمقراطي -في فترات تاريخية متباينة- نذكر من بينها تركيا وأندونيسيا التي تعد أكبر دولة إسلامية على الإطلاق وكذلك ماليزيا وبنغلاديش وباكستان في آسيا، وهناك نيجيريا -التي تعد أكبر دولة إفريقية مسلمة- ومالي والسنغال وغيرها في القارة السمراء. صحيح إن الديمقراطية في العديد من تلك الدول لا تزال هشة وغير مستقرة بدليل توالي الانقلابات العسكرية وهيمنة الديكتاتورية لفترات طويلة كما حصل في تركيا وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا وغيرها، حيث عانت تلك الدول وعلى مدى عقود من عدم الاستقرار وغياب السلم الأهلي وتفشي الاضطرابات السياسية والاجتماعية العنيفة. وكانت تلك البلدان تعيش حلقة مفرغة، حيث يتناوب حكم مدني، ثم انقلاب عسكري، يليه حكم مدني، ثم انقلاب عسكري وهكذا. علينا إحالة ذلك إلى مسببات وعوامل داخلية تكمن في شروط سيرورتها وتشكلها كدول مستقلة والمتمثل في بنيتها التقليدية الراسخة وتأخرها الاقتصادي - الاجتماعي - الثقافي الذي أنعكس في ضعف البناء الدستوري - القانوني للدولة وهشاشة مؤسسات المجتمع المدني وتصدر الهويات دون الوطنية الفرعية من جهة، وعلاقة التبعية للخارج في ظل مناخ الحرب الباردة وسيادة المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة والتي آخر ما كان يعنيها هو تشجيع الديمقراطية وقيام الحكم الرشيد في تلك البلدان من جهة أخرى. وخير مثال على ذلك الانقلابات التي شهدتها دول مثل باكستان وتركيا وإيران والتي تمت إما بتدخل مباشر من قبل الاستخبارات الأمريكية كما حصل ضد رئيس وزراء إيران المنتخب مصدق 1953 أو غض النظر عن انقلابات العسكر كما حصل في باكستان 1978 وتركيا .1980
غالبية البلدان الإسلامية في الوقت الحاضر رغم المعوقات والتشوهات الجدية تسودها نظم تمتلك عناصر وسمات ديمقراطية متعارف عليها كونيا، حيث يوجد دساتير تنص على الفصل بين السلطات «التنفيذية والتشريعية والقضائية» الثلاث، وإقرار الحريات العامة للشعب والجماعات والأفراد، وضمان التعددية وحرية الفكر والصحافة والنشر والتجمع وحق تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والتبادل السلمي للسلطة من خلال الانتخابات على ما يشوبها من نواقص وانتهاكات. غير أن الديمقراطية الانتخابية على أهميتها ليست هي المفصل الحاسم في العملية الديمقراطية التي يتعين تكاملها في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبدونها تصبح مجرد ديمقراطية شكلية أو ناقصة في أقل التقادير. نشير هنا إلى فشل التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع ما يرافق ذلك من تفشي الفساد، الفقر، البطالة، الأمية، الجهل، والمرض، وترسخ البنى التقليدية وانتعاش الانتماءات الفرعية دون الوطنية، كالقبلية والمناطقية والمذهبية على حساب تبلور وتشكل المجتمع المدني ومؤسساته الوطنية المستقلة، الأمر الذي أتاح المجال للقوة الحديثة الوحيدة المنظمة والمتمثلة بالمؤسسة العسكرية كي تصادر الدولة وتتغول على المجتمع حين تكون الفرصة والظروف الداخلية والخارجية مواتية. تلك العوامل تحدد في التحليل النهائي أفاق العملية الديمقراطية في تلك البلدان. لا يمكن هنا إغفال التجربة الديمقراطية في بلدين إسلاميين مهمين هما إيران وأفغانستان، حيث لا زالتا تعانيان صعوبات متنوعة في الانتقال إلى الديمقراطية بمعناها الحديث والمعاصر. وللحديث صلة.
الديمقراطية العصية في العالم العربي

الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي في ظل الواقع البائس المعيوش على كل الصعد والمستويات، لم يعد من باب الترف الفائض عن الحاجة، رغم أنه لم يصل بعد ليكون محل إجماع أو اتفاق للعمل المشترك بين النخب السياسية، الاجتماعية، والفكرية المختلفة، ناهيك عن مدى ترسخه لدى القطاعات الشعبية الواسعة التي قد يغيب عنها فهم هذا المصطلح، ظهوره، جوهره، ودلالاته الفلسفية والسياسية التي هي ملك للبشرية وللحضارة الإنسانية على تنوعها وامتدادها الطويل بغض النظر عن بداية ظهورها وسيرورتها وتنوعها ضمن بيئتها التاريخية الأصلية والبيئات الأخرى المختلفة، فالهند التي تنتمي إلى بلدان العالم الثالث من حيث مستوى التطور الاقتصادي، الاجتماعي، والثقافي الضعيف أو المتوسط ووجود التنوع والتعدد الديني والإثني واللغوي والثقافي فيها، لكن لم يمنعها أن تصبح أكبر دولة ديمقراطية في العالم. من هذا المنطلق فإن الديمقراطية وآفاقها بالنسبة للمجتمعات العربية أصبحت وثيقة الصلة يحاضرها ومستقبلها في ضوء واقعها المرير المعجون بالفقر، التخلف، البطالة، الغلاء، الأمية، المرض والفساد، الذي يتعمق ويمتد في أوصالها في ظل غياب الحرية والديمقراطية وهيمنة وظلمة الاستبداد والشمولية والحكم المطلق، وهنا يتعين ملاحظة التشويه المتعمد الذي لحق بالديمقراطية الذي وصل إلى حد مساواتها بالإلحاد والتحلل الأخلاقي، وذلك من منطلقات ودوافع (سياسية، اجتماعية، وأيديولوجية) ذاتية لقوى سياسية واجتماعية ودينية نافذة تتخندق وراء ستار حديد، وتلتحف تحت شعار زائف ومغشوش يتعلق بـ «الخصوصية الدينية، الاجتماعية، الثقافية، والحضارية»، وبالتالي تريد فرض تصورها على الجميع باعتباره الحقيقة المطلقة والخيار الأوحد، مما يستبطن معه احتقار الإنسان (وإنزاله في مرتبة الحيوان الأعجم) الذي كرمته الشرائع والعقائد السماوية والأرضية على حد سواء. النظم العربية بوجه عام ومنذ نشوئها (ما عدا فترات محدودة بعيد نيل الاستقلال) تجاهلت واحتقرت الديمقراطية كمفهوم وأسلوب للحكم وكممارسة ووعي وسلوك وطريقة حياة لدى المجتمعات والأفراد، بل وأوقعت العقاب الصارم لكل من يتبناها أو يدعو إليها، غير أنها اضطرت متأخرة وعلى مضض لمسايرة الركب العالمي والالتزام بالمواثيق والمعاهدات التي وقعتها إلى الاعتراف الشكلي بأهميتها والتعاطي معها كشعار يجري تداوله ولكن بعد إفراغه كعادتها من محتواه وجوهره الحقيقي.
الحديث عن الديمقراطية ومعوقاتها الجمة في العالم العربي يتطلب معاينة وتشخيصَ وتحليلَ السمات والعوامل الموضوعية والذاتية (الكابحة أو الدافعة) الداخلية السائدة في المجتمعات العربية، بما في ذلك الدور المحوري والحاسم الذي تمثله وتمارسه الدولة العربية ذات النمط الاستحواذي/ التسلطي/ الاستبدادي/ الريعي، ومعرفة تأثير علاقات الاستتباع والهيمنة أو الصراع والتناقض التي حكمت العلاقة بين البلدان العربية (المستعمرة) التي مثلت أطرافاً، هوامش، وأسواقاً (دول متربول) تابعة من جهة، وبين الدول الاستعمارية/ الإمبريالية التي تمثل مراكز النظام الرأسمالي العالمي من جهة أخرى، سواء في مرحلة معارك الاستقلال (السياسي والاقتصادي) والتوحيد الوطني وشعارات وتوجهات التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، والوحدة العربية والمواجهة القومية مع إسرائيل، أو في مرحلة الهزيمة والانكسار المدوي لتلك الشعارات، حيث استعيدت بل وتعمقت الهيمنة الخارجية (تحت عنوان الانفتاح والتنمية) من جديد، وتم إبرام معاهدات «السلام» المجحفة والتطبيع الكامل والجزئي مع إسرائيل.
تلك التراجعات والتنازلات العربية المجانية للتحالف الأميركي/ الإسرائيلي تمت على حساب المصالح الوطنية والعربية العليا، حيث عملت الدولة العربية بدأب على تغييب أي دور للشعوب العربية ووأد مصالحها على كل الصعد والمستويات، وهو ما أدى إلى فشل خطط التنمية بأبعادها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية كافة، وبالتالي اضعف موقفها وموقعها الوطني والقومي إزاء مختلف الضغوط الخارجية والداخلية، وهو ما صب في خانة مصالح الدول الرأسمالية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب الدولة العبرية، سواء في مرحلة الحرب الباردة والصراع بين المنظومتين الرأسمالية والاشتراكية، حين سعت الولايات المتحدة والدول الغرب الأخرى إلى العمل على تكريس وحماية مصالحها الاستراتيجية (وخصوصاً النفطية) المتنامية في المنطقة، ولتحقيق هذا الهدف غضت النظر عن واقع وممارسات الأنظمة الحليفة لها في المنطقة العربية والإسلامية، وجرى تدعيمها وحمايتها من المخاطر الداخلية والخارجية التي تتهددها كافة، بل العمل على تنظيم انقلابات عسكرية مضادة لإسقاط أنظمة حكم وطنية أو ديمقراطية منتخبة في المنطقة العربية والإسلامية.
الديمقراطية العصية والبعد الدولي "2"
نجيب الخنيزي
في اعتراف نادر من قبل أحد المسؤولين الأميركيين أقرت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في خطابها الشهير في الجامعة الأميركية في القاهرة (20/6/2005) بأن الإدارات الأميركية المتتالية عملت على مدى أكثر من ستة عقود من أجل تأمين المصالح الاستراتيجية الأميركية، وتأمين الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأقرت كونداليزا رايس بأن الولايات المتحدة الأميركية فشلت في تحقيق الهدفين. يأتي في مقدمة تلك المصالح الأميركية، الهيمنة على مصادر الطاقة (النفط والغاز) في منطقة الشرق الوسط الذي يحوي قرابة 60% من إجمالي احتياطي العالم من النفط الذي يعتبر عصب الحياة الصناعية والمدنية الغربية الحديثة، وذلك من خلال سيطرة شركاتها النفطية الاحتكارية وفقا لنظام الامتيازات المجحف بحق البلدان المنتجة، والذي دام عدة عقود من الزمن، وكذلك تأمين خطوط إنتاجه وطرق إمداداته. الهدف المركزي الأميركي الثاني يتمثل في حماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري على جميع البلدان العربية قاطبة. ولتحقيق ذلك الهدفين غضت الإدارات الأميركية المتعاقبة عن شيوع الاستبداد والحكم التسلطي في المنطقة، وخصوصا إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي. وفي الواقع فإن الإدارة الأميركية لم تدعم الأنظمة الاستبدادية أو تغض النظر عن ممارساتها فقط بل تورطت أجهزة استخباراتها في التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات النهج الاستقلالي، بهدف الإطاحة بأنظمة الحكم الديمقراطية أو الوطنية حين تطلبت مصالحها الاستراتيجية ذلك، واستمر هذا التوجه العام في مرحلة الأحادية القطبية والتفرد الأميركي بقيادة العالم، في ظل عولمة كونية عاتية بتجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما صاحبها من ثورة غير مسبوقة في العلم والتقنية والمعرفة والمعلومات والاتصالات التي اختزلت وطوت المكان والزمان وحولت العالم إلى قرية كونية. التغيير في الموقف الغربي والأميركي على وجه التحديد إزاء الأوضاع والسياسات العربية الداخلية جاء في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة، والذي تبين بأن جميع منفذي العملية ينتمون إلى بلدان ومجتمعات عربية بل إن 15 شخصا من أصل 19 شخص من منفذي الهجوم ينتمون إلى السعودية الذي يعتبر الحليف التقليدي للولايات المتحدة على مدى ستة عقود. جاءت أحداث 11 سبتمبر بمثابة هدية من السماء بالنسبة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وإدارته التي ضمت صقور اليمين من المحافظين الجدد، حيث تم تفعيل أجندتهم للهيمنة الكونية، وكانت المنطقة العربية - الإسلامية هي محل الاختبار الرئيسي لها، فإلى جانب الحديث (الذي اعتبر زلة لسان) عن الحروب الصليبية، والتركيز على موضوع صراع الحضارات والأديان، واعتبار الإسلام الخطر الرئيس الذي يهدد الحضارة الغربية، وتقسيم العالم إلى معسكرين (من ليس معنا فهو ضدنا) جاء غزو واحتلال أفغانستان (أكتوبر/ تشرين الأول 2001) ثم العراق (أبريل/ نيسان 2004) وما لحق بهما من خسائر بشرية هائلة ومن تدمير شامل طال كافة مرافق الحياة.
كما مورست ضغوط مختلفة إزاء بلدان المنطقة (بما في ذلك الدول الحليفة لها) وطرحت سيناريوهات مختلفة تضمنت تفكيك كيانات ودول المنطقة وإعادة تركيب مجمل الأوضاع فيها وفقا للمصالح الأميركية المستجدة والتصورات الأيدلوجية للمحافظين الجدد، وذلك من خلال العديد من المشروعات والأطروحات على غرار الشرق الأوسط الكبير، ثم الشرق الأوسط الجديد، وذلك تحت عناوين وشعارات تعميم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات.
وفي ذروة العدوان الإسرائيلي على لبنان (يوليو/ تموز 2006) طرحت كونداليزا رايس نظرية الفوضى الخلاقة التي ستكون بمثابة القابلة لتشكيل نظام شرق أوسطي جديد. غير أن تلك السياسات والممارسات الأميركية والغربية فشلت في تحقيق أي من استهدافاتها ووصلت إلى طريق مسدود. لقد عانت شعوب المنطقة الأمرين من النتائج الكارثية لتلك السياسات. وكانت الديمقراطية التي ارتبطت زورا بالنهج والسياسة الأميركية في مقدمة ضحاياها.
الديمقراطية العصية والبعد الداخلي " 3 "

في أعقاب حوادث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية التي تعرضت إليها الولايات المتحدة، والمنحى الهجومي الواسع الذي انتهجته الإدارة الأميركية، سعت الدول العربية في البداية إلى الانحناء أمام العاصفة، بهدف امتصاص الضغوط الأميركية الواسعة ومتعددة الأشكال التي واجهتها، وذلك من خلال تقديم وعود بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، وتطوير مناهجها التعليمية، وتجفيف المنابع والمحاضن المادية والفكرية للإرهاب. غير أن الفشل الأميركي في تحويل أفغانستان والعراق إلى مثال ديمقراطي على الطريقة الأميركية، وليتم تعميمه وفرضه لاحقاً في عموم المنطقة، ناهيك عن استمرار المقاومة وتصاعد الهجمات الإرهابية من قبل تنظيم القاعدة وشركائه الذين وُجدوا في العراق وأفغانستان في ظل الاحتلال، وبعض البلدان (باكستان، الصومال، واليمن) الأخرى محاضن وملاذات جديدة آمنة لها، ما سهل لها توسيع أعمالها الإرهابية في تلك البلدان، وفي العديد من دول المنطقة والعالم.
ووفقاً لأولوية شعار الحرب المفتوحة على الإرهاب الذي رفعته الإدارة الأميركية السابقة، والخوف من تصدر الإسلام السياسي للواجهة الشعبية ووصوله إلى السلطة في أي انتخابات ديمقراطية، فإن الحماس الأميركي لترويج الديمقراطية في المنطقة العربية قد فتر وتراجع وانكفأ على الصعيد العملي، وبالتالي تزامن معه تراجع الأنظمة العربية عن وعودها بتحقيق إصلاحات ديمقراطية ولو بشكل محدود، بل تعرضت قوى ومجاميع الإصلاح للملاحقة والتضييق والتنكيل، وجرى وصمها بالعمالة للخارج.
ترسخ هذا التوجه الأميركي الجديد مع فشل الحزب الجمهوري الأميركي في انتخابات الرئاسة ومجلسي الكونغرس (نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) أمام الحزب الديمقراطي ومجيء أوباما كأول رئيس أميركي أسود، حيث حقق فوزاً ساحقاً من خلال رفعه شعار التغيير في السياسات الداخلية والخارجية السابقة التي باتت ممقوتة على نطاق واسع لدى الشعب الأميركي وفي العالم. انتهج أوباما سياسة وأجندة مغايرة من حيث النهج وأسلوب التعاطي مع القضايا العالمية والإقليمية الساخنة وفي مقدمتها القضايا الملتهبة في المنطقة، وباتت الأولوية التركيز على المصالح الأميركية الاستراتيجية، وتطوير العلاقات التقليدية مع حلفائها في المنطقة، وتقديم أسلوب الحوار والمفاوضات والبحث عن الحلول السياسية للأزمات المتفجرة، كما هو الحال مع إيران وسوريا وفلسطين ولبنان. في ظل هذا المناخ الجديد فإن الحديث الأميركي الرسمي عن الديمقراطية في المنطقة لم يعد في سلم أولويات الإدارة الأميركية والغرب عموماً.
مع أهمية البعد الخارجي في تناول قضية الديمقراطية في العالم العربي، غير أن البعد الداخلي يظل العامل الحاسم في تقرير واقعها الراهن وآفاقها المستقبلية، ما يتطلب تشخيص ومعاينة الأزمة المركبة الشاملة التي تعصف بالواقع العربي (دولاً ومجتمعات)، وانسداد الأفق أمام ممكنات التغير في المستقبل المنظور، والكامن في أزمة الأنظمة الاستبدادية من جهة، وأزمة البديل أو البدائل المقترحة من جهة أخرى، والتي تشمل التيارات والتجمعات السياسية في العالم العربي، على اختلاف تلاوينها وتوجهاتها، رغم أن بعضها كان يتمتع بحضور شعبي واسع نسبياً في فترات تاريخية سابقة كالتيارين القومي واليساري، ووصل البعض منها إلى السلطة عن طريق الانتخابات، كما حصل مع التيار الليبرالي منذ العشرينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي (مصر، العراق، وسوريا) أو عبر اندلاع الثورات الشعبية (الجزائر واليمن الديمقراطي سابقاً) ضد الاستعمار (الكولينيالي) أو من خلال تنظيم الانقلابات العسكرية (الراديكالية) التي حصلت في دول عربية مهمة مثل مصر، سوريا، ليبيا، العراق، اليمن، والسودان، في حين سادت الشرعية التاريخية (التقليدية) الممالك والإمارات العربية. غير أن تلك الأنظمة وصلت في غالبيتها إلى طريق مسدود، من جراء فشلها الذريع في تحقيق التنمية الشاملة والمستديمة وبإبعادها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. وبتنا أمام حقيقة فاقعة تتمثل في شخصنة وترسيخ للدولة = الفرد/ العشيرة/ الحزب/ الجيش. غير أن الصورة المعتمة للمشهد العربي العام تخللته بعض النقاط المضيئة والتقدم المحدود على صعيد إرساء التحولات الديمقراطية كما هو الحال في المغرب (التوالي السياسي) الذي أتاح وللمرة الأولى لحزب اشتراكي يساري معارض تشكيل حكومة تحت رئاسته، كما تحقق بعض التقدم على هذا الصعيد في بلدان عربية أخرى مثل الأردن والعراق وبعض الدول الخليجية.
الديمقراطية العصية.. أزمة الواقع والبديل " 4 "

الأزمة الشاملة لم تطل النظام العربي الرسمي المهيمن فقط، بل أيضاً البديل أو البدائل المقترحة والتي تشمل التيارات السياسية والفكرية «الحداثية» والتقليدية على حد سواء، وبغض النظر عن وزنها الفعلي الذي باتت عليه، حيث عانت من تشوه وهشاشة التكوين والنمو، الذي نلمسه في العجز عن فهم وقراءة الواقع الجديد والمتغيرات الداخلية والخارجية المتسارعة، فضلاً عن القدرة على تغيره والتأثير فيه من خلال برامج سياسية ووطنية ملموسة قادرة على خلق معطيات وتوجهات جديدة. أزمة الواقع والبديل نلمسها لدى التيارات والمجموعات «الإسلاموية» التي باتت تتصدر الواجهة الشعبية اليوم بما تملكه من إمكانات تعبوية وتنظيمية ودعائية ومالية ضخمة حازتها على مدى سنوات من الكمون والتقية، وما نالته من دعم ورعاية وتشجيع الأنظمة العربية الحاكمة، بل والدول الغربية لها، وخصوصاً إبان مرحلة الحرب الباردة والمواجهة المحتدمة مع حركة التحرر الوطني العربية والتيارات القومية واليسارية القوية آنذاك. سعت تلك القوى في ظل الأزمة الشاملة للواقع العربي على طرح نفسها البديل المنقذ من خلال استحضار الفكر الماضوي والتراث الديني والميراث الحضاري القديم، ومحاولة فرضه عنوة على الحاضر عبر شعارات تعبوية سهلة وجاهزة، تثير الحنين إلى الماضي «التليد الزاهر» وتدغدغ المشاعر والعواطف الدينية لدى الناس البسطاء والمحبطين الذين فقدوا الثقة في الشعارات والوعود والممارسات الرسمية السلطوية. تلك الأطروحات والشعارات السلفية القديمة والتي أختبر فشلها إبان هيمنتها على مدى قرون من الانحطاط الحضاري، الاجتماعي، والفكري جرى إحيائها وتسويقها في مواجهة ما اعتبر فكراً «تغريبياً»، حيث وضعت علامة مساواة ما بين هيمنة الغرب الاستعماري/ الإمبريالي من جهة، وبين قيمه ومفاهيمه وأطروحاته في النهضة، التنوير، الحداثة، العقلانية، الحرية، والديمقراطية من جهة أخرى. كما رفعت تلك الشعارات في مواجهة الأنظمة الحاكمة الغارقة في القمع والاستبداد والفساد وفشلها الذريع في تحقيق أي من شعاراتها المركزية التي رفعتها، الحرية والتنمية الوطنية الشاملة والوحدة العربية وتحرير فلسطين. تلك الشعارات البديلة تمحورت حول الإسلام هو الحل، إقامة الدولة أو الحكومة الدينية، الحاكمية لله، الخلافة أو الأمارة الإسلامية، ولاية الفقيه، والتي تصب جميعها في تكريس سلطة دينية (ثيوقراطية) استبدادية مفارقة للواقع والحياة والعصر، وذلك من منطلق أن ما صلح به أمر المسلمين في ماضيهم سيصلح به حالهم اليوم وفي المستقبل إلى أن تقوم الساعة. هذا الهيجان والتحريض المجلبب بالشعارات السلفية المتشددة، والذي يفتقر إلى المقاربة الملموسة للواقع كما يفتقد البرنامج الواقعي إزاء مختلف القضايا والمشكلات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية المعقدة، يصل في ذروته إلى تسويغ الإقصاء، التطرف، العنف، والإرهاب المادي والرمزي ضد الآخر (القريب والبعيد) المختلف، وبالتالي فإن تلك الجماعات غير معنية بفرضيات واشتراطات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، واستيعاب وقبول حقيقة أنه لا تناقض بين تلك الأطروحات وبين الإسلام في جوهره الصحيح، بل تعتبرها بمثابة ردة وأفكار «تغريبية» ينبغي التصدي لها ولمتبنيها كواجب ديني في الظاهر، غير أنه يخفي أهدافاً سياسية وأيديولوجية تسعى إلى بسطها وفرضها كمقدمة لتنفيذ مخططها في إقامة سلطتها الدينية الاستبدادية.
وعلى الضفة الأخرى، نلحظ الهروب إلى الأمام والتماهي مع الآخر (الغرب) وتبني فرضياته واقتراحاته كوصفة جاهزة ومحاولة تعميمها وفرضها بصورة إرادوية على الواقع المعقد والمتناقض والمتباين في سيرورته وتحولاته. في كلتا الحالتين هناك تجاهل وقفز على تشخيص الواقع (الزمكان) وتحولاته وتناقضاته، وبالتالي تلمس احتياجاته ومتطلباته واستحقاقاته. حال العجز والضعف وغياب البديل الديمقراطي يعود إلى عوامل موضوعية وذاتية، خارجية وداخلية، وتستند إلى بنية تاريخية - مجتمعية أبوية ذكورية متخلفة ومقفلة تمتلك تراثاً عريقاً من الثقافة الاستبدادية - الشمولية - الغيبية - الأسطورية التي سقطت أو تراجعت في كل أنحاء المعمورة ما عدا المنطقة العربية (وبعض البلدان الإسلامية) التي ظلت عصية على التغيير، وهو ما دفع ببعض المستشرقين والمنظرين والمحللين الغربيين إلى الحديث عن «الاستثنائية العربية» في الموجات الديمقراطية المتتالية التي شهدها العالم.
الديمقراطية العصية والخصوصية العربية " 5-5"
نجيب الخنيزي
البيات الحضاري الطويل والعزلة عن المسار العالمي للتطور (المتمثل تحديداً في النهضة الغربية) الذي عاشته المجتمعات العربية والذي دام مئات السنين من هيمنة الاستبداد، التخلف، الجهل، الإلحاق، والتبعية، سواء في فترة هيمنة السلطة العثمانية الاستبدادية، أو إبان السيطرة الاستعمارية (الكولينيالية) الغربية ألتي أضفت مسحة حداثية شكلية وفقاً لمصالحها وهو ما انعكس في تخلف البنية التحتية التي تشمل العلاقات الاقتصادية، الإنتاجية، والاجتماعية، واستمرار تأثير التكوينات القبلية، العشائرية، والطائفية التقليدية الراكدة والمحافظة بطبيعتها. أدى ذلك إلى هشاشة وضعف وهامشية الطبقات الاجتماعية الحديثة (برجوازية وطنية، طبقة عاملة، وطبقة وسطى) التي تشكلت لاحقاً، وتصدر الشرائح الطفيلية من البرجوازية الوسيطة (الكمبرادورية) والبرجوازية البيروقراطية التي استفادت واغتنت من تحكمها في مكونات السلطة والقوة والثروة، كما نشير إلى جوهر البنية الفوقية ألتي تشمل أنساق السلطة للدولة الاستبدادية/ الرعوية وطبيعة الوعي الاجتماعي، المعرفة، الثقافة، والأفكار التقليدية السائدة. يتعين هنا تسليط الضوء على العلاقة الملتبسة والمتناقضة التي حكمت الواقع العربي منذ بدايات عصر النهضة العربية (في منتصف القرن التاسع عشر وحتى خمسينات القرن الماضي) إزاء إشكالات لم يجرِ حسمها حتى وقتنا الراهن رغم تأثيرها الحاسم، على غرار الموقف من الأصالة والمعاصرة، القديم والحديث، النقل والعقل، المحلي والوافد، الوطني والإسلامي والكوني، والشورى والديمقراطية. كما نقف عند ظاهرة رسوخ الحكم الاستبدادي في سياق إجهاض المشروع العربي النهضوي والتوجهات الليبرالية والحداثية التي افتقدت حاملها الاجتماعي والسياسي، ما أدى إلى تغوّل الدولة وارتفاع منسوب القمع والإرهاب السلطوي الذي أدى إلى تغييب عشرات الآلاف من المناضلين ورجال الفكر والثقافة عن طريق القتل والاغتيال والسجن أو الصمت والاغتراب الداخلي، واضطرار الملايين إلى الهجرة والعيش في المنفى هروباً من واقعها المزري وبحثاً عن الرزق والأمن، في حين اختار قسم من النخب وخصوصاً في العقود الأخيرة التماهي والتبعية للنظم العربية الحاكمة، والانضواء تحت هيمنها وتجاهل استبدادها وفسادها، وذلك تحت مختلف الذرائع التي من بينها الحديث عن الخصوصية (الدينية، الاجتماعية، والثقافية) ومحاربة التطرف والإرهاب في الداخل والتصدي لمخاطر المؤامرات والتدخلات الغربية والصهيونية في الخارج، ما ساهم في ترميم وتدعيم «شرعياتها» المتداعية والمستهلكة وعلى نحو أشد فظاظة مقارنة بالنصف الأول من القرن الماضي، وذلك من خلال قوانين الطوارئ وأمن الدولة والأحكام العرفية التي أتاحت للنخب الحاكمة إحكام قبضتها الحديدية عبر الأجهزة الأمنية المتغولة التي صادرت المجتمع ومؤسساته الأهلية والمدنية وعملت على تغييب مفهوم الدولة - الأمة القائم على التعاقد الاجتماعي/ الدستوري بين السلطة والشعب، الذي يضمن احترام حقوق الإنسان، والمشاركة الشعبية والتداول السلمي للسلطة، وترسيخ مفاهيم الحرية والمواطنة والمساواة والعدالة للجميع. في الواقع ليس غالبية النظم العربية تفتقد إلى التقاليد الديمقراطية والمدنية فقط، بل يشمل ذلك غالبية النخب والتيارات السياسية والفكرية على اختلاف توجهاتها ومرجعياتها في الآن معاً، والتي تفتقر إليها على الصعيد العملي بغض النظر عن شعاراتها وبرامجها المعلنة، ونتلمس ذلك في بنيتها التنظيمية الداخلية وفي علاقاتها مع التكوينات الأخرى المغايرة حيث الفوارق بينها ضئيلة على هذا الصعيد. السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الديمقراطية ظلت عصية في العالم العربي؟ وهل يعود ذلك لعوامل سياسية واقتصادية وثقافية موروثة وراسخة طبعت المجتمع والإنسان العربي بالثبات والجمود ورفض التغير، أم يعود ذلك إلى استبداد الأنظمة العربية وتبعيتها للخارج وسيطرة الإمبريالية على مقدرات الأمة؟
تظل هذه التوصيفات والتفسيرات وإن كانت صحيحة، إلا أنها لا تعطي تحليلاً إجمالياً وشاملاً في توصيف الأزمة وتحديد ملامحها ومظاهرها، وبالتالي تلمس طريق الخلاص والتجاوز. وهو ما يؤكد الحاجة المشتركة إلى تملك واستعادة الوعي الموضوعي والتاريخي بجوهر الأزمة ومعضلات الواقع وبما يساعد على فهمه وتحليله، ومن ثم تغييره عن طريق إرساء مشروع نهضوي جديد يستمد عناصره من مجموع قوي وأطروحات التجديد والتغير الاجتماعي من دون استثناء، ما يتطلب الانفتاح والقبول والتسامح المتبادل من قبل الجميع، بأمل الوصول إلى تحديث الذات والهوية الوطنية، القومية، والإسلامية، وتأصيل مفاهيم الحداثة والعقلانية والحرية والديمقراطية. يقول المثل الصيني «هناك مشكلة عويصة ولكن أيضاً فرصة سانحة للأفضل ."



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - اليوم العالمي للديمقراطية