|
نقد العلمانية (1)
محمد المثلوثي
الحوار المتمدن-العدد: 2826 - 2009 / 11 / 11 - 22:53
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مدخل عام: تفترض العلمانية انفصال الدولة عن الدين، أي تحويل السياسة إلى مجال خاص بالدولة وإحالة الدين إلى المجال الشخصي، مجال المواطن الفرد. الدولة من هذا المنظور تأخذ موقع الحياد في علاقة بالمعتقد الديني الشخصي على أن تسلبه القدرة على التطلع إلى المجال السياسي الذي تحتكره. فالعلمانية لا تعارض الدين إلا بصفته مشروعا سياسيا: الدولة الدينية. من هنا يتضح أن العلمانية تفترض ثنائية داخل المجتمع: الحياة السياسية في مقابل الحياة الدينية. في الحياة الأولى يتم الاعتراف بالفرد فقط بصفته مواطن الدولة، وفي الحياة الثانية بصفته متديّن مستقل عن الدولة. فالإنسان يعيش حياتين، واحدة بصفته عضوا في المجتمع السياسي ويخسر بمقتضاها صفته الدينية، وواحدة بصفته العقائدية ليخسر أي امتياز في علاقة بالدولة. اليساريون عموما يواجهون الدين بالعلمانية، بمحاولة جعل الدين شيئا شخصيا ورفض الاعتراف بمواطنته الدينية. فهم يطالبون بحرية المعتقد، على أن يكون هذا المعتقد بلا أي طموح سياسي، أي أن لا يكون سلطة سياسية متديّنة تدير المجتمع السياسي وفقا لمعتقدها. تنطلق العلمانية إذا من أن التحرر يكمن في تحرير الدولة من الدين، الأرض من السماء، الدُّنيوي من الديني، العقل من اللاعقلانية. لكن هذا التحرير لا يعني إلغاء الدين بل نفيه في حدود الدائرة الشخصية، إبعاده إلى الفضاء الفردي، أو مثلما يقول ماركس "أن التحرر السياسي من الدين يدع الدين قائما ولكن دون امتيازات". وما هي هذه الدولة المتحررة أخيرا من الدين؟ إنها الدولة الخالصة، الدولة الدُّنيوية، الدولة المُدنَّسة. وهي إذا السلطة السياسية الخالصة، أي إدارة المجتمع عبر سلطة من داخل المجتمع نفسه لا من خارجه، إلغاء سلطة السماء من أجل تثبيت سلطة الأرض، استبدال الشرعية المستمدة من الإله بشرعية مستمدة من الوجود البشري نفسه. لكن ما هو هذا الوجود البشري الذي ستستمد منه السلطة الدُّنيوية شرعيتها بعد أن تكون قد أطاحت بالشرعية الإلهية؟ انه المجتمع نفسه. فلنذهب إذا إلى هذا المجتمع حيث لا تجد الدولة "العلمانية" سرها فيه فحسب، بل تجد أيضا شروط وجود نقيضها الصوري: الدولة الدينية، ونقيضها الفعلي: اللاّسلطة. الشرط التاريخي للدولة هو الملكية الخاصة، فالأولى ظهرت كتعبير عن ظهور الثانية ومنذ ذلك العصر أصبح وجودهما الثنائي المتلازم تعبيرا عن أن الواحدة تجد سر وجودها في الثانية، فالدولة لا توجد إلا لحماية الملكية الخاصة، مثلما أنها تجد في الملكية الخاصة قاعدتها المادية، والملكية الخاصة لا يمكن لها أن تستمر إلا بحمايتها من طرف الدولة. لكن رغم أن كل واحدة منهما تشترط الأخرى ويرتهن مصيرها بها إلى حد يمكن القول فيه أن الدولة هي دولة الملكية الخاصة، رغم ذلك وبسبب ذلك أيضا تظهر الدولة والملكية الخاصة كنقيضان. إذ تقوم الدولة على اعتبار أنها فوق الملكية الخاصة وأنها دائرة مستقلة عنها. فالملكية الخاصة من منظور الدولة لا تملك امتيازا خاصا. فالدولة تحمي حرية الملكية، لكن الملكية الفردية لا تمنح لصاحبها أي امتياز حقوقي باستثناء حق الملكية نفسه وحق التفريط في تلك الملكية (البيع والشراء). وملكية الدولة هي النقيض الحقوقي للملكية الفردية، إذ أن ملكية الدولة هي حقوقيا ملكية كل المجتمع أي هي ليست ملكية أحد. من هنا ايضا يمتلك الإنسان وجودين داخل المجتمع واحد كمواطن سياسي لا يملك بصفته تلك أي امتياز في علاقة بالملكية الخاصة، ووجود نقيض هو وجوده كممثل حقوقي للملكية، وهو في هذا الوجود يتمتع بكل امتيازات الملكية (الربح، الثروة...الخ) لكن بدون أي امتياز في علاقة بالدولة. لكن هذا الوجود الظاهري المستقل للدولة عن الملكية الخاصة ليس سوى تعبير عن ظهور تناقض فعلي بين المصلحة الخاصة للأفراد وبين المصلحة العامة المتوهمة، أو بتعبير آخر، التناقض بين المصالح الحيوية الإنسانية للفرد الواقعي وبين الملكية الخاصة كوجود مستقل ومعادي لتلك المصالح إذ (وبفضل هذا التناقض بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة على وجه الضبط، تتخذ المصلحة العامة بصورة الدولة شكلا مستقلا مفصولا عن المصالح الفعلية سواء المنفردة أم المشتركة، كما تتخذ شكل وحدة وهمية –ماركس-) وهذا الواقع إنما هو نتيجة أن المجتمع يتحرك ويتطور ليس من خلال نشاط اجتماعي واعي بل بصورة عفوية، فتقسيم العمل الذي هو الأساس الذي تنبني عليه أشكال تطور الملكية الخاصة إنما يتبدل ويتغير ليس وفقا لعملية اجتماعية منظمة وواعية بل انطلاقا من التطور العفوي لقوى الإنتاج وهو ما يقود حتميا إلى التناقض بين المصلحة الخاصة وبين المصلحة العامة الشيء الذي استوجب تاريخيا (التدخل العملي وكبح المصالح المتميزة بواسطة مصلحة "عامة" وهمية تبرز بصورة الدولة –ماركس-) ذلك أنه (مادام الناس موجودين في مجتمع يتكون بصورة عفوية، ومادامت توجد بالتالي قطيعة بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ومادام تقسيم العمل يتحقق بالتالي لا طوعيا واختياريا بل عفويا، فان عمل الإنسان، عمله بالذات، يصبح بالنسبة له قوة غريبة ومعارضة له تضطهده عوضا عن أن يسيطر عليها –ماركس-). هكذا يتبين أنه رغم الوجود الظاهري المستقل للدولة، فإن جوهرها التاريخي هو الملكية الخاصة، إذ أنه ومنذ أن ظهرت جماعة داخل المجتمع تستأثر بوسائل الإنتاج وبالجزء الأعظم من الثروة الاجتماعية، ظهرت أيضا السلطة التي ستجسد هذا الانقسام المجتمعي بين طبقتين وتحميه، السلطة التي ستكون أداة سيطرة تلك الفئة الاجتماعية على بقية المجتمع وإجباره على الخضوع لها وتنظيم الإنتاج الاجتماعي تحت إمرتها ولصالح إعادة إنتاج سيطرتها تلك. ولم يكن سقوط طبقة اجتماعية، واستبدال سيادتها بسيادة طبقية أخرى، سوى استبدال لشكل الدولة وفقا للمقتضيات الجديدة لتلك السيطرة الطبقية بالذات، أي وفقا لتطور أشكال ظهور الملكية الخاصة. وهكذا، وبتعاقب المجتمعات الطبقية كانت الدولة تغير من جلدها لتحافظ على جوهرها: حماية الملكية الخاصة. لكن هذا الجوهر التاريخي للدولة الذي لاحق البشرية لآلاف السنين، والذي يحوم فوق المجتمع كروح ميتافيزيقية، ولم تقدر الثورات والهزات الاجتماعية والحروب الضارية وانهار الدم التي أهرقتها الأجيال المتعاقبة على زحزحته، هذا الجوهر التاريخي صار في أذهان الناس، كما في واقعهم المادي جوهرا لاتاريخيا متعاليا، وصار تاريخ الدولة هو تاريخ الوجود الطبيعي للإنسان، وبذلك صار مجالها هو الطبيعة الإنسانية لا التاريخ البشري. لكن هذا التطبيع لوجود الدولة لا يجد سره في التكرار التاريخي فحسب، بل في الملكية الخاصة ذاتها التي تظهر هي أيضا بمثابة شيء طبيعي لا تاريخي. فمنذ أن صار الذين ينتجون الثروة لا يملكونها، بينما الذين لا ينتجون هم من يملك الثروة، صارت الثروة (متحولة إلى ملكية خاصة) تواجه منتجيها كوجود مستقل عنهم، كقوة لإرغامهم على مزيد مراكمتها (الشيء الذي ينتجه العمل، إنتاجه الخاص، يواجهه ككائن غريب، كقوة مستقلة عن المنتج -ماركس-)، ومن يملك هذه القوة كأنما هو امتلك قوة سحرية تجعل منه ساحرا لا مالكا لقوة السحر فحسب. ومثلما أصبح للثروة وجودا خاصا، وطبيعة خاصة، فان سلطتها السحرية قد ظهرت في شكل سلطة سياسية، في شكل الدولة. لذلك ظهرت الدولة كوجود مستقل عن المجتمع، وكوجود طبيعي(1). وما كان ممكنا انكشاف حجابها الطبيعي، وبروز حقيقتها التاريخية إلا بظهور وجود اجتماعي يحمل في ذاته نقيض الملكية الخاصة، نقيض الثروة، وبالتالي نقيض الدولة (عندما تطالب البروليتاريا بإلغاء الملكية الخاصة، فإنها لا تفعل سوى أنها تنادي بأساس للمجتمع ما جعله المجتمع أساسا لها، وهو ما تمثله البروليتاريا دون إرادة منها ، من حيث كونها الحصيلة السلبية للمجتمع –ماركس-). ومع بروز هذا الكائن الاجتماعي، انقشعت غمامة السحر وظهر في المجرى التاريخي أن هذا الساحر ليس بساحر إلا بامتلاكه لقوة السحر تلك: الملكية الخاصة. ومثلما أنه لا يمكن التمييز بين الساحر وقوة السحر إلا بكشف اللعبة السحرية نفسها، وتحويل الساحر إلى بهلوان، فانه لا يمكن التمييز بين الدولة والملكية الخاصة (قوة سحر الدولة) إلا بكشف اللعبة التاريخية التي جعلت من الملكية الخاصة قوة سحر واستعباد، وإبراز حقيقة الدولة كخادم ذليل لها. إن ظهور فئة اجتماعية (البروليتاريا الحديثة) يمثل وجودها النقيض المادي للملكية الخاصة وبالتالي للدولة لم يفضح السر الدنيوي للدولة فحسب، بل أعتق الدنيوي من إطلاقيته بتحديده وتعيينه التاريخي في الملكية الخاصة. وهكذا، إذا كانت الخطوة الأولى في النقد أن نعيد الدولة من السماء إلى الأرض، من المقدس إلى المدنس، من الدين إلى الدنيا (وقد أنزلت الجمهورية البورجوازية إلى الأرض ما كانت (المڵكية) ترفعه إلى السماء واستعاضت عن أسماء القدّيسين بالأسماء البورجوازية الخالصة للمصالح الطبقية السائدة –ماركس-) فإن الخطوة الثانية والحاسمة هي أن نخلص التاريخ من التطبيع، أي أن نرى في "الأسماء البورجوازية" وجودا تاريخيا عابرا، أن نواجه الأرض البورجوازية بعد أن صفت هذه الأخيرة حسابها مع سماء الإقطاعية، أن نواجه الجمهورية البورجوازية بعد أن صفت هذه الأخيرة حسابها مع المڵكية. وبالنسبة للمجرى التاريخي فانه، وفيما توصلت الطبقة البورجوازية إلى نزع الحجاب عن الدولة وإنزالها المذل من صفاء الطبيعة السماوية إلى لوثة الطبيعة الإنسانية (العلمانية)، فان ظهور طبقة البروليتاريا قد أزاح الدولة من دائرة الغريزة البشرية إلى دائرة الوجود التاريخي العابر (الشيوعية).
إذا، وبعد ما تكشف لنا سر وجود الدولة، بقي علينا الآن أن نبحث عن سر وجود الدين.
يكمن الفرق بين الدين الطبيعي والدين المجرد (الأديان التوحيدية مثلا) وبين الإله المجسد في عناصر طبيعية والإله المجرد، في العلاقة بين الإنسان والطبيعة. ففيما كان الدين الطبيعي تعبيرا عن علاقة مباشرة تربط الوجود الاجتماعي للإنسان بالطبيعة باعتبارهما وحدة عضوية متلاحمة، فان الدين المجرد تعبير عن الانفصال بين الإنسان وقواه الاجتماعية وظهورها كوسيط مستقل بذاته في تلك العلاقة.أي انفصال قوى الإنسان الاجتماعية عن وجوده الطبيعي والحيوي. الدين عند إنسان الشيوعية الأولى كان تعبيرا عن العجز عن السيطرة على القوى الطبيعية التي تواجهه، لكنه في المقابل كان تعبيرا عن الطابع المباشر والحميم لتلك العلاقة. ولم يكن الإنسان يواجه الطبيعة المحيطة به كفرد منعزل بل كمجموعة اجتماعية موحدة ومتماسكة، لذلك يمكن اعتبار هذا الدين الطبيعي غير تأملي، بل هو حسي وإنساني، لا تجد فيه الطقوس والمعتقدات والشعائر أي وجود غريب، مستقل عن الحياة الاجتماعية نفسها، بل باعتبارها تجسيدا للوحدة الاجتماعية ولوحدة الجماعة الإنسانية مع تلك الطبيعة وان بشكل صراعي. من هنا نخلص إلى أننا نستطيع تصنيف هذا الدين الطبيعي في خانة ما قبل الدين (من حيث الماهية وليس من حيث الزمن التاريخي)، فهو لا يجرد الطبيعة ولا الوجود الاجتماعي في قوى غير متعيّنة، بل هو يحاول أنْسنة الطبيعة في ظل غياب الشروط التاريخية للسيطرة عليها. من المهم أن نبرز هذا الطابع الغير مجرد للدين الطبيعي، وتمييزه عن الدين المجرد. والاختلاف النوعي في طابعهما الاجتماعي. ذلك أن أهم خطأ يرتكبه اليساريون عموما هو إرجاع شجرة نسب الدين إلى العلاقة بين الإنسان والطبيعة بغض النظر عن الطبيعة الاجتماعية التاريخية التي تتخذها تلك العلاقة(2)، وهذا ما من شأنه أن يلف بالغموض جوهر الدين نفسه. فشجرة نسب الدين المجرد الفعلية هي القوى الاجتماعية الغامضة التي تواجه الإنسان، والتي تقف كواسطة في العلاقة بينه وبين الطبيعة، أي بينه وبين نفسه، وليس القوى الطبيعية بمعزل عن الوجود الاجتماعي البشري. بالطبع ليس هذا الفرق بسيطا أو فرعيا بل يحمل في طياته موقفا طبقيا، حيث فيما تعتبر البورجوازية (العلمانية) أن التحرر من الدين يكمن في السيطرة على القوى الطبيعية (العلوم الطبيعية، التكنولوجيا، الصناعة....)، وبالتالي ضرورة وجود دولة قوية متحررة من السلطة الدينية، فان ما برز مع ظهور البروليتاريا هو أن التحرر من الدين يكمن في السيطرة على القوى الاجتماعية والتحرر من الدولة نفسها. وما كان ذلك ممكنا إلا لأن التطور التاريخي للملكية الخاصة نفسها قد خلق كل الشروط المادية لتجاوزها. فالمادية البورجوازية تعترف بأن الدين هو من إنتاج الإنسان لكن بصفته طبيعة إنسانية (الدين من زاوية الأنثروبولوجيا) (3)، بينما تقوم المادية الشيوعية على اعتبار الدين كمنتج تاريخي، أي أن الدين ليس موضوعة فردية منعزلة (خوف الإنسان من القوى الطبيعية) بل موضوعة اجتماعية (الديني اجتماعي وليس بفردي). فالدين المجرد لم يظهر إلا بوصول وسائل إنتاج الحياة المادية للمجتمع إلى درجة من التطور سمح من جهة ببروز إمكانيات سيطرة المجتمع الإنساني على الطبيعة وتوجيهها في خدمته، وهذا ما انجر عنه فقدان تلك الآلهة الطبيعية لوظيفتها الاجتماعية، وسمح من جهة أخرى ببروز علاقات إنتاج تقوم على ملكية جزء من المجتمع لتلك الوسائل وفقدان الجزء الآخر (كليا أو جزئيا) لها. كذلك بروز القوى الاجتماعية كعناصر خارجية مجردة، وبالتالي تحولها في الوعي الاجتماعي إلى قوى سماوية مجردة، إلى دين مجرد. يتضح مما سبق أن الدولة كما الدين المجرد لا يهبطان من أشكال الوعي السياسي أو من سماء الايدولوجيا، بل يصعدان من أرض تطور أشكال وجود الملكية الخاصة وتحولها التاريخي إلى قوة سياسية مستقلة، تقف بين الإنسان ووجوده الإنساني الحقيقي ككتلة اجتماعية موحدة ومتماسكة. وإذا كان الأب الشرعي المشترك لهما هو أرض الحياة المادية وليس سماء الإيديولوجيات الدينية، فان الدولة الدينية تصبح كلمة بلا معنى، ولا وجود لها إلا في الأذهان الإيديولوجية، مثلها مثل ذلك الدين الشخصي الذي يسكن الضمير الفردي بدون أن يمارس سلطة دنيوية، ذلك الدين المطهر من السياسة. فالدولة دنيوية بالضرورة حتى وان ادعت أنها دينية مثلما أن الدين ملطخ بدنس المصالح المادية حتى وان ادعى العفة الشخصية(4). من هنا يظهر أن التحرر الذي تناضل من اجله العلمانية (فصل الدين عن الدولة) لا ينطلق سوى من الوهم بأن للدين كما للدولة السياسية وجود وتاريخ مستقل سواء بعضهما عن بعض أو كلاهما عن الوجود المتناقض للمصالح الطبقية ومستويات تطوره التاريخي. وفيما هو يحاول أن يطهر الدولة من الدين والدين من لوثة السياسة، إنما هو في حقيقة الأمر يترك جانبا أساس الاستعباد: الملكية الخاصة. التحرر الفعلي إذا عليه أن يتجه صوب الملكية الخاصة نفسها وليس ضد الأشباح السياسية والإيديولوجية التي تنتجها، لكنه في طريقه نحو إلغاءها يجد نفسه مضطرا إلى مواجهة الدولة والدين كقوى مادية. وعلى نقيض العلمانية فان الشيوعية تضع تحررها ليس في تحرير الدولة من الدين بل في تحطيم الدولة (حارس الملكية الخاصة). إن (تحرر الدولة من الدين ليس هو تحرر الإنسان الحقيقي–ماركس-) بل إن التحرر الإنساني الحقيقي يكون (حين يستعيد الإنسان ، الفرد الحقيقي المواطن المجرد إلى ذاته ويكون قد أصبح كانسان فرد في حياته التجريبية، في عمله الفردي وعلاقته الفردية كائنا نوعيا وحسب، حين يكون الإنسان قد تعرف على قواه الخاصة كقوى اجتماعية ونظمها فلا تنفصل القوة الاجتماعية في هيئة قوة سياسية، عندها فقط يكون التحرر الإنساني قد تحقق–ماركس-).
(1) بتطور الملكية الخاصة وتحولها، خاصة بظهورها في شكل رأس المال، إلى وجود غير مُشخْصن (impersonnel)، تطور الشكل الغير مُشخْصن للدولة، ليصل إلى أقصاه ممثلا في الجمهورية الديمقراطية وحق الانتخاب العام (أليست الملكية الخاصة في وضع نموذجي حين يكون من لا يملك قد أصبح المشرع للمالك؟ والانتخاب العام هو آخر شكل سياسي يمكن أن يعترف بالملكية الخاصة–كارل ماركس-) وهذا في الواقع ما دعم بروز الدولة في مظهر كيان مستقل عن المجتمع، وفي مظهر أداة محايدة قابلة لأن تستعملها هذه الطبقة أو تلك: البورجوازية كما البروليتاريا. وهذا هو منطلق مفهوم الدولة العمالية، أي الدولة في خدمة الطبقة العاملة (الدولة بدون الملكية الخاصة وبدون العمل المأجور)، وكأنما الدولة يمكن لها أن تواصل وجودها بدون الشروط المادية التي تنشئها. (2) وهم في ذلك لا يتجاوزون فيورباخ الذي يقول: "إن وجود الله أو بالأحرى الاعتقاد في وجوده ليس مبنيا إلا على وجود الطبيعة" وأن "الطبيعة هي المصدر الوحيد والأخير للدين". (3) "الأنثروبولوجي هو سر (حقيقة) اللاهوت، أي أن جوهر وحقيقة الدين ومعناه الباطني العميق هو الجوهر الإنساني" (فيورباخ). (4) اليسار عموما يحارب الدولة الدينية من أجل الدولة المدنية بدون أن يدرك أن تدين الدولة هو من صلب دُنيويتها. ويحارب الدين السياسي (الإسلام السياسي) بدون أن يدرك أن تسّيس الدين هو في صلب تدينه حتى وان أنكر عن نفسه ذلك. فمثلما أن الدولة دُنيوية بتدينها فان تسّيس الدين هو في صلب ماهيته (الدُنيوية بالطبع). هذا التعارض الوهمي الذي يقيمه اليسار بين الدولة الدينية والدولة المدنية قاده إلى اعتبار الانتفاضة الأخيرة في إيران مثلا كمواجهة ضد الدولة الدينية (الملالي) والإسلام السياسي بدون أن يرى فيها مواجهة البروليتاريا لدولة رأس المال.
#محمد_المثلوثي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس والماركسية
-
ايران: الثورة، ومحاولات الالتفاف
المزيد.....
-
عفو «رئاسي» عن 54 «من متظاهري حق العودة» بسيناء
-
تجديد حبس المهندس المعارض «يحيى حسين» 45 يومًا
-
«نريد حقوق المسيحيين» تظاهرات في سوريا بعد إحراق «شجرة كريسم
...
-
متضامنون مع المناضل محمد عادل
-
«الصيادون الممنوعون» في انتظار قرار مجلس الوزراء.. بشأن مخرج
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// في خدمة الرجعية يفصل التضامن م
...
-
جريدة النهج الديمقراطي العدد 585
-
أحكام ظالمة ضد مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجبهة تند
...
-
السيد الحوثي: العدو اعتدى على متظاهرين بسوريا واطلق عليهم ال
...
-
سلطات مدينة إيربيت الروسية تقرر نزع ملابس -ديد ماروز- عن تمث
...
المزيد.....
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
المزيد.....
|