|
قطار -الخصخصة- وصل إلى تاريخ الحركة الوطنية!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2824 - 2009 / 11 / 9 - 16:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
"الحسنة" .. مكان فى سيناء لم يكن معظم المصريين يعرفون عنه شيئاً إلى أن قام رجل الأعمال حسن راتب بإقامة احتفال فى هذه البقعة المجهولة من أرض الوطن الأسبوع الماضى دعا إليه عدداً معتبراً من الاعلاميين والصحفيين والفنانين، وللأسف الشديد لم تسمح ظروف عملى بتلبية الدعوة. والأسف ليس فقط على عدم التمكن من الانضمام إلى الزملاء الذين ذهبوا إلى "الحسنة"، وإنما على أمور كثيرة أهم. *** أول ما يستوجب الأسف هو الذاكرة الوطنية المثقوبة، التى تسقط منها أحداث عظيمة لا يجوز أن تضيع أو تنزوى أو تتضاءل أهميتها بمرور السنين، بل يجب أن تتناقلها الأمة جيلاً بعد جيل. من هذه الأحداث العظيمة التى لا يجوز نسيانها بأى حال من الأحوال موقف شيوخ قبائل سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى بعد هزيمة 5 يونيه 1967، وبالتحديد فى 30 أكتوبر 1968، عندما جمعهم وزير الحرب الإسرائيلى موسى ديان فى منطقة "الحسنة"، وتعمد حضور وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية لينقلوا إلى العالم وقائع هذا الاجتماع المدبر بعناية، والذى قدم فيه ديان لشيوخ قبائل سيناء عرضا "مغريا" بمكافآت سخية ومزايا خيالية لأبناء سيناء إذا اعلنوا موافقتهم على تدويل سيناء وانفصالها عن مصر. لكن السحر انقلب على الساحر، حيث فوجئ ديان بالشيخ "سالم الهرش" يقف بشجاعة منقطعة النظير ويقول له على الملأ: إن سيناء كانت وستظل جزءاً لا يتجزأ من مصر، وأن بدو سيناء لا يعرفون رئيساً لهم سوى جمال عبدالناصر، وأن من يريد التفاوض على أى شئ يتعلق بسيناء عليه أن يخاطب جمال عبدالناصر وليس أحداً آخر. هذا الموقف البطولى فى مواجهة موسى ديان وقوات الاحتلال لم يسفر فقط عن إحباط مؤامرة إسرائيلية استعمارية خبيثة لفصل شبه جزيرة سيناء عن الوطن الأم، وإنما كان أيضاً بمثابة قوة دافعة لحرب الاستنزاف المجيدة التى مهدت الطريق للعبور العظيم فى حرب 6 أكتوبر 1973. لكن رغم أهمية الحدث فإن المؤسف أنك لو سألت الثمانين مليون مصرى عنه لن تجد من يعرفه أو يتذكره سوى عشرات أو مئات! *** ثانى ما يستوجب الأسف أن الخطأ الأول – بل الخطيئة الأولى – المشار إليها فى السطور السابقة لم تستمر سنة او سنتين أو ثلاثة بل استمرت أربعين سنة متصلة جاءت خلالها حكومات وذهبت حكومات ولم تتذكر واحدة منها هذه الوقفة الوطنية التى تشبه وقفة أحمد عرابى فى مواجهة استبداد الخديوى. *** ثالث ما يستوجب الأسف أنه بعد أن التقط الدكتور حسن راتب بداية الخيط وقام بتسليط الأضواء على "واقعة الحسنة" صنعت الحكومة أذناً من طين وأخرى من عجين وتركت له مهمة تخليد ذكراها. ومع أن الدكتور حسن راتب يستحق الشكر على ذلك – وعلى دوره الاجتماعى والعلمى والاقتصادى فى سيناء عموماً – فإنها المرة الأولى التى نسمع فيها عن دولة من دول العالم تترك مسئولية إحياء وتخليد مناسبة وطنية لرجل أعمال، وكأنها تسعى إلى "خصخصة تاريخها". *** رابع ما يستوجب الأسف أن تجاهل واقعة الحسنة – رغم أهميتها – ليس هو وجه التقصير الوحيد للحكومات المتعاقبة منذ تحرير سيناء وعودتها إلى أحضان الوطن، بل إن قائمة التقصير طويلة ومفزعة. ويكفى أن نشير إلى الخطط التى أعلنت عنها حكومات متعاقبة والتى تعهدت فيها بـ "تعمير" سيناء، ومرت السنين ولم يتحقق من هذه الخطط سوى النذر اليسير. ويكفى ان نتذكر أنه وفقاً لهذه الخطط الرسمية كان من المفروض أن يكون فى سيناء اليوم أربعة ملايين نسمة. لكن الواقع يقول لنا أن عدد سكان سيناء طبقاً لآخر إحصاء لا يصل إلى نصف مليون نسمة. ويكفى كذلك أن ننظر إلى خريطة الاستثمار فى شبه جزيرة سيناء، فلن نجد إلا مشروعات سياحية فى جنوب سيناء، أما الشمال والوسط فليس فيهما شيئاً يذكر سوى استثمارات حسن راتب وبعض المنشآت المتوسطة والصغيرة، مع أن المنطقة زاخرة بالثروات والامكانات الطبيعية التى يمكن أن نقيم عليها مدنا صناعية متكاملة. حتى الزراعة.. تعطلت تنميتها وتعطل استصلاح مئات الآلاف من الأفدنة، وترعة "السلام" التى تم حفرها وإنفاق ا لملايين على تجهيزها جرى تغيير مسارها الأصلى الأنسب فى وسط سيناء، إلى مسار متاخم للبحر المتوسط كان ولا يزال موضع اعتراض الغالبية الساحقة من الخبراء والمختصين. ولم يستكمل على اى حال وبأى كيفية. ليبقى الحال على ما هو عليه حيث مازالت الأرض الصالحة للزراعة تنتظر مياه الرى.. بلا جدوى. *** خامس ما يستوجب الأسف أن "الإعلام" نافس الحكومات التى تعاقبت منذ تحرير أرض الفيروز عبر الأربعين عاما الماضية، فى إهمال سيناء. وتحول الاهمال فى بعض الأحيان إلى جرائم فى حق إخوتنا أبناء سيناء. حيث شكك البعض فى وطنيتهم والصق بهم البعض الآخر اتهامات ظالمة بلاسبب سوى الكسل المهنى والجهل النشيط. ونتيجة هذا الأداء الاعلامى الردئ لم نعد نسمع شيئاً عن سيناء إلا فى الاحتفالات بعيد تحريرها واجترار نفس الشعارات وترديد نفس الأغانى والأناشيد. المناسبة الثانية التى يتذكر فيها الإعلام المواطنين المصريين أبناء سيناء هى وقوع مشاكل أمنية بهذه البقعة الغالية من أرض الوطن. وعادة ما يكون تناول الإعلام لها سطحياً ومفتقراً إلى تعقب الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية الأعمق. *** لكل ما سبق.. وبقدر سعادتى لتذكر "واقعة الحسنة" والاحتفاء بأبطالها – ولو متأخراً جداً – وبقدر شعورى بالامتنان لرجل أعمال مصرى لتسليطه الأضواء على هذه المناسبة الوطنية التى تجاهلتها الحكومات المتعاقبة منذ أربعين عاماً.. بقدر شعورى بالأسف لاستمرار إهمالنا المزرى لأرض الفيروز التى يتلمظ الإسرائيليون للعودة لاحتلالها بصورة أو أخرى، ولا يخفون هذه النوايا الاستعمارية الوقحة بل يكتبون عنها دراسات وتقارير تسد عين الشمس.. بينما نحن نائمون فى العسل.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنيسة -الوطن-.. أم حائط مبكى -الطائفة-؟!
-
نريدها دولة -طبيعية-.. هل هذا كثير؟!
-
التهمة هي انتهاك الحق في الصحة والحق في الحياة
-
مستقبل مصر: إلهام التاريخ وكوابح الحاضر
-
تبرع يا مسلم لبناء إنسان
-
لماذا يخاف 48 مليون مصرى من المستقبل؟!
-
محمد السيد سعيد: وكل هذا الحب.. وأكثر
-
موقعة ذات النقاب .. أهم من حرب 6 أكتوبر
-
صحافة الفضائح .. وفضائح الصحافة
-
حديث ليس فى الرياضة: الأولمبياد يسبح فى »نهر يناير« البرازيل
...
-
اختفاء النصف السفلي لإنسان!
-
نظرية -المؤامرة- فى تفسير -نكسة- موقعة اليونسكو!
-
زيارة السفير الإسرائيلي.. بداية أم نهاية؟̷
...
-
العالم يتغير.. ونحن نائمون فى العسل!
-
يا دكتور حاتم الجبلى.. تكلم!
-
عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!
-
الحياة.. بدون محمود عوض!
-
الفتنة الصحفية.. الكبري!
-
حسب الله الكفراوى يتحدي .. فهل من مبارز؟!
-
العشوائيات .. بعيون غير عشوائية 2-2
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|