أحمد الجنديل
الحوار المتمدن-العدد: 2823 - 2009 / 11 / 8 - 11:10
المحور:
الادب والفن
خطواته تتسع نحو المقهى الصغير ، تدفعه رغبة جامحة للوصول إليه ، مبتغاه الحصول على قدح من الماء البارد ، الساعة تُعلن الواحدة ظهرا ، خرَجَ لسانه دون إرادته فمَسَحَ شفتيه ، أحسّ بجفافهما ، التفتَ إلى الشارع العريض ، كانت الشمس تغمره بحرارة لا تطاق ولا أثر للحياة فيه ، وضعَ قدمه على إسفلت الشارع ، لفحته موجة الريح اللاهبة وهي تطفح بذرات الرمال الجافة ، أزعجه كثرة اللسعات التي نالت وجهه ، وضعَ كفيّه على كامل وجهه واجتاز الشارع بصعوبة بالغة ، صفير الرياح يسلبه فرصة سماع أنفاسه اللاهثة ، وقعَ نظره من خلال تشابك أصابعه على الفندق الفخم الذي أمامه ، رآه أصفر اللون بفعل كثافة الغبار ، اجتهد في توحيد أفكاره ، أراد دفع عزيمته إلى أمام ، أن يعيد تجربة التماسك ، لم يفلح في كلّ ذلك ، اعتراه هاجس التشظي ، وجدَ رأسه فائضا عليه ولا يصلح حتى منفضة لأعقاب السكائر ، هواء بارد وصَلَه من الفتحة الأرضية لبوابة الفندق عند اقترابه إليه ، أراد الجلوس قليلا لعله يتوحد في هذا المكان ، فاجأه أحد حرّاس الفندق بإشارة جافة تأمره بالابتعاد ، استدار مسرعا إلى جهة الزقاق ، راوده الأمل من جديد بالوصول إلى المقهى ، دلف إلى الزقاق ، اصطدمت عيناه بواجهة المقهى المغلقة ، حاولَ البصاق عليها ، ليس في فمه ما يبصقه ، كان فمه محشوا بالجفاف ، بدأت الرياح تميل إلى الاعتدال ، لم يكن أمامه غير الرجوع ، اجتاز حاوية القمامة الإسمنتية ، مرّة أخرى قذفه الزقاق إلى الشارع العريض ، سيارة سوداء فارهة وحركة من حرّاس الفندق ، كان عليه التوقف ، حرس الفندق يتقافزون كالجرذان المذعورة ، فازَ أحدهم بفتح الباب ، نزلَ وجه ينضح بالعافية ، حملَ أحدهم مظلّة كبيرة فوق رأس القادم ، أحدهم شرّع باب الفندق ، ضحك ضحكة جافة وهو يقترب من صاحب الحفاوة ، بينهما ثلاث خطوات لا غير ، التقت نظراتهما داخل هذه المسافة القصيرة ، الضيف واقف كالطاووس ، أحسَ بظهره يأخذ استقامته ورأسه يتعالى بشموخ ، بدَتْ من الضيف ابتسامة جافة تلقفها بنظرة صارمة ، ابتعدت المسافة خطوات ، التفت الضيف إليه ، اكتست الريبة وجوه الواقفين ، ابتلع الفندق الجميع وأغلقت الأبواب ، ولم يعد أثر للحياة في الشارع العريض سوى ظهره المنتصب ورأسه المرفوع وسط محيط الجفاف .
#أحمد_الجنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟