غزة... الفردوس الموجود !!!

محمد جهاد إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 2823 - 2009 / 11 / 8 - 00:18
المحور: القضية الفلسطينية
    

في مثل هذا اليوم , وقبل 335 عاماً رحل عن عالمنا الشاعر الإنجليزي الكبير "جون ميلتون" , والذي طالما إرتبط اسمه برائعته الخالدة ( الفردوس المفقود ) . الموهوب ميلتون عاش في القرون الوسطى ومكث سنوات عديدة وهو ينظم قوافي قصيدته العملاقة ( الفردوس المفقود) , والتي أفرد لها عشرة مجلدات كاملة . ولكن إصرار ميلتون الجامح وعقيدته النصية الثابتة لم يختلفان في المجلد العاشر عنه في المجلد الأول !! .
لذلك نجد أن ميلتون قد أصر وبكل عناد على حقيقة واحدة وهي بكل بساطة أن (الفردوس مفقود وليس له وجود).
لكن الحظ لم يحالف ميلتون ليكون من سكان عالمنا في هذه الأيام ليتحقق من أن الفردوس الذي طالما أنكر وجوده ونفى كينونته أصبح ماثلاً أمام أعين البشرية جمعاء . أين ميلتون ليرى غزة تدحض تأملاته الباهتة و شبهاته الشعرية وأفكاره الوهمية !! .
لقد أصبحت غزة فردوس هذا العالم ودرة تاجه و صفوة بلاده منذ أن صارت قبلة للعاشقين ومرتع للمفكرين ونبراسا للحالمين !! .
أصبحت غزة تمثل نموذجاً قد يرقى إلى حد الكمال أو اليوتوبيا الرومانسية . وأصبحت الحياة في غزة تمثل نموذجاً يحتذى به من الرفاهية والرغد . فسكان غزة البالغ عددهم زهاء المليون ونصف المليون نسمة لا يعانون من أي مشاكل أو عقبات أو منغصات تفسد عليهم حياتهم ولا يعرفون طعماً للاكتئاب والهموم !! .
فلحد هذه اللحظة لم تصل لغزة مخالب وباء أنفلونزا الخنازير. بالأمس أعلنت منظّمة الصحة العالمية أن آخر التقديرات بشأن الضحايا تفيد بأن الوباء حصد نحو 6000 من الأرواح وبينت التقديرات ذاتها أن آثار المرض وصلت إلى نحو 200 دولة , أي كل العالم تقريبا .
ولكن تبقى غزة شيئا مختلف , فهي لم تسجل أياً من حالات الإصابة بالمرض حتى الآن . ذلك ليس لأنها جزيرة منعزلة في أعالي البحار أو في جنوب الباسفيك . ولكن كما تعلمون لأنها أرض الفردوس !! .
درج الجغرافيون على تقسيم الحدود إلى نوعين "سياسية" و "طبيعية" . ولكن حدود غزة مع مصر لا تمتثل لهذين النوعين من الحدود و ذلك بسبب وجود ال..... ,إذاً يا أيها السادة الجغرافيون ماذا نسمي حدود غزّة مع مصر ؟! .
بالتأكيد هي تحتاج إلى مصطلح جديد !! .
إذا كانت إنجلترا وفرنسا تزهوان وتفاخران بنفق القنال , فماذا تفعل غزة التي تجلس فوق 4000 نفق !! .
موطن بارز من مواطن الرفاهية في غزة يتجسّد في شبكة الأنفاق الأكبر في العالم والتي تعبر الحدود نحو مصر . في غزة يوجد ما معدله نفق لكل 400 مواطن , وهذه نسبة عالية تعكس مستوى الرفاهية الذي يحياه الغزّيون . هذه الأنفاق تنقل شتى أنواع البضائع سواء البترول أو المواد الغذائية أو الأدوات الكهربائية أو المواشي أو حتى الآدميين والحمير !! .
يسير المتجوّل في شوارع إشبيليه على وقع نغمات القيثارة , أما المتجول في شوارع غزة فيسير على وقع هدير الدرّاجات النارية والتي تمثل معلماً من معالم التقدم الغزّي !! . بالإضافة إلى ذلك ينبغي على المتجول في شوارع غزة أن يحصّن نفسه جيداً بأن يرتدي الملابس الداخلية الوثيقة والمتينة حتى لا ينفضح أمره أمام أعين المسعفين أو في ثلاجات الموتى التي تكون عادةً في الإنتظار !! .نسبة الدراجات النارية إلى عدد السكان في غزة هي دراجة نارية واحدة لكل 30 مواطن , وهي النسبة الأعلى في العالم .
كل الناس يصابوا بالذهول عندما يشاهدوا الزعيم العربي الشهير وهو يقوم بنقل خيمته المزركشة عبر طائرته الخاصة ويذهب بها فوق السحاب قاصداً جولاته الأوروبية المثيرة للجدل . خيمة واحدة يصطحبها القذّافي معه في رحلاته الأوروبية أدهشت كل العالم وخطفت الأضواء واسترعت كل الاهتمام . أما غزة فتعج بآلاف الخيام والتي تصل بنزلائها لأقصى درجات الرفاهية والمتعة والهناء . كل العالم يحسد غزة على خيامها الساحرة , فيكفي أنها تقي نزلائها شر الزلازل وتحميهم من هجوم طائرات الإيرباص المخطوفة !! .
لا تتوقف معالم التقدم والرفاهية في غزة عند الأنفاق أو الدراجات النارية أو الخيام , ولكن هناك الكثير من المعالم التي تلوح في الأفق وأبرز هذه المعالم ستظهر عندما تتوقف إمدادات البترول عن الوصول لغزة , حينئذ ستشاهدون السيارات تسير في شوارع غزة بشكل مدهش و مبهر ينال إعجاب كل أنصار البيئة حول العالم !! .
كل هذه المعالم و الظواهر لا تتحقق إلا في غزة وليس في سواها , أتعلمون لماذا ؟؟
بكل اختصار لأن غزة هي الفردوس !! .
لو كان ميلتون باقياً على قيد الحياة لترك لندن مسرعاً وأخذ زوجته ماري وذهب إلى غزة ليشبع فضوله ويردع غروره ويستكشف بكل لهفة الفردوس الموجود الذي طالما أنكر وجوده في قصيدته العملاقة وقال أنه مفقود !!!! .
[email protected]

#محمد_جهاد_إسماعيل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات