لبنى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 08:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من الطبيعي أن ترى بائع متجول بيشوي سحالي على الرصيف و يقلي أنواع أخرى من الحشرات الطائرة و الزاحفة لم أميز منها سوى الصراصير, و من المعتاد أيضا أن ترى فيل يسير في الشارع مع صاحبة تماماً كما تسير القطط و الكلاب عندنا فهذا أمر غير لافت للنظر كما أن نفس الكوافير للنساء و الرجال و دون أي فصل أو ساتر فلا توجد محلات مخصصة لكل جنس...اتحدث عن تايلاند حيث لا يعترف التايلانديين بفكرة الفصل العنصري لدرجة أن بعض دورات المياه مشتركة!!!
وجدت نفسي دون ترتيب في بانكوك عاصمة تايلاند و هي بلد لم أكن اعرف عنها شيئا سوى أنها في قارة آسيا فلم أكن أفكر قط في زيارتها أو حتى زيارة أي دولة أخرى حيث أنني شخصية لا تهوى التنقل و السفر و لو لمجرد السياحة و حتى عندما كان يطرح أحد أفراد اسرتي فكرة السياحة لم تكن تايلاند ضمن قائمة البلاد التي أتذكرها كوجهات سياحية و لكنه ترتيب القدر الذي أوصلني هناك بعد أن خضعت لرغبه أسرتي في قضاء أجازة مختلفة.
تايلاند أو مملكة تايلاند دولة سياحية من الطراز الأول طبقا لأعداد السياح الذين يتوافدون عليها سنوياً من مختلف الدول لدرجة أن هناك أربع طائرات يومياً تقلع إليها من مطار دبي على سبيل المثال و بالرغم من هذا فتجد جميع المقاعد محجوزة لأسابيع قادمة. عرفت من شركة السياحة أن بها عدة مدن و جزر سياحية و لكن لضيق الوقت وقع اختيارنا على العاصمة بانكوك.
بعد رحلة طيران طويلة نسبياً على الخطوط التايلاندية التي تمتاز بالحفاوة الشديدة و حسن الضيافة و الخدمة المتميزة ولكن يعيبها كثيرا ضيق الكراسي و قرب مسافة كل صف من الأخر و كأنها مصممة على مقاس أطفال أو المواطن التايلاندي النموذجي ضئيل الحجم, فبالرغم من نحافتي "المفترضة" إلا أن تلك الكراسي جعلتني اقتنع أن عليه أن افقد نصف وزنى فربما ارتاح في المرة القادمة و لكنه يظل مجرد احتمال حيث أنني لا اضمن أن تقصر قامتي للنصف أيضاً حتى تتناسب و المسافة بين صفوف الكراسي.... هبطنا في مطار بانكوك حيث صالة وصول مزدحمة و مكتظة بجنسيات كثيرة بالرغم من تواضع المطار نسبياً, مررنا فور خروجنا من الطائرة أمام كاميرات حرارية و هو إجراء يمنح السياح بعض الإحساس بالأمان خاصة و أن أجهزة هواتفنا النقالة التقطت في نفس اللحظة رسالة ترحيب بالإنجليزية من وزارة الصحة التايلاندية تؤكد علينا بعض الاجراءت الاحترازية من اجل الوقاية من أنفلونزا الخنازير, ولم تكاد أعيننا تقع على أي موظف إلا و كان يرتدى كمامة.
خرجنا من المطار في سيارة مكيفة كما هو حال جميع السيارات هناك...لم استطع التواصل مع السائق حيث كان يتحدث اللغة المحلية فقط....بشكل عام البلد تشبه مصر كثيراً و في بعض الأحيان كنت اشعر أنها أكثر فقراً بالرغم من أنها تتفوق على مصر في الصادرات و أعداد السياح و معدلات النمو الاقتصادي...المباني قديمة و متهالكة حتى قرب المطار ....رائحة العادم في العاصمة تكاد تخنقك خاصة حينما تمتزج بالرياح المتربة التي تهب من حين لأخر....التوكتوك يزحم شوارع بانكوك الرئيسية حيث مصرح له أن يسير في أي مكان خاصة و أن صغر حجمه يساعده في الوصول لاماكن قد تصعب على السيارة كما يصعد فوق الأرصفة و يقوم بحركات عشوائية ذكرتني بسائقي الميكروباص في المحروسة.....صور الملك و الملكة في كل مكان و لهما قدسية خاصة, فهما خط أحمر حيث يعرضك أي لفظ غير لائق أو سخرية منهم إلى عقوبة السجن.
هي دولة ذات مساحة كبيرة و تعداد سكانها يفوق الستين مليون نسمة و يوجد منهم تسعة عشر ملايين في العاصمة وحدها, خمسة و تسعون في المائه من السكان يعتنقون البوذية.
عموماً الشعب فقير و الشوارع غير نظيفة و هناك كم هائل من الباعة الجائلين و المتسولين و تستطع عينيك بسهولة التقاط مناطق عشوائية لكن هناك أيضا مناظر طبيعية جميلة و أسواق ليلية و أخرى مائية و رحلات نهرية راقصة ومولات كثيرة ضخمة و فخمة بها ماركات عالمية تستهدف السياح و أغنياء تايلاند و لكن كله بالفصال و أنت وشطارتك....الأسعار في المولات عالمية فبالرغم من شهرة تايلاند بالصناعات الجلدية و المنسوجات إلا أنها تباع بنفس الأسعار التي تجدها في أي دولة أخرى و بالرغم أنني ارتدى مقاسات صغيرة في الدول العربية أو في المستورد إلا أنني هناك لم أكن اسأل سوى على الاكس لارج لان المتوفر في السوق المحلى يناسب غالباً أحجام السكان المحليين.
و لعل الغريب في المولات هو وجود محلات لملابس الشواذ و وجود أقسام لهم في المحلات الكبرى فعدد الشواذ هناك لا يمكن تجاهله خاصة من الرجال المنتشرين بصورة كبيرة و غريبة في كل الوظائف و الشوارع فتقابلهم كثيراً و في كل مكان لدرجة تشعرك أن عدد الشواذ من الرجال أكثر من عدد الطبيعيين و هو شيء يدفعك لتبتسم عندما ترى رجل تايلاندي طبيعي كنوع من التحية لتمسكه بموقفه....انه حقا عالما عجيبا!
ارخص شيء على الإطلاق هي المأكولات الجاهزة فلديهم أصناف عديدة و لكن اغلبها آسيوي لم يحظ بإعجابي نظرا لرائحته الغريبة على أنفى و ألوانه الغير مشجعه... و لكن بعضها شهى كالقواقع بالبشاميل و الجمبري المحشي سمك و سبيط... المطاعم العالمية كماكدونالدز و كنتاكى يقدموا نفس الأطعمة المعتادة و لكن بأسعار زهيدة جدا مقارنه بما اعتدنا عليه فبأقل من ما يعادل دولار واحد تستطيع شراء وجبة قيمة.
أما عن أكثر ما لفت نظري في الشعب التايلاندى, أن غالبية الشعب يتميز بالرشاقة بغض النظر عن العمر و قد بدا لي هذا مدهشاً في البداية إلى أن اكتشفت السبب وهو ببساطة ناتج عن أن الأكلة الشعبية و الأرخص على الإطلاق هي الأسماك فتجدها جاهزة في كل مكان حتى مع الباعة الجائلين في الشوارع و هي ما تتغذى عليه الأغلبية الفقيرة هناك.
و بالرغم من الفقر إلا أن الشعب مقبل على الحياة و شديد الترحاب بالسياح فهو دائم الابتسام خاصة أنها قد تكون اللغة الوحيدة مع بعض الإشارات اليدوية التي تمكنهم من التواصل فقلماً تجد من يتحدث الإنجليزية خاصة و أن موظفو المطار و الفنادق يتحدثوا إنجليزية ركيكة جدا إلا فيما ندر.
أكثر ما أعجبني أن بالرغم من تحرر الشعب و خاصة النساء في الملابس لكن لا توجد هناك أي تحرشات أو حتى معاكسات لفظية فالشوارع أمان و في أي وقت لدرجة انه من العادي أن تجد بائعة متجولة ترتدي شورت و تى شيرت كات دون أن يضايقها أو حتى ينظر لجسدها أحد, لقد اثبت لي البوذيين الفقراء أنهم يتعاملوا كبشر يتمتعوا بالأدب و الرقى و التحضر لا كحيوانات عشوائية شرهة تتربص بالمرأه كي تتحرش بها لأن شعرها و وجها و عطرها و صوتها و ربما مشيتها تثيرهم كما هو الحال في بلاد الدين و التدين و التقوى و الإيمان أو من يتظاهرون بذلك على نطاق واسع ثم يتحرشون على نطاق أوسع.
ما علينا بلاش غم و خلينا في تايلاند أحسن......هناك حي عربي وبعض الشوارع تحمل صبغه شرقية و ترفع محلاتها لافتات مكتوبة باللغه العربية إلى جانب مطاعم الحسين و الأهرام و الفردوس و مشاوي لبنان و رأس الخيمة, هناك أيضا المساج أو التدليك منتشر أكثر من البشر أنفسهم و بمختلف الأسعار حيث يحمل بعضهم لافتات دعائية في الشوارع بها أسعار تنافسية لتدليك أجزاء الجسم و بها بعض العروض الترويجية كأن تدفع ثمن تدليك الرقبة و تحصل على تدليك القدمين مجاناً و إن وافق الزبون يصطحبه حامل اللافتة للمكان المخصص و هو غالبا يكون عبارة عن محل ترى من زجاجه الأمامي عملية التدليك للزبائن الكرام وكأن تلك وسيلة دعاية أخرى للمحل, هناك أيضا من ابتكروا التدليك بنوع خاص من أسماك الزينة حيث يضع الزبون القدمين في حوض ضخم و تقوم الأسماك الصغيرة بعملها من تدليك وإزالة الجلد الميت أو هذا ما تؤكده اللافته الإعلانية الضخمة بجوار حوض السمك.
الدعارة تجارة علنية و مرخصة و لها مواعيد عمل و شوارع مخصصة و قوادين ينادوا على البضاعة و يشرحوا مميزاتها و يفاصلوا في أسعارها!..... لا أنكر أنني أصبت بالاشمئزاز من هذا المنظر خاصة و أنا أرى العرب المتهافتين و حمدت ربنا أن دولنا العربية لا يوجد بها نفس فجاجة هذا المشهد الذي يجعل من الدعارة سلعة ترفيهية تقام لها الاحتفالات والمهرجانات.
كانت تلك بعض من مشاهداتي في بانكوك عاصمة تايلاند حيث عالم مختلف و حياة تمتزج فيها البساطة بالفقر بالسعادة!
#لبنى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟