أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - مقاطع في حيز العابر 5















المزيد.....

مقاطع في حيز العابر 5


يوسف ليمود

الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 01:36
المحور: الادب والفن
    


حجاب
هذا البلد يتنفس الفساد كما يجتر النفايات ويلوكها. نفايات كل شيء: الدين، الأخلاق، الأفكار، الفن، الحضيض...

وصل الي القاهرة، ولأول مرة في زياراته وطنه، بشعور المنفصل. كأن بينه وما يدور حجاب، إلى حد أن فكّر أنْ والله لو تنقّب الرجال وتعرّت المحجبات في الشارع، لن تهتز شعرة في رأسي. لكم دينكم ولي دين. ما جئت لأخوض في وحلكم، بل لأنظر ما لا تنظرون: درجة النور في الأثير، الشمس على أديم هذه الأرض، والصحراء، حيث الله ذائب في العدم. أما الواقع، ذلك البرص المزمن، فقد تهرأ وانسلب، جُوِّع ونُهِب، ديس بالحذاء وليط به، غُيِّب إلا عن غرائزه الأكثر وحشية وخفاءً، تحجّب وتعهّر، في نفس واحد!

في نفس واحد قالا (هو وصديقته وهما يشربان): إنها مرحلة وسوف تغور. هكذا التاريخ: من أسفل إلى أعلى، والعكس.
قال: لكن ليس في حياتنا.
قالت: لا يهم.



سخام
لن يقول جديدا حين يقول إن النصوص: الفن والشعر والأدب... كما كل شيء في هذه الدنيا، هي أشياء عابرة، تقطع قوس مسافتها في الزمن وتصير أثرا، خربشة على حجر التاريخ. هذا طبيعي وصحي أيضا. لكن غير الطبيعي والمَرضي، أن يُلاك نص ما في فم الواقع على مدار القرون والأزمنة باسم المقدس! "هل على الأرض ما هو مقدس وما هو غير مقدس؟" يتساءل بورخيس في تعجب.

واقع وطنه مصر، يمضغ لبانة المقدس التي اتسخت بأفواه أربعة عشر قرنا أدردَ! إلي متى وإلى أين؟ وياليتها مرنة هذه اللبانة. إنها تشبه الكاوتشوك الأسود، أو القار، يسيل يغطي يكتم كل شيء: الأصوات، الوجوه، العقول، الأرواح، الأجسام... سخام.


قمر
القمر الذي التمع في دماغي وأنا أغوص في النوم، أسال فضته والغبطة في أعضائي وهي تغرق. لا بد أنه قطع آلافاً من هكتارات الروح وصحاريها وقبورها، قبل أن ينبثق فجأة هكذا. جهات مجهولة، آفاق وعتمات، أحملها وأسير بها. لا بوصلة للوصول إليها. لا شمال ولا جنوب. لا شرق ولا غرب. انبثاق فجائي لقمر غريب، يسكب فضته والغبطة، لحظة الغرق في الموت اليومي الصغير الذي النوم اسمه. ماذا عن الغرق في النوم الكبير؟ شمس أم عتمة؟


صورة
نمل جائع، هزيل، خامل، مريض، مداس، مغبر، على شفا هاوية. وملكة متخمة، منتفخة، متقيحة، على شفا هاوية. وجحر متداع على شفا هاوية
لا النمل، رغم الخوف، يبالي بملكته، ولا الملكة تذكر أصلاً أن لها نملاً وجحراً
هذه صورة بلده. ادخلوها بسلامٍ آمنين


يقظة
يغمرني الجفاف زمناً. أتحرك، رغم الحضور، في الغياب. كأني نائم والواقع حلم. أروح أجيء أسمع أتكلم أصمت أشرد أتجهم أتألم أبتسم في الوجوه أشيح البصر عن المناظر أنام ولا أحلم (حين يكون الواقع هو الحلم تنام الأحلام). أمشي في القيظ غير آبهٍ بالقيظ أستحم في العرق أتجفف في النسمات أغوص في الزحام في الصخب في فقر الشعب في أمراضه في جهله لا يمسّني سوء، كشعرة من عجين. أمشي حتى نخاع هيكلي فتبين مني الروح وينبلج رخام رؤيتي ترن عليه كما الفضة مقاطع أفكاري أو أفكار مقاطعي. أصبح فوهة اليقظة. اليقظة التي، في فصل تالٍ، سوف أراها نوعاً من سبات، أو حلماً داخل حلم!


حدبة
مر الأحدب، ونبح الكلب الواقف وسط الشارع. المسافة بين صدر الأحدب المنكفئ على الأرض وبين الأرض، كيس غير مرئي يتسع بالكاد لكومة عظامه. نباح الكلب قياس صوتي لمسافات عقله، وحدته، مخاوفه. صمتي على المقهى يرقب. الوجود مرمي على ظهري حدبةً تصرّ فيها العظام والأصوات والمسافات. ليس صمتي باراميتر لأقيس به حدبة هذه اللحظة المبعثرة كعقل كلب!


بحّة
حضرتُ ياسين التهامي ليلة أمس. شاخ. لكن صوته، كعمامته والجلباب، لم يشخ. كلمات ابن الفارض والسهروردي والحلاج والجبلي ورابعة العدوية لا تعنيني. يهمني صوته. بحّته بالأحرى. كلمات هؤلاء تموج في حبال صوته كطوفان يجرف الأرض. صوت التهامي أرضي، بل هو أرض. رنّته، أو لمعته، من معدن غير المعادن التي نعرفها، لكنه خارج من الأرض. صوته امتلاء وفحيح. الهيكل الذي يخرج الصوت منه فيه شيء من الكوبرا. كوبرا على الخشبة تحت سماء مصر القديمة ومن ورائه مئذنة ابن العاص تبدو قزماً في يد الزمن. بين المئذنة وبين المنشد، مسافةً، ألف متر تقريبا. وبينها وبينه، زمناً، أكثر من ألف عام. صوت ياسين يحمل تراب وغبار وتأوهات وأحلام السنين الألف التي أنجبته وجهّزته. لكن بحّة صوته حين تنفلت منه الـ آه، تروح خلف الزمن والحساب. إنها عواء صوت وجد نفسه على كوكب لا قرار فيه ولا جواب. ينادي فيرتد إليه الصدى فيظن لسذاجته أن هناك مجيباً فيلوّن مناجاته بمقامات العشق فينخسه العدم في إشراقاته فيصّاعد حتى البحة فيغيب في تلاشيات جمالها فيظن أن الحجاب انكشف فيعود ينادي... هل كان لصوت التهامي أن يفرد لآلئه العريضة لولا هذه المتاهة المنتصبة عليها مئذنة كشاهد قبر؟


لون
المدينة فم أهتم. أمشي في الشوارع العريضة الجبين، المشروخة بالزمن. العمائر منكسرة عيونها. متاهة من أزقة. طوفان من وجوه محفورة من صلصال البؤس. الشمس. واللغط. ودودة الدين تمص في جثة الواقع. والرب هلام مصروخ به. وأنا على قدمين، ممسوس بسحر البياض، بلذة التعب. متوضئ بذاتي، خفيف، مكتفٍ، لا أُمسّ، مطأطئ الخطو، بإرث من رخام البساطة وحجر الكبرياء، أتدحرج في أسطورة الراهن. أهيئ نفسي أو نفسي تهيئني لانبثاق الشكل وقبضِ المعاني. أدخل في حقل من فتات الفكر وقمح التأمل، أنا من يهزّه ضمير التراب. ظلي على الأرض المداسة يسيل عليه في لحظةٍ كهرمان الروح. انسكاب أعرف أنه عابر، كما ظلي، كما حيّزي الذي سوف يدهنه غيابي بلون كالغبار.

رغوة
اجسادهم، كما العناكب، تنسج شِباكَ الآن الذي، هو الأمس وغدا وربما الأبد. مويجات لامرئية آتية من الغابر، يرتطم زبدها في شواطئ الصدور أو حجارة القلوب. ينحسر الزبد عن خيوطٍ علق فيها الحب الكره الرغبة النفور العطف الحقد إلى آخره. لغط من مشاعر وفيض من دم في مواسير الوجود. رغوة. يسحبها المد إلى ما وراء شطآن تتآكل. إلى لغط سلالات تنتظر في مشيمة العماء.
بم يعود الجزر من مدّه؟

يوسف ليمود
النهار اللبنانية




#يوسف_ليمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الخبز- بين خميرة الفن وشحّ الواقع في معرض بالقاهرة
- مقاطع في حيّز العابر (4)
- وجوه بالدم المتجمد لمارك كوين
- مقاطع في حيّز العابر (3)
- بعد أربعين عاما على غيابه، طيف رمسيس يونان يزور القاهرة في م ...
- ملاكمة بقفازات الفن
- القيامة في فوتوغرافيا اندرياس جورسكي ومعرضه من جناح طائرة
- مقاطع في حيّز العابر (2)
- Art | Basel | 40
- مخلوقات البيرتو جياكوميتي بين رؤيا الفناء والانتحار البطيء
- الفنان الألماني ميخائيل بوته .. بورتريه عن قرب
- مقاطع في حيّز العابر
- صلاح بطرس .. منحوتات تستنقذ ما يتلاشى من روح مصر
- ليذهب فان جوخ إلى الجحيم
- سحرية الصورة في أفريقيا، أوقيانوسيا، والفن الحديث
- -بالصدفة، نثر الفصول- لاحساين بنزبير .. ذلك الثقب في اللسان
- كيكي سميث .. الجسد بين الهنا والهناك
- فرنشيسكا وودمان .. امتدادات الدادائية وظل الموت المراهق
- بالتوس .. مئة عام وعام بين الاغتراب والزمن
- إيف كلاين .. أجساده الفراغية وثورته الزرقاء


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف ليمود - مقاطع في حيز العابر 5