المصطفى البخاري
الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 01:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المصطفى البخاري " الدار البيضاء "
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
ان سبر أغوار القرءان الكريم و دراسة ما جاء فيه من اختلاف في القراءات يفرض علينا الرجوع في رحلة تاريخية الى ما قبل كتابة المصحف الشريف للوقوف على أصل الخط العربي الذي استشفت منه كتابة القرآن, و المتميزة بخصوصية في نظام الرسم، سواء في تشكيل الحروف و الكلمات, أو ما عليه من نقط و حركات
- ذلك أن الحضارة العربية من الحضارات التي شهدت منذ عصورها المتقدمة استخدام الكتابة لتسجيل واردات المعابد و تدوين العقود و غيرها من الأغراض التي كانت ذات شأن و اهتمام. فلقد جاء عن (طه باقر) في مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة :) تاريخ الفرات (
أن السومريين، و البابليين والأشوريين هم أول من وضع الكتابة في التاريخ وسميت بالكتابة المسمارية.
و في الجزيرة العربية, و بلاد الشام, و العراق تم استخدام أنواع عديدة من الخطوط و الكتابات, كالخط الحميري, و الثمودي اللحياني, و الصفوي و الخط النبطي...
أما الخط العربي الذي عرف في الجاهلية و صدر الاسلام, فقد اختلفت في أصل نشأته و كيفية تطوره الآراء , ,منها :
الرأي الأول :
ان الخط العربي نزل توقيفيا من الله سبحانه و تعالى مع سائر الخطوط و الكتابات على آدم عليه السلام, و يستدل أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى :( اقرأ باسم ربك الذي خلق..) سورة العلق الآية ; (1)
*= انظر : العقد الفريد 3 /3 . والفهرست 7) ( وأدب الدنيا والدين ) 42 (
الرأي الثاني :
- ان أول من كتب بالعربية هو عبد ضخم بن آرام بن سام بن نوح عليه السلام و أولاده, و من تبعه من الذين نزلوا بالطائف. (
- *= أخبار الزمان للمسعودي 52 ) و 54 (( والعقد الفريد ) 4/ 156, 157
الرأي الثالث:
ان الخط العربي نقل عن الخط الحميري, فتعلمه أهل الأنبار من أهل اليمن...
*=ادب الكاتب لابن قتيبة 29 ) ( والحروف للرازي ) 133 ( وتاريخ المللوك للطبري 203/1
الرأي الرابع :
ان أول من وضع الكتابة العربية هم ملوك مدين الذين وضعوها على أسمائهم : ( أبجد هوز... ) و قيل غير ذلك...
*= العقد الفريد 3 /3 . والفهرست 7) ( وأدب الدنيا والدين ) 42 (
الرأي الخامس :
ان أول من كتب بالعربية هم ثلاثة رجال : ( مرامر بن مرة, و أسلم بن سدرة, و عامر بن جدرة) فوضع الأول الصور, و الثاني فصل و وصل, و وضع الثالث الاعجام, و قد أخذ أهل الحيرة الكتابة عنهم, ثم سائر العراق, فشمالي شرقي نجد, فالطائف ثم مكة لتعم الحجاز....
كتاب الكتاب للبغدادي ) 43 ( وعيون الاخبار لابن قتيبة 43/1
و قد اعتمد أصحاب هذه الآراء, الأخبار و الروايات التاريخية تارة, أو الشواهد و المكتشفات الأثرية تارة أخرى
فالخط العربي, و ان كان توقيفيا من الله سبحانه و تعالى, بأن أنزله على أبي البشر آدم عليه السلام او غيره ممن اختلفت الروايات في نسبة الحرف العربي اليهم, كنسبة الأبجدية الى ملوك مدين, فان رسم المصحف ليس الا حروفا و كلمات وضعت على نسق ذلك الخط, الذي يمثل الكتابة العربية القديمة التي عليها رسم المصحف , و التي بها كتب , بحيث يتفق لفظه مع اختلاف اللهجات العربية في نسق متميز, بدليل قوله تعالى : ( بسم الله الرحمن الرحيم حم و الكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) الزخرف 2-1
و لقد كتب المصحف الشريف آخر ما كتب كما هو معلوم في عهد الخليفة عثمان (ض) بالخط العربي الذي كان وقتها مجردا من نقطي الاعراب و الاعجام, و هي خاصية للكتابة العربية في اصلها البعيد, لان العرب لم تكن أصحاب شكل و لا نقط , و أن الذي ابتكر طريقة النقط المدورة لتمثيل الحركات هو أبو الأسود الدؤلي الذي اختار رجلا من عبد القيس و قال له : خذ المصحف و صبغا يخالف المداد, فاذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف , و ان ضممتها فاجعل النقطة الى جانب الحرف , و ان كسرتها فاجعلها في أسفله , و ان اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين , فابتدأ المصحف حتى أتى على آخره :
*= انظرالبخاري 626/6 والفهرست ) 45 ( ورسم المصحف ) 645 ( وما بعدها
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فحول هذه النقط الى الحركات المعروفة, فجعل الفتحة ألفا صغيرة مائلة فوق الحرف , و الكسرة ياء صغيرة مردودة تحته , و الضمة واوا صغرى فوقه , و الشدة رؤوس الشين مختصرة من (التشديد) و هكذا . فالمصحف الآن الذي هو برواية ورش عن نافع يحمل ذاك العمل المشترك بين الدؤلي و الخليل...
* = انظر المخكم ) 7 ( ورسم المصحف ) 645 ( وما بعدها
وأما نقط الاعجام فكان من عمل نصر بن عاصم الليثي الذي كان يقال عنه : (نصر الحروف) و كذا يحيى بن يعمر, حفاظا على القرآن الكريم من اللحن و التصحيف الذي بدأ يتسرب الى اللغة العربية بسبب اختلاط العرب بغيرهم و دخول الأعجام في دين الله أفواجا, واتصال العرب بالأمم المجاورة الذين كانوا أشد استنكارا لزيغ الاعراب منهم لخلاف اللغة, فقد ينطق بعضهم بالدخيل و المولد, و لكنه لا ينطق باللحن .
*=..انظر; المحكم ) 7 )والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام 15/9 والخصائص 26/2
و من المؤكد أن أول لحن عرف في اللسان العربي كان بالمدينة المنورة على عهد رسول الله (ص), فقد لحن رجل وهو يقرأ القرءان بحضرته فقال عليه الصلاة والسلام : (أرشدوا أخاكم فانه فد ضل)
*=..الخصائص 8/2 والمستدرك : تفسير سورة السجدة
كما عرف اللحن في عهد عمر بن الخطاب (ض) فقد روي أنه مر برجلين يرميان, فقال أحدهما للآخر : (أسبت) بالسين, فقال عمر : سوء اللحن أشد من سوء الرمي, سمعت رسول الله (ص) يقول : (رحم الله امرأ أصلح من لسانه) ....لاعتباره ابدال الصاد سينا من اللحن .
*= الايضاح في علل النحو 96
وقد فشا اللحن في زمن الامويين, و انتشر بين الخاصة و العامة, و بلغ من أمره فيما بعد أن تسرب الى ألسنة أكثر العلماء, فتساهلوا في أمره, حتى ان المحدث يحدث فيلحن, و الفقيه يؤلف فيلحن, و اذا نبها قالا : ما ندري ما الاعراب, و انما نحن محدثون و فقهاء. ...
*= اتظر المفصل 24/9 والصاحبي في اللغة 56
الى أن صار من لا يلحن خارجا عن المؤلوف, - اي حالة شاذة -
قال الأصمعي : أربعة لم يلحنوا في جد و لا هزل : (الشعبي, و عبد الملك بن مروان, و الحجاج بن يوسف و ابن القرية, و الحجاج أفصحهم)
*= المفصل 24/9
ثم ان اللحن قد شاع في العصر الأموي حتى تطرق الى البلغاء و الخلفاء و الأمراء, و على رأسهم : عبد الملك بن مروان , و الحجاج بن يوسف , و كان مما يسقط الرجل و يحط من قدره في المجتمع هو اللحن , فقد قيل لعبد الملك بن مروان يوما : "أسرع اليك الشيب" قال : شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن ! الكامل في التاريخ ) دكر بعض أخباره ( والعقد الفريد ) باب في الاعراب واللحن ( و ) الشيب ( و ) نهاية الارب ) : ذم الشيب ( .. و كان يقول : ان الرجل يسألني الحاجة فتستجيب نفسي له, فاذا لحن انصرفت نفسي عنها .. , فكان يرى اللحن في الكلام أقبح من تفتيق الثوب النفيس
*= رسالة في صناعة القواد للجاحظ ) ( 210 , وعيون الاخبار 158/2
و قال عمر بن عبد العزيز : "ان الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأرده عنها, و كأني أقضم حب الرمان الحامض لبغضي استماع اللحن, و يكلمني آخر في الحاجة
لا يستوجبها فيعرب, فأجيبه اليها, التذاذا لما أسمع من كلامه ,
*= كتاب الأضداد ) 245 (
و كان يقول : "أكاد أضرس اذا سمعت اللحن"
وكان الرجل اذا أراد أن يفلت من عمل الحجاج عاذ باللحن فنجا , فكان يرى اللحن في الكلام أقبح من تفتيق الثوب النفيس
*= ارشاد الاريب للحموي ) 87/1 (
و مما يروى أيضا أن الحجاج أمر باحضار أحد السجناء ليضرب عنقه فقال له : "أيها الأمير, أخرني الى غد" فقال:" و يحك, و أي نفع لك في تأخير يوم؟" فقال السجين بعد أن أمر برده :
عسى فرج يأتي به الله انه * له كل يوم في خليفته أمر
اذا اشتد عسر فارج يسرا فانه * قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
فقال الحجاج: و الله ما أخذ هذا الا من القرآن, و هو قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) الرحمن 27
و أمر باطلاقه.
*= المستطرف ) 160/2 (
و الحجاج على أنه من الخطباء الأبيناء البلغاء, كان في طبعه تقزز من أن يقع منه اللحن أو من غيره, فاذا وقع منه حرص على ستره و ابعاد من اطلع عليه منه, فقد ذكروا أنه سأ ل يحيى بن يعمر الليثي: ( أتسمعني ألحن على المنبر؟ ) فقال يحيى: (الأمير أفصح الناس) قال: (أتسمعني ألحن حرفا؟) قال: (نعم) قال: (كيف ذلك؟) قال : (تجعل "أن,إن" و " إن , أن " و نحو ذلك) قال: و في آي القرآن ’ قال: (نعم) قال الحجاج: فذاك أشنع, و ما هو؟ قال يحيى: تقول: (قل ان كان آباؤكم و أبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله .... ( = التوبة 24
قال: تقول: (أحب) بالرفع . فأنف الحجاج أن يطلع له رجل على لحن, فقال له: (لا تساكني بعد اليوم ثم بعث به الى خراسان)
*= طبقات اللغويين والنحويين للزبيدي 5 ) (
و الحجاج هذا و رغم تحامل المصادر في الأقوال عليه فانه كان رجلا محبا للقرآن الكريم,
يكثر من قراءته و التأمل في معانيه و الاستشهاد بآياته, كما كان يقدر أهله و يكرم حفظته.
*= تهذيب تاريخ ابن عساكر 82/4 ) ( .
كما كان يحث قادته على ضرورة تمسك جندهم بالقرآن الكريم, كما فعل حين كتب الى قيتبة بن مسلم يقول: "خذ عسكرك تلاوة القرآن الكريم, فانه أمنع من حصونك"
*= العقد الفريد 218/4
و هو أول من أحدث القراءة الجماعية في المساجد .
*= الحوادث والبدع للطرطوشي 140 ) (
فالرجل و ان كان ما كان عليه مما ذكره التاريخ, الا أنه كان مهتما بالقرآن الكريم أيما اهتمام, بل و له به شغف كبير و حب كثير و حرص شديد على المحافظة عليه, بل و الخوف الشديد عليه من ان يتسرب اليه اللحن و التصحيف, سيما و قد بدأ اللحن يشيع في ذلك الوقت بين العرب و المسلمين لاختلاطهم بالشعوب الأخرى و اقبالهم على التزوج من غيرالعربيات
*= البصائر والذخائر لابي حيان التوحيدي 216/1
و لقد كان عمر بن عبد العزيز يغبط الحجاج و يقول: "ما حسدت الحجاج عدو الله على شئ حسدي اياه حبه القرآن و اعطائه أهله"
*= تهذيب تاريخ ابن عساكر 82/4
و ليس هذا بغريب. فالرجل قد تأدب في صغره على والده الذي كان يعلم أبناءه الطائف القرآن الكريم و يفقههم في الدين, و هو العمل الذي قام به بعد والده, حيث عمل في تعليم القرآن بالطائف أيضا .
*= البصائر والذخائر 216/1
و هو أول من جعل الرواتب لحفظته و العاملين به (الشرط) و هو أول من خمس الآيات بحرف الخاء, و عشرها بحرف العين, و هو أول من جزأ القرآن, فوضع اشارات تدل على نصفه و ثلثه و ربعه و خمسه و سدسه و سبعه .
*= الحوادث والبدع للطرطوشي 3 ) ( وألف باء للبلوي 186/1
فالقرءان الكريم يتألف من مائة و أربع عشرة سورة, أوله: (الفاتحة) و آخره سورة: (الناس)
و قداختلف العادون من المهتمين حول ما يشتمل عليه من أعداد للآيات والكلمات والحروف الى أقوال و آراء, تعود كلها الى ما للكلمة من حقيقة و مجاز, و رسم و اعتبار, كل منها جائز, و كل آخذ باعتباره, و أن أول من قام بذلك هو هذا الرجل, أي الحجاج بن يوسف الثقفي, ذلك أنه جمع الحفاظ و القراء و قال لهم: "عدوا حروف القرآن و أخبروني كم هو؟ فبقوا أربعة أشهر يعدون بالشهير الا ان الروايات يختلف, فمنهم من قال:"ان عدد أياته 6616 أية, و عدد كلماته 77634 كلمة, و عدد حروفه: 323671 حرفا.
و منهم من قال: ان عدد آياته 6204 أية, و عدد كلماته 77439 و عدد حروفه 323015
و منهم من قال: 6236 آية, و 77934 كلمة, و 321180 حرفا, و قيل غير ذلك .
*= البرهان 249/1 والقرطبي 95/1 – أبجد العلوم 500/2
و لعل أول من قال بعد القرءان الكريم هو عمر بن الخطاب (ض) فقد أخرج الطبراني في الاوسط عنه مرفوعا: (القرءان ألف ألف حرف و سبعة و عشرون ألف حرف, فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين)
*= المعجم الاوسط 361/6
و هو عدد تجاوز حدود العادين بأضعاف, و لعل ذلك يعود الى اعتبار الحرف و ما يتألف منه, اذا أن الحروف تنقسم من حيث التأليف و التركيب الى نوعين:
- النوع الأول: و يتركب من حرفين, كالبا و التا و الطا... الخ
- النوع الثاني: و يتركب من ثلاثة أحرف, كالألف و الجيم و الدال ... الخ
أو لعل ذلك يعود الى ما يختص به الرجل من كرامات عرفت عنه, فهو الذي وافقه الله سبحانه و تعالى فأنزل فيما رأى قرءانا موافقا لرأيه .
*= مسند احمد 23/1
فعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب (ض): " وافقت ربي في ثلاث" قلت : يا رسول الله, لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى؟ فنزلت: (و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) البقرة 125 (في قراءة من قرأها بصيغة الأمرفي المتواتر) برمز ) حظ ( عند حذاق المغاربة في قولهم :
وسارعوا والذين واتخذوا ولا * يخاف بواو العطف )حظ ( تنزلا
وقولهم : و )حظ( في أمنا واتخذوا ولو يرى * أتاك لكن البر مسكين فاعقلا
* = البيتان من متواترحصيلة صدور حذاق القراءات المغاربة من غير نسبة
والمراد ب ) حظ ( : هم القراء الخمسة في القراءات السبع , إذ أن حرف ) الحاء (يراد به أبوعمرو البصري , ويراد ب ) الظاء(الأربعة البقية منهم , كما في قولهم :
) حطي ( فحرف الحاء بصر وطاؤها * لدوريهم والياء للسوسي أقبلا
وقولهم : وللظا ) فرند( خاء ) فرنح دك(غين فرنح * وذال )فرنك( ثاء )فرن( شين )فر( تلا
* والأبيات هده , كلها من متواترحصيلة صدور حداق القراءات المغاربة )من غير نسبة(
وهؤلاء القراء هم غير ) نافع وابن عامر( والذين رمز اليهم الشاطبي ب : ) عم ( في قوله : ووجهان فيه لابن ذكوان ههنا * وواتخذوا بالفتح ) عم ( وأوغلا
*= الشاطبية في القراءات السبع , البيت رقم : 484
وقول ابن الجزري في العشر :
واتخذوا بالفتح) كم أصل( وخف * أمتعه كم أرنا أرني اختلف
*= طيبة النشر في القراءات العشر , البيت رقم : 42 من فرش سورة البقرة
وقول المتولي في الأربع الزائدة عن العشر:
واتخذوا بالفتح ) حي( وصلا * أضطره مع فتح رائه ) طلا (
*= الفوائد المعتبرة في القراءات الأربع الزائدة عن العشرة , البين رقم :
قال: أي , عمر بن الخطاب ) ض( : وقلت: يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر و الفاجر, فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت آية الحجاب = أي , الآية 59 ) : (من سورة الأحزاب =
قال: و اجتمع على رسول الله (ص) نساؤه في الغيرة, فقلت لهن:"عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ,, فنزلت كذلك .
*= مسند أحمد 23/1- والطبري -321/10 وابن كثير 231/1—والقرطبي 110/2
و من أهل العلم و التفسير من أوصل موافقات القرءان الكريم لآراء عمرالى أكثر من عشرين....
*= المصادر السابقة
أو لعل ذلك يعود الى أسباب أخرى قد لا يدركها الا أرباب السلوك و أهل المكاشفات, اذ لا شك في أن ما قيل به هو "الحق" بدليل قوله (ص) :(ان الله جعل الحق على لسان عمر) المستدرك93/3
خاصة و أنه من أهل الكشوف و الكرامات, و من ذلك ما جاء عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة. قال : ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحرقة . قال: أين مسكنك؟ قال: الحرة. قال: بأيها؟ قال: بذات لظى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا" فرجع الرجل فوجد أهله قد احترقوا
*= تاريخ الخلفاء 113-والموطأ 973/2
و من كراماتاته (ض) أيضا , قصة سارية, و جريان, النيل, و دعوته على أهل العراق , و غير ذلك من الكرامات التي عرفت عنه .
و أما نصف القرءان الكريم فهو حرف الفاء من قوله تعالى: (و ليتلطف) . آية 19 من سورة الكهف . و ثلثه رأس الآية المائة من سورة براءة: التوبة : (و من الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما) و الثلث الثاني رأس احدى و مائة من الشعراء : (و لا صديق حميم) , و ثلثه الأخير ما بقي من القرءان , و أما أرباعه فان أول ربعه هو خاتمة سورة الأنعام (ان ربك لسريع العقاب, و انه لعقدر رحيم) و الربع الثاني هو حرف الفاء من (وليتلطف), و الربع الثالث خاتمة سورة الزمر (و قيل الحمد لله رب العالمين) و الربع الأخير ما بقي من القرءان الكريم, و هذا ما قال به بعض من أمرهم الحجاج بعد القرءان الكريم, و كل ذلك في أربعة أشهر, اعتمدوا في العد على حيات الشعير.
*= البرهان للزركشي -249/1وجمال القراء , للسخاوي 126/1
و ما كل هذا الاهتمام بالقرءان الكريم و العناية به الا بقصد الحفاظ عليه و نيل الأجر و الثواب من الله سبحانه و تعالى في الدنيا و الآخرة.
فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): (يقول الرب عز و جل: من شغله القرءان و ذكرى عن مسألتي, أعطيته أفضل ما أعطي السائلين, و فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) .
*= شعب الايمان 353/2
و ينسب الى الحجاج أيضا أنه غير في مصحف عثمان أحد عشر حرفا , و هي:
(1 (لم يتسنه) و كانت في مصحف عثمان: (لم يتسن) بدون هاء (البقرة 259)
و هي قراءة حمزة و الكسائي في الوصل دون الوقف, قال الشاطبي
و ننشزها ذاك و بالراء غيرهم * وصل تسنه دون هاء شمردلا
* الشاطبية , البيت رقم: 522
(2 (و لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) المائدة 48 :
و كانت في مصحف عثمان "شريعة و منهاجا" "لم يقرأ بها"
(3 (هو الذي ينشركم) يونس 22
و كانت في مصحف عثمان"ينشركم" و هي قراءة العامة خلافا لابن عامر الذي قرأ (ينشركم) ووافقه أبو جعفر و الحسن
قال الشاطبي:
يسيركم قل فيه ينشركم كفى .................الخ
* البيت رقم : 746
و قال ابن الجزري:
و (ك) م (ث) نا ينشر في يسير ............الخ
* البيت الرابع من فرش سورة يونس في طيبة النشر
و في الفوائد المعتبرة قال الامام احمد بن محمد المتولي
يمكرون بالغيب (حز) و عنه * ينشركم متاع فا نصبنه
* البيت رقم : 304
(4 "و ادكر بعد أمة أنا انبئكم بتاويله" يوسف 45
- كانت في مصحف عثمان "أنا آيتكم بتاويله" و هي كذلك في قراءة الحسن البصري. قال المتولي:
حصحص ضم اكسر و اعجم و ادكر * و امة و أنا آتيكم (حصر(
* البيت رقم : 332
(5 (سيقولون الله) المومنون 88-90
من قوله تعالى: "فل من رب السموات السبع و رب العرش العظيم سيقولون لله"
كتبت في مصحف عثمان "سيقولون الله"
خلافا للآية قبلهما رقم (86) في قوله تعالى: "قل لمن الارض و من فيها ان كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون"
و هي قراءة أبي عمر و في السبع, و يعقوب في العشر, و الحسن البصري, و اليزيدي في الاربعة عشر.
قال الشاطبي:
و في لام لله الأخرين حذفت * و في الهاء رفع الجر عن ولد العلا
* البيت رقم : 907
و قال ابن الجزري:
مع كسر ضم و الأخرين معا * الله في لله و الخفض ارفعها
* البيت رقم: 14
و قال المتولي:
لله (حز) عالم بالرفع (حنا) * و اخفض (شفا) كحمزة شقوتنا
* البيت رقم : 416
(6 (قالوا لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين) = الشعراء 116
و كانت في مصحف عثمان (من المخرجين) . و هي غير مقروء بها.
(7 (قالوا لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين)* = الشعراء 167
كانت في مصحف عثمان (من المرجومين) . و هي أيضا غير مقروء بها.
(8 (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) *= الزخرف 31
كتبت في مصحف عثمان (معاشهم) و لم يقرأ بها.
(9 (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير ءاسن) * = محمد 15
و كتبت في مصحف عثمان (غير ياسين) و قد قرئ بها (ياسين) ابدال الألف ياء لتخفيف الهمز
- *= انظرها في البحر المحيط 79/8
(10 (فالذين آمنوا منكم و آنفقوا) . و لم يقرأ بها.
وهي في مصحف عثمان ) فالذين ءامنوا منكم واتقوا ......... ....( *= الحديد : 7
* كتاب المصاحف لابن أبي داوود مسئلة رقم : 296 من قوله : ما غير الحجاج في مصحف عثمان
و من خلال دراستنا لهذه الأحرف كان لزاما علينا أن ننصف الرجل عما ألصقه به ابن أبي داوود من شبهات في تغيير هذه الأحرف . و نعمل على رده و تفنيده , وذلك , لعدة أمور:
- الأمر الأول:
انكار الحجاج على ابن زياد لإضافة الألفات الى ألفي كلمة في القرآن, فكيف ينكر على ابن زياد هذه الإضافات ثم يقوم هو بهذا التغيير المخل بالرسم.
و رواية الانكارهذه , أوردها ابن أبي داوود نفسه في كتابه (المصاحف) بعنوان: ما كتب في المصاحف على غير الخط = مسئلة رقم : 295
- الأمر الثاني :
لو كان ما نسب الى الحجاج صحيحا لتناقلته الرواة, و سجلته كتب الطبقات, فالخبر هذا مقصور على ابن أبي داوود و متفرد به..!
- الأمر الثالث:
ان رواية هذا الخبر كانت عن رجل مجهول, مما يجعل سند هذه الرواية مهزوزا, و ذلك بقوله: "قال أبو بكر: كان في كتاب أبي: حدثنا رجل... الخ . مسئلة رقم : 296
- الأمر الرابع:
ان رواية ابن أبي داوود مطعون فيها من علماء الحديث و حفاظه , و نكتفي بما جاء عن أبيه الذي رماه بالكذب في الرواية بقوله: (ابني عبد الله كذاب) .
*= تذكرة الحفاظ للذهبي : 772/2
و مما يدحض رواية ابن أبي داوود أيضا فيما نسبه الى الحجاج , أن هذا الأخير كان شغوفا بالقرءان الكريم , محبا لأهله , مكافئا لهم على حفظهم اياه و اتقانهم له , بل انه كان شديد الحرص على المحافظة على كتاب الله تعالى من اللحن و التحريف و التصحيف .
*= شرح ما يقع فيه التحريف والتصحيف لابن احمد العسكري 13 – ووفيات الأعيان 344/1
فالرجل و ان كان ما كان عليه من قسوة على الرعية و سفك الدماء الا أن اهتمامه بالقرءان الكريم و المحافظة عليه كانت السمة الغالبة عليه, و لا أدل على ذلك مما أوردنا سلفا من أنه أول من جزأ القرءان و أمر بعده, و هو من كان يحث قادة جنوده على ضرورة التمسك بالقرءان الكريم .
* = العقد الفريد 218/4
و هو من قال فيه عمر بن عبد العزيز (ما حسدت الحجاج عدو الله على شئ حسدي اياه على حبه القرءان و اعطائه أهله) .
* = تهذيب تاريخ ابن عساكر 82/4
هذا فضلا عما عرف عن الرجل من الاكثار من تلاوته, و الوقوف عند معانيه و الخشوع في قراءته, و الخشية عليه من التحريف الذي بدأ يتسرب الى القرءان الكريم على ألسنة المصحفين و المصحفيين =المراد بالمصحف –هنا-الآخذمن الصحف , والمصحفي الذي يقرأ في المصحف
*= انظر : التنبيه على حدوث التصحيف ص : 26 والمزهر في اللغة للسيوطي 353/2
و قد وقع الكثير ممن قرأ القرءان في المصحف من غير رواية و لا نقل ولا تلق عن الشيوخ ولا تلقين في اللحن والتصحيف , و هي كثيرة في مضانها
*= انظر مثلا : التنبيه على حدوث التصحيف للأصفهاني , والتحريف والتصحيف للصفدي
وممن وقع في التصحيف من الأقدمين على سبيل المثال :
(1 حفظ حماد الرواية القرءان من المصحف و قد أخذ عليه و هو يقرأ: "و ما كان استغفار ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها أباه" التوبة 114 بالباء الموحدة
= مذاهب التفسير الاسلامي لليهودي الحاقد ) اجناس جولد...( ترجمة : الكتور عبد الحليم النجار . ص 9
كما روى حمزة الأصفهاني عدة تصحيفات في القرءان الكريم لحماد الراوية. و منها هذا الخبر الطريف. و هو :
أن بشارا الشاعر سعى به الى عقبة بن أسلم أمير البصرة قائلا له: (انه يروي جل أشعاره و هو لا يحسن من القرءان غير أم الكتاب) , فامتحنه الأمير بتكليفه القراءة في المصحف فصحف قيه عدة لآيات … منها :
أ) (و أوحى ربك الى النخل أن اتخذي…) آية : 68 من سورة النحل . بالخاء في (النحل)
ب) (و من الشجر و مما يغرسون) بالغين في ) يعرشون ( آية: 68: من سورة النحل .
ج) (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا و حربا) بالراء بدل (و حزنا) بالزاي آية 8: من سورة القصص.
د) (و ما يجحد بئاياتنا الا كل جبار كفور) بالجيم و الباء (بدل) ختار بالخاء و التاء) آية 32
من سورة لقمان.
ه) (بل الذين كفروا في غرة و شقاق) بالغين و الراء بدل: )عزة( بالعين و الزاي.آية : 2 من سورة: ص.
و) (... و عززوه و نصروه) بحرفي الزاي بدل (و عزروه) بزاي و راء. آية : 157 من سورة الاعراف *التنبيه على حدوث التصحيف والتحريف : 5 - 6
- و روي أن عثمان بن أبي شيبة قرأ: "فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رجل أخيه" بدل (رحل أخيه) آية : 70 من سورة يوسف , فقيل له : ما هذا؟ قال: تحت الجيم واحدة.
و يذكرني هذا العالم الجليل في قراءته هذه بحكاية طريفة حدثت لرجل يدعى "توما الحكيم" كان عارفا بالطب الا أنه يعتمد تطبيبه على الكتب , فقرأ يوما الحديث الذي رواه الشيخان و غيرهما أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: "الحبة السوداء شفاء من كل داء" *(صحيح البخاري , باب الحبة السوداء) , فقرأ "الحية" بالياء, بدل "الحبة" بالباء . فصار يأخذ كل حية سوداء فيقتلها و يجففها و يعطيها وصفة طبية لمرضاه, فمات بسبب ذلك خلق كثير!. فقال فيه بعضهم على لسان حماره:
قال حمار الحكيم توما * لو أنصفوني لكنت أركب
لأنني جاهل بسيط * وصاحبي جاهل مركب
* الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة للعسقلاني ) حرف : ث (
و قال أبو حيان التوحيدي: يظن الغمران الكتب تهدي * أخا فهم لادراك العلوم و ما يدري الجهول بأن فيها * غوامض حيرت عقل الفهيم اذ رمت العلوم بغير شيخ * ضللت عن الصراط المستقيم و تلتبس الأمور عليك حتى * تكون أضل من توما الحكيم
* الآداب الشرعية والمنح المرعيةللمقدسي 126/2
وللشافعي رضي الله تعالى عنه شعر:
أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن ثفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان
* = المستطرف في كل فن مستظرف ) باب العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم (
و في مثل هذا قال بعضهم :
و للعلوم رجال يعرفون بها * و للدواوين كتاب و حساب
* المصدر السابق
و يروى أن حمزة الزيات كان يتعلم القرءان من المصحف, فقرأ يوما و أبوه يسمع: (ألم ذلك الكتاب لا زيت فيه) = بدل (لا ريب فيه) البقرة الآية الولى. فقال أبوه: (دع المصحف و تلقن من أفواه الشيوخ)
*انظر الرواية في التصحيف والتحريف ص 9:
و من أجل هذه التصحيفات التي تخل بنطق الآيات قالوا: "لا تأخذوا القرءان من مصحفي, و لا العلم من صحفي"
= * المصدر السابق
وقال الحافظ أبو عمرو الداني :
فإن رغبت العرض للحروف * والضبط للصحيح والمعروف
فاقصد شيوخ العلم والروايه * ومن سما بالفهم والدرايه
=* الأرجوزة المنبهة : ) القول فيمن يؤخذ عنه (
وقال رحمه الله :
والعلم لا تأخذه عن صحفي * ولا حروف الذكر عن كتبي
ولا عن المجهول والكذاب * ولا عن البدعي والمرتاب
وارفض شيوخ الجهل والغباوه * لا تأخذن عنهم التلاوه
لأنهم بِالجهل قد يأتونا * بغير ما يروى وما يروونا
و هذه واحدة من اشكاليات التراث المغربي في فن القراءات, ذلك أن سكولة التفكير لدى كثير من الناس سيطرت على عقولهم باعتقاد أن القراءة في المصحف أفضل من القراءة من الحفظ لأن النظر فيه عبادة مطلوبة, مستدلين على ذلك بما أخرجه الطبراني و البيهقي من حديث أوس الثقفي مرفوعا: "قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة, و قراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة" و كذا: (فضل قراءة القرآن نظرا على ما يقرؤوه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة) * المعجم الكبير للطبراني , رقم : 600 , وشعب الايمان رقم : 2141
و كذا ما جاء عن ابن مسعود مرفوعا: (من سره أن يحب الله و رسوله فليقرأ في المصحف)
*الاتقان للسيوطي , ) في آداب تلاوة القرءان وتأليفه ( و شعب الايمان رقم : 1502, وهو حديث منكر.
* انظر الاتقان ) في آداب تلاوة القرءان وتأليفه (
و للفقهاء في هذا الباب آراء متضاربة ومتبا ينة , منها : أن الامام مالكا قد رأى كراهة القراءة في المصحف
*انظر , شرح مختصر خليل للخرشي ) فصل في بيان صلاة النافلة وحكمها (والفواكه الدواني على الرسالة ) الذكر والدعاء عند السفر(
و أما الامام أحمد فقد قال باستحبابها كالحنابلة
* كشاف القناع عن متن الاقناع ) فصل حفظ القرءان الكريم (
- و رأى الشافعية أن القراءة في المصحف أفضل.
* الموسوعة الفقهية الكويتية 252/4
- غير أننا نقول: ان القراءة من الحفظ مطلقا أولى وأفضل , و هو اختيار العز بن عبد السلام, على أن في الأقوال السابقة و الآراء المتباينة و الآحاديث المروية ردودا و وجهات نظر, أكتفي - للرد عليها - بما يلي:
(1 لم يكن المصحف معروفا بهذا المصطلح في عهد رسول الله (ص) لأن الوحي لم يكمل الا بوفاته صلى الله عليه و سلم.
(2 ان تسمية القرءان "بالمصحف" نشأت على عهد أبي بكر, و ذلك أن الصحابة لما جمعوا القرءان و كان مكتوبا في الرقاع و الأكتاف و العسف مفرفا فكتبوه على الورق , قال أبو بكر: "التمسوا له اسما" فقال بعضهم: "الانجيل, فقال ذاك اسم تسميه النصاري" فكرهوا ذلك. فقالوا: "السفر" قال: ذلك اسم تسميه اليهود, فكرهوا ذلك. و قال بعضهم "المصحف" فان الحبشة يسمون مثله "المصحف" فاجتمع رأيهم على أن سموه "المصحف"
*= مباحث في علوم القرءان . للدكتور الصبحي الصالح , ص : 77 - 78
(3 ان القراءة في المصحف تقتضي مهارة عالية في كيفية النطق بالألفاظ و حروف القرءان الكريم, هذا النطق الذي لا تتأتى معرفته الا عن طريق التلقين و المشافهة و الأخد عن الشيوخ الذين تمرسوا على ذلك , لما في ألفاظه من اعجاز في اللغة و اللهجات. وإلا فان الآخذ من المصحف من غير تلقين قد يكون مخلا لا محالة بحروف القرءان الكريم و محرفا لبعضها , و لاحنا في بعضها الآخر, كيف لا و قد وقع في هذا جلة الفقهاء و جها بذة العلم من القدماء و المحدثين , فكيف بمن دونهم من عامة الناس أجمعين, و قد سقت نماذج عن
بعض الأقدمين , وهأنذا أسوق غيرها عن بعض المحدثين المعاصرين : و أخص بالذكر:
آ (الأستاذ الدكتور أحمد التوفيق, الذي سبق أن ألقى درسا في حضرة أمير الوؤمنين الملك محمد السادس , بعنوان : ) هوية المغرب الثقافية ( انطلاقا من قوله تعالى :
) يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير( = الحجرات 13 :
لقد تناول الاستاذ المحاضر هذه الآية بتحليل أكاديمي ممنهج , يدعو المتأمل الى شيء من الاستغراب , سيما وان الدكتور معروف بأكاديميته في الأوساط الجامعية فهو الأستاذ الجامعي المبرز, والمحافظ للخزانة العامة بالرباط , والمدير لمكتبة آل سعود بالدارالبيضاء!
ذلك , أن السيد احمد التوفيق حين استقرائه للآية الكريمة , كثيرا ماكان يخل بالمخارج الصوتية للحروف , أكتفي منها – فقط – بتخيمه لحرف الراء من كلمة ) ذكر( في هذه الآية,
لأن الراء في مثل هذه الحال , لاتكون الا مرققة , لا كما جاء عن الأستاذ الدكتور الذي لم يأت بما يوجب التفخيم , حيث وصلها بما بعدها ) وأنثى (, والفرق بين تفخيم الراء المكسورة وترقيقها هو القف والوصل , بحيث تكون مرققة في الوصل أبدا , ومفخمة في الوقف أبدا , عند جميع القراء , وفي كل القراءات , وعلى كل لسان عربي فصيح , سواء كانت كسرتها عارضة أولازمة , قال ابن بري :
والاتفاق أنها مكسورة * رقيقة في الوصل للضرورة
وقال الشاطبي :
وترقيقها مكسورة عند وصلهم * وتفخيمها في الوصل أجمع أشملا
وقال ابن الجزري :
ورقق الرا إن تمل أو تكسر * وفي سكون الوقف فخم وابصر
وقال أبو الحسن الحصري :
وإن يلق حرف الراء في الوصل ساكن * ففخم وكن من حلبة العلم في الصدر
ويبدومن خلال هذا أن السيد المحاضر كان متأثرا – وإلى حد كبير – بسكولة الألفاظ في مناهج الاستقراء المشوب بإشمام تسرب اللحن الى اللسان العربي الذي شاع بين جل الأكاديميين الذين تطبعت ألسنتهم على تفشي هذا النوع من اللحون , وأصبح ظاهرة ثقافية عمت بها البلوى!!!
ثم إن الأستاذ الدكتورتوقف عند كلمة ) لتعارفوا ( في نفس الآية , فتناولها بما أورده بعض المفسرين من أقوال تتعلق بأسباب النزول وتأويل المعاني , فأردف قوله بما جاء عن الزمخشري في تفسيره من أوجه القراءات لهذا الحرف فقال : " وقال الزمخشري : وقرئ ) لتتعارفوا , ولتعارفوا بالادغام , ولتعرفوا , أى : لتعلموا , كيف تتناسبون....إلى أن قال... : وقالوا : إن اللام الداخلة على " تعارفوا " هي إما لام أمر أو لام كي, فيكون المفعول محذوفا قدره بعضهم "الحق أوالحقائق" ثم أضاف قائلا : وفي قراءة عبد الله ابن عباس " لتعرفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم "
وبهذا يكون الدكتور قد أخل بمناهج البحث العلمي من وجوه :
* الوجه الأول :
بما أن الأستاذ الدكتور قد أتى على أوجه القراءات لكلمة " لتعارفوا " كان عليه أن يعزو كل قراءة لصاحبها مع الاشارة – ولو قليلا – الى سبب تلك القراءة حتى ينجلي الخلاف
*الوجه الثاني :
أنه أفرد عبد الله بن عباس في قراءة " لتعرفوا " على معنى " لتعلموا " وكان عليه أن يدرج معه في هذه القراءة " أبان عن عاصم " كما أوردها أبو حيان الأندلسي في تفسيره " البحر المحيط " والذي يعد من بين المصادر التي اعتمدها الدكنور في هذا الموضوع
*الوجه الثالث :
كان على السيد أحمد التوفيق ألا يقول : " وقالوا : ان اللام الداخلة على " لتعارفوا " هي إما لام أمر أو لام كي ...الخ , بصيغة الجمع , وأن ينسب القول الى من قال به , وهو أبو حيان الأندلسي في بحره حين قال : " وقرأ الجمهور) لتعارفوا( , مضارع )تعارف( محذوف التاء , والأعمش بتائين , ومجاهد وابن كثير في رواية , وابن محيصن بإدغام التاء في التاء , وابن عباس وأبان عن عاصم )لتعرفوا( مضارع ) عرف(
= * انظر نفسير هذه الآية وتوجيه قراءتها في البحر المحيط لأبي حيان .
* الوجه الرابع :
إن السيد المحاضر لم يعقب على رأي أبي حيان في توجيه هذه اللام , والقاعدة أن النقل يقتضي الصحة , ذلك أن اللام هذه ليست من الأمر في شيء , وهو ما أجمع عليه الكل خلافا لأبي حيان الذي قال : " وقرأ الجمهور " إن" بكسر الهمزة , وابن عباس بفتحها , وكان قرأ " لتعرفوا " مضارع " عرف " فاحتمل " أن " معمولة " لتعرفوا " وتكون اللام في " لتعرفوا " لام الامر وهو أجود من حيث المعنى ..." =* انظرالآية في البحر الميط أيضا
وقول أبي حيان هذا مردود لسببين :
* السبب الأول :
اتفاقه مع غيره من المفسرين على أن اللام دالة على التعليل حين قال : " .... والمعنى أكم جعلكم الله تعالى ماذكركي يعرف بعضكم بعضا في النسب ...."
* المصدر نفسه
* السبب الثاني
علة الجعل , لأن الخبر في قوله تعالى ; " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى .....الخ " مستعمل كناية عن المساواة في أصل النوع الانساني , والمقصود من ذلك هو مضمون جملة " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..." كما جاء في خطبة حجة الوداع قول النبي " ص " يأيها الناس , ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد , الا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي , ولا لأحمر على أسود
ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى , إن أكرمكم عند الله أتقاكم ...."
=* فتح الباري 527/6- والمعجم الكبير 12/18
وكذا مارواه الترمذي أن رسول الله" ص " خطب الناس يوم غنح مكةفقال : " يأيها الناس , ان الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها , فالناس رجلان : بر تقي كريم على الله , وفاجر شقي هين على الله , والناس بنو آدم , وخلق الله آدم من تراب , قال الله : " يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "
* سنن الترمذي ج : 5 الصفحات 735-734-389 :
هكذا هي هذه اللام , وإلا أدرجنا كل ماجاء على شاكلتها في القرءان الكريم على أنها لام الأمر, كمثل " لتعلموا" التي جاءت مكررة أربع مرات في المصحف الشريف , والتي هي بمعنى " لتعرفوا" أيضا , وذلك في قوله تعالى :
" ( 1 ..... ذلك لتعلموا أن الله يعلم مافي السموات وما في الارض..." *= المائدة 97:
(2 وقوله تعالى : ".....وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ..." = يونس 5 (3 وقوله تعالى : " .....لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ..." الاسراء 4 ( وقوله تعالى : "...يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ..." الطلاق 12
ب ( الأستاذ الدكتور عز الدين عمرو موسى من السودان, و هو أستاذ بكلية الدراسات الاستراتيجية و المستقبلية, بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض, بالمملكة العربية السعودية الذي تناول درسا بعنوان: (استراتيجية الأمن الغذائي من منظور اسلامي)
انطلاقا من قوله تعالى "يوسف أيها الصديق .. الى قوله سبحانه : و فيه يعصرون "
*= يوسف 49-41
ذلك أن الدكتور المحاضر أستاذ الاستراتيجيات قد أخل بأهم استراتيجية في الاسلام , اذ فعل بألفاظ هذه الآيات مالم يفعله أبناء يعقوب بأخيهم يوسف عليه السلام , لما جاء عنه من اخلالات بنيوية لم يعهدها أحد في جاهلية و لا اسلام , و لا كانت في عرف أهل اللغة و لا الشريعة , و لا عرفت في متواتر القراءات و لا في شواذها , و التي كان على الدكتور أن يتحقق من الألفاظ و مبانيها حتى يتمكن من ضبط كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه, و الذي لا يجوز بأية حال الاجهاز على ألفاظه و تغيير مبانيها, كما لا يجوز السكوت على من قال بمثل ذلك , كائنا من كان و لو بالاشارة و التنبيه, و ليس للاحن حرمة كما يقال: فلقد جاء عن الأستاذ الدكتور:
(1 قوله: (افتنا) بهمزةو صل مكسورة, و الصواب (أفتنا) بهمزة قطع مفتوحة من الافتاء, كما هي في المصحف الشريف. الذي يضم بين دفتيه ما أنزل على رسول الله (ص) من غير تبديل و لا تحريف , و معلوم ان لا علاقة تربط اللفظين في أصول الكلمات العربية و فروعها, بل ان (افتنا) بهمزة وصل لم يعرفها أحد من أهل اللغة و النحو و الصرف , و لا عرفت في اللسان العربي , و لا في معاجمه من قبل و لا من بعد ..!
(2 قوله:" و سبع سنبلات خضر" بتنوين "سبع" و الحال أنها غير منونة في المصحف, و لا قرأ بذلك أحد من القراء أبدا.
(3 قراءته "ثم يأتي من بعد ذلك..." بفتح الدال فيهما معا أي في كلمتي "بعد" المكررة في الآية و المجرورة ب "من" و المضافة الى "ذلك" و هذا من العجب العجاب! اذ الأصل في "قبل" و "بعد" أن يكونا صفتين للزمان, لأن معنى: جئت قبلك" – مثلا – جئت زمنا قبل
مجيئك... و جئت بعدك "أي" جئت زمنا بعد مجيئك
=* انظر : مغني اللبيب 449
و في معنا هما يقول سيبو به: "و أما "قبل" فللأول, و "بعد" فللآخر"
= * الكتاب 233/4
بحيث يكونان معربين اذا أضيفا, أو حذف المضاف اليه, أو نوي ثبوت لفظه أو لم ينو فيعربان نصبا على الظرفية, أو خفضا بمن , و ينونان في حالة قطعهما عن الاضافة و عدم نية المضاف , لأنهما حينئذ اسمان تامان كسائر أسماء الذكرات
= * شرح المفصل لابن يعيش 88/4 , وشرح التصريح على التوضيح للأزهري 50/2
كما في قول النابغة : * من شواهد ابن عقيل رقم : 236
فلذ لي الشراب و كنت قبلا * أكاد أغص بالماء الفرات
و قول الأخر: * من شواهد شرح الكافية رقم 482 :
و نحن قتلنا الأزد أزد شنوءة * فما شربوا بعدا على لذة خمرا
و يكونان مبينين اذا حذف المضاف اليه و نوي معناه دون لفظه كما في قراءة الجمهور: "لله الامر من قبل و من بعد" *= الروم 4 :
و التقدير: من قبل الغلب و من بعده, و انما يبنيان لمشابهتهما الحرف و احتياجهما الى ذلك المحذوف.
=* شرح الرضى على الكافية 168/3 :
و قد جمع كل هذا ابن مالك في ألفيته حين قال :
قبل كغير بعد حسب أول * و دون والجهات أيضا و عل
و أعربوا نصبا اذا ما نكرا * قبلا و ما بعده قد ذكرا
*=رقم البيتين في المنظومة 412/411 :
و في توجيه قراءة "لله الامر من قبل و من بعد" خير الأمثلة على ما سبق, حيث يقرؤهما
بالكسر و التنوين "من قبل و من بعد" أبو السمال و الحجدري و العقيلي , على أنهما نكرتان غير مضافتين كسلئر الأسماء. كما في البيتين السابقين :
=* شاهد ابن عقيل 236- وشاهد شرح الكافية 482 وانظر في توجيه هذه القراءة : البحر المحيط 162/7
- و يقرؤهما بالكسر من غير تنوين "من قبل و من بعد" الجحدري و العقيلي , على تقدير حذف المضاف اليه. أي : "من قبل ذلك و من بعد ذلك"
= * تفسير الكشاف للزمخشري 214/3
كما في قول الفرزدق: * البيت في ديوانه ص 215:
يا من رأى عارضا أسر به * بين ذراعي وجبهة الأسد
أي , بين ذراعي الأسد, فحذف المضاف اليه و أبقى حكمه.
* الكتاب 180/1
هذا و قد وقعت "بعد" مضافة مجرورة ب "من" في مائة و ثمانية و عشرين موضعا بالكسر الظاهر على حرف الدال من غير خلاف بين أهل اللغة و النحو و القراءات و كل أهل العلم الا ما جاء عن الأستاذ الدكتور, و لقد أصبحت ظاهرة المصحفيين من الظاهرات التي عرفتها مساجد المدن المغربية و جوامعها. و هي على كثرتها لم يفرق أصحابها في التلاوة بين القراءات و الروايات , لا في القواعد و لا في الأحكام. و لا أدل على ذلك مما تعرفه المساجد من ترنح على ألفاظ القرءان الكريم أثناء قراءة الحزب الراتب أو صلاة التراويح,
هذه القراءة أو التلاوة التي تبرز و بجلاء الجهل المركب لدى هؤلاء بأحكام القرآن في القراءات من أمثال قراءتهم بالبسملة بين السور, أو كتخفيف الذال من "تذكرون"في المواضع كلها ) ويصل عددها الى سبعة عشر حرفا (أو اضطرابهم في قراءة "لا تامننا"
أو حذف احدى اليلئين من "بأييد" و غيرهما من الأمثلة التي يطول جردها .
هذا وأن أول قراءة عرفها المغاربة هي قراءة ابن عامر برواية هشام مدة تزيد على قرن من الزمان, بسبب الدعاة الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز, ثم استبد لت بعد ذلك بقراءة حمزة في المائة الثانية على يد المقرئين القادمين من بغداد و الكوفة مع الولاة العباسيين, و لم يكن يقرأ لنافع الاخواص الناس, و أن محمدا ابن خيرون ( - 306 ه) هو الذي استبدل قراءة حمزة بقراءة نافع .
و أما أول من أدخل القراءات الى المغرب فهو أبو موسى الهواري, من الطبقة الوسطى من أصحاب مالك, و هو من قال لمن جاء يعزيه في ضياع كتبه و مؤلفاته في البحر, ذهب الخرج و بقي الدرج, يعني ما في صدره.
غير أن هذه القراءات لم تشتهر الا على يد أبو عمر الطلمتكي (429- ه) ثم من بعده مكي أبو طالب القيسي (437- ه) ثم أبو عمرو الداني (444- ه), ثم الشاطبي (590- ه) ثم توسع انتشارها في المغرب , خاصة في العصر المريني, حيث ان أبا الحسن المريني هو أول من دشن مدرسة السبعيين بفاس الجديد سنة 720 ه, ثم العصر الوطاسي فالسعدي, ثم العصر العلوي الذي عرفت فيه القراءات ازدهارا كبيرا و لقد كان من المغاربة و الى عهد قريب رجال يتنافسون في حفظ القرءان الكريم و يجاهدون في سبيل الحفاظ على تراثه الذي ورثوه عن شيوخه خلفا عن سلف, لولا أن ظهرت موجة عارمة من الموانع و العوارض حالت دون المحافظة على هذا التراث الهائل المكنوز في صدور المغاربة دون سواهم, و الذي قد يذهب بذهابهم و ينتهي بانتهائهم, و يفنى بوفاتهم, و يزول بزوالهم, مصداقا لقوله (ص):"ان
الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, و لكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا"
*= البخاري 50/1
و يتبين من خلال مفهوم هذا الحديث أنه ينطبق على كثير من المعاصرين الذين وصفوا بالمشيخة و العالمية للاقراء و الفتوى, فخشعت لهم الاصوات, و تلقفتهم الأضواء, وسارعت اليهم النجومية فصاروا فرسانا في ساحة كأن لا أهل لها و لا ملاك, كما في قول طرفة بن العبد :
يالك من قبرة بمعمري * خلالك الجو فبيض و اصفري
ونقري ماشئت أن تنقري * قد رفع الفخ فماذا تحذري
*=الخصائص ) باب في الامتناع من نقض الغرض ( وإصلاح المنطق ) باب ما بخفف (
غير أنه و للمحافظة على هذا التراث و انقاذه من التلف و الضياع, على وزارة الأوقاف أن تعمل على تحفيز أهل هذا الفن و تشجيعهم , كل حسب مستواه , كتخصيص رواتب شهرية أو دورية, و لو على شكل منح دائمة و قارة تخصص للمقرئين و شيوخ القراءات , يعتمد في صرفها و توزيعها على معايير تختلف سلاليم أدائها باختلاف الروايات و القراءات المتعارف عليها عند المغاربة بألقابها, و تتدنى مبالغها من " العشراوي, الى الحمزاوي, الى البصراوي, الى المكاوي, فالوراشي ... و هكذا" حتى يعود عشلق القراءات الى الانكباب عليها و السهر على حفظها و اتقانها, و هكذا تسد الطريق على المتنطعين و المتطفلين ,
كما على هذه الوزارة أن تعمل على فرض رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق, و الذي هو أصل من أصولهم, و خصيصة من خصوصياتهم في قراءة الحزب الراتب في المساجد و الجوامع, بكل ما تحمله هذه الرواية من قواعد و أحكام كالوقف و الابتداء, و التقديم والتأخير, و السكت و الوصل, خاصة منها البسملة, و التي بات المصحفيون يغالون في ذكرها بين السور بلا علم و لا معرفة, و الحال أن تركها أولى عند ورش من طريق الأزرق, خلافا للأصبهاني في العشر الصغير, كما في قول محمد علي الضباع : بسمل بين السورتين و قصر * منفصلا و أربعا فيه اعتبر
=أي بسمل الاصبهاني عن ورش , خلافا للأزرق عنه .
* = انظر : القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق ص 6 :
و أن الذي أخذ بالبسملة لورش هو المظفر بن أحمد بن حمدان أبو غانم المصري, المتوفى سنة ) 333ه (, كما في قول العلامة مسعود جموع السجلماسي :
بسملة المظفر استحسان * ليست رواية كذا البيان
أما المعتمد فيها عندنا نحن معاشر المغاربة هو الترك, تبعا لقراءة الامام نافع, و الذي لم يأخذ بها عن طريق الأصبهاني الا بقصد التبرك, كما في قول بعض الحذاق: فان ترد تفصيل لفظ البسملة * في مذهب القراء نلت المعرفة
فنافع يراها للتبرك * كذا ابن عامر و بصري حكي
و ابن كثير و عاصم و علي * من كلام القرءان أمر منجلي
و حمزة يراها في ابتداء * فاتحة الكتاب قط جائي
=* من المكنوزات المحفوظة في صدورالحذاق .
وقد نوه الحافظ الداني بمذهب أبي يعقوب الأزرق فقال في "التعريف" :وكان لا يفصل بين كل سورتين ب : باسم الله الرحمن الرحيم في جميع القرآن، إلا في أول فاتحة الكتاب، فإنه لا خلاف بين القراء في التسمية في أولها"
*- التعريف 199 :.
وأما الوجه الثاني وهو وجه البسملة بين السورتين للأزرق كما أشار إليه ابن بري بقوله: "وورش الوجهان عنه نقلا" فقد توهم أكثر الشراح أن ابن بري أراد الوجهين أي ترك البسملة بين السورتين للأزرق والبسملة لغيره
ولعلهم جميعا اتبعوا ما ذكره الشارح الأول للدرر وهو أبو عبد الله الخراز، وذلك في قوله: "واختلف عن ورش في ذلك، فروي عنه استعمالها مثل قالون، وهي رواية أبي الأزهر عبد الصمد، ونص على ذلك أبو عمرو في "المفردة" وغيرها،
وقد أشار أبو زيد بن القاضي إلى الوهم الذي وقع للشراح في شرح قول ابن بري المذكور فقال: "كذا وقع لهم، وفيه نظر، لأن ذلك يؤدي إلى تخليط الطرق، ولأن الشيخ ـ رحمه الله ـ لم يتعرض في "الدرر" إلا لرواية الأزرق فقط عن ورش، وأبي نشيط عن قالون، بل الصواب أن استعمالها وعدم استعمالها معا منقولان عن أبي يعقوب الأزرق، فتركها رواية أبي بكر عبد الله بن سيف، واستعمالها رواية أبي جعفر أحمد بن هلال الأزدي عنه، فإذا أردت حفظ هذا فزد بعد قول أبي الحسن نقلا:
"فنجل سيف تركــها به تــلا * عن يوسف، وابن هلال أعملا
وقال بعض أشياخنا:
ومن طريق ابن هلال بسملا * أزرقهم ومن طريق الغير لا
ولما كان المشهور والشائع في الاستعمال في رواية ورش عند المغاربة هو ترك الفصل بالبسملة بين السورتين. فقد أخذوا في ذلك بمذهبين : مذهب الفصل بينهما بسكتة يسيرة دون تنفس، ومذهب وصل آخر السورة بأول الأخرى دون فصل بسكت ولا بسملة على ما ذهب إليه عامة أهل الأداء، قال أبو عمرو في البيان:"ولأهل الأداء في مذهب من ترك التسمية مذهبان: أحدهما أن توصل السورة بالسورة ويبين اعرابها من غير سكت بين السورتين، ليعلم الناس بانقضاء السور وابتدائهن، وهذا المذهب روي لنا عن ابن مجاهد وغيره من أهل الأداء، والمذهب الآخر أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع، ليؤذن بذلك بانقضاء السور وابتدائهن، فيكون ذلك عوضا عن الفصل بينهن، وعلى هذا المذهب أكثر شيوخنا والجلة من المتصدرين" .
كما أن الواجب يقتضي التصدي لجبروت سكولة العقول الذي هيمن على النفوس, كأولئك الذين يدعون الى ترك حفظ القرءان الكريم و هجره, و الاكتفاء بفهم بعض آياته أو ترتيل بعض سوره, كما جاء عن المفكر المصري, الدكتور محمد عمارة, الذي أفتى بعدم الجدوى من حفظه. لانعدام أهمية ذلك, و بالتالي فلا داعي لختامته جوابا عمن سأله عن رأيه حول من يختم القرءان أربع ختمات أو أكثر من المغاربة ليحفظه, مستدلا على ذلك في زعمه بفعل الصحابة الذين لم يحفظوا القرءان الكريم كاملا, و أن الواحد منهم كان يقف عند عشر آيات أو أقل , ليتدبرها و يفهمها , بحيث شبه حملة القرءان الذين لا يفقهون أسراره و لا يتدبرون معانيه بالحمار الذي يحمل الأسفار, تمثيلالهم بآولئك اليهود الذين أشارت اليهم الآية الخامسة من سورة الجمعة في قوله تعالى: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" وفد أصدر هذا الرجل هذه الفتوى يوم الجمعة 14) نونبر سنة 2003 م ( بواسطة أحد البرامج التلفزيونية ياسم : ) لقاء الحمعة ( بالقناة الفضائية المصرية .
- بهذا نعت الدكتور محمد عمارة حملة كتاب الله تعالى من المغاربة و هو يترنح على كرسيه يمضغ الكلمات, و يدغدغ العبارات, و يضغط على مخارج الحروف و الأصوات, و كأنه وحيد زمانه, و فريد عصره و أوانه, مما يتعين معه التصريح بأحد القولين:
فاما أنه رجل لم ينل حظه من القرءان الكريم حفظا و ضبطا و اتقانا, رواية و دراية, و هذا ليس ببعد.
و اما أنه رجل مغال و معتال متكبر, أراد بفتواه هذه لبس الحق بالباطل, لان الدعوة إلى تدبر القرءان الكريم و اعمال الفكر فيه لفهم مراميه و معانيه حق, و النهي عن حفظه أمر باطل, و هكذا يكون الدكتور قد قصد حقا أريد به باطل, و الذي سار على دربه كثير من الأتباع المتنطعين .
و ليس غريبا على الدكتور أن يقول بما قال به, و هو الرجل الذي لم ينله شظف العيش في سبيل حفظ القرءان, و لا تغرب عن الأهل و الأوطان في طلب القرءان, و لا سافر حافي القدمين بين الفجاج و السهول و الجبال, فتشققت قدماه في طلب القرءان و لا سهر السنين في جمع القراءات و تصحيح رسم القرءان و الا لعلم أن جمع القراءات و حفظ القرءان رواية ودراية, ضبطا و رسما , ثمنه الأعمار الطوال.
فكيف يتصور الدكتور و أتباعه و مناصروه أن حامل القرءان أشبه بالحمار؟ الله الله عليك يا دكتور!
اننا معشر المغاربة على الخصوص الذين نحس بما يعانيه طالب القرءان, و ما يتحمله من متاعب و مشاق في سبيل حفظه, و اتقان رسمه, و كيفية قراءاته بتعدد طرقه و رواياته.
- فالقرءان الكريم هو كلام الله المنزل على قلب الحبيب المصطفى (ص) وحيا يوحى اليه في الليل الدامس, و البرد القارس, أو لظى الهجير, و في استجمام الحضر و أثناء السفر, فعن عائشة (ض) قالت: "... و لقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه, و ان جبينه ليتصبب عرقا..." *= البخاري 71/1
فالآيات الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على تنزيل القرءان الكريم وحيا يتلى لا كتابا يتصفح أكثر من أن تحصى... و أما ما زعمه الدكتور و أتباعه من أن الصحابة ما كان لأحد منهم ليحفظ القرءان الكريم كاملا, و انما كان الواحد منهم يكتفي بآيات عشر بهدف التدبر و اعمال الفكر لفهم المرامي و المقاصد, فاننا نرد عليهم بما يلي:
- فمما لا شك فيه أن الرسول (ص) هو سيد الحفاظ, و هو أول من تلقاه عن ربه عز و جل, ثم تيسر بعد ذلك لنخبة من الصحابة في عهده و لا بد أن يكون عدد هذه النخبة غير قليل. فقد قتل منهم يوم بئر معونة سبعون , و قتل في عهده (ص) مثل هذا العدد .
*= الاتقان للسيوطي 122-121/1 ;
و قد عد أبو عبيد بن سلام من المهاجرين: الخلفاء الأربعة. و طلحة, و سعدا, و ابن مسعود, و حذيفة و سالما, و أبا هريرة, و عبد الله بن السائب, و العبادلة و عائشة, و حفصة, و أم سلمة .
*= البرهان للزركشي 142/1 :
و من الأنصار: عبادة بن الصامت, و معاذا المكنى أبا حليمة, و مجمع بن جارية, و فضالة بن عبيد و غيرهم, و صرح بأن بعضهم كمله بعد النبي (ص), و هؤلاء الذين عدهم القاسم بن سلام من المهاجرين و الأنصار و أمهات المومنين, ليسها الا طائفة من الأصحاب الذين جمعوا كتاب الله في صدورهم و تيسير لهم أن يعرضوه على النبي (ص), و تلقيهم عنه بالمشافهة و التلقين, و أما الذين حفظوه من الصحابة من غير أن يعرضوه على الرسول (ص) فلا يحصون عددا, خاصة منهم الذين لم يكملوه الا بعد وفاته (ص)
*=المصدر السابق
و يقول الذهبي: "ان هذه العدد هم الذين عرضوه على النبي (ص) و اتصلت بنا أسانيدهم , و أما من جمعه منهم و لم يتصل بنا سندهم فكثير.
*=البرهان 125/1
و قد اشتهر بالاقراء من الصحابة سبعة: عثمان ابن عفان, و علي بن أبي طالب, و أبي كعب, و زير بن ثابت, و عبد الله بن مسعود, و أبو الدرداء, و أبو موسى الأشعري, كما قرأ على أبي بن كعب جماعة من الصحابة الذين أخذ عنهم خلق كثير من النابعين
*= الاتقالن 125/1
و هكذا كان في العصر النبوي ما يشبه مدرسة لتحفيظ القرءان الكريم.
و يؤكد ابن الجزري ان الاعتماد في نقل القرءان على حفظ القلوب و الصدور لأعلى خط المصاحف و السطور خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة و يستدل على ذلك بما رواه مسلم أن النبي (ص) قال: " ان ربي قال: قم في قريش فأنذرهم, فقلت له: أي ربي يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة. فقال : اني مبتليك و مبتل بك , و منزل عليك كتابا لا يغسله الماء , تقرؤه نائما و يقظان...
*= صحيح مسلم : 2196
ويتبين من خلال هذه النصوص و غيرها و التي لا يتسع المقام لذكرها أن حفظ القرءان الكريم في الصدور سنة مؤكدة , أو قل فرض كفاية دعت اليه حاجة الحفاظ عليه من التلف و التصحيف, ذلك ان حفظ القرءان الكريم بمثابة مسطرة شرعية تعمل على تنفيذ حكم الله تعالى, القاضي في الأزل بالحفاظ عليه و المتمثل في قوله تعالى: "انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون" الحجر 9 :
و هكذا, و بعد الفتح الاسلامي دخل القرءان الى المغرب على يد القادة المسلمين, و الذين من بينهم موسى بن نصير الذي كانت الركيزة الاولى لسياسته تعليم القرءان لسائر الطبقات, حيث أمر بنشر تعاليم الاسلام و اشاعة حب القرءان الكريم بين الناس, فكان أن دشنت المدارس القرءانية و انتشرت الكتاتيب, و شيدت الجوامع و المساجد, و كانت مهمتها بالأساس مقصورة على التعليم و العبادة مما جعل المغاربة يتفوقون على غيرهم في حفظ القرءان و اتقان رسمه و ضبطه , حتى قيل: " نزل القرءان في الحجاز, و كتب في العراق, وجود في مصر وحفظ في المغرب" اذ لا توجد أمة خدمت القرءان الكريم و تفانت في حبه و اهتمت بشأنه كالمغاربة, و الذين تلقوه بالمشافهة و التلقين عن شيوخ القراءات خلفا عن السلف, رواية و دراية, و في مختلف القراءات , يتنا و لونه فرادى و جماعات , إفرادا و اردافا , يقرؤون و يرتلون, يهذون و يحذرون , برواية او بأكثر, بالسبع أو بالعشر في واضحة النهار و غسق الليل, لا يحتاجون في تراتيلهم الى ضوء الشموع و لا الى انارة المصابيح و لا الى تقليب الصحفات في المصاحف على المقرآت, كما هو حال غيرهم, لان انا جيلهم في صدورهم كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .=المعجم الكبير رقم 9903 :
و هي خاصية المغاربة دون سواهم و لهم أن يفخروا بذلك و يباهوا به غيرهم في كل القارات و على كل حال فان حملة القرءان الكريم من المغاربة لا تنالهم ألسنة المتسلطين بشيء, لانهم متمسكون بكتاب الله, شغوفون بقراءته حتى بلغوا الغاية القصوى في العناية به و الاحاطة بكلماته و ألفاظه, حفظا و دراية فتفننوا في وضع معاجم مختلفة المناهج محفوظة في صدورهم و لا نظير لها في العالم أجمع, حيث يعد الواحد منهم كنزا ثمينا من القواعد و الأنصاص, و خزانة هائلة متحركة من الأوزان و الرسميات و الرموز, و قد تتفاوت درجاتهم في الضبط و الاتقان, مما يجعلهم يغالون في قيمة الرجل, فيزنون مكانته بقدر اتقانه و ضبطه, و هم بذلك معاجم تمشي على الأقدام, بل و بفضلهم تصحح الأخطاء المستربة في المصاحف , المخطوطة منها و المطبوعة , كما عليه حال المصحف الشريف المطبوع بالرسم العثماني على رواية ورش عن نافع , بالخط المغربي الافريقي الموحد , الذي وضع تصميمه محمد عبد الرحمن محمد, و أقر صحته مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر, و فيه من بين الأخطاء على سبيل المثال ما يلي:
آ (قوله تعالى : " إن الله غفور رحيم خذ من أموالهم...." التوبة 103-102:
فقد جاء تنوين الضمتين على ميم ) رحيم ( متتابعا , والحال أنه متراكب لموالاته حرفا حلقيا هو الخاء , في ) خذ (
- طبعة دار المصحف, القاهرة لسنتي 1964 و 1975 و كذا مطبعة دار النجاح بالدار البيضاء 1991 م
وقد تكرر هذا الخطأ في نفس اللمصحف عن نفس اللجنة والطبعة , وذلك في قوله تعالى "....لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم...." *= يونس: 49
حيث جاء تنوين الضمتين على لام ) أجل( متتابعا أيضا , والأولى به أن يكون متراكبا كسابقه , كما في قول الناظم :
فهاء وحاء ثم خاء وهمزة * وعين وغين قالوا للحلق تنسب
فصور سكون النون إن جاء قبلها * كذلك فالتنوين أيضا يركب
ب ( قوله تعالى : " ...قالوا يأبانا مالك لاتامننا على يوسف ..." = يوسف 11:
إذ كتبت " لاتامننا " بنقطة الاشمام مباشرة للميم , وبعدها نون واحدة دالة على ضمير الجمع المتكلم , وذلك في طبعة 1964 : م , كما كتبت من غير إشمام ولا نون بعد الميم ياستثناء نون الضمير ) نا ( المشددة , وذلك في طبعة 1975 : م , وكتبت صحيحة في طبعة دار النجاح إلا أن نون الضمير ) نا ( جاءت مشددة , والأصل فيها أن ترسم بنونين تتوسطهما نقطة الاشمام الدالة غلى اختلاس حركة النون الأولى , إشارة الى ضم الشفتين من غير إحداث شئ في هذه النون , وتحريك النون الثانية خفيفة في قراءة المغاربة من طريق غير ابن مجاهد , ولا يمكن أن تتأتى هذه القراءة في لفظها ورسمها إلا بالتلقين عن طريق العرض والمشافهة ....
ولأن لجنة التصحيح الأزهرية و غيرها تعتمد كتب القراءات و مصادرها من غير عرض و لا تلقين بالمشافهة عن الشيوخ, كان لا بد أن يقع هذا الخلط, , نظرا لتعدد القراءات من جهة , و أن القراءات لا تصح الا بالمشافهة و التلقين , لما في هذه الكلمة أو تلك , من اختلاف في القراءات و الطرق و الروايات من جهة أخرى.
اذ لا شك في أن القرءان لا يؤخذ الا بالعرض و المشافهة عن شيوخ القراءات, و هو ما كان عليه المغاربة خلفا عن سلف الى أن ظهرت موجة عارمة, تتمثل في مجموعة من الأشخاص, ممن وجدوا أنفسهم مشايخ في الترتيل و الاقراء , فهذا يدعي ترتيله للقراءات العشر, و ذاك يزعم قراءة المكي, و آخر حمزة و هكذا, و الحال أنهم لا يحسنون حتى رواية ورش عن نافع , بل ان جلهم ليسوا حفاظا, و لا سبق لهم أن تلقوه عن شيوخه و أعلامه , ولا احتضنوا الألواح فاحتطوا كلماته, و صححوا على يد أساتذته و حذاقه ما استشكل عليهم من مشابه ألفاظه , فقط لأن الظروف استعفتهم, فوجدوا أنفسهم كذلك, فكان لهم السبق في إمامة هذا المسجد أو ذاك , أو ادارة هذه الدار أو تلك, فتسابقت اليهم أضواء القنوات أو برامج الاذاعات و هم أبعد عن حقيقة ماهم فيه بعد السماء عن الأرض, و لقد صدق من قال:
وليس عجيبا أن يحقر عالم * لدى ضده وأن يوقر جاهل
فقد ربما للجد يكرم ناهق * فيخلى له المرعى ويحرم صاهل
وقد يلبس الديباج قرد ودمية * وتلوى بأعناق الأسود السلاسل
*= انظر; مجمع الحكم والأمثال ) : الباب الثامن عشر( , والأبيات للمقرب العيوني , المتوفى سنة 572 : ه
و لنا في هذا مقال على أن نعود للدكتور محمد عمارة الذي وصف حفظة القرءان الكريم من المغاربة بالحمير تشبيها لهم بأولئك الذين أشارت اليهم آية الجمعة السابقة, من غير تهيب و لا وقار, مع العلم أن الآية جاءت في شأن الطائفة اليهودية التي كلفت بما جاء به التوراة من أحكام فتعاموا عنها و أضربوا عن حدودها, و عصوا أوامرها و نواهيها, و لم يعملوا بمقتضياتها, اذ ان التشبيه هنا لم يحصل من مجرد الحمل, بل لغرض توجيه الذم الى من أتبعه نفسه في حمل ما يتضمن المنافع ثم لا ينتفع به, كما في قول لبيد :
و ما الناس الا كالديار و أهلها * يوم حلوها و غذوا بلاقع
*= انظر الأغاني 362/15: وتفسير أبو السعود 181/3 :
فالشاعر لم يشبه الناس بالديار, و انما شبه وجودهم في الدنيا و سرعة زوالهم بحلول أهل الديار فيها و وشك رحيلهم عنها , و من ثم , فإن الآية الكريمة جاءت ذما لليهود الذين بدلوا ما في التوراة من أحكام, و حرفوا ما جاءت به من شرائع, و أولوا ما كانت عليه من مفاهيم .
و أما حفظة القرءان الكريم فيكفيهم ما صدر في حقهم من آيات و أحاديث, تعظم شأنهم و ترفع من قدرهم, و تبين مالهم من منزلة عند الله سبحانه و تعالى, و من ذلك قوله تعالى: "ثم أورئنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا" = فاطر 323 :
و قوله صلى الله عليه و سلم: "ان لله أهلين من خلقه, قيل: و من هم يا رسول الله, قال: أهل القرءان هم أهل الله و خاصته" = فضائل القرءان للنسائي ص 83 :
اذن فهذا حال حفظة القرءان الكريم عند الله تعالى , سواء فهموا مراميه و معانيه أو لم يفهموها, فقد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: "رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب, ما أفضل ما يتقرب به المتقربون اليك ؟ قال : كلامي يا أحمد , فقلت : يا رب, بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم و بغير فهم ه. *= انظر إبراز المعاني , لأبي شامة 733 :
و في هذا قال حذاق المغاربة:
يا من يريد الغرب من مولاه * فليقرأ القرءان لا نسياه...
الى أن قال:
بفهم أو بغير فهم يا فتى * هذا هو الفضل من الله أتى
و قال جمال الدين السخاوي : "فان قيل : التلاوة أفضل أم الذكر؟ قلت : اذا تلوت خاطبك الله , و اذا ذكرته فانت تخاطبه , و لا مزيد عن هذا" جمال الاقراء وكمال القراء 93/1 :
وقال أبو أمامة : "احفظوا القرءان , و لا تغرنكم هذه المصاحف , فان الله لا يعذب قلبا وعى القرءان . = المصدر السابق
و كثيرة هي الأحاديث و الأقوال نظما و نثرا , والتي تبجل حملة كتاب الله تعالى, و تظهر مكانتهم العليا عنده سبحانة عز و جل.
- فاذا كان هذا هو حال أهل القرءان, فكيف بالدكتور أن ينعتهم بسفلة الخلق من الحيوان, و قد كان الأولى به أن يجيب السائل جواب الفحول الأفذاذ من السلف الصالح الذين ما كان لأحدهم أن يجيب فيما اشتبه عليه من المسائل الا بقوله : (لا أدري).
فقد روى سحنون عن ابن وهب قال: قال لي مالك بن أنس و هو ينكر كثرة المسائل: "يا عبد الله, ما علمته فقل به ودل عليه, و مالم تعلمه فاسكت عنه, و اياك ان تقلد الناس قلادة سوء" ه
و معلوم أن القاعدة المقررة: العلم ثلاثة: آية محكمة, و سنة ما ضية, و لا أدري.
* = الاحكام لابن حزم 509-510/8 :
- و ينقسم التراث المغربي لفن القراءات الى عدة أقسام, هي عبارة عن مصطلحات تهتم بضوابط الرسم و عد ألفاظ القرءان الكريم و الأخذ بتلابيب قراءاته , و التحكم في تعدد طرقه و رواياته , و يطلق على هذه الأسماء و المصطلحات عبارات: "السطرية, و الوزنية, و الحطية و الرمزية, و الرسمية..." و هكذا, و المراد بكل ذلك هو جرد ما في كتاب الله تعالى من الفاظ ثماثلية من حيث المبنى, أو السجع, أو الاعراب أو نحو ذلك من جهة, أو ما اتفق عليها أو اختلف حولها من حيث الطرق و روايات القراءات من جهة أخرى , و بمنهجية لا مثيل لها في كل المصادر, و تعتمد في الأساس على الحفظ في الصدور لا على الكراريس و السطور, و من الأمثلة على ذلك :
(1 مثال ما جاء في القرءان مرة واحدة:
* المثال الأول قولهم:
الجنات ثبت النون غريب واحد * في قوله تعالى شرع مكملا
أي أن هذه الحرف "الجنات" هو الوحيد من بين تسعة و ستين من لفظه الذي جاء باثبات الألف بين النون و التاء , و ذلك في الربع الأول " شرع " من الحزب : 49 "اليه يرد" من قوله تعالى: " و الذين آمنواو عملوا الصالحات في روضات الجنات" = الشورى 22 :
* المثال الثاني:
السموات ثبت الواو غريب واحد * في قوله تعالى أئنكم مكملا
أي أن هذا الحرف "السموات" هو الوحيد من بين مائة و تسعين حرفا من لفظه الذي جاء باثبات الألف بين الواو و التاء, و ذلك في الربع الثاني "قل أئنكم" من الحزب 48 "و يقوم" من قوله تعالى: "فقضاهن سبع سموات في يومين..." =فصلت 12 :
(2 مثال ما جاء في القرءان الكريم مكررا مرتين :
و يطلقون عليه اسم "معا" و هو اما عبارات أو ألفاظ.
- فمن العبارات قولهم مثلا:
لا اله الا الله في الذكر قل معا * احشروا و دمر و صل على النبي
أي أن عبارة "لا اله الا الله" قد تكررت مرتين لا غير.
- المرة الاولى في الربع الثاني من الحزب 45 "و ما أنزلنا" في قوله تعالى: "و اذا قيل لهم لا اله الا الله ستكبرون..." = الصافات 35 :
- المرة الثانية في الربع الثاني من الحزب 51 "ما خلقنا" في قوله تعالى : "فاعلم أنه لا اله الا الله... ..." = الاحقاف 19 :
- و من الألفاظ مثل قولهم :
أمثالكم ضم اللام معا تنزلا * يستجيب قل نفعا وصل على النبي
و عكسهم قل بالفتح أيضا و قل معا * أطيعوا وقعت الواقعة مكملا
أي أن حرف "أمثالكم" تكرر أربع مرات في القرءان الكريم, حيث جاء مرفوعا مرتين , و منصوبا مرتين أيضا.
جاء مرفوعا في الحزب "انما يستجيب" من قوله تعالى: "و لا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم" = الأنعام 39 :
39 : و قوله سبحانه في الربع الأول "قل لا أملك لنفسي نفعا..." من الحزب 18 "و اذا نتقنا الجبل" في قوله تعالى: "ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم" =الأعراف 194 :
و جاء منصوبا في الربع الثالث "أطيعوا" من الحزب 51 "ما خلقنا" في قوله تعالى : " ثم لا يكونوا أمثالكم"= الاحقاف 38 :
- و كذا قوله سبحانه في الربع الاول من الحزب 54 "الرحمن" ... " على أن نبدل أمثالكم..."
= الواقعة 61 :
(3 مثال ما جاء مكررا ثلاث مرات فأكثر و له ضوابط ثلاثة :
* الضابط الأول : ما كان على شكالة سابقيه , أي أنه يضبط بالربع أو بالحزب أو بالسورة و من ذلك ما جاء مكررا ثلاث مرات , و يصطلحون عليه بقولهم: "جيم" مثل قولهم :
* المثال الأول :
سقر و قل بالفتح جيم عددهم * المدثر قل معا فدعا مكملا
أي, أن هذا الحرف "سقر" جاء مكررا في المدثر مرتين, و ذلك في قوله تعالى: "سأصليه سقر" الآية 26 من سورة المدثر
و قوله سبحانه: "ما سلككم في سقر" الآية 41 بعد أن جاء مرة قي الربع الثالث "فدعا" من الحزب 53 "قال فما خطبكم" في قوله تعالى "ذوقوا مس سقر" = القمر 48 :
في حين جاء هذا الحرف مرفوعا في موضع واحد بالآية 27 من سورة المدثر من قوله تعالى " " و ما أدريك ما سقر" فقالوا :
سقر و قل بالضم غريب واحد * في قوله تعالى المدثر مكملا
* المثال الثاني : ما جاء مكرر أربع مرات, ويطلقون عليه اسم "دال" كقولهم:
السحر بفتح الراء دال عددهم * في جاءكم طه و اقترب و باخع
أي أن حرف "السحر" بفتح الراء جاء مكررا أربع مرات :
- الأولى: في الربع الأول من الحزب الثاني "و اذا لقوا" من قوله تعالى: ".. يعلمون الناس السحر..." = البقرة 101 :
- و الثانية ; في الحزب 32 من قوله تعالى: "انه لكبيركم الذي علكم السحر" = طه 70:
- الثالثة : في الحزب 33 "اقترب" من قوله تعالى: "أفتاتون السحر و انتم تبصرون" =الانبياء 3 : - الرابعة: في الربع الثالث من الحزب 37 "لا يرجون" في قوله تعالى: "انه لكبير كم الذي علمكم السحر" =الشعراء 48 ;
* الضابط الثاني : و هو ما يعرف باسم "بعيد" على وزن "فعيل" بصيغة التصغير لكلمة "بعد" و يراد بها حصر الكلمات المكررة, و التي لا تأتي الا بعيد كلمات و ألفاظ بعينها, و من ذلك مثل قولهم :
تذكرون في الذكر يزعددهم * بعيد لعلكم قليلا ما فلولا * أفلا تذكرون و صل على النبي
أي أن حرف" تذكرون " جاء مكررا سبع عشرة مرة , و قد أشاروا الى هذا العدد بقولهم : "يز" في البيت , بمعنى أن حرف تذكرون, لم يأت في القرءان الكريم الا بعيد تلك الألفاظ المشار اليها, و هي : " قليلا ما تذكرون "و" أفلا تذكرون... الخ" فقد جاءت بعيد "لعلكم" في ستة مواضع و هي: الأنعام 152 و الأعراف 57 و النحل 90 و النور27-1 و الذريات 49 و جاء بعد "قليلا ما" في ثلاثة مواضع:
- الأعراف 3 و النمل 62 و الحافة 42
و جاءت بعد "أفلا" في سبعة مواضع يونس3 و هود 30-24و النحل 17 و المومنون 85 و الصافات 155 و الجاثية 23
و جاءت بعد فلولا في موضع واحد, الواقعة 65 و الضابط هذا "بعيد" هو أخصر الضوابط و أكثرها رسوخا في الذاكرة و أسهلها وعيا و استيعايا
* الضابط الثالث: و هو ما يعرف عندهم باسم "لخواتات" و المراد بذلك هو جرد جميع الألفاظ المسجوعة, فاما لحصر تماثلها و احصائه, و اما لضبط رسمها وإنجازه , و من الأمثلة على ذلك :
* المثال الأول في حصر التماثل, كقولهم :
* بسم = أول البسملة
* نقتبس = من سورة الحديد 13
و التماثل هنا في كسر الباء المتصلة بسكون السين من غير فاصل بينهما
* بسم =
* الجسم = آية 247 من سورة البقرة
* تسمية = من الآية 27 من سورة النجم .
و التماثل هنا هو سكون السين المتصلة بالميم المكسورة من غير فاصل
* بسم الله
* بأييم الله = سورة ابراهيم 14
* نعم الله = النحل 112
* ان يعلم الله,= الأنفال 7
و التماثل هنا هو الميم المكسورة الموالية للفظ الجلالة و هكذا الى " من الجنة والناس " آخر القرءان .
* المثال الثاني في ضبط الرسم و انجازه كقولهم:
- "لكذبوه أصطفى" من الآيتين 152-151 من سورة الصافات
- يغضون أصواتهم = الحجرات 49
و المراد بضبط الرسم هنا , هو ان الكلمة الثانية من المثالين تبتدئ بهمزة قطع قبل حرف الصاد و بعد ثبوت النون في الفعل المضارع خلافا لما عليه الأمثلة التالية, و المرسومة بهمزات الوصل:
- الذين اصطفى, = النمل 59
- توعدون اصلوها,= يس 64
- تبصرون اصلوها,= الطور 14-13
هذا بالنسبة للحفاظ الوراشيين , أما بالنسبة لحذاق القراءات , فقد وضعوا رموزا على نسق الشاطبية الا أنها أقرب للفهم و أخصر للحفظ....
ذلك أن الامام الشاطبي (ت 590 ه) رحمه الله هو أول من استعمل الرموز لأسماء شيوخ القراءات السبع و رواتهم بالحروف الأبجدية فقال :
جعلت أباجاد على كل قارئ
دليلا على المنظوم أول أولا
و من خلال أربعة عشر بيتا اختزل المتأخرون من المغاربة ذلك في بيت واحد فقالوا :
أدح كنفر أشياخهم و رواتهم
بجهزطي لم صع ضق ست مكملا
ثم قسموا الرموز الى قسمين :
- قسم استعملوه في تراكيب القراءات: و هو المرموز له بحروف ) أبجد هوزحطي كلم نصع فضق رست ثخذ ظغش)
كما في النظام التالي :
أبج ألف عن نافع ثم باؤها * لقالون ثم الجيم ورش تحصلا
دهز دال مكي و هاء لأحمد * و حيث أتاك الزاي فانسب لقنبلا
حطي فحرف الحاء بصر و طاؤها * لدوريهم و الباء للسوسي أقبلا
كلم كاف للشامي و لام هشامه * و ميم ابن ذكوان بحيث تنز لا
نصع نونها عن عاصم ثم صادرها * لشعبتهم و العين حفص تقبلا
فضق فاؤها عن حمزة ثم ضادها * لخلفهم و القاف خلاد الأولا
رست راء لعلي و سين لليثهم * و تاء لدوريهم به النظم مكملا
- و قسم استعملوه فيما يسمى بالرسمية من باقي الحروف الأبجدية, و هي: (ثخذ ظغش)
و كل حرف منها يرمز الى مجموعة من القراء حين اتفاقهم على قراءة حرف من حروف القرءان الكريم, و لحل لغز هذه الحروف قالوا :
و للظا فرند خاء فرنح دك غين فرنح * و ذال فرنك ثاء فرن شين فرتلا
- هذا بالاضافة الى وضعهم رموز الشاطبية الأخرى, و هي : )صحبة, صحاب, عم, سما, حق, نفر, حرمي, حصن,( و غيرها
ثم حلوا ألغازها بقولهم :
حق لحد ثم كدح نفر * أدح سما أك لعم أخبروا
عرف صحاب ثم صحبة صرف * أد لحرمي و حصص أنرف
- هذا فضلا عما وضعوه من معاجم و منظومات جمعوا فيها كل ما اتفق عليه القراء و الرواة من القراءات أو اختلفوا حولها , كاتفاق ابن كثير مثلا مع المرموز لهم ب : (صحاب) و هم المرموز لهم ب : (عرف) أي , (حفص, و الكساني و حمزة) كما في قراءة ; "يريدون ليطفئوا نور الله يافواههم و الله متم نوره" حيث اتفقوا على قراءتها "و الله متم نوره" = الصف 8 :
بكسر راء )نوره( على الاضافة , خلافا للبقية ال>ين قرؤوا ) متم ( بالتنوين ,) نوره (بالنصب على المفعولية , كما اتفقوا على حذف الياء من "يعبادي لا خوف عليكم اليوم و لا انتم تحزنون" = الزخرف 68 :
وفي هذا قال حذاق المغاربة :
و للدال مع صحاب متم نوره * و يعباد لا خوف بالحذف و صلا
وقال الشاطبي :
وفي تمسكوا ثقل حلا ومتم لا * تنونه واخفض نوره عن شذا دلا
* البيت رقم 1070
وقال المتولي :
تمسكوا الفتحان واقصر شددا * عقبتم له متم مسندا
نون وبعد انصب نمتوا فاكسرا * فتى وفي الجمعة اسكان طرا
* البيتان رقم 534-533 : من منظومته , الفوائد المعتبرة
بمعنى أن اتفاق مجموعة من القراء حول هذا الحرف أو ذاك , يعني اختلاف الباقين منهم فيه.
هذا وقد وضعوا لهذه المنظومات المتعلقة برموز الرسميات أبوابا كثيرة , جمعت بين ثناياها شتات القراءات ونتفها المتفرقة في أمهات الكتب والمصادر, بأسلوب جيد رائع , وعبارات مختصرة هائلة , كقولهم : ) باب الدال المهمل ,أي , مانفرد به ابن كثيرالمكي , أو باب الخاء , أي مااتفق عليه القراء في السبع إلا نافعا.....وهكذا ( إضافة الى رموز أخرى, كالألف, والمدة, والهمزة , والنقطة , وعلامتي الصفر والضرب وغيرها...ولكل مدلولاته الاشارية , كالسكت مع الوصل , أو القصر مع المد , أو الوصل في مقابلة السكت , أوالنقل , أو الوقف , أو غير ذلك مما ترمز إليه هذه العلامات أوتلك , وهي أمورتحتاج لحلها الى مهارات عالية وحذق كبير وفطنة متناهية , والتي لاتتأتى الا بالأخذ عن الشيوخ من حذاقها , والفن لايؤخذ ألا من أهله الذين أتعبوا أنفسهم في وضع هذه الفنون , وأفنوا أعمارهم في الحفلظ عليه , كما عليه قول القائل الذي أسلفنا :
وللعلوم رجال يعرفون بها * وللدواوين كتاب وحساب وهكذا عليه الوضع المعجمي من أول القرءان الى آخره, بدءا بالبسملة و انتهاء بمن الجنة و الناس, حرفا حرفا, و عبارة عبارة غير أن حفاظ هذا التراث من المعاجم القرءانية, هم في تناقص متزايد بسبب الوفيات و انعدام الخلف, و كل من مات فات و ذهب بما يملك, بمقتضى قولة الفقهاء الشهيرة: (ذهب الحفاظ بالعلم)
و من بين هؤلاء الأعلام : الحاذق في العشر السي علال السرغيني العشراوي, امام الاقراء و شيخ القراء بمدرسة سيد الزؤين الشهيرة و شيخ مشايخ القراء و الاقراء: السي الطاهر الحريري العشراوي العبدي, و الذي كان يعد رحلة في هذا الفن, بنفس المدرسة سيد الزوين و السي عيسى العبدي العشراوي , و الذي كان المشرف الرئيسي على احدى المدارس التابعة للأوقاف بأزمور, و المتفنن في السبع: السي الحسين الخطابي, المعروف ببلبيض
- و الحافظ المعجمي : السي المختار, المعروف ببلحشادي, و الذي كان و لا زالت الأمثال تضرب بتصحيحه الألواح "الدوازة" رحم الله الجميع .
- و الباقي من أمثال هؤلاء هم فئة قليلة تعيش الاقصاء و التهميش, بسبب الغزو الأكاديمي, و سكولة المصحفيين, و شتان بين الحافظ والدارس .
ذلك , أن حفاظ القرءان الكريم من حذاق المغاربة هم رتب ودرجات , يطلق على كل صاحب رتبة لقب يصنفه بميزة معينة من الدرجات :
- الدرجة الاولى ; العشروي , وهي ميزة لايختص بها الا من كان حاذقا في القراءات العشرين: العشر الصغير ةالعشر الكبير , او ألعشر الصغرى والعشر الكبرى
كشيخ مشاييخ الفراء و الاقراء المرحوم : الحاج طاهر الحريري, المذكور آنفا, و الذي كان يعد رحلة في هذا الفن , فذهب فنه بذهابه, و زالت علومه بزواله ,مصداقا لقول الرسول "ص" "ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, و انما يقبض العلم بقبض العلماء" = سبق تخريجه
- الدرجة الثانية: الحمزاوي, و هو المتفنن في القراءات السبع المعروفة في المغرب بقراءة الشيخ أو سيد حمزة نسبة الى حمزة بن حبيب الزيات =ترجمته في معرفة القراء 112-111/-1 :
من أمثال: السي موسى الجابري, و السي محمد بنعمر العمراني, و السي حسن غرور و غيرهم من القلة الباقية على قيد الحياة, أطال الله في أعمارهم بالصحة و العافية آمين
- الدرجة الثالثة: البصراوي , و هو المتقن لقراءة أبي عمرو البصري, المعروفة بقراءة (سما) و هو رمزها.
- الدرجة الرابعة: المكاوي, و هو لقب يطلق على كل من تفنن في قراءة ابن كثيرا المكي من أمثال: السي محمد تمين الزكودي من أولاد عمران, و السي أحمد القاسمي, أحد القيمين بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء و غيرهما ...
- الدرجة الخامسة: الوراشي, نسبة الى رواية ورش عن نافع , و تنقسم هذه الدرجة الى الألقاب التالية:
_ اللقب الأول: "طالب دواز" و معناه: شيخ الاقراء لرواية ورش عن نافع بحيث تشد اليه الرحال من مختلف الأنحاء و الجهات من الطلبة "المسافرية" و الذين يخنشون من أجل الأخذ و التحصيل و تصويب الرسم, و ضبط و اتقان هذه الرواية, بالطريقة المغربية, التي تعتمد في أصلها على حفظ المعاجم و الأنصاص و أحكام الرسميات, و غيرها مما هو متعارف عليه في جوامع المغرب و مدارسه و زواياه , على ألا يحمل هذا المسافري أو المخنش ما يطلق عليه اسم (السي ابراهيم) أي المصحف, لان المصحف في عرف الشيوخ و حذاق الاقراء من المغاربة من المحظورات , ومن أمثال هؤلاء ; السيد محمد تمين الزكودي المذكور آنفا
اللقب الثاني: طالب جيد, و هو الحافظ المتقن لرواية ورش عن نافع, الضابط لرسمه و أحكامه, و هو دون رتبة "الطالب الدواز" الا أنه شيخ مقرئ
_ اللقب الثالث: طالب, و هو كل من حفظ القرءان الكريم برواية ورش عن نافع, والضابط للرسم من غير أحكام.
_ اللقب الرابع: طالب جداري, و هو الحافظ من غير ضبط و لا رسم
_ اللقب الخامس: طالب امسمسك و هو كل من يقرأ مع غيره بتلكؤ وتتعتع
_ اللقب السادس: طالب امصرصح, و هو من سبق له أن ختم القرءان من غير حفظ بحيث يظهر له حين قراءته و لو في المصحف كالسراب , وهو اللقب الذي يسوم حامله المعرة و سوء التقدير, مما يجعل " المسافرية " يتحاشون حمل المصحف معهم أو حتى النظر فيه.
_ و للحفاظ على هذه الدرجات الخمس المذكورة آنفا بلقبيها: الأول و الثاني, و احياء لهذه التراث المكنوز في صدور الحفاظ من المغاربة, و الحذاق في فن القراءات, على وزارة الأةقاف و الشؤون الاسلامية أن تنظر بجدية في هذا الأمر, و أن تخصص منحا دائمة وقارة لكل حاذق متفنن ;
والله ولي التوفيق
#المصطفى_البخاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟