|
ازمة الثقافة العربية انعكاس لسياسة القمع وغياب الحرية في الوطن العربي
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 856 - 2004 / 6 / 6 - 10:05
المحور:
الادب والفن
تعتبر الثقافة انعكاساً للمستوى الحضاري للوطن، وهناك علاقة طردية بين مستوى التقدم الذي يشهده الوطن ومستوى نتاجه الثقافي.. ومدى مساهمة هذا النتاج في مسيرة التقدم الاجتماعي. والثقافة مرتبطة بشكل ديناميكي مع الحرية، فكلما كانت مساحة الحرية واسعة كلما نمت الثقافة بحجم تلك المساحة وطالبة بمساحات أكبر. ولا تقتصر الثقافة على النتاج الأدبي والفني، وإنما تنسحب لتشمل كل العلوم الأخرى التي تنطوي تحت مظلة الثقافة الوطنية. وللثقافة أوجه متعددة، تبعاً لتعدد وجهات النظر في المجتمع وتدلل الثقافة الوحيدة الوجه والاتجاه على انحسار الحرية خاصة في المجتمعات التي تحكمها أحزاب شمولية أحادية الفكرة والتوجه. ويمثل المثقف الآلية المنتجة للثقافة التي تعكس الواقع الاجتماعي، وتستمد من حراكية المجتمع شخوصها ودلالاتها للتعبير عن السمات والتطلعات الاجتماعية الحقيقية. ويجد ((بول برنارد)) أن الثقافة هي أن يكون المثقف مرآة تنعكس فيها كل الحوادث الأدبية والعلمية والاجتماعية في المدينة المعاصرة، يراقبها ويشترك فيها ويعرف اتجاهاتها الكبرى. أن الثقافة هي إدراك القيم الفكرية وتحقيقها والدفاع عنها والسمو إلى مصاف أولئك الكتاب والفلاسفة والعلماء والفنانين والشعراء الذين رفعوا البشرية إلى هذه الدرجة من المعرفة والشعور والذكاء..تقوم هذه الثقافة على تمثيل القيم الفكرية للمدينة ومعرفة مجرى التاريخ البشري وعوامل تطوره وتقدمه. أن الإرث الثقافي الوطني، هو حصيلة لتراكم جميع أنماط الثقافة للحضارات السابقة. فكلما كانت هذه الثقافة متعددة الأوجه ومعبرة عن الحالة الإنسانية كلما أخذت شكلها الكوني وأصبحت ثقافة مساهمة في رفد الحضارة الإنسانية. وبالضد من ذلك نجد الثقافة وحيدة الاتجاه، لا تخرج عن إطارها المرسوم. لذا فهي ثقافة معينة بتوجهاتها وتخاطب شريحة خاصة من الناس وبالتالي فأنها لا تمثل حالة إنسانية عامة معبرة عن توجهات متعددة وقادرة على المساهمة في العطاء الإنساني. وهناك نوعان من الثقافة، ينهل منها المثقف: ثقافة عامة تعمل على زيادة المعرفة والإطلاع، وثقافة تخصصية يسعى إليها المثقف كي يساهم في تطورها كمبدع، حسب اعتقاد ((بول برنارد)) الذي يجد أن الثقافة تنقسم إلى نوعين: ثقافة عامة واسعة تشمل الإطلاع على المبادئ الأولية الأساسية لكل علوم العصر على اختلافها، وثقافة خاصة من نوع من العلوم والفنون ينصرف إليها المثقف ويسعى إلى الإبداع والتجديد فيها. وتعاني الثقافة في الوطن العربي من أزمة حقيقية، ناشئة من القيود التي تفرض عليها نتيجة عدم وجود فضاءات من الحرية اللازمة لنموها وترعرعها. وكما تعكس أزمة الثقافة العربية في وجها الأخر، أزمة الأنظمة العربية وأزمة الحرية التي حجبتها عن شعوبها، وتعني كذلك ممارسات الأنظمة العربية القمعية لسياسة التهميش والإلغاء لشريحة هامة من المجتمع لها القدرة على المساهمة الفعالة في تقدمه. فالمثقفون أداة التغير ومنابع المعرفة التي بدونها يفقد المجتمع توجهاته الصحيحة نحو المستقبل، وهناك حالة من الرفض والاحتجاج السلمي يمارسها المثقف ضد الأنظمة العربية القمعية من خلال رفض التعاطي مع أجهزة ومؤسسات ثقافة تلك الأنظمة. وهذا الرفض والاحتجاج من قبل المثقفين، يعبر عن رفض أساليب المماطلة والتسويف الذي تنتهجها الأنظمة العربية ضد المطالبة بمنح الحريات..والإصرار على تعطيل الوظيفة التاريخية للمثقف في المجتمع..وهذه العطالة انعكست على أوجه الثقافة الوطنية وبالنتيجة على سُبل التقدم الاجتماعي. ويجد ((أحمد المديني)) أن الكتاب والمثقفين في العالم الثالث، قد أعلنوها مرة واحدة معركة ضد كل الواجهات والمؤسسات التي تحاول إلغاء وجودهم ووظيفتهم التاريخية، بينما نحن ما نزال نتخبط ونتمرغ في مدارج وإلتواءات وتعرجات تعطي دليلاً صريحاً على الانتهازية والرجعية والفكر المتخلف المرتبط بأبجدية ثقافية وذهنية عدِّت متجاوزة ومهزومة في عقر دارها. فالأنظمة العربية، تنظر إلى الثقافة نظرة أحادية تمثل وجهة نظرها السياسية. والثقافة الوحيدة المسموح بها هو ما يصدر عن وزاراتها ومؤسساتها الثقافية وما يتفق مع وجهة نظرها...وأية مطالبة أخرى بتعدد أوجه الثقافة تجعلها تستنفر كل أجهزتها القمعية للمواجهة، فالسعي للمطالبة بثقافة متعددة الأوجه يخفي بين طياته المطالبة بالحرية كي تُعبر الأوجه الأخرى للثقافة عن وجهات نظرها في السياسة والمجتمع. وبالنتيجة فأن حرية التعبير ستؤدي إلى هتك ستر الثقافة وحيدة الاتجاه، وبالتالي فضح ممارسات الأنظمة القمعية التي تخشى المواجهة على الساحة الثقافية. لذا تعمد على حرمان المثقف من الحرية وتكبل الثقافة بسلسلة من القوانين الجائرة والممنوعات وسلسلة أخرى من العقوبات تنال ممن يخرج عليها. أن الخروج من أزمة الثقافة العربية، يتطلب إزاحة الأنظمة العربية القمعية عن السلطة السياسية، ورفض أي شكل من أشكال جسر الهوة بينها وبين شعوبها. وأية مطالبة مخالفة لذاك التوجه يعني الاعتراف والقبول بمبدأ الوصاية والهيمنة التي مارسته تلك الأنظمة لسنوات طوال على شعوبها. ويتوجب على المثقف المساهمة والعمل على كنس هذه الأنظمة القمعية، لا..العمل على تقديم طلبات التماس لتلك الأنظمة كي تمنح مساحة محددة من الحرية من أجل الخروج من أزمة الثقافة العربية. فبدون حل جذري..يؤدي لانتزاع الحرية الكاملة من تلك الأنظمة القمعية، لا يمكن الخروج من الأزمة عبر ترقيعات تجريها الأنظمة القمعية على توجهاتها فتمنح مساحة محدودة من الحرية عند هذا المنعطف وتلك الأزمة بغرض تخفيف حدة الاحتقانات وامتصاص نقمة المثقفين. ويجد ((عبد المعين الملوحي)) أن السُبل للخروج من أزمة الثقافة العربية، يتطلب إطلاق الفكر والثقافة والأدب حريتها، أطلقوا للأمة العربية كلها حريتها، فكوا قيودها عنها. لا حرية لشعب مادام فكره سجيناً. المثقف الحقيقي هو الذي ينجو من العواء، إنه هو وحده صوت لأمته وأملها ومستقبلها. ستوكهولم بتاريخ 5/6/ 2004.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة النقد الأدبي في الوطن العربي
-
الطاقة الإبداعية وخيارات التوظيف!!
-
الصراع بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية على قيادة الدولة
...
-
آليات سلطة الاستبداد وشرعية دولة القانون
-
محطات من السيرة الذاتية للشاعر- بايلو نيرودا
-
صراع الأجيال في الوسط الثقافي!!
-
أسباب الاحتلال ونتائج الاستبداد في أجندة المثقف!!
-
تساؤلات في زمن الخراب عن: المثقف وصناعة الأصنام والقمع والإر
...
-
الإرهاب والاحتلال نتاج السلطات القمعية والتيارات الدينية الم
...
-
المعركة الخاسرة - السيد مقتدى الصدر من الفتنة وشق وحدة الصف
...
-
مشاهد من العراق: الخراب والفوضى في العاصمة بغداد
-
مفهوما الإرهاب والمقاومة في زمن الاحتلال
-
رؤية المثقف للمستقبل السياسي والثقافي في العراق
-
الأحزاب الشمولية من سياسية تفقيس المنظمات إلى الهيمنة واللصو
...
-
مثقفو النظام المباد وحضانات الأحزاب الشمولية
-
منِّ يتحمل مسؤولية خراب الوطن والمجتمع؟!.
-
رؤية المثقف للسياسي العراقي!!.
-
الصراع بين المثقف العراقي والكائنات الحزبية
-
سياسيون ومواقف!!
-
رؤية في السلطات وأحزاب المعارضة في الوطن العربي!!
المزيد.....
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|