|
الشارع ، البرلمان، و”تكتيك“ المهزوم
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 2816 - 2009 / 10 / 31 - 08:48
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
لم يكن البرلمان، خلال تاريخ الحركة الاعتراضية، ميدان اساسي لنضال الشيوعيين العماليين والطبقة العاملة. حتى عندما كانت الطبقة البرجوازية "اقل رجعية" واكثر تمسكا بمبادئ الثورة الفرنسية الليبرالية، لم يكن الشيوعيون يأبهون بالبرلمان ولم يعتبرون دخوله الا مجازفة على حركتهم يجب ان يحسبوا لها الف حساب. الشارع، من جهة ثانية، كان وما يزال مركز ثقل الشيوعية واليسار والاشتراكية. فهو ميدان تدريب الطبقة العاملة على خوض النضال اليومي، ميدان لتنظيم الجماهير وتوحيدها، ميدان لتحريضها وتعبئتها وتربيتها على الفعل الثوري. من قلب تلك الوحدة والاصطفاف الجماهيري الواسع نمت قوة اليسار والاشتراكية والشيوعية العمالية والحركة المتمدنة والعلمانية واكتسبت قوتها، دافعة البرجوازية الى اتخاذ موقف الدفاع والتنازل.
دخول اليسار والشيوعيين في المؤسسات المنصبة من قبل القوى الميليشياتية الاسلامية والقومية ”الالترا- رجعية“ في العراق، وادعاء تلك القوى بانها تناضل من على منابرهم، تلك التي لم يكن للجماهير اي ضلع في منحها اياهم، ودون ان يكون لذلك اليسار اي سند جماهيري او قوة مادية اجتماعية ”شارعية“ يستند اليها، يعني من الناحية الواقعية تخلي تلك القوى عن كل راديكالية وشيوعية، ونبذ الشيوعية العمالية، وتحولهم الى ”مخلوق“ اليف، عاقل، يجلس بخنوع الى جانب وحوش القوى الهمجية لملالي الاسلام السياسي والقوميين والطائفيين والعشائريين. مجرد الادعاء بان تلك المنابر ستكون مشرعة ومتاحة لارتقاءها للحديث عن"الحرية والمساواة" سيعني ان عليك مهاجمة الاسلام السياسي ونقد الدين والقومية والمذهبية والكشف عن الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها ”زملاءك“ النواب. تلك نكتة سمجة بالطبع !.
داخل المجتمع توجد الاف المنابر، اعلام وصحافة وانترنيت ومنشورات وفضائيات ومختلف الوسائل التي تتيح لك استخدامها للترويج، للتحريض وللدعاية الى الماركسية والشيوعية العمالية. ضعف الدولة وتشرذم قواها الميليشياتية هو احد الاسباب الايجابية التي تخدم الحركة العمالية والشيوعية والمساواتية، اضافة الى التطور الهائل في تقنيات الاتصال. ان على اليسار والشيوعية العمالية في ظروف كهذه ان يتجاوب مع انفتاح الاجواء داخل المجتمع، انفتاح الافاق بسبب ضعف البرجوازية وتشتت صفوفها بدلا من حشر رأسه في جحور المؤامرات النتن فيما يسمونه ”البرلمان“.
ان سلطة الميليشيات الدينية والقومية هي التي بحاجة الى البرلمان، لا من اجل توفير المنابر وتمثيل "الشعب"، بل لكسب شرعية المجتمع على سلطتهم اللا شرعية. الطبقة الاستغلالية، الملفحة بالف كذبة وكذبة حول الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية وانسانية المرأة وغيرها، هي طبقة خائفة. خائفة لانها تقوم بارتكاب الجرائم اليومية ضد الجماهير؛ النهب والاستغلال وتدمير المجتمع والارهاب واستخدام الدين والطائفية والقومية في تمزيق مواطنية المجتمع. انها بحاجة الى التحصن والتمترس خلف قوات القمع، الجيش والشرطة والمخابرات والامن والمناطق الخضراء وقباب البرلمانات ومآذن الجوامع التي تبث الكذب والتمييز والقدرية والانحطاط الانساني، هي بحاجة الى التخطيط مع بعضها البعض لكيفية ادامة تحميق الناس، لقمع انتفاضاتهم واحتجاجاتهم وادامة تجويعهم وافقارهم وتغييب ارادتهم بادعاء تمثيلهم وحل مشاكلهم. لا يمكن ان يكون اليسار يسارا الا في الشارع، في المجتمع، بين الناس، بين الجماهير المعترضة، داخل صفوف العمال، مع النساء، في المظاهرات والاعتراضات وتحشدات الجماهير، في ايقاف العمل والاضرابات وفي رفعه الرايات الحمراء، رايات التحرر والانسانية ونعم ، الثورة.
وبطبيعة الحال فان الشيوعيين العماليين ليسوا ضد المشاركة بممارسة سياسية انتخابية، بظروف طبيعية وحرة الى حد ما، تتيح لهم فرصة استخدام اي منبر للترويج والدعاية والتحريض والكلام عن الاشتراكية وحقوق الجماهير والمساواة التامة للمرأة بالرجل والعلمانية ونقد الاسلام السياسي والقومية والترويج لحرية الدين والالحاد وحرية التعبير والحرية السياسية غير المقيدة وغيرها، ولكن، في الظروف التي تمر بالجماهير الان فان تلك لن تكون فرصة للشيوعية العمالية بل فرصة لاعداء الشيوعية لضربها وسحقها.
ان ظروف انعدام الدولة واستشراء الميليشيات سيجعل من المستحيل ان تكون نتائج مشاركة تيار اليمين في حركة الشيوعية العمالية في مجلس الميليشيات والقوى الرجعية لصالح الحركة. الحديث عن ”التكتيك“ ليس الا غطاءاً لموقف المهزوم والمتراجع. ان الدخول في هذا المجلس الرجعي والمنصب لقوى متوحشة وارهابية ليس تاكتيكا بل موقف يميني سافر يحمل بصمات تاريخ من التراجعات ويشكل جزءا وتتمة لها.
هم مهزومون. ولكن حركتنا ليست مهزومة. وهي قادرة اليوم، داخل المجتمع، وفي شريانه النابض، الشارع، في الميادين الرحبة واماكن العمل والسكن، لا في دهاليز القوى البربرية، ان تقوم بدورها من اجل تنظيم وقيادة الحركة الاعتراضية واحلال بدائل الطبقة العاملة الانسانية لكل المجتمع.
حركتنا قادرة.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ثمة منابر مجانية ؟
-
قلب عالم لا قلب له !
-
لم يعتبر المالكي قتل الناس اعمالا ”تافهة“ ؟!*
-
مهزلة الحكومة الاسلامية القومية في العراق - وزارة التعليم ال
...
-
نداء لمساندة جماهير ايران الثائرة
-
هانتنغتون - بوش بهيئة جديدة - الجزء الثاني
-
حول الحركات العلمانية في العراق
-
أي قانون ؟!
-
حول البنك الدولي: سياساته واهدافه
-
وداعاً يا رفيق
-
البنك الدولي: الخصخصة للعراق والتأميم لامريكا
-
مقابلة - حول الانتخابات الامريكية والاوضاع المعيشية والانسان
...
-
البشر، من يكفلهم ؟
-
حذار حذار من الانسياق وراء سياساتهم
-
الجهاد ضد العلمانية الغربية !
-
هل تقبل النساء بترهات ملالي مجلس النواب حول أين تقف حدود مطا
...
-
لم تنته القصة بعد !
-
الفقر - حقائق واحصاءات
-
الالحاد والفكر المادي
-
الحل بيد الطبقة العاملة
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
المزيد.....
|