مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 19:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تطورت العلوم والمعلومات .. و تجدد العقل والفكر .. انفتح العالم تطورت طرق الإتصالات والمواصلات ونقل المعلومات في هذا العصر الجديد .. فمن خوف الضياع والإنصهار في سيل النهر الجارف العولمي ومحو الشخصية الوطنية والمحلية وطمس الجذور الممتدة في طيات التاريخ الألفية العاشرة قبل الميلاد وأبعد , برزت أهمية الحفاظ على شجرة الأصالة المتجددة بالوعي والحب والعلم والإعتناء ...
نحن أمام قائمة طويلة وعديدة طيبة ولذيذة من الماّكل تجيدها المرأة السورية , والقاموس الغذائي عند شعبنا السوري غني ومتنوع .
و يقال عن نوعية وفن الطعام والغذاء في سورية : " إنها مطبخ الشرق " للتنوع والخبرة والنكهة والطيبة واللذة في المأكولات السورية - فقد امتزجت وانصهرت واختلطت في هذه البقعة المتوسطة من العالم القديم كل الأذواق والأطعمة والطرق والمواد الأولية للطعام وبالتالي العلم والمعرفة والفن والتجربة حتى أصبح السوريون والسوريات معلمين ومعلمات في الكثير من المأكولات وخاصة الحلويات الشامية والحمصية والحلبية - - الهريسة والقطايف والعوامة – والحلاوة الحمصية وشعيبيات الحلبية وغيرها وغيرها الكثير – لا أدري إذا كان هذا صحيحاً أو إنحيازاً لبلدي " لا أحد يقول عن زيته عكر " ... ولكن ولكن هناك الكثير من الصحة لهذا المأثور الشعبي - وكان معظمه إلى أمد قريب , من الإنتاج المحلي أولاً وما تجود به الأرض الشامية , وما تحمله إليها قوافل طريق الحرير , وما تحويه من أصناف من أقصى الصين والشرق حتى سواحل بحر الظلمات .
نحن نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل " الهدف من الطعام والغذاء حاجة ضرورية للإنسان لكي يستمر في الحياة تمثلت هذه الأطروحة في لوحة سومرية رمزية رائعة تعبر عن فلسفة الوجود كان يضمها المتحف العراقي قبل سرقته ,, مرسوم عليها
المراحل الثلاث لبناء الكون والجياة البشرية على الأرض وتضم طبقات ثلاث : الط
المرأة الصيدناوية القديمة , منحدرة وسليلة هذه الحضارات والشعوب التي حطت رحالها على هذه الأرض المقدسة وتعلمت واكتسبت من الغير ومن تجربتها الذاتية وأبدعت بالتالي في طعامها الشعبي من البيئة وموادها وإنتاجها المحلي النباتي والحيواني ...
بوركت أياديهن المتعبة الكادحة النشيطة .... الشغيلة المعطاءة التي زرعت وأينعت غلالاً وجمالاً وتراثاً علينا أن نحترمه ونصونه ونتذكره ونكتب عنه في قاموس الشعوب المتجذرة في الخارطة الغذائية لأنه جدير بالكتابة عنه لوناً وإنتاجاً ونكهة .. اشترك في تحضيره الرجل والمرأة , والأسرة الصيدناوية الريفية العريقة بزنودها وعرقها وحبها للأرض والإنسان ... والمحافظة على العيش والإنتاج بجد وشرف في استنبات التراب والصخر وبناء المدرجات ( الحروف , المصاطب ) على سفوح الجبال حتى لا تنجرف التربة وزيادة الرقعة الزراعية - لله ما أروع الماضي وصوره المضيئة !؟
طوبى والرحمة للجدود والجدات الذين عمّروا هذه القرية الرابضة بقداسة للعبادة , والعمل , وحب الطبيعة والتضامن الإنساني الذي لم تلوثه دولارات النفط و الفساد والأنانية إلى أمد بعيد ... قبل قدوم ( الجراد البشري ) وموجاته المدمّرة لكل ما هو أخضر وجميل !؟
........
المرأة الصيدناوية القديمة ( ربة بيت جيدة ) كما يقال , إمرأة إقتصادية مدبّرة بامتياز , إمرأة ذواقة نشيطة وبسيطة ومنتجة . لا تحب التبجح والغرور والتبذير وتكره الخمول والتقليد والإتكال على الغير . من لاشئ تخلق وتصنع أشياء كثيرة . فهي إبنة الريف الرعوي الزراعي الفقير وصناعاته المحلية اليدوية الشعبية , إكتفاء ذاتي , واعتماد على النفس ... هكذا كانت أمهاتنا وجداتنا ؟؟؟.
لكل بلد وقطر عربي أو أجنبي أطعمته الشعبية المحلية الخاصة تشتهر بها وهذا ما لمسته وشاهدته في كل بلد عربي وأجنبي زرته أو أقمت فيه - , ولكن هناك تبقى أكلات شعبية تشتهر بها بلدة صيدنايا القديمة , يسرني أن أسجلها للإعتزاز بها وتذكير أجيال نظام الإستهلاك بها - و أهمها في ما يلي :
- أكلات : المجدّرة – الكبة بأنواعها ( النيئة , المشوية , المقلية , المسلوقة , بالصينية ) – اليخني والأرز – ا للبنيّة بالرز , أو البرغل و الشوش بورك – الكشك بالقاورما – المنزّلة بالبذنجان – الكواج – المخلوطة – البلأسة أو الملأسة – كبة البطاطا , يخني البطاطا - الكوسا المحشي – البذنجان المحشي – ورق العنب المحشي – الملفوف المحشي - العجة بالكوسا والبيض ( أومليت ) – البيض مع القاورما – الفاصولياء مع الرز – الفولية – فول بالرز – الرشتاية – البطاطا الممروثة , البطاطا مع الثوم والكزبرة – البطاطا مع الأرز - الغمة ( القشة ) – برغل مفلفلة مع الشعيرية – فطائر السبانخ - اللحم المشوي – شوربة العدس – المقالي ( الزهرة , البطاطا , البذنجان , ) – البخوت ( السمبوسك ) – باللحمة , والكشك , والقريشة – وأخيراً وليس اّخراً لا ننسى صحن الحمّص ( المسبّحة ) , وصحن متبّل البذنجان ..
- المقبلات : أهمها ... المخلالات – اللبن مع الخيار والنعنع والثوم , أو مع البقلة ( باربن ) – السلطات بأنواعها – التبولة – المكدوس واللبنة والجبنة البلدية – الزيتون بأنواعه -
الحلويات : الرز بحليب – حلاوة الطحين بالدبس والسمنة – حرّاق إصبعو – البالوزة – المهلبية - الخبز المقلي مع السكر المرشوش , أو الدبس – مربيات الفواكه بأنواعها - الدبس – العسل – التين الزبيب القضامة والجوز واللوز .
..........
لنشرح قليلاً أو لنأخذ فكرة بسيطة عامة حول المواد التي تتألف منها كل من هذه الأكلات الشعبية الصيدناوية ... نبتدئ
أولاً – بالمجدّرة :
قبل الدخول في تفصيل المأكولات الشعبية ا أحببت أن أنقل شئ عن مادة مهمة لدينا والتي تدخل في أكثر طعامنا اليومي والذي كنت قد فصلت عنها الكثير في تهيئتها وصنعها في دراسة سابقة مستفيضة عن قائمة الأعمال التي كانت تقوم بها المرأة الصيدناوية , ألا وهو البرغل = Borghoul :
يعتبر البرغل إحدى المواد الغذائية الرئيسية في بلادنا , كشفت العامة خواصه وفوائده بمرانها وغريزتها فأقبلت على صنعه وتناوله , وصنعت منه ماّكل عديدة منوعة . تضاف إليها أغذية أخرى كالخضار واللحوم والبقول . مما جعله في مقدمة الأغذية التي يقر الطب الغذائي تناولها مع بعض التحفظات .
يصنع البرغل من القمح الكامل ( ويفضل القمح الحوراني ) , بأن يسلق سلقا جيدًا ثم يجفف في أشعة الشمس ثم يجرش في مطحنة خاصة , تحول القمح إلى برغل على نوعين وأكثر الناعم ( لكل أنواع الكبّة ) , والوسط ( المفلفلة ) والخشن ( للمجدّرة ) , وكل منها له طرق خاصة في الطهو والإستعمال .
فوائد البرغل :
لنستعير قليلا بعض المعلومات من كتاب صبري القباني : " يحتوي البرغل على 16 بالمئة من وزنه بروتين , و5 بالمئة أملاح عضوية , و 3 بالمئة مواد دهنية , و 62 بالمئة مواد سكرية ونشوية وألياف .
ومن الفيتامينات يحتوي البرغل على فيتامين A ( B ( D E (, ) " .
وفي مادة البرغل جميع ما في خصائص القمح وقشوره . وفضلاً من ذلك فهو سهل الهضم لأنه يطبخ مرتين الأولى عند السلق . والثانية عند التحضير . وهو خير من الأرز وأغنى منه بكثير بالمواد والفيتامينات .
ويتميز البرغل بأنه لا يسبب السمنة . ويتمثله الجسم بسرعة , كما يهضمه جيداُ إذا كانت المعدة قوية , أما ذوو المعد الضعيفة فينصحون بالإقلال من تناول البرغل لا سيما إذا أضيفت إليه المواد الدهنية أو قلي بالزيت " ..
( 1 )
المجدّرة : هي الأكلة الشعبية رقم واحد عند الأسرة الصيدناوية . والمجدّرة نوعان : تطبخ إما بالزيت , أو باللحمة المفرومة . ففي كل نهار جمعة هناك تقليد شعبي حيث تتناول العائلة وخاصة في أيام صوم المسيحيين الخمسيني كطعام صيامي " قاطع " – حتى في مدينة دمشق هذا التقليد معمول به حتى اليوم ..
تتألف هذه الوجبة من العدس بلونه الأخضر أو الأحمر – حسب التربة - الكبير أو صغير الحجم لا فرق , ينقع العدس قليلاً بالماء البارد ثم يغلى على نار هادئة – كما جميع أنواع الحبوب - حتى تنضج حباته وبإضافة بهارات الكمون له أثناء الغلي , بعد نضوج حبات العدس يضاف لها البرغل أو , الأرز حسب الرغبة , ثم يزين الطبق ب البصل المحمص بالزيت البلدي على وجهها و يقدم . ويؤكل بجانبها اللبن , أو المخلل من ( الفليفلة , الخيار , شلغم , شوندر , بذنجان وغيره من أنواع المخللات ) , أو السلطات . وهذه الأكلة غنية جداً بالروتينات , لإحتوائها على مواد العدس والبرغل والزيت البلدي زيت الزيتون الأصلي , والتي تعطي الحريرات للجسم في منطقتنا الجبلية الباردة . البرغل عصب الركب كما يقال عندنا -
لكل منطقة جغرافية وزراعية معينة لها أكلاتها الخاصة بموادها المحلية المتوفرة والملائمة لتربتها ومناخها ..
ملاحظة هامة : يجب إضافة بهارات الكمون لكل الأطعمة لسهولة الهضم وطرد الغازات – وخاصة الحبوب والخضار .
.
لا بد لي من تسجيل هذه الملاحظة الفردية حيث كنت أضع على صحن المجدرة عصير الليمون الحامض بديلاً عن اللبن , في أيام صيام عيد الكبير و نحن صغاراً حتى لا نتناول الإنتاج الحيواني و يفسد الصيام حسب المعتقدات الدينية للكنيسة الأرثوذوكسية – كم كنا نطيع التعليمات في طفولتنا , حتى نستقبل ويأتي العيد بفرح و ببهجة الطعام الملئ باللحوم والألبان في نيسان الربيع ..!؟
( 2 )
– الكبة ....... الكبة باللحمة والبرغل الناعم , كانت تعتبر الأكلة الشهيرة ( البرجوازية ) الأولى في صيدنايا في المناسبات , وتقع في رأس القائمة الغذائية الفاخرة : تعمل هذه الوجبة ( الأكلة ) باللحمة الحمراء النظيفة الخالية من الدهون ( لحم غنم , أو عجل , أو بقر ) المحشية بالمفرومة والبصل والصنوبر , ويصنع من هذه الخلطة عدة أنواع :
الكبة المشوية أقراص على الفحم , المقلية , المسلوقة والمطبوخة مع الكشك أو اللبنية , أو الكبة بالصينية .
و الكبة النيئة , لا تصنع إلا من ( لحم ضان غنم أو ماعز , ناعم جداً مدقوق في جرن الحجري البيتي الخاص فقط مع برغل الناعم والبصل ) وعلى وجهها يدلق الزيت الزيتون وبجانبها البصل . هذه الوجبة كانت تتناولها معظم العائلات الصيدناوية تقريباً عادة نهار الأحد بعد مجيئهم من الصلاة لأنها لا تحتاج إلى الكثير من التعب والوقت , لأن هذا النهار يخصص للصلاة والفرح والراحة والزيارات بين الأقرباء والأصدقاء ..
يحضر هذا الطبق فقط من دق وهرس وتنعيم اللحمة الهبرا على الجرن الحجري بالمدقة الخشبية حتى تصبح كالمرهم – ولا يخلو بيتاً صيدناوياً من جرن الكبة ---- وبجانبها يتناولون البصل الحلو الأبيض والسلطات مع كأس من العرق أو النبيذ , وعلى وجه الصحن يوضع زيت الزيتون , أو لية الغنم المدقوقة كالمرهم أيضاً –
هذه الوجبة مشهورة في سورية ولبنان كثيراً , وقد تفننت بها المرأة الصيدناوية القديمة ك ( أجيال الجدات والأمهات ) حيث كن يتبارين بها وبكل أنواع الكبة المقلية والمشوية بالحجم الكبير جداً ويدخلن الصغيرة داخل الكبيرة عدة أحجام ( كاللعبة الروسية الخشبية التقليدية المرسومة عليها الفتاة ) وخاصة في مناسبات الأعراس والأفراح . !؟
ولي ذكريات لهذا المشهد الجميل لا تنسى مع جدتي لوسيا الزين ووالدتي ونساء جيران الحي الخبيرات والشهيرات بها مع نساء جيلهن .. ( أذكر ذلك في حفلات خطوبة وزفاف أقربائنا وقريباتنا في صيدنايا , وقرية المعرة ) ...!
للحديث بقية ......
مريم نجمه / هولندة / خريف 2009
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟