|
عيسى المسيح وأمه مريم
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 08:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقدمة قد يدفع حسن الظن والسذاجة بالمرء أحيانا إلى التوهم بأن ندرة أو انعدام الوثائق التاريخية والنقوش الأثارية لعصر بعينه ، هو السبب الذي جعل البعض يعتبر موسى شخصية خرافية لم يسبق لها وجود !! ، وجعل البعض الأخر يزعم أن قصته مع فرعون وهامان وبني اسرائيل وقعت في منطقة عسير بين اليمن والحجاز وليس في منطقة وادي النيل !! ، وقد يجد المرء في هذا الزعم وذلك الوهم ما يقنع ، لولا أن الحفريات واكتشاف النقوش والأثار والوثائق مازال يحمل إلينا في كل يوم جديدا لم يكن يعرفه أحد من قبل .
وإذا جاز - إلى حد ما - وهم الواهمين وزعم الزاعمين حول رسول الله موسى وأخيه هارون ، فهو لا يجوز مطلقا حول رسول الله عيسى المسيح وأمه مريم ، في ضوء ما بين أيدينا من وثائق ومستندات عند مؤرخي الرومان من جانب ، ومؤرخي الفرس من جانب ثان ، ومؤرخي اليهود من جانب ثالث ، ومؤرخي العرب من جانب رابع ، ناهيك عن نصوص توراتية وانجيلية يرى فيها مقدسوها والمؤمنون بها أدلة سماوية قطعية ، ويرون في كل ما عداها أدلة ظنية إن شاؤوا أخذوا بها وإن شاؤوا تركوها .
لكن هذه التعددية في المراجع من تاريخية ودينية وأدبية ، جاءت على عكس ما يجب أن يكون ، فضللت القارىء بدلا من أن تهديه ، وكانت نقمة عليه بدلا من أن تكون نعمة له ، وهو يجد نفسه أمام جملة مراجع تحوي جملة من المتناقضات إن صدقت إحداها أو أمكنت كذبت الأخرى أو استحالت ، ثم وهو يجد كلا من هذه المراجع يرسم صورة - هي الأصح الأصدق عنده - لملامح رجل ولد منذ ألفي عام ونيف وعاش في مدينة السلام من أرض اسرائيل ، حمل اسم يسوع بن ماري عند البعض ، وعيسى بن مريم عند البعض الأخر وعرف بألقاب عديدة كالمسيح ، وابن الله ، وابن الإنسان ، والمخلص ، والناصري ، والمعلم ، والسيد ، وروح الله وكلمة الله ، ومنقذ البشرية وغيرها .
و مع ولادة الفكر المادي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد ، وبسبب التناقضات في المراجع والاختلافات في الصور التي ترسمها تلك المراجع للسيد المسيح ، كان من الطبيعي أن يأتي من ينكر الأساس التاريخي للمسيح ويزعم إنه لم يكن موجودا بالفعل على الإطلاق ، وإن وجد فهو ليس أكثر من متصوف يهودي صالح يؤمن بالبعث والحساب ، حسب قول : - [ هيرمان رايماروس استاذ اللغات الشرقية في حامعة هامبورغ ( ت 1768 ) ] ومعجزاته قسمان : قسم صحيح لا يعجز العقل عن تفسيره ..
وقسم منحول : ابتدعه أصحاب الأناجيل ، حسب قول الفيلسوف رينان عام 1863 في كتابه " حياة يسوع " . .
وكان من الطبيعي أن نجد ويل ديورانت يقول : " هل وجد المسيح حقا ؟ أم أن قصة حياة مؤسس المسيحية بآلامها وآمالها أسطورة من الأساطير شبيهة بخرافات كريشنا وأوزوريس وأدونيس .." ( أنظر تاريخ الحضارة ج 11 ص 202 ).
نحن لاننكر قيمة العقل ودوره في فحص حقائق الأشياء وإثبات أو نفي وجودها ، فالإنسان إنما صار - عندنا - إنسانا بالعقل ، لكننا لا نقيل أبدا أن نخضع الوجود والموجودات لسلطة الحواس تحت ستار العقلنة لننفي وجود كل مالا نراه أو نسمعه أو نلمسه ، وإلا فكيف يمكن - ماديا - إثبات وجود المروءة والشجاعة والوفاء ؟
ونحن لا ننكر وجود تناقضات واختلافات في الكتب التي تؤرخ لحياة السيد المسيح ، ووجود أكثر منها في أناجيل متى ولوقا ومرقس ويوحنا وبرنابا ، أغربها ما يشير إليه ديورانت : " يحدد متى ولوقا ميلاد المسيح في الأيام التي كان فيها هيرودوس ملكا على بلاد اليهود ( أي قبل العام الثالث ق.م. ) ثم يضيف لوقا قائلا : وفي تلك الأيام صدر مرسوم من القيصر أغسطس يقضي بأن تفرض ضريبة على العالم كله ، وكان كويرينيوس وقتها واليا على سوريا إذ امتد حكمه بين عامي 6-12 م " انتهى .
لكن وجود مثل هذه التناقضات والاختلافات لا يبرر الزعم بأن المسيح لم يكن له وجود تاريخي على الإطلاق ، وإلا فتحنا الباب على مصراعيه لكل من هب ودب لينفي وجود الاسكندر وهانيبال وبوذا وغولغامش .
سيصيح بنا بعضهم ساخرا : ثمة نقوش ومستندات خطية تؤكد وجود هؤلاء ، ولامجال لإنكار منكر في مسألة وجودهم ، و لهؤلاء نقول : ثمة كتاب ليوسفوس المؤرخ اليهودي الذي عاش حوالي عام 93 للميلاد يقول فيه : " وفي ذلك الوقت كان يعيش يسوع ، وهو رجل من رجال الدين إذا جاز أن نسميه رجلا ، لأنه كان يأتي بأعمال عجيبة ويعلم الناس ويتلقى الحقيقة وهو مغتبط ، وقد اتبعه كثيرون من اليهود وكثيرون من اليونان ، لقد كان هو المسيح " انتهى ..
ونقول : في عام 1280 للميلاد اكتشف علماء الأثار نقشا على لوح من النحاس الأصفر باللغة العبرية في مدينة اكويلا من أعمال نابولي مرفق به تقرير رفعه والي الجليل إلى المحفل الروماني على عادة الولاة في إرسال تقارير عن أهم الأحداث في ولاياتهم ، ومرفق به صورة الحكم الذي أصدره بيلاطس قائد المئة على يسوع الناصري بالموت صلبا .
وهذا نص تقرير والي الجليل يوليوس ستوس : [ بلغني أيها الملك قيصر أنك ترغب في معرفة ما أنا أخبرك به الآن ، فاعلم أنه يوجد في وقتنا هذا رجل سائر بالفضيلة العظيمة يدعى يسوع ، والشعب متخذه بمنزلة نبي الفضيلة ، وتلاميذه يقولون إنه ابن الله خالق السماوات والأرض و بهما وجد ويوجد فيهما . فبالحقيقة أيها الملك إنه يوميا يسمع عن يسوع هذا أشياء غريبة , فيقيم الموتى ويشفي المرضى بكلمة واحدة وهو إنسان بقوام معتدل ذو منظر جميل للغاية له هيبة بهية جدا من نظر إليه يلتزم بأن يحبه ويخافه ، وشعره بغاية الاستواء متدرج على أذنيه ثم على كتفيه بلون ترابي مضيء ، وفي جبينه غرة كعادة الناصريين ثم جبينه مسطوح ووجهه بغير تجاعيد بمنخار معتدل وفم بلا عيب ، وأما منظره فهو رائق ومسر ، وعيناه كأشعة الشمس لا يمكن لإنسان أن يحدق النظر في وجهه نظرا لطلعة ضيائه ، فحينما يوبخ يرهب ومتى يرشد يبكي ، ويجتذب الناس لمحبته وتراه فرحا وقيل إنه ما شوهد قط ضاحكا ، وذراعاه ويداه بغاية اللطافة والجمال ، يشبه في شخصه أمه التي هي من أحسن ما وجد بين نساء تلك النواحي ، ثم إنه من جهة العلوم أذهل مدينة أورشليم بأسرها لأنه يفهم كافة العلوم دون أن يدرس شيئاً منها ، ويمشي حافيا عريان الرأس كالمجانين ، فكثيرون إذ يرونه يهزأون به ، لكن بحضرته والتكلم معه يرجف ويذهل ، وقيل إنه لم يسمع قط عن مثل هذا الإنسان في التخوم وكثيرون من علماء اليهود يعتبرونه الها ، ويعتقدون به ، وكثيرون غيرهم يبغضونه ، ويقولون إنه مضاد لشرائع جلالتك ، وأنا في قلق من هؤلاء العبرانيين الأردياء ، ويقال إنه ما أحزن أحدا بل بالعكس يخبر عنه الذين عرفوه واختبروه أنهم حصلوا منه على انعامات كلية تامة ، وإني بكليتي ممتثل لطاعتك ولإتمام أوامر جلالتك .
التوقيع : يوليوس ستوس والي الجليل
وهذه صورة الحكم الذي أصدره بيلاطس على يسوع الناصري بالموت صلبا :
في السنة السابعة عشرة من حكم الإمبراطور طيباريوس الموافق لليوم الخامس والعشرين من شهر أذار بمدينة أورشليم المقدسة في عهد الحبرين حنانيا وقيافا ، حكم بيلاطس والي ولاية الجليل الجالس للقضاء في دار ندوة مجمع البروتوريين على يسوع الناصري بالموت صلبا بناء على الشهادات الكثيرة المقدمة من الشعب المثبتة أن يسوع الناصري :
1- مضل يسوق الناس إلى الضلال
2- يغري الناس على الشغب والهياج
3- عدو الناموس
4- يدعو نفسه ابن الله
5- يدعو نفسه ملك اسرائيل
6- دخل الهيكل مع جمع غفير من الناس حاملين سعف النخل
فلهذا يأمر بيلاطس البنطي كونيتيوس كرينليوس قائد المئة الأولى أن يأتي يسوع إلى المحل المعد لقتله وعليه أيضا أن يمنع كل من يعارض تنفيذ هذا الحكم فقيرا كان أم غنيا انتهى .
وهذا عندنا دليل قطعي يثبت وجود رجلا اسمه يسوع المسيح ، يبقى أن ننظر في قصته كما وردت في الكتاب المجيد .
تبدأ قصة مريم في الكتاب المجيد بالحديث عن آل عمران في قوله تعالى : ( إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين × ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) أل عمران 34,33.
ثم ينتقل بعدها مباشرة إلى القول : ( إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم × فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى !! والله أعلم ! بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) آل عمران 35 , 36 .
ونفهم من هذه النصوص المتقدمة :
1- إن آل عمران من الذين فضلهم الله فيمن فضل على باقي الخلق لإيمانهم بالله ، واليوم الأخر ، ولأعمالهم الصالحة المترشحة عن ذلك الإيمان ، والإشارة هنا واضحة إلى كرم محتد وسمو أصل مريم باعتبارها من ذرية خص سبحانه صالحيها بالاصطفاء ، والاصطفاء في اللسان العربي هو : مصدر للفعل الخماسي ( اصطفى ) ، ومثله ( ازدرى ) ، و ( ارتعى ) ، ولا يخرج عن أحد ثلاثة معان : الاختيار والتفضيل والتخصيص ، أما بمعنى الاختيار والتفضيل : فقوله تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) آل عمران 42 .
وأما بمعنى التخصيص : فقوله تعالى : ( قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي .. ) الأعراف 144 .
وأما من زعم بأن الفعل ثلاثي من ( ص ف و ) ومعناه الصفاء من الكدورة ( أنظر تفسير الرازي ج 8 ص 19 ) فهذا قول من يدعي العصمة التكوينية للأنبياء وليس عندنا بشيء .
2- أن زوجة عمران هي من آل عمران وأهل بيته ، خلافا لما زعمه المتمسكون بحديث الكساء من أن الزوجة لا تدخل في تعداد أهل البيت ولقد فصل الشيخ الركابي ذلك في كتابه العصمة في العقيدة الإلهية فراجع .
3- أن امرأة عمران وقد استجاب لها ربها بعد عقر امتد سنوات نذرت جنينها لخدمة العابدين في دار العبادة يقوم عليها بالعناية والتنظيف لايبرحها حتى يبلغ الحلم .
4- لكنها فوجئت عند الولادة بأنها ولدت أنثى ، وكانت ترجو أن يكون ذكرا لتتمكن من الوفاء بنذرها ، إذ المنذورون المحررون لخدمة بيت الله لايكونون إلا ذكورا ، ومن هنا جاء قولها : ( رب إني وضعتها أنثى ) في مقام الاعتذارمن الله تعالى .
5- أن عبارتا : ( والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ) ، جملة اعتراضية لاعلاقة لها بامرأة عمران ، يقرر فيها تعالى علمه بما في الأرحام قبل الولادة ثم يطيب خاطر المرأة التي يتجاذبها الحزن والخجل فيقرر أن الأنثى عند الله أفضل من الذكر ، بدليل أن العبارة الثانية وردت بصيغة التشبيه ، أي فيها مشبه هو الذكر و أداة تشبيه هي الكاف ومشبه به هو الأنثى ، والمشبه به أفضل من حيث وجه الشبه من المشبه حسبما تواضع عليه العرب في لسانهم ، تماما كقولك : ليس الأعمى كالبصير ، أما ما ذهب إليه المفسرون من أن الأنثى " لا تصلح لما يصلح الذكر له لما يلحقها من حيض ونفاس وانشغال بالتبرج للناس " ( أنظر مجمع البيان للطبرسي ج 1 ص 435 )
فليس عندنا بشيء , وهو دليل على ما تفعله الروح الذكورية التي إن استحكمت بأصحابها أعمتهم عن قواعد اللغة المتعارف عليها (*)
(*) - لم يكتف القائلون بأفضلية الذكر مطلقا بإخراج عبارة ( وليس الذكر كالأنثى ) عن معناها الذي شرحناه آنفا بل ذهبوا إلى القول بأن العبارتين ليستا جملة اعتراضية من كلام الله تعالى ، بل هي من قول إمرأة عمران ، فحولوا تاء التأنيث الساكنة في كلمة ( وضعت ) إلى تاء فاعل وحركوها بالضم وزعمو أنها من القراءات الصحيحة المأثورة على النبي ( ص ) ، فلا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .
ننتقل الآن إلى قوله تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ، قال : يا مريم أنى لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) آل عمران 37 . ونفهم من ذلك :
1- أن الله تعالى قبل نذر امرأة عمران واستجاب لدعائها بأن يعيذ مريم وذريتها من الشيطان الرجيم .
2- وأنه سبحانه شمل بلطفه ورعايته مريم في نشأتها الأولى قبل موت والديها ، ثم جعل زكريا المشرف على تربيتها والمسؤول عن طعامها وشرابها ولباسها بعد موتهما .
3- لقد وهم المفسرون فاعتبروا قيام امرأة عمران بتسمية وليدتها دليلا على موت عمران " لأن العادة أن يتولى ذلك الآباء " حسب قول الرازي في تفسيره ج8 ص 24 ، ثم لم يخطر لهم أن يتوقفوا عند موت امرأة عمران بحرف واحد لمجرد إنها امرأة ، وهذا عندنا من تأثير الروح الذكورية عليهم ، فتسمية المواليد منذ فجر الإنسانية مسألة مشتركة بين الوالدين لم يسمع أحد أنها من عادات الآباء حصرا ، ألا يذكرون أن امرأة فرعون هي التي أعطت موسى اسمه ومعناه في لغتهم : ماء وشجر ؟ و إن كلمة " وكفلها " هي عندنا الدليل على موت والدي مريم ، لحاجتها بعد موتهما إلى كفيل فافهم هذا .
4- كفالة الأيتام كانت من مكارم الأخلاق عند صالحي ذلك العصر يستهمون عليها ، بدليل قوله تعالى : ( .. وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) آل عمران 44 .
5- لقد تكرر ذكر اسم زكريا في عبارتين متتاليتين لا يفصل بينهما سوى ثلاث كلمات ، على خلاف ما تواضع عليه العرب في لسانهم من إيجاز ، فلماذا هذا التكرار غير المألوف ؟ ولماذا لم يكتف بأن يقول ( وكفلها زكريا كلما دخل عليها المحراب ) ؟ ، والجواب : في إن للتكرار فائدتين : الأولى تشير إلى قفزة زمنية بين الكفالة والدخول ، والثانية تشير إلى أن زكريا لم يكن الوحيد الذي يدخل على مريم فيجد عندها رزقا ، بل كان تخصيصا للرجل الوحيد الذي سألها من أين لها هذا الرزق باعتباره كافلها والمشرف عليها .
6- المحراب في النص هو الغرفة من الدار المستقلة عن باقي الغرف ، يأوي إليها صاحبها ليختلي بنفسه مصليا ومتعبدا ومتأملا ، أما قولنا هو الغرفة : فمن فعل ( دخل ) الوارد في النص وكذا من فعل ( خرج ) في قوله تعالى ( فخرج على قومه من المحراب ) مريم 11 .... والخروج والدخول لا يكونان إلا من الغرف وإليها ، وأما قولنا المستقلة : فمن قوله تعالى ( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ) ص 20 ، والأسوار : هي الجدران العالية التي تفصل المحراب عن باقي الغرف ، وأما قولنا : هو مكان الخلوة للصلاة والعبادة و التأمل فمن قوله تعالى عن زكريا ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب .. ) آل عمران 39 .
7- كان أمرا عاديا أن يسأل زكريا مريم من أين لها هذا الطعام والشراب الذي يجده عندها في كل مرة يدخل فيها عليها ، أما ما زعمه المفسرون من أنه كان قد بنى لمريم غرفة في المسجد وجعل بابها في وسطه لا يصعد إليها إلا بسلم ، وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب ، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، وأنه حين رأى هذه المعجزة الخارقة للعادة طمع في مثلها لنفسه بحصول الولد من امرأته العاقر ( أنظر تفسير الرازي ج 8 ص 27) فهذا عندنا هراء وإسفاف .
فزكريا من الأنبياء الصالحين بدلالة قوله تعالى : ( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) الأنعام 85 ، ومن عباد الله المشمولين برحمته بدليل قوله تعالى : ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) مريم 2 ، ومن المخصوصين بنداء الملائكة طبقا لقوله تعالى : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب .. ) آل عمران 36 ، ومن الحافظين لمكارم الأخلاق بدليل كفالته لليتيمة الصغيرة مريم ، ومن الذين جاء سلوكهم مطابقا لاسمهم فكان لا يفتر عن ذكر الله قائما وقاعدا .
والسؤال الآن : هل يصدق عاقل في الدنيا أن رجلا من هذا النوع يكفل يتيمة طفلة ثم إذا خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب وكأنها محكوم عليها بالسجن المؤبد ؟ وهل يقتنع عاقل في الدنيا بأن رجلا من هذا النوع كلما دخل غرفة مكفولته الحسناء في الشتاء وجد عندها فاكهة الصيف وكلما دخل في الصيف وجد فاكهة الشتاء ثم يمضي عام كامل على الأقل قبل أن يسألها أنى لك هذا ؟ وهل يجوز عند عاقل في الدنيا أن يحتاج رجل من هذا النوع إلى معجزة مادية حسية يراها بأم عينه ليتذكر أن يدعو ربه كي يرزقه ولدا من زوجته العاقر ؟ ونترك الجواب على هذه الأسئلة للعقلاء ذوي الألباب والنهى .
نحن مع قوله تعالى على لسان الملائكة لزكريا : ( .. أن الله يبشرك بيحيى .. ) آل عمران 39 ، أمام تفريعة في قصة مريم تقودنا إلى حكاية جانبية لنبي هو يحيى بن زكريا ، نجد طرفا من تفاصيلها في سورة مريم ، ونفهم أن قصة مريم ملحمة تضم عددا من الحكايا الجانبية عن عدد من الشخصيات التي عايشتها مريم ، كوالديها عمران وامرأته ، وكفيلها زكريا وابنه يحيى ، وأن هذه الملحمة بحكاياها الفرعية هي الخلفية التمهيدية لملحمة أكبر تروي قصة نبي رسول هو عيسى المسيح بن مريم قدر له أن يأخذ بيد الإنسانية في طريقها إلى الله .
أما عمران فقد ورد ذكره في ثلاثة مواضع من الكتاب المجيد :
1- ( إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ) آل عمران 33 ..
2- ( إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني .. ) آل عمران 35 ..
3- ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها .. ) التحريم 12 .
وأما زكريا فقد ورد ذكره في سبعة مواضع من الكتاب المجيد :
1- ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا .. ) آل عمران 37 ..
2- ( .. كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا .. ) آل عمران 37 ..
3- ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة .. ) آل عمران 38 ..
4- ( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) الأنعام 85 ..
5- ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) مريم 2 ..
6- ( يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) مريم 7 ..
7- ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) الأنبياء 89 .
وأما يحيى فقد ورد ذكره في خمسة مواضع من الكتاب المجيد :
1- ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ) آل عمران 39 ..
2- ( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) الأنعام 85 ..
3- ( يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) مريم 7 ..
4- ( يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ) مريم 12 ..
5- ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه .. ) الأنبياء 90 .
ولما كانت المعلومات التفصيلية قليلة جدا في النصوص المبينة أعلاه التي تروي حكاية أصحابها ، وما هو موجود منها على قلته لا يخرج عن كونه إشارات تفتح الباب على مصراعيه للتأويل ، فقد كان لا خيار أمام أصحاب كتب قصص الأنبياء إلا أن يغرفوا من أخبار قساوسة الإنجيل وحاخامات التوراة دون تفكر ولا تدبر ودون تفريق بين الغث والسمين وبين الصحيح والمعلول والموضوع وبين المعقول المقبول والمستنكر المرفوض .
لقد نشأت طبقة من القصاصين والحكواتية على يد تميم الداري وكعب الأحبار لا يهمهم كثيرا صحة الخبر ومعقوليته بقدر ما يهمهم انتزاع إعجاب مستمعيهم ، فكلما زاد الخبر غرابة زاد المستمعون دهشة وذهولا ، ولا يهمهم كثيرا موثوقية الرواية ومصداقيتها بقدر ما يهمهم أن يخطفوا الأضواء إليهم متسترين بقاعدة فقهية خطيرة وشهيرة تجيز التساهل بمصداقية الخبر وصحته في مجال الترغيب والترهيب .
وحين أشرقت شمس عصر التدوين وجد أصحاب الأقلام أنفسهم -- بعد مرور قرن من الزمان أو يزيد على العصر النبوي – أمام جبل تراثي شفوي هائل من أخبار تاريخية وأحاديث نبوية وتراجم رجال تطفح بأساطير اليهود وتغص بخرافات النصارى . ولم يكن حظ التراث المدون بكتابه أحسن كثيرا من حظ التراث الشفوي برواته ، فهؤلاء عشاق شهرة وطلاب مناصب لا يتورعون في سبيلها عن الوضع والتزوير فإذا اتهمهم أحد بأنهم يقولون على الله ما لم يقل ويكذبون على رسوله قالوا : نحن نكذب له لا عليه !!!! وأولئك عبيد آبائية وهواة تقليد لا يترددون في ذبح العقل إن هو تعارض مع حرف مما قاله السلف ، والجميع من كلا الفريقين غافلون عن كتاب ربهم الحق لا يخطر لأحدهم أن يعرض عليه ما يكتب وما يروي .
إن خير مثال يوضح ما نذهب إليه هو ما قاله الطبري في تاريخه عن أدم :
" .. وكان أدم مع ما كان الله عز وجل قد أعطاه من ملك الأرض والسلطان فيها قد نبأه وجعله رسولا إلى ولده وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها أدم عليه السلام بخطه علمه إياها جبرئيل عليه السلام .. " ] أنظر تاريخ الرسل والملوك ج 1 ص 150 [ .
" وقيل إنه كان مما أنزل الله تعالى على أدم تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة " ] أنظر المرجع نفسه ج 1 ص 151 [ .
" وقد اختلف في موضع قبر أدم عليه السلام فقال ابن اسحاق ما قد مضى ذكره ، وأما غيره فقد قال : دفن بمكة في غار أبي قبيس وهو غار يقال له غار الكنز ... وروي عن ابن عباس قال : لما خرج نوح من السفينة دفن أدم عليه السلام ببيت المقدس " ] أنظر المرجع نفسه ج 1 ص 161 [ .
هذا ما دونه الطبري في القرن الثالث الهجري على أنه " حقيقة تاريخية " لكن لياقوت الحموي في القرن السادس الهجري رأيا أخر أوضحه في معجم البلدان ج 4 ص 183 بقوله : " وغار الكنز موضع في جبل أبي قبيس دفن فيه أدم كتبه فيما زعموا " ، أي أن المدفون في غار الكنز هو كتب آدم وليس آدم نفسه ، أما صاحب كتاب " النبوة والأنبياء " المقرر لطلاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري فيقول على الصفحة 131 : " وقد عاش آدم على ما ورد في بعض الآثار ألف عام ثم مات بعد ذلك ودفن على المشهور في الهند عند الجبل الذي أهبط فيه .. " .
نحن لسنا – هنا على الأقل – بصدد تحليل هذه " الحقائق التاريخية " وإظهار ركاكتها وغلطها ، ولا بصدد الإشارة إلى أن الطبري يعتبر غار الكنز مدفنا لآدم بينما يعتبره ياقوت مدفنا لكتب آدم لا تزيد عن احدى وعشرين ورقة حسب عبارة الطبري ، ما يهمنا هو أن نشير إلى أن غار الكنز وغار حراء وغار ثور أصبحت في القرن الحادي والعشرين من متممات الحج عند العديد من المطوفين ، لقد اتيحت للأمة الإسلامية فرصة ذهبية مع بداية عصر التدوين في القرن الثاني الهجري لنخل وغربلة تلال التراث الشفوي لكن الهامانات وجنودهم أضاعوا تلك الفرصة حفاظا على امتيازاتهم ومكتسباتهم في التربع على أكتاف الناس وكان يمكن لعملية النخل والغربلة هذه أن تتم على يد العقلاء وذوي الألباب في الأمة لولا طبقة من أصحاب العمائم تعتبر التراث مقدسا وأصحابه معصومون .
والقصد من هذا المثال ليس تسليط الضوء على اختلاف الروايات عند أصحاب الأخبار والحديث والتراجم حول مكان دفن آدم فطالما اختلف هؤلاء في صغير الأمور وكبيرها ، وليس الطعن فيما ورد فيه من هراء لا علاقة له لا بالحقيقة ولا بالتاريخ ، فتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير – مثلا – نزل على النبي محمد وليس على آدم كما يزعم الطبري بدلالة قوله تعالى لرسوله الكريم : ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس .. ) الأنعام 145.
وحروف المعجم لا تكفي عشرون ورقة – ولا حتى مئة ورقة – لاستيعابها إن نحن سلمنا أساسا بوجود معمل ورق في زمن آدم ، أما قيام نوح بدفن آدم في بيت المقدس بعد نزوله من السفينة فمن الأكاذيب المنكرة الفاضحة التي لا يدري أحد كيف ومن أين جاءت ؟ لأن الأوامر الالهية الصادرة إلى نوح – كما رأيناها في الكتاب المجيد – قضت بحمل الأحياء من المخلوقات لإنقاذها من الغرق ولم تشمل فيما نعلم رفات الأموات .
القصد من جانب : هو الإشارة إلى بقاء واستمرار هذه السفاسف والترهات وتعاظمها على مدى القرون ودخول بعضها في صلب الشعائر والتكاليف ، فما زال في الأمة الإسلامية اليوم كثيرون يعتبرون زيارة غار الكنز في جبل أبي قبيس وزيارة غار حراء وغار ثور من متممات الحج ، ويؤمنون بأن التراث وحي مقدس وأن أهله معصومون .
والقصد من جانب آخر : هو الإجابة على أسئلة تعيدنا إلى ما كنا فيه من حديث عن يحيى بن زكريا عليهما السلام :
من أين ومتى تسلل اسم يوحنا إلى تراثنا الشفهي والمدون الشائع على ألسنة العوام ؟
ومن هو المدفون في الضريح المشهور داخل مصلى الجامع الأموي الكبير بدمشق ؟
وهل يحيى ويوحنا اسمان لشخص واحد ؟
فإن لم يكونا كذلك فمن هو يوحنا ؟
سنتحدث يوماً ما عن إسرائيل ويعقوب وهل هما اسمين لشخص واحد أم لا ؟ لكننا اليوم سنوجز البحث عن يوحنا أمام ذلك الاسم الذي لم يرد ذكره في الكتاب المجيد ولا في كتب التفسير والأخبار ، ومثله اسم الخضر الذي أطلقه البعض على العبد الصالح صاحب موسى وعرفه النصارى باسم مارجرجس ( أي القديس جورجيوس قاتل التنين ).
يقول صاحب كتاب " النبوة والأنبياء " : ( يسمى يحيى عند علماء النصارى يوحنا المعمدان لأنه كان قد تولى التعميد المعروف عند النصارى وهو الغسل بالماء للتوبة من الخطايا ، وقد ظهر يحيى في ناحية الأردن ينذر الناس ، فخرج إليه أهل القدس والقرى القريبة من الأردن فكان يعمدهم في النهر وينذرهم بإقتراب ملكوت السموات ، وقد عمد يحيى عيسى المسيح في نهر الأردن وبرك عليه وهو ابن ثلاثين سنة .. ) [ أنظر صفحة 314 ] .
وينقل الإمام الطبري في تاريخ الرسل والملوك عن ابن اسحاق قوله : " .. فولد لزكرياء يحيى ابن خالة عيسى المسيح فنبىء صغيرا ، فساح ، ثم دخل الشام يدعو الناس ، ثم اجتمع يحيى بعيسى ، ثم افترقا بعد أن عمد يحيى عيسى " [ أنظر ج 1 صفحة 586 ] ، ثم ينقل عن ابن جبير قول ابن عباس : " بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكرياء في إثني عشر من الحواريين يعلمون الناس ، فكان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ ، وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوجها ، وكانت لها في كل يوم حاجة يقضيها لها ، فلما بلغ ذلك أمها قالت : إذا دخلت على الملك فسألك حاجتك فقولي : حاجتي أن تذبح لي يحيى بن زكرياء ، فلما دخلت عليه سألها حاجتها فقالت : حاجتي أن تذبح لي يحيى بن زكرياء ، فقال : سليني غير هذا ، قالت : ما اسألك إلا هذا .
فلما أبت عليه دعا يحيى ودعا بطست فذبحه ، فندرت قطرة من دمه على الأرض تغلي ، فأمر بتراب فألقي عليه فرقى الدم فوق التراب يغلي فألقى عليه التراب أيضا فارتفع الدم فوقه ، فلم يزل يلقي عليه التراب حتى بلغ سور المدينة ، ولم يزل الدم يغلي حتى بعث الله بختنصر عليهم ، فألقى الله في قلبه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ، فقتل سبعين ألفا منهم من سن واحدة فسكن " [ أنظر ج 1 ص 587 ]
لقد رسم لنا التاريخ على لسان النصارى من رواته صورا واضحة المعالم لعدد من أصحاب عيسى المسيح الإثني عشر ، المعروفين عندهم باسم الرسل والمعروفون عندنا باسم الحواريين ، من بينهم بطرس وبولص ، لكنه ترك عددا آخر يلفه الخفاء والغموض على رأسهم يوحنا ، ورسم لنا الكتاب المجيد والتاريخ على لسان المؤمنين بهذا الكتاب صورا مفصلة واضحة المعالم لعدد من الأنبياء والرسل ، من بينهم موسى ويوسف ، لكنه ترك عددا آخر يلفه الإجمال والإيجاز على رأسهم يحيى بن زكريا ، وإذا كان هناك العديد من نقاط التقاطع المشتركة في سيرة الرجلين – ونعني يحيى ويوحنا – تدفع البعض إلى اعتبارهما شخصا واحدا فإن ثمة بالمقابل عددا آخر من النقاط لا يسمح لنا بترجيح هذا الاعتبار .
ولعل ما رآه المؤرخون خفاء وغموضا جاء من أن اسم يوحنا كان - ومازال - شائعا في جميع لغات العالم المسيحي ، فهو عند الانكليز جون John ، وعند الألمان جوهان أو يوهان Johann ، وعند الأرمن أوهانيس ، فصاحب تاريخ الحضارة يحدثنا عن : يوحنا المعمدان ، ويوحنا الرسول ، ويوحنا صاحب سفر الرؤيا ، ويوحنا كاتب الإنجيل الرابع ، ويوحنا فم الذهب ، ويوحنا الدمشقي ، وبوحنا اللاهوتي ، ويوحنا ابن الرعد ، ويعتبرهم جميعا شخصا واحدا ، لكنه يصطدم بالفروقات الزمانية الثابتة تاريخيا في تراجم هؤلاء ، فيقبل ما يرويه العوام قائلا : وقد عمر يوحنا طويلا حتى قال الناس إنه مخلد [ أنظر تاريخ الحضارة ج 11 ص 271 ] ويتجاهل باقي الرواية عن الدم الذي يغلي وعن الرأس المقطوع الذي يتكلم المدفون في الجامع الأموي الكبير بدمشق والذي مازال في عقيدة العوام حيا حتى اليوم .
إننا قد نفهم أن يعتبر صاحب كتاب " النبوة والانبياء " يحيى ويوحنا اسمان لشخص واحد ، غارفا معلومته تلك من تفسير ابن كثير دون تفكر ولا تدبر ، منطلقا في ذلك من إيمانه بقدسية التراث ومعصومية أهله .
وقد نفهم بصعوبة أن يتصدى مترجم ما لترجمة الكتاب المجيد فيترجم اسم يحيى إلى يوحنا في مواضعه الخمسة ، رغم المتعارف عليه عند التراجمة من أن الاسم العلم لا يترجم .
لكننا لانفهم أبدا أن يخطر لمترجم معاصر – صدرت ترجمته التقريبية لمعاني القرآن الكريم عن دار الفكر بدمشق عام 1995 – أن يقول في ترجمة آل عمران 39 : ( .. أن الله يبشرك بيوحنا .. ) وفي الأنعام 85 : ( وزكريا ويوحنا وعيسى وإلياس كل من الصالحين ) ثم يقول في ترجمة مريم 7 : ( إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى أي يوحنا ) وفي مريم 12 : ( يايحيى خذ الكتاب بقوة .. ) .
لو أنه في المواضع الخمسة جميعا من الكتاب المجيد التي ذكر فيها يحيى ترجم الاسم إلى يوحنا لقلنا إنه متأثر برأي ابن كثير في تفسيره ، ولو أنه في المواضع جميعا ترك الاسم على حاله لقلنا إنه ملتزم بما تواضع عليه التراجمة ، أما أن يأخذ بهذا في موضع ثم يتركه إلى غيره في موضع آخر فهذا هراء لا نملك معه إلا أن نقول : حسبنا الله نعم الوكيل .
قلنا إن المعلومات التفصيلية في القصة القرآنية ليحيى قليلة جدا ، وقل مثل ذلك في قصة يونس وأيوب ، وهذا من طبيعة الكتاب المجيد ، فهو كما أوضحنا في أكثر من موضع ليس كتابا لأهل الحكايا وأصحاب الأخبار ، ومع ذلك فهذا القليل كاف إن أحسنا قراءته كما ينبغي لإسقاط الكثير من أساطير هؤلاء وخرافات أولئك.
1- يقول تعالى في وصف يحيى : ( .. مصدقا بكلمة من الله .. ) آل عمران 39 ، ويقول الإمام الرازي في تفسيره : " في المراد بكلمة من الله قولان : الأول قول أبي عبيدة أنها كتاب من الله ، واستشهد بقولهم : أنشد فلان كلمة أي قصيدة طويلة .
والثاني قول الجمهور أنها عيسى عليه السلام في إشارة إلى قوله تعالى : ( .. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته .. ) النساء 171 [ أنظر تفسير الرازي ج 8 ص 32 ] وكلا القولين عندنا ليس بشيئ .
فالمقصود هو ما نزل على ابراهيم وموسى لان التصديق لايكون إلا لأمر موجود سابق وليس لأمر غيبي لاحق ، ألم يروا أنه يأمره في مريم 12 بأن يأخذ بكتاب موسى بدلالة أل العهد ؟
2- ويقول تعالى في وصف يحيى : ( .. وسيدا وحصورا .. ) آل عمران 39 ، يقول الرازي في تفسير الحصور : " والحصر عند اللغويين الحبس ، فالحصور هو الكتوم للسر ، وهو البخيل الممسك عن الإنفاق ، وأما المفسرون فلهم قولان : أحدهما : أنه العاجز عن إتيان النساء ، إما لصغر الآلة أو لتعذر الإنزال ، وعلى هذا فالحصور فعول بمعنى مفعول ، كأنه قال محصور عنهن أي محبوس ، وهذا القول عندنا فاسد ، لأن هذا من صفات النقصان وذكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز ولا يستحق صاحبها عليها ثناء ولا تعظيما " [ أنظر تفسير الرازي ج 8 ص 33 ]، ثم يتابع الرازي مرجحا ماقاله المحققون من أن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها مع وجود المقتضى كالأكول والشروب والظلوم الذي يكثر منه ذلك مع وجوده ، ونحن مع الرازي فيما ذهب إليه هنا .
الطريف أن المفسرين الذين استنكر الرازي قولهم ينسبون هذا القول لابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم ، ويستندون إلى حديث نبوي رواه ابن المنذر في تفسيره عن سعيد بن المسيب قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ( ص) : ما من عبد إلا ويلقى الله بذنب إلا يحيى بن زكريا فإن ذكره مثل هدبة الثوب ، وأشار بأنملته [ أنظر تفسير ابن كثير ج 1 ص 311 ] .
ثمة أمر غفل عنه الرازي لعل من المفيد الإشارة إليه ، فزكريا حين دعا ربه قال : ( .. رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) آل عمران 38 ، ولقد استجاب له ربه بدلالة قوله تعالى : ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه .. ) الأنبياء 90 ، وحاشا الله أن يستجيب نظريا لزكريا فيهب له ذرية طيبة ثم يعطيه عمليا ابنا لاذكر له يستطيع به أن يأتي النساء وينجب الذرية .
3- ويقول تعالى في وصف يحيى : ( .. لم نجعل له من قبل سميا ) مريم 7 ، ويقول الأمام الطبرسي في تفسيره : " .. أي أنه سماه باسم لم يسبق إليه ... وكذلك الحسين لم يكن له من قبل سميا ، ولم تبك السماء أربعين صباحا إلا عليهما " [ أنظر مجمع البيان ج3 ص 504 ] وهذا ليس صحيحا .
فيحيى اسم هو بالأصل فعل مضارع على وزن يسعى ويرضى نجد منه العشرات عند العرب القدامى مثل : ينبع ( اسم مكان ) ، وتغلب ( اسم قبيلة ) ، وأخطب ( اسم أحد أعيان اليهود في المدينة المنورة ) ، وزمزم ( اسم النبع المعروف بمكة ) ، وقد يعود بعضها إلى أزمان سحيقة مثل يعوق ويغوث ، اللذين ذكرهما الكتاب المجيد في نوح 23 ، ويعيش ويموت ويشكر ، والنص السابع من سورة مريم يتحدث عن خصوصية انفرد بها يحيى تميزه ليس عن الأنبياء والرسل فقط ، بل عن أهل الأرض جميعا ما كان منهم وما سيكون ، هي أن الله تعالى سماه قبل أن يولد (*) .
(*)– نقف قليلا أمام أخر عبارة من فقرة الطبرسي المقتطفة أعلاه والتي ينسبها للإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق قوله وكذلك لحسين لم يكن له من قبل سميا " لنشير إلى أنها تتعارض عموديا مع خصوصية يحيى كما فهمناها وشرحناها انفا ، وأما قوله " ولم تبك السماء أربعين صباحا إلا عليهما " فإن السماء آية من آيات الله تعالى لا تضحك لمولد أحد ولا تبكي لموت احد ، ولو كان ذلك صحيحا لكان النبي (ص) أولى واجدر ببكاء السماء عليه يوم مات ، علما أن إنكارنا هذا لا ينتقص شعرة من قيمة الحسين عليه السلام [ . فافهم هذا يرحمك الله] .
4- ويقول تعالى : ( يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ) مريم 12 ، ونفهم من القسم الثاني من النص أن يحيى نبي أوتي حكمة النبوة قبل أن يبلغ أشده ، كما كانت الحال عند موسى بدلالة القصص 11 وعند يوسف بدلالة يوسف 22 ، بل إنه أوتيها وهو صبي قبل أن يصبح غلاما (*) .
(*)– ثمة مراحل يمر بها الإنسان يكون في أولها طفلا ثم يصير صبيا ثم يصبح غلاما ، ينتقل بعدها ليغدو فتى ثم شاب ، ثم يستوي رجلا حين يبلغ أشده ، وكلمة ( صبيا ) في مريم 12 لا تحدد فقط المرحلة التي أوتي فيها يحيى النبوة ، بل تشير إلى بدء نشوء براعم الجنس لديه الذي يتجلى بالميل نحو الإناث وبالصبوة إليهن ، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه في الفقرة الثانية أعلاه .
كما إننا نفهم من القسم الأول أن الله تعالى يأمر يحيى بالتقيد والالتزام بما في توراة موسى من وصايا وتشريعات وأحكام ، والسؤال الآن : ما معنى قوله ( بقوة ) ؟ ، وهل ثمة فرق بين الأخذ بما في الكتاب وبين الأخذ بما فيه بقوة ؟ ، يقول الإمام الطبرسي في تفسيره : " يايحيى خذ الكتاب يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به ، ومعناه وأنت قادر على أخذه قوي على العمل به بجد وصحة عزيمة " [ أنظر مجمع البيان ج 3 ص 506 ] ، ونفهم أن الكاتب لم يصنع شيئا ، وأنه قنع وهو يمخر بحر الآية بالبقاء على السطح دون غوص ، وأننا لو اكتفينا بما اكتفى به لتحولت الكلمة إلى زخرفة لفظية وإلى حشو يمكن إسقاطه دون أن يختل المعنى تعالى الله عما يصفون .
ويقول الإمام الرازي في تفسيره : " ليس المراد منه القدرة على الأخذ لأن ذلك معلوم لكل أحد ، فيجب حمله على معنى يفيد المدح وهو الجد والصبر على القيام بأمر النبوة" [أنظر مفاتيح الغيب للرازي ج 21 ص 163 ] ، ونفهم أن كلا الكاتبين – رغم اختلافهما بالشكل – بعيد عن اللباب ، يتوهم في إن في النص تقديم وتأخير ، وأنه تعالى يريد أن يقول : لقد آتينا يحيى حكمة النبوة وهو مازال صبيا وأمرناه أن يأخذ التوراة بجد وصبر وصحة عزيمة .
وكان يمكن أن نتفق مع الكاتبين فيما ذهبا إليه لولا أننا وجدناه سبحانه يأمر موسى وهارون باللين في القول مع فرعون ، ويأمر نبيه محمد بالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، فلماذا يأمر يحيى أن يأخذ الكتاب بقوة ، والقوة في اللسان تحمل معنى الشدة ؟ وما هي الحال التي اقتضت ذلك في عصر يحيى ؟ والجواب : لقد ضل الناس في عصر يحيى عن كتاب الله إلا من رحم ربك ، وانتشرت بينهم المفاسد فشاع الزنى ، واستحكم الربا ، وتركوا أحكام شريعة الله ووصاياه ، فطمسوا بعضها وزوروا بعضها الآخر وحرفوا الباقي ، وأخذوا بدلا منها ما وضعه لهم أحبارهم فنهوا عن المعروف وأمروا بالمنكر ، وهذا ما أشار إليه في لفتة لطيفة قوله تعالى لنبيه محمد : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) آل عمران 44 .
والشاهد في النص وجود مجموعتين ، الأولى : يتنافس أفرادها في الخيرات كرعاية الأيتام ويحتكمون في تنافسهم للأقلام والأزلام ، والثانية يغرق أفرادها في خلافات وصراعات تصل أحيانا كثيرة إلى حد التصفيات الجسدية ، بعضهم مع بعض من جانب ومع أفراد المجموعة الأولى من جانب أخر ،
من هنا نشأت الحاجة إلى نبي صحيح العزيمة قادر على إعادتهم إلى سبيل الله ونهجه وعلى تطهيرهم من انحرافاتهم وأثامهم .
5- ويختم سبحانه الحديث عن يحيى بقوله تعالى : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) مريم 15 ، ولعل أول ما يتبادر إلى ذهن المتأمل قوله تعالى على لسان المسيح عيسى ابن مريم : ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) مريم 33 ، ثم يلفت انتباهه تكرر العبارة نفسها في سورة الصافات :
- ( سلام على نوح في العالمين ) الآية 79 ..
- ( سلام على ابراهيم ) الآية 109 ..
- ( سلام على موسى وهارون ) الآية 120 ..
- ( سلام على إلياسين ) الآية 130 ..
- ( وسلام على المرسلين ) الآية 181 .
والسلام – كما هو واضح – مفردة قرآنية وردت في اثنين وأربعين موضعا من الكتاب المجيد ، أولها في سورة النساء الآية 94 وآخرها في سورة القدر الآية 5 ، وارتبطت حينا بحرف الجر (على ) كما في قوله تعالى : ( سلام عليكم بما صبرتم .. ) الرعد 24 ، وحينا بحرف الجر (إلى ) كما في قوله تعالى ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) الواقعة 91 ، ولها عدد من المعاني :
فالسلام : هو التحية التي يتبادلها عباد الله حين يلتقون كما في قوله تعالى ( ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام .. ) هود 69 .
والسلام : هو نقيض الحرب كما في قوله تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا .. ) النساء 94 ، ونلاحظ أن الكلمة بهذا المعنى قد تأتي بدون ألف كما في قوله تعالى ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) النساء 90
والسلام : هو الطمأنينة التي لا يشوبها قلق وهو الهدوء الذي لا يعكره ضجيج كما في قوله تعالى عن ليلة القدر ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) القدر 5 .
والسلام : هو الرحمة واللطف كما في قوله تعالى ( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) الأنبياء 69 وفي قوله تعالى ( سلام قولا من رب رحيم ) يس 58
والسلام : هو اسم من اسماء الله الحسنى بدلالة قوله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن .. ) الحشر 23 .
والسلام : هو التواضع كما في قوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) الفرقان 63 ، والجاهلون في هنا هم المتعجرفون المتكبرون بدلالة قول عمرو بن كلثوم يخاطب النعمان بن المنذر:
أبا هند فلاتجهل علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
يبقى أن نختم بالوقوف قليلا عند قول الله سبحانه عن يحيى بن زكريا ، والثانية على لسان المسيح عيسى ابن مريم عن نفسه ، ورغم التطابق الحرفي الواضح بينهما فقد اتفق المفسرون وأهل الأخبار وأصحاب قصص الأنبياء على موت يحيى وعلى بعثه في الحشر يوم القيامة – باستثناء ما يزعمه بعض العوام عن خلوده حيا في قبره بالجامع الأموي الكبير بدمشق – ، بينما تباينت الآراء واختلفت الملل والطوائف والمذاهب على موت المسيح عيسى ابن مريم وعلى بعثه حيا ، فاختلط عندهم الصلب بالموت رغم أن هذا شيئ وذاك شيئ آخر فقد يصلب الإنسان ولا يموت وقد يموت دون أن يصلب ، وتحول بعث الآخرة الآجل بالنسبة للمسيح حصرا إلى بعث دنيوي عاجل ينزل فيه المسيح بعد أن يرفعه الله إليه روحا وجسدا ليملأ الأرض عدلا ، وهذا - إن صح - أمر معجز أهم من شفاء الأكمه والأبرص ، ويستحق أن يذكر في الكتاب المجيد ، لولا أننا لم نجد له أثرا هناك بل وجدنا شيئا آخر ، وجدنا الله تعالى يقول :
- ( كل نفس ذائقة الموت .. ) آل عمران 185 والأنبياء 35 والعنكبوت 57 .
- ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد .. ) الأنبياء 34 والخطاب في الآية موجه للنبي محمد - ص - .
- ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا .. ) آل عمران 55. وهذا عندنا كاف لإسقاط قول من قال بغير ذلك
نعود الآن لنستكمل الكلام في قصة المسيح عيسى وأمه مريم بعد أن أخذنا التفريع إلى الحديث عن زكريا ويحيى ، وإذا كنا من حيث الشكل قد استطعنا – إلى حد ما – تفصيل القول في الحكاية الفرع ، ونعني حكاية زكريا ويحيى ، بعيدا عن القصة الأصل ، ونعني قصة المسيح عيسى وأمه مريم ، فلأنهما مفصولتان عمليا في الكتاب المجيد بشكل سهل علينا ما قمنا به ، لكن الفصل بين المسيح عيسى وأمه ليس ممكنا بهذه السهولة ، فلقد ورد ذكر عيسى مفردا في تسعة مواضع من الكتاب المجيد ، لكنه ورد مقرونا بأمه مريم في أربعة عشر موضعا آخر ، بينما ورد ذكر مريم مفردا في أحد عشر موضعا ، واكتفى الكتاب المجيد بذكر ابن مريم في سبعة مواضع ، وهذا التداخل المدهش بين الاسمين يجعل من المستحيل على الدارس التفريق بينهما في قصتين منفصلتين .
لقد نفى أهل التفاسير نبوة مريم ورفض أصحاب قصص الأنبياء أن يفردوا لها مكانا في كتبهم بعد أن فهموا على غير ما ينبغي قوله تعالى في ثلاثة مواضع من الكتاب المجيد :
1 و 2 – ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ..) يوسف 109 , النحل 43 .
3 – ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم .. ) الأنبياء 7 .
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص من الكتاب المجيد
-
ضياع الهوية الوطنية
-
الليبرالية الديمقراطية والسلطة
-
العراق والمرحلة المقبلة
-
الليبرالية الديمقراطية و حاجات الأمة
-
إيران والإصلاح
-
صور صداميه تعود من جديد
-
الليبرالية الديمقراطية ومفهوم الدولة
-
الإنتقال إلى الدولة
-
الليبرالية الديمقراطية هي الحل
-
التغيير و الإصلاح
-
الدين لله والوطن للجميع
-
الإسلام بالمفهوم الليبرالي
-
الأخلاق الليبرالية
-
الليبرالية الديمقراطية في الوعي التاريخي
-
المرأة في الإسلام
-
كلمة في اليوم العالمي للمرأة
-
كيف هرب الدايني أو هُرب ؟
-
العدالة الإجتماعية . . . مفهوم ليبرالي
-
الإسلام السياسي
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|