أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة الحباشنة - هرطقة البحث عن وطن















المزيد.....

هرطقة البحث عن وطن


نعمة الحباشنة

الحوار المتمدن-العدد: 2814 - 2009 / 10 / 29 - 16:20
المحور: الادب والفن
    




في ليلة ظلماء باردة من ليالي شهر نوفمبر عام 1958 كان يوم مخاض أمي وولادتي على يد سيدة هربت من وطنها بحثا عن الحياة والوطن ؛ لتسكن في وطن قسمته المليشيات من أجل الزعامة وما زالت ..
كانت سيدة خماسينية تعانق المجد والغرور برهبة من تعود على الخوف والحزن يسبقها شباب لم يولي وروح اعتادت المرح رغم الذبول ، جاءت مهرولة راكضة من شقتها المجاورة لتساند أمي في لحظات مخاضها العسير وسط الظلام المدقع بالخوف وصوت مكبرات الصوت تملأ الشوارع تنادي بحظر التجول ، وسط أكداس من العسكر الغريب تمركزت في شوارع العاصمة .

بعد ولادتي بلحظات قليلة كانت تحملني بين يديها فرحة بخلاص أمي ونجاتي ، وقالت لمن حولها وهي تهمس بصوت مسموع : لا أدري لماذا اختارت المجيء في هذه الليلة المظلمة ظلمة القهر والذل تحت ضربات الأحذية اللامعة لطرقات مغلقة اشتعلت بالعسكر وشواطئ حاصرتها عابرات للمحيطات جاءت من بلاد الغربة والسبب ثلة تريد أن تكون هي ولا غيرها الوطن ؟؟؟ الم يكن بإمكانها الانتظار حتى بزوغ الشمس ورحيل هذا الظلم من هنا ؟؟ هربت من ظلم العسكر في أرمينيا لأقع في حصار العسكر هنا في بيروت !!! لم جئت "نعمات" ؟؟؟ لماذا لم ترحلي بعيدا عن هذا الألم ؟؟؟ مسكينة أنت ولدت غريبة في وطنك وستبقي ما بقيت من العمر غريبة تبحثين عن الوطن ....

كانت تلك نبوءة ( تاتا أم شفيق ) كما كنت أسميها من جئت للحياة بفضل مساعدتها لأمي المحاصرة في منزلها الذي حاصرته العسكر في بيروت زمن ثورة كميل شمعون والإنزال الأميركي فيها ... لعلها وهي الغريبة أورثتني أنا أيضا الغربة وهي تشدني خارجا نحو الحياة ؛ ولعلها وهي الهاربة وبإصرار من القدر أورثتني أنا أيضا الهروب من القدر وعدم الاستسلام له أو لعله ذلك المقص القديم االذي هرب معها من أرمينيا ليهبني الحياة ويهب القوة لأمي المحاصرة بألم المخاض وألم رؤية وطنها يتمزق ، قدري وقدرها وقدر المقص أن نبحث عن وطن في غربة الأوطان ...

كبرت في الحياة وكانت تلك الصورة المعلقة على صدر حائط غرفة الديوان في منزلنا والتي رفض أبي رحمه الله وبإصرار أن تتحرك من مكانها وكانت ترحل معه أينما رحل وحتى يوم وفاته رفيقتي منذ طفولتي وقدر من الأقدار أيضا ، عندما كنت أساله صورة من هذه ؟؟؟
كان يأتيني الجواب بحزم وجزم ، بشموخ وكبرياء ...
- هذا جمال ... هذا أبو خالد ... هذا من لم تلده امرأة ... هذا من سيعيد للعروبة كرامتها المهدورة ؛ ويحرر القدس من الغزاة !!!
لأهز رأسي بغرور وفخر أورثتني إياه تلك الأرمينية صاحبة الكبرياء اللامتناهي وكأنني أنا هو سعيدة بما سمعت وسعيدة أكثر لأني جزء من هذا الكيان ، وتمر الأيام لأعرف أن عبادة الصور والتماثيل هي من فرقتنا وسحقتنا وفي بطون الزنازين والقبور الجماعية دفنتنا وفرقت كرامتنا شتاتا بين الأمم ...
ثم جاءت جدتي رحمها الله والتي لا زلت أتذكرها تقفز من مكانها فرحة تهلل وهي تستمع لإذاعة العرب في حرب حزيران تبث أكاذيب انتصارات العرب وقذف أعدائهم في البحر إلى غير رجعة ، لم تصدق أن تلك الانتصارات كذبة صنعها كاذب يتخذ من الكذب وسيلة للشهرة ؛ حتى لحظة وفاتها ضلت تروج للكذبة و تقول ( العربي ابن أصل وابن الأصل ما يظلم ولا يكذب أبد ) كنت أشعر بالفخر لأنني عربية وجدتي عربية وأرضي عربية ، ولم أكن قادرة على استيعاب فكرة أن غير العروبة لي وطن وما دمت عربية فأرضي هي أرض العروبة أينما كانت أردد وبفخر (بلاد العرب أوطاني ) لتكون أول صفعة عندما استفقت على حقيقة أني مجرد اسم في دفتر سجلات المقيمين في بلدي الذي تربيت فيه وأحببته مثلما لم أحب غيره وكنت مستعدة أن افديه بالغالي والرخيص ، لم أكن أعرف أنني أنا ذلك الرخيص وأن كل من هو موجود على تلك الأرض من غير مواطنيه مجرد اسم مكتوب بقلم من رصاص على حائط العنصرية التي أججها غزو جائر لمن أخذته العزة بالإثم واعتدى على جيرانه وأهله باسم الوطنية والعروبة ليفقد كل من أحب ذلك الوطن وطنه ويصبح لاجئ في سجلات الأمم المتحدة ....
كانت أقدار مكتوبة هي التي حملتني نحو الغربة الكبرى حيث مسقط رأس أبي وجدي والذي أصر أبي منذ طفولتي على تعليمي أنه وطني (هنا وطنك وهناك وطنك أنت عربية وكل أرض العروبة لك وطن ) لتكون الصدمة الكبرى وأكتشف أنني مجرد رقم وطني في هوية أحملها لا تعطيني أي حق من الحقوق ، وأعرف أنني صاحبة الخطيئة الكبرى من تزوجت من الغريب وتعدت على قوانين العشيرة ورجالها ، ولأكون محطة تجارب لكل من يريد أن يمارس عنصريته وعنجهيته على تلك المرأة الخاطئة وعلى أبنائها وبناتها وحرمانها من حقها بالوجود معهم في مكان واحد ، أنا فقط رقم وطني في سجلات الأحوال المدنية ، رقم صرت أبغضه لأنه يذكرني بالعنصرية وقسوة الغربة في الوطن ، رقم ملك لي ومحرم على أبنائي وبناتي وآلاف الشباب والصبايا أمثالهم والسبب خطيئة الأم الموسومة بعار الزواج من غريب ، نعيش على الهامش بلا كرامة أو حقوق ، ومطالبة أنا شخصيا لأنني السبب في غربتهم بسكب ما تبقى من كرامتي على سيول وزارات وطني المختلفة ومؤسساتها الأمنية من أجل ضمان الحياة الكريمة لأبنائي وبناتي وأقلها العيش في مكان واحد معهم .

(غريبة جئت للدنيا وستموتين غريبة ) هذه كانت نبوءة ( تاتا أم شفيق ) السيدة الأرمينية التي هربت من وطنها تبحث عن الوطن ومازال أحفادها وأنا معهم يبحثون عن الوطن بين براكين النار المتقدة بجنون العنصرية والكراهية والطائفية وظلم ذوي القربى ....

(العربي ابن أصل ما يكذب ولا يظلم أبدا ) مسكينة جدتي لم تكن تعرف أن عبارتها تلك كانت أكبر كذبة في التاريخ لأنه بقدر كرم العربي يكون كرمه عندما يظلم وويل ذوي القربى من ظلم ذوي القربى ، أما الكذب فيكفينا كذبة شاعرنا الهمام الذي جعلنا نعيش كل هذه السنين في سراديب الوهم التي نسجها في بيت شعر رددته الملايين من بعده ( بلاد العرب أوطاني ) ؛ ليستفيقوا من وهمهم على سياط الجلاد والفرقة والعنصرية والطائفية والظلم وهي تغني على صدى صراخ جلودهم الممزقة ( بلاد العرب أحزاني ) وترش عليها ملح الكذبة الكبرى (أن العرب إخوان ) ليضيع الوطن بين شقوق الظلم وصديد القهر ونعيش الغربة .....

ولدت في يوم من أيام الغربة وصاحبتني في كل أوقاتي الغربة ، ضاع مني الوطن وضيعتني الكذبة ، تحققت النبوءة ، وما زلت أبحث عن وطن فهل سأجده يوما قبل أن أغادر إلى حضن الله ليكون كل الكون لي الوطن ؟؟؟؟


نعمة الحباشنة / عمان / الأردن / 28/ 10/ 2009 م / هرطقات من زمن الهروب







#نعمة_الحباشنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوط متوازية


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة الحباشنة - هرطقة البحث عن وطن