|
حول إشكالية التلقي بين الرواية والفيلم
احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 854 - 2004 / 6 / 4 - 04:44
المحور:
الادب والفن
في كل عودة سينمائية إلى عمل أدبي ، يؤكد الفيلم صلته الحميمة مع الرواية بشكل خاص ، و تحاول "العين السينمائية" اكتشاف فرادة النص الروائي في صورة براقة ومميزة ، يجري التعامل الفني معها خلال صياغات بنائية و أسلوبية لا تفترض الإبقاء على نظم الزمن و الحدث والشخصية كما هي في الرواية ، بل تحاول عبر الإخراج السينمائي التركيز على بؤر التحولات النوعية في النص الروائي بطريقة تجعله تسلسلا منظما من الصور والدلالات يقابل الأصل النصي بوصفه اتساقا بلاغيا للكلمات وسردا رؤيويا للعالم والأشياء . وبالرغم من تفاوت وجهات النظر حول ضرورة اختبار جدارة الروائع الأدبية سينمائيا ، يثير الفيلم فينا ( كمشاهدين ) اندفاعا حسيا من الفضول والتعطش للصورة المرئية بما لها من تأثير قوي يتجاوز رغبة البقاء عند تباين القراءات التي يصور بعضها الأدب كنوع من الإغراق في الخيال الكتابي يخضع – أكثر من غيره - إلى التحدي الجمالي الذي تمثله السينما له . لا شك إن القارئ / المشاهد سيستعيد في سياق هذا الحديث حقبة سينمائية طويلة تعاطت الرواية بشتى ضروبها و صنوفها ، حتى أن ذائقته الجمالية قادرة بمحض تعاملها المستمر مع نموذجين فنيين مختلفين ( الرواية/الفيلم ) أن تستدعي تاريخ القرابة بينهما على نحو خاص..منذ ذهب مع الريح ، مرتفعات وذرننج ، الحرب والسلام ، زوربا اليوناني ، الشيخ والبحر ، لوليتا … حتى " نهاية علاقة " أحد اجمل الأفلام السينمائية المأخوذة عن رواية معروفة للكاتب "غراهام غرين" . وخارج إطار اللغة التي تعتمدها الرواية أو الفيلم ، لا يمكن الوثوق من مستوى جدارة الأداء الذي يقدمه كل منهما ،ففي اللغـة تحديدا تجتمع غالبية الصـفات المكونة لأي نموذج فني مكتمل ، تنتظم الوحدات البنائية فيه وفق مجرى عنصري الزمان والمكان ، بصيغة تحقق الإدراك اللازم لهما ، ابتداء من الشكل المقترح إلى آخر المكونات البنيوية التي تجعل من الرواية ما هي عليه ، والفيلم ما هو صائر أليه تباعا . من هنا نرى كيف أن محاولات السينما في النقل عن الرواية تتراوح في مستوى جودتها ، ولا نقول أمانتها للنص ، فهناك من يطمح إلى مجاورة العمل الأدبي بآخر سينمائي ، فيما يصر البعض الآخر على تخطي الصفة الأدبية للأعمال الروائية بابتكار صوري اشد خصوصية . وبين هاتين الحالتين تندرج عشرات الرؤى والاتجاهات السينمائية التي تتفاوت في مستوى نظرتها إلى الفن عامة ، ناهيك عن الأثر الكبير الذي تركته في ذائقة الجمهور السينمائي النسخ التجارية لأعمال أدبية شهيرة . وعلى الدوام يقع سؤال المتلقي في حرج المفاضلة بين الأصل الأدبي ونسخته الفيلمية ، دون تبين الخلل العميق الذي تنطوي عليه تقويماته الجارية على الشاكلة هذه. لذا لا غرابة أن تعيد السينما صياغة العمل الروائي كي تقدم فيه رؤيتها الخاصة معتمدة في ذلك الحذف أو الإضافة أو التركيز على حوادث وشخصيات بعينها ، دون إغفال الإسهام الفاعل الذي تتركه بقية العناصر الفنية ضمن سياق العمل وبنائه . مثلما يحق لمخرج ما - على الصعيد نفسه – أن يضع عمله السينمائي في إطار الاحتفاء بعمل أدبي خالد محاولا إلى أقصى حد ممكن الاقتراب من جوهر النص الأدبي أو الحفاظ على أدبيه . نجد أن الأمر المهم هنا هو أن لا يضعنا التباين المنشود لعمل كل فريق في قصور مفهوم (المطابقة) الذي يفاضل بين الرواية والفيلم ، ولا في اعتماد المطابقة تلك معيارا أوحدا لفرز الجيد من الرديء ، فحق الاختلاف المفهومـي أن يتمحور على قضايا الشكل والأسلوب ، بحيث لا يستغرق التقييم اكثر من ذلك أو أدنى منه ، كأن يطالب المتلقي باستعادة تامة لمئات الصفحات الأدبية الواصفة في عمل سينمائي يجري عرضه على مدى ساعتين في الغالب . أليس من الأجدر التطلع إلى معرفة كيف يلائم الأعداد السينمائي بين إمتدادات النص الروائي وبلاغة الصورة المقتصدة ؟ ربما لأننا ( كقراء ) ورثة تاريخ مكتوب ، فان نسبة قليلة منا ( كمتلقين ) يحظى (المرئي) لديها بميزة تجعله أليق بحداثة مسار العصر، مع إن ما يجعل السينما فنا حداثويا يعبر عن عمق التحولات الجارية في بنية العالم ، هو ما يقرب بينها وبين الرواية ( كصورة ) أخرى تتكلم الواقع . فيكون بمستطاع الجانب البلاغي ذاك إذابة التباينات البنيوية وتطويعها أو صهرها – ربما - في مشروعية الخطاب الإبداعي للفنون كافة . وفي الوسع دائما الاقتراب من مركزية العنصر الجمالي ودأبه الحثيث على صياغة الأعمال الإبداعية الناجحة والمؤثرة في حقل التلقي الفني ، من دون أدنى تفكير في إلغاء مَديات ( الكلمة) لمصلحة ( الصورة) أو العكس .
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أجهزة الدولة العراقيةإإإ والولاء المزدوج
-
بوضوح شديد ..تعددت السلطات والهم واحد
-
بوضوح شديد الاعلام العربي...سلوك النعامةإإإ
-
ماذا تبقى من البعث؟سؤال عراقي
-
عن السؤال الثقافي والقراءة الواهمة إشارات في المتغيَّر العرا
...
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|