محمد زلال
الحوار المتمدن-العدد: 2811 - 2009 / 10 / 26 - 22:49
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
لايستطيع أي باحث في السياسة العراقية الحديثة أن يتجاوز أو يتجاهل دور الحزب الشيوعي العراقي - اتفقنا مع سياسته أم اختلفنا- في الدور الذي لعبه هذا الحزب في تأريخ السياسة العراقية الحديثة ومنذ تأسيسه في العام 1934.
فقد ناضل الحزب من أجل الإستقلال والحرية , ومن ثم النضال من أجل العدالة والمساواة فى المجتمع العراقي. وقد مرّ الحزب عبر هذه السنوات الطويلة من تأريخه السياسي في مراحل صعود وهبوط وذلك بالإرتباط مع المتغيرات الإقليمية والدولية. وقد قدّم خلال هذه المسيرة الطويلة أفواج من الشهداء من خيرة أبناء الوطن الذين ضحوا بحياتهم من أجل الهدف الذي أمنوا به والذي جسّده الشعار الخالد
( وطن حر وشعب سعيد) . وقد ظلّ الحزب أمينًا على مبادئه من أجل بناء مجتمع حر وديمقراطي ليأخذ مكانه الطبيعي بين دول العالم المتحضر, وهو الإبن الشرعي لأقدم الحضارات التي عرفتها البشرية.
وبعد المتغيرات التي شهدها العراق بدخول قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, والتى ساهم نظام البعث المقبور أصلاً مساهمة فعّالة وأكيدة بذلك , وذلك من خلال سياسته الرعناء بشنّ الحروب والتلويح باستعمال الأسلحة الكيمياوية , ناهيكم عن الإضطهاد البشع وكبت الحريات التى مارسها ضد الشعب العراقي, كلّ ذلك أعطى الذرائع للولايات المتحدة بغزو العراق والإطاحة بذلك النظام الغير مأسوف عليه.
لقد كانت تجربة الإنتخابات الأولى والتى جاءت سريعة وبناءً على طلب الحركات الدينية – أنا لاأسميها أحزابا لأنّها تفتقر إلى أبسط قواعد التنظيم السياسي الحزبي وسأرجع إلى هذا الموضوع فى مقالة أخرى – وتأييد الأحزاب القومية الكردية , مستغلين بذلك غياب حكومة مركزية قوية وعدم وجود مؤسسات تشريعية تشرف على وتضبط الإنتخابات بطريقة ديمقراطية ونزيهة , إضافة إلى تدخّل بعض المرجعيات الدينية التى تمثل تلك الحركات والذى لعب دورًا كبيرًا فى التأثير على مشاعر الناخبين واستغلال ضعف الوعي الإنتخابي لديهم وبالتالي تصويتهم لتلك الحركات بناءً على تلك الفتاوي التي صدرت من تلك المراجع.
وبذلك فقد جلس تحت قبة البرلمان مجاميع عجيبة وغريبة من الجهلة والأميين والإنتهازيين وحتى الإرهابيين متمثلين بأعضاء سابقين فى حزب البعث الفاشي.
لقد بادر الحزب الشيوعي العراقي فى ظل الإنتخابات الأولى بالدعوة إلى تشكيل تحالف وطني واسع يضم كلّ الأحزاب المؤمنة بالعملية الديمقراطية لخوض الإنتخابات فى جبهة وطنية واسعة , لكنّ الحزبين القوميين الكرديين الديمقراطي والإتحاد الوطني واللذان يدّعيان العلمانية اختارا التحالف مع الحركات الدينية لأغراض سياسية أصبحت الأن معروفة الأهداف, وهي العمل لتحقيق مكاسب خاصة فقط بالمنطقة الكردية لهدف أعلى وهو الإنفصال.
والمتابع للتطورات الجارية الأن والتحالفات التي أعلنت لخوض الإنتحابات القادمة
كالتحالف الوطني بقيادة الحكيم الذي لازال يضم أكثر القوى الطائفية المتحالفة تحت ظل الإنتخابات الأولى , ثمّ تحالف دولة القانون التى يترأسها رئيس الوزراء والتى تضم الدعوة الإسلامية مع بعض رؤساء العشائر إضافة إلى من يطلق عليهم بالصّحوات. أما الأكراد فلا زالوا لم يعلنوا عن قوائمهم, لكن الاحتمال الأكبر ان يخوض الحزبان الرئيسان الديمقراطي والإتحاد الوطني الإنتخابات بقائمة موحدة,
إضافة إلى قائمة التغيير التي يقودها انوشيروان مصطفى .
أما الحزب الشيوعي العراقي فهو لم يعلن لحد الأن عن قائمته الإنتخابية التي سيخوض بها الإنتخابات, ولكنّى أرى أن أمام الحزب خياران الأول خوض الإنتخابات بقائمة التيارالديمقراطي الذي انعقد مؤتمره الأول قبل أيام , والثاني
خوض الإنتخابات بقائمة تحمل اسمه.
فالخيار الأول هو الأجدى للحزب فى ظلّ الأوضاع الإستثنائية التي يعيشها العراق الأن . بالرغم من خروج المالكي عن الإئتلاف الشيعي واعلانه عن قائمته دولة القانون, فهو يبقى- أي المالكي- على المدى البعيد أسيرًا لأفكاره الدينية التي يؤمن بها وهذا من حقه كمواطن , لكن ليس كرئيس وزراء لمجتمع كالمجتمع العراقي الذي يتكون من طوائف وقوميات متعددة , وبالتالي فمن المنطقي جدًا أن يكون نظام الحكم فيه نظامًا ليبراليًا ديمقراطيًا يمثل الجميع ويحمي حقوق الجميع .
فهل يستطيع المالكي وقائمته القيام بهذا الدّور؟ . أشك في ذلك لاسيّما وإننا لم نطّلع على برنامج هذه القائمة , والسياسة بالتالي لاتبنى بحسن النوايا والشعارات البراقة والتوكل على اللّه. لذلك فإنّ خيار القوى الديمقراطية هو الأرجح , لكن على الحزب الشيوعي أن لايتعجّل هذه المرّة كما جرى فى الإنتخابات السابقة والتي تحالف فيها مع أياد علاوي والتي لم يحقق الحزب فيها نجاحًا يذكر, إضافة إلى قبوله – أي الحزب - وقتذاك بأن يكون اللاعب الثاني وليس الأول مما جعل علاوي ينفرد بالقرار السياسي للقائمة مما اضطر الحزب إلى فسخ التحالف معه .
إنّ للحزب الشيوعي كوادره الكثيرة والمتخصصة التي تفتقرها الأحزاب والحركات الأخرى مما سيفسح له المجال لدراسة متأنية لطبيعة التحالف المزمع عقده مع القوى السياسية اليسارية والديمقراطية , وهل التحالف الذي سيبرمه الحزب – وهذه نقطة مهمة جدًا – سيكون مقنعًا ومقبولاً من قبل الجماهير . المهمة ليست يسيره لكنّها ممكنة التحقق وتحتاج إلى جهود كبيرة من العمل على تقريب وجهات النظر بين قوى التحالف الجديد من أجل الهدف الأساسي وهو خوض الإنتخابات وبتأثير جماهيري واسع. ولهذا أرى أنّ على الحزب أن يعبىء ومن الأن كلّ أعضائه وأصدقاءه ومؤازريه من أجل الحملة الإنتخابية , بعقد لقاءات مباشرة مع المواطنين فى مناطق سكناهم , فى المعامل , في الجامعات ....الخ . ويقوم أيضًا بفضح أسلوب القائمة المغلقة في الإنتخابات وبأنها أسلوب الأنظمة الديكتاتورية لإخضاع الفرد لمشيئتها وعلى السيطرة التامة على جميع مظاهر حياة الأمة وطاقاتها المنتجة.
نتمنى كلّ النجاح لقائمة الحزب مع كلّ القوى اليسارية والديمقراطية الأخرى.
#محمد_زلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟