|
الأحد الدامي.. إستراتيجيتان: التدمير الشامل في مواجهة الخيبة الأمنية الشاملة.
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 2811 - 2009 / 10 / 26 - 16:39
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كشفت المذبحة الإجرامية الأخيرة التي قام بها الانتحاريون التكفيريون يوم الأحد 25/10/2009 في بغداد عن أن تنظيم القاعدة وحلفاءه، قرروا اعتماد إستراتيجية قتل العراقيين والتدمير الشامل، بعد أن كفوا وعجزوا عن القيام بأية معركة مواجهة حقيقية بمواجهة القوات الأمنية التابعة لحكومة المحاصصة الطائفية منذ زمن طويل، ولجأوا إلى أسلوب التفخيخ والتفجيرات الانتحارية أو تلك المسيطر عليها عن بعد و بكميات هائلة من المواد شديدة الانفجار كمادة "السي فور" وغيرها بهدف القتل الواسع النطاق والذي يستهدف المدنيين العراقيين.لقد كشفت إحصائيات الجريمة الأخيرة عن مقتل 32 شخصا في وزارة العدل و25 شخصا في مقر مجلس محافظة بغداد وأكثر من سبعين مواطنا في الشوارع وفي داخل سياراتهم وقرابة الخمسمائة جريح ليس بينهم من قوات الجيش والشرطة إلا بضعة جرحى ، هذا أولا، كما استهدفت التفجيرات الإجرامية تدمير الأهداف المادية ذات الرمزية السياسية تدميرا تاما وإحداث هزة وارتباك على الصعيد السياسي والأمني والنفسي ثانيا. في مقابل هذه الإستراتيجية البشعة، والتي لا تختلف تكنيكيا وأخلاقيا في شيء عن الإستراتيجية النازية أو الصهيونية المعروفتي السمات تاريخيا، أثبتت السلطات الحاكمة في بغداد أن الإستراتيجية التي تتبناها يمكن أن يطلق عليها " إستراتيجية "الخيبة الأمنية الشاملة " ففي غضون شهرين فقط نجح الانتحاريون في اختراق جميع التحصينات والموانع والاحتياطات ونفذوا هجماتهم في قلب بغداد بل وفي الحي ذاته " حي الصالحية " المزدحم بالناس، ودمروا مقرات كبيرة لوزارات ومقر الحكومة المحلية للعاصمة بغداد وقتلوا وجرحوا المئات في الشوارع والمباني وداخل أكثر من 140 سيارة مدنية تفحمت جثث المواطنين في داخلها. لعل من وأوضح الدلائل على هذه الخيبة الأمنية هي الواقعة التالية : ففي أول تصريح له بعد ساعات على جريمة التفجيرات طالب وزير الداخلية العراقي جواد البولاني، المنشغل بتسويق قائمته الانتخابية ومشروع حزبه "الدستوري" والذي كان قد نفى زعامته له علنا عدة مرات ، طالب بتنفيذ أحكام الإعدام فورا بالمدانين بجرائم قتل وتفجيرات مما يدخل ضمن ما يسميه الإعلام الحكومي "المادة 4 إرهاب" ولم يجد الوزير من يصحح له معلوماته من أن إعدام هؤلاء المدانين المسجونين لا يحل المشكلة، سيما وأنهم ليسوا هم مَن اخترقوا سيطراته وحواجزه الأمنية المبثوثة بالعشرات في شوارع بغداد وفجروا الوزارات بل غيرهم ممن لا يزالون يصولون ويجولون مطلقي السراح . وبعد كل الذي جرى ويجري، لا ندري كيف يثق المواطن العراقي بوزير وزعيم حزب كالبولاني الذي فشل في حمايته من شظايا التفجيرات، وكذب عليه علنا، فنفى أن تكون له أية صلة بالحزب الدستوري ثم عاد ليقوده في تحالف انتخابي جديد! أما التقرير الأمني الأولى الذي أصدره وزير الداخلية إياه، فهو أكثر تبجحا وسذاجة من مطلبه السابق، حيث تباهى الوزير بأن منظومته الأمنية لا تعاني من خلل أمني، وأن وزارته نجحت في خفض عدد السيارات التي ينجح الإرهابيون في تمريرها وتفجيرها عادة من 25 سيارة في الشهر سابقا إلى سيارتين في الوقت الحاضر .. ولم يفطن سيادة الوزير إلى أن ما أسقطته سيارتان من النوع الذي يقصده يعادل من حيث عدد الضحايا والجرحى ما تسقطه حرب إقليمية بين دولتين! أما قوله في هذا التقرير الأولي (وان مسك الأرض والسيطرات وحواجز التفتيش ليست هي من تحل الموضوع الأمني فقط ،بل يجب إعادة النظر بالخطط وتحويلها إلى إجراءات أمنية واستخباراتية ) أما قوله هذا، فهو يعني اعترافا صريحا بالفشل التام والخيبة الثقيلة و أن عليه وعلى المحيطين به أن يذهبوا ليبحثوا لأنفسهم عن عمل آخر، وعلى رؤسائه في المؤسسات الطائفية والعرقية أن يحلوا ويلغوا وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى بعد هذا الاعتراف بلاجدوها ولا فائدتها. السياسيون التقليديون من أعضاء مجلس النواب أو من المعارضين المقيمين في سوريا والأردن كانوا أقل سخاء هذه المرة في تصريحاتهم فحاولوا تحاشي تبرئة تنظيم القاعدة التكفيري بشكل غير مباشر عبر اتهام أحزاب الحكم بارتكاب هذه الجرائم على خلفية صراعاتهم السياسية،ليس لأنهم عادوا إلى وعيهم وعقولهم بل لأن من قالوا بهذه النظرية ظهروا على حقيقتهم في المرة السابقة حين فضحهم تبني تنظيم القاعدة العلني لجريمة تفجيرات الأربعاء الدامي بعد صمت قصير، وهم اليوم يخشون أن يكرروا هذه الاتهامات خوفا من بيان جديد لتنظيم القاعدة يعلن فيه "انتصاره" على الدم العراقي البريء في غزوة جديدة كغزوته السابقة التي أطلق عليها " غزوة الأسير"ويكشف عوراتهم الطائفية. ومن الطبيعي أن يشذ عن هذا المسلك بعضهم،فيعاند ويكرر ذات المعزوفة دون أدنى احترام لأرواح ودماء القتلى والجرحى العراقيين، ومن هذا البعض صالح المطلك الذي ألعن بعد ساعات على الجريمة ( ان اتهام البعث والقاعدة في تفجيرات الأحد أكذوبة اتخذتها الحكومة شماعة لتعليق مشاكلها عليها.وان سبب التفجيرات هو الصراعات السياسية بين الكتل التي تريد ان تسيطر على الحكم وتحاول ان تتصدى بعضها البعض بقصد إضعاف طرف مقابل طرف أخر في الانتخابات القادم .) ولم يوضح المطلك، ولن يستطيع أن يوضح، كيف يمكن لقوى تتصارع سياسيا فتقتل المدنيين في الشوارع بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون ؟ ولم يفسر المطلك، ولن يستطيع أن يفسر، كيف يمكنه أن يبرئ تنظيم القاعدة وهو الذي أعلن "وبكل وفخر واعتزاز" نجاحه في قتل وجرح المئات من العراقيين في تفجيرات الأربعاء الدامي بعد أن أخَّر عمدا هذا الإعلان لعدة أيام، أما تصريحات الضابط السابق في مخابرات نظام صدام حسين المدعو غزوان الكبيسي نائب الزعيم البعثي محمد يونس الأحمد التي أكد فيها تحالف حزبه مع تنظيم القاعدة ضد الصفويين وحلفاء إيران التي قالها علنا وبالألوان في قناة العربية فلا يمكن لصالح المطلك حتى مجرد التفكير بها أو تذكرها ، وإلى جانب المطلك ، أطل علينا السيد نزار السامرائي من على شاشة قناة الجزيرة القطرية وخلال مساجلة هي أقرب إلى المشاجرة خاضها ضد أحد الموظفين الحكوميين، و كرر النظرية المبرِئة لتنظيم القاعدة ذاتها، واتهم أيضا أحزاب السلطة بارتكاب المجزرة الأخيرة في خضم تصارعها على السلطة . والواقع فهذه الآراء أكثر بؤسا من أن تصمد أمام التحليل والاستقراء سيما وأنها تطلق كتميمة خالصة وبديهية غير قابلة للتفسير أو التفكيك ومن يشكك بها أو يحاول وضعها في سياقها السياسي سيوصف بالمدافع عن نظام المحاصصة المتحالف مع الاحتلال الأجنبي ولعل أكبر إنجاز حققته أقلام وأصوات وشخصيات كهذه هو إنهم نجحوا في تحويل أنظار ضحايا التفجيرات الإجرامية الأبرياء من أعدائهم التكفيريين الذين يعترفون بجرائمهم بالصورة والصوت إلى الجهات الحكومية التي فشلت في حمايتهم وهذا الإنجاز هو في الوقت نفسه أكبر إهانة لضحايا التفجيرات في الوقت ذاته. أما الناطقون باسم الأجهزة الأمنية والوزارات الأمنية وما أكثرهم فقد سكتوا باستثناء السيد قاسم العطا الذي كرر اسطواناته الباعثة على السأم والغضب في بيان مقتضب وعاد بعد ذلك إلى صومعته . وبعد هؤلاء جميعا تتجلى الخيبة في سلوك وتصرفات رئيس الوزراء المالكي الذي بادر إلى زيارة مكان الجريمة، ثم عقد اجتماعا لمجلس الأمن الوطني، وأصدر بعض التصريحات والتعليمات المكررة وانتهى الأمر عند هذا الحد، فقد غدت مهمات المالكي أكثر روتينية من التوقيع على أوراق معاملات الطابو والتقاعد ونثريات رئاسة الوزراء. لا قرار جديدا ولا نتائج مهمة للجان التحقيق ولا وعدا أو تعهدا بالقيام بشيء ملموس كأن يأمر بتنفيذ خطة واسعة وسريعة لتغطية العاصمة بشبكة من كاميرات الفيديو التي أثبتت فاعليتها وجدواها في مختلف أنحاء العالم، ولا قرار بإقالة مسؤول أمني كبير بدرجة وزير أو مدير عام أو مفوض شرطة فالجميع محميون من قبل كتلهم وأحزابهم، وأي قرار بإقالة أحد الفاشلين في أجهزة الأمن سيواجه بهجوم كاسح من هيئة الرئاسة الطائفية أو من ممثلي الكتل في مجلس النواب، وقد سبق للمالكي أن جرب فعل ذلك مع الناطق بلسان وزارة الداخلية وغيره ولم ينجح.ترى هل سيتمر نزيف العراقيين إلى الأبد أم إن المالكي سيسجل الموقف الملائم واللائق بوضعه الراهن فيبادر إلى تقديم استقالته ؟
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكيم الابن ينقلب على سياسات أبيه بصدد الموقف من البعث وكرك
...
-
صفقة - النفط العراقي مقابل مياه الرافدين - بين التكذيب الحكو
...
-
تصحيحان لخطأين مطبعيين
-
-فوبيا البعث- آخر معاقل الصداميين الجدد قبل الغروب!
-
كتلة علاوي «العلمانيّة» والائتلاف الشيعي
-
المالكي أو الطاعون ؟ ماذا بخصوص الخيار الثالث ؟
-
سفينة العملية السياسية تغرق والفئران الطائفية تتقافز منها!
-
الجزء 2/ خلطة من الفكاهة البريئة والتهريج والإسفاف المليشياو
...
-
الأعمال التلفزيونية العراقية الرمضانية بين النقد و-النق-:خلط
...
-
علاوي ينضم إلى الائتلاف الشيعي : وأخيراً، انضم المتعوس إلى ا
...
-
الحادثة الطائفية المزعومة في جامعة تكريت حول الشاعر حسب الشي
...
-
ج2/ البيان الانقلابي لثلاثي دوكان : اللعب بدماء العراقيين لأ
...
-
بيان ثلاثي دوكان خطوة حمقاء لإنقاذ المحاصصة الطائفية المحتضر
...
-
خيار المحكمة الجنائية الدولية : آن الأوان لتدويل قضية دجلة و
...
-
آن الأوان لتدويل قضية دجلة والفرات وإلا فليتحمل أقطاب حكم ال
...
-
ردا على البلطجة التركية والإيرانية : آن الأوان لتدويل قضية د
...
-
تخبطات حكومة المالكي ورد الفعل السوري المذعور عليها: شتائم ر
...
-
القنوات الفضائية -المرائية - وإذلال الفقراء باسم التبرعات ال
...
-
سؤال استفزازي موجه إلى السياسي الطائفي أيا كان: ما الفرق إذن
...
-
دجلة والفرات: مرونة تركية لفظية وعدوانية إيرانية
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|