أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الصگار - مجسّات القلم















المزيد.....

مجسّات القلم


محمد سعيد الصگار

الحوار المتمدن-العدد: 2810 - 2009 / 10 / 25 - 19:05
المحور: الادب والفن
    




في‮ ‬مفهومنا،‮ ‬نحن الخطاطين،‮ ‬للقلم معنيان؛ الأول‮ ‬يعني‮ ‬الأداة التي‮ ‬نكتب بها؛ والثاني‮ ‬يعني‮ ‬نمط الخط الذي‮ ‬نستعمله؛ كأن نقول‮ (‬قلم الثلث،‮ ‬أو قلم المحقق،‮ ‬أو قلم الديواني؛ إلخ‮.)‬،‮ ‬ونعني‮ ‬بذلك‮ (‬خط الثلث أو خط المحقق أو الخط الديواني‮).‬
ولكل من القلمين حالات وأبعاد ومواضعات،‮ ‬وربما أسرار؛ سيعرفها المتأمل ساعة‮ ‬يصغي‮ ‬إلى إيقاع الحركة في‮ ‬مسار القلم وما‮ ‬يعتورها من تغيّرات‮.‬

يأتيك القلم الأول‮ (‬الأداة‮) ‬مكتنزاً‮ ‬بالنوايا،‮ ‬صامتاً‮ ‬متوتراً،‮ ‬حاضراً‮ ‬للإستجابة لنواياك،‮ ‬حابساً‮ ‬لنوازعه،‮ ‬منتظراً‮ ‬منك أن تقول،‮ ‬ولكنه‮ ‬يظل متعالياً‮ ‬على أن‮ ‬يكون‮ (‬أداة‮) ‬في‮ ‬يدك تسجل ما تقول؛ ذلك أن للقلم،‮ ‬كما لكل الكائنات، كبرياءه وحياته التي‮ ‬لا‮ ‬يصح التعرض لكينونتها والعبث بها؛ وهنا‮ ‬ينبغي‮ ‬الإحتراز من التصرف العشوائي‮ ‬بطاقة هذه الأداة‮.‬

في‮ ‬لب القلم،‮ ‬لب الفكر‮.‬
يأتيك سائلاً‮ ‬مرة،‮ ‬جامداً‮ ‬مرة،‮ ‬متخثّراً‮ ‬مرة؛ وأنت بين هذه الحالات،‮ ‬تجد اللب بين‮ ‬يديك،‮ ‬حاضراً‮ ‬لمشيئتك،‮ ‬ولكنه‮ ‬غير مستقل ولا بعيد عنها،‮ ‬إنه‮ ‬يتبلور نمواً‮ ‬وانحداراً‮ ‬مع ما في‮ ‬فكرك من تحولات،‮ ‬ولذلك تجده سلساً‮ ‬مرة وعصيّاً‮ ‬مرة‮. ‬كما‮ ‬يأتيك قلم الرصاص متواضعاً‮ ‬سهل المحو،‮ ‬ويأتيك‮ ‬غيره متعنّتاً‮ ‬صعب التفاهم‮.‬
ويجد المتابع الصبور،‮ ‬إذا تأمل،‮ ‬أن هناك إيقاعاً‮ ‬خفيّاً‮ ‬وتوازناً‮ ‬بين ما‮ ‬يفكر فيه وما‮ ‬يراه على الورق،‮ ‬فحركة القلم لا تأتي،‮ ‬في‮ ‬الواقع من‮ ‬غرز سن القلم على الورق وتحريكه للوصول إلى الصيغة المطلوبة ما لم‮ ‬يكن هناك تصميم مسبّق خفيّ‮ ‬أو قيم‮ ‬غامضة تأخذ القلم إلى مداره‮.‬

أذكر من تجربتي‮ ‬الشخصية أن فتاة عربية أرادت أن تتعلم مني‮ ‬فنون الخط العربي،‮ ‬وكان في‮ ‬ظنها أن ذلك من السهولة بحيث لا‮ ‬يقتضي‮ ‬وقتاً‮ ‬طويلاً؛ وقد طلبت منها أن تبدأ برسم دوائر بقلم الرصاص،‮ ‬بتلقائية وسرعة لعدة أيام لكي‮ ‬تطوّع سلاميات أصابعها،‮ ‬وتحسن السيطرة على استدارة الحروف وانحناآتها‮.

‬ولكي‮ ‬أبرهن لها على ذلك،‮ ‬أخذت القصبة وغرزتها بالحبر،‮ ‬ورحت أرسم لها استدارة حرف النون،‮ ‬فإذا باستدارة النون تأتي‮ ‬مطابقةً‮ ‬تماماً‮ ‬لاستدارة الأداة البلاستيكة التي‮ ‬نقيس بها الإستدارات والمنحنيات‮.‬

ذُهلت‮ ‬يومها من هذا التطابق الغريب الذي‮ ‬لم أجربه سابقاً،‮ ‬لكنني‮ ‬أخفيت دهشتي‮ ‬عن تلميذتي؛ وحالما‮ ‬غادرت،‮ ‬انصرفت أنا لمراجعة هذه الحالة،‮ ‬ورحت أخط وأفيس والنتائج تتوالى بصحة الأداء،‮ ‬ويأتي‮ ‬حرف النون‮ ‬كما أريد من دقة الإستدارة والإنحناء وجمالها؛ وصرت كلما أبدأ‮ ‬يومي‮ ‬أبدأ بحرف النون‮.‬

تأملت في‮ ‬ما بيني‮ ‬وبين نفسي؛ ما الذي‮ ‬يجعل اليد تنسحب بهذه الحركة فتجعل الإستدارة متقنةً‮ ‬بهذا الشكل؟ فرحت أرقب حركة اليد وحركة القصبة،‮ ‬فأحسست كما لو أن‮ ‬يداً‮ ‬خفية وراء‮ ‬يدي‮ ‬تدفعها إلى أن تذهب‮ ‬يساراً‮ ‬بنسبة معيّنة،‮ ‬وتنحني‮ ‬بنسبة أخرى‮. ‬وتُنهي‮ ‬الحرف بما أحب‮.‬

لا أقصد من هذه الحالة ما آل إليه التطبيق،‮ ‬ولكن ما‮ ‬يشغلني‮ ‬هو ما وراء تلك الحالة التي‮ ‬أحس كأن الكف براحتها وأصابعها وسلامياتها مزمومة ومتوترة بانتظار اندفاعها نحو ما أريد‮.‬

من هنا،‮ ‬أجد القلم الأول أكفأ للتعبير عن الحالات النفسية والعصبية والمزاجية،‮ ‬ومفصحاً‮ ‬عما وراء حركة القلم من تموجات‮ ‬هي‮ ‬انصهار لبّ‮ ‬القلم بلبّ‮ ‬الفكر‮.‬

ساءلت نفسي‮: ‬أيكون هناك ما‮ ‬يدفع أصابعي‮ ‬إلى هذه الحركة ويحثها على التواصل إلى نهاية الحرف؟ أم أن هناك تناغماً‮ ‬خفياً‮ ‬يوصلها إلى ما تريد؟

لا أدري؛
أنا أنام،‮ ‬وتبقى مجسات القلم‮ ‬يقظة بكل عنفوانها تنتظر النقرة التالية‮.‬

أما المعنى الثاني؛ فله شأن آخر ذو علاقة بأمور أخرى كمادة القلم،‮ ‬إن كان خشباً‮ ‬أو قصباً‮ ‬أومعدناً‮ ‬أو‮ ‬غير ذلك؛ أو كحجم القلم أو عرض سنّه،‮ ‬أو ميلان أو انحراف قَطّته،‮ ‬إلى آخر ذلك من شروط‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تتوفر فيه ليحقق الضوابط والقواعد التي‮ ‬يشترطها كل قلم‮ (‬كل خط‮).‬
ولهذه الأقلام‮ (‬الخطوط‮) ‬خصائص فنية دقيقة‮ ‬يصعب معها التماس الحالات النفسية والمزاجية لكل خطاط لكون القواعد الخطية لكل خطاط تخضع لقواعد متشابهة‮ ‬يتبعها الخلف عن السلف وتضيع فيها ملامح كل خطاط على حدة؛ وهو موضوع‮ ‬غير ما نحن فيه‮.‬

www.saggar.com



#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجلان ... أي رجلين!
- يوسف العاني يلاطف حيرتي
- اوراق سياسية - لقاء مع حازم جواد
- أهي عناوين وهمية ؟
- ليس براءة ذمّة
- تحية إلى قمر البصرة
- بطاقة إلى الحزب الشيوعي العراقي
- أهذا هو الوفاء؟


المزيد.....




- -هيئة الأدب- تدشن جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي ...
- وزارة الثقافة الروسية: فرق موسيقية روسية ستقدم عروضا في العا ...
- وفاة الفنان المصري عبد المنعم عيسى
- فنان مصري ينفعل على الهواء على قناة لبنانية خلال محاولة عرض ...
- محسن جمال.. 4 عقود من الإبداع ساهمت في تشكيل الغناء المغربي ...
- فيديو طريف.. فنان سوداني يوقظ أحد الحضور من سبات عميق في حفل ...
- وفاة الإعلامي السوري صبحي عطري
- عندما تتكلم الشخصية مع نفسها.. كيف تنقل السينما ما يدور بذهن ...
- الفكر والفلسفة في الصدارة.. معرض الكتاب بالرباط يواصل فعاليا ...
- أول تعليق لمحمد رمضان على ضجة -حمالة الصدر- في مهرجان كوتشيل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الصگار - مجسّات القلم