|
زيارة لمدينة الناصرية - قراءة في ثقافة العشيرة
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2808 - 2009 / 10 / 23 - 09:46
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
دعتني الكلية الملكية البريطانية وهيأة الصحة الدولية لألقاء محاضرات بالصحة النفسية على الأطباء بمحافظات واسط والمثنى وذي قار، بمدينة الناصرية . ولأنني كنت في شوق الى أن " أشم ريحة هلي " فقد توجهت برّا من أربيل قاطعا مسافة 730كم. تجولت بشوارعها وتحدثت مع ناسها ، وارتحت لأمرين: تآلف أهلها الذين لم يحصل بينهم اعتداء او تهجير طائفي ، وكثرة أطبائها الذين لم يغادروها . وبرغم أن الاعمار بدأ فيها الا أن شوارعها مهملة . ولما استفسرت عن سوء الخدمات فيها أجابوني أن الذين تولوا أمرها أبناء عشائر يفتقرون للخبرة والكفاءة . ووجدت أن ( ثقافة العشيرة ) هي السائدة على الصعيدين الحكومي والشعبي ، فأنت ما أن تتحدث مع أحدهم حتى يبادرك بالسؤال : " من ياعمام جنابك؟..يقصد العشيرة ".. ولهذا تاريخ وسيكولوجيا ، فعشائر الناصرية أشجع من حارب الأنجليز حين دخلوا العراق محتلين . فواقعة عشائر آل ازيرج معروفة . ويوم أرادوا المرور بمحاذاة " باهيزه" أرسلوا من يفاوض شيوخ عشائرها للسماح بمرور زوارقهم نحو بغداد ، فردّوا عليهم باهزوجتهم المشهورة " شرناها وعيت باهيزه " أي استشرنا أهل باهيزه فرفضوا بالمطلق!. وقبلها كان النشامى تسلقوا ليلا شجرة صفصاف كبيرة وأمطروا الجنود الأنجليز بالرصاص ، ولما رأى الضابط في الصباح تلك الشجرة قال : " اقلعوا هذه الشجرة الخبيثة فهي السبب في قتل جنودنا " ..وأشاعها النظام السابق ليصف أهل الناصرية بالخباثة!. وعشائر الناصرية تحكمت بها ( سيكولجيا التمرّد ) على السلطة من مئات السنين .ففي العهد العثماني " 1534-1914" امتنعوا عن دفع الضرائب للأتراك . وهم الذين هجموا في آب 1920 على سراي الحكومة وأنزلوا العلم البريطاني وأحرقوه . ولهم الدور الأكبر في ملحمة الشعيبة التي قاد فيها الشاعر والعالم ( الحبوبي ) رتلا فأكرمه أهلها باطلاق أسمه على أهم شارع فيها . ومن حق عشائر الناصرية التباهي بتاريخها المشرق في محاربة المحتلين والتمرد على السلطات الظالمة ..وبكرمهم ومنهم " بدر الرميض " المشهور بكرمه الخرافي ، الذي ودعته عشائر الناصرية يوم تشييعه باهزوجة " الجود مغرّب الله وياه " . لكن لثقافة العشيرة مساؤها ، وأخطرها ..أن الديمقراطية جاءت بأبناء عشائر فيما المحافظة تحتاج الى حكومة محلية من تكنوقراط وكفاءات تخصصية ، وأحلّت الولاء للعشيرة محل الولاء للوطن ، وصارت الأحزاب تسعى لكسب ودّ شيخ العشيرة دعما لها في الانتخابات . فمن المفارقات أن أحد الشيوخ زاره موفدان من حزبين دينيين، ولكي " لا يكسر بخاطر أحدهما " قال لهما :" عندي مية فلاّح راح أقسمهم لكل واحد خمسين صوت !". ووصلت ثقافة العشيرة للجامعة ، فأحد الأساتذة هدد مسؤولا بها ..أن وراءه عشيره! . وصار صوت الناخب يشترى ببطانية أو كارت أو جهاز موبايل ، واحيانا بالدولار ..فيقبض الناخب من هذا وذاك ، والضمانة هي " أن يحلف بالعباس "..ويفي الناخب بيمينه فينتخب كل من أعطاه !. والعشيرة تتحكم فيها عصبيات : الولاء لها ، والتحالف العشائري ، والتقاليد . .وتلك كانت أسبابا في نشوب معارك دامية بين العشائر ، ولا ضمانة من نشوبها الآن ما دامت المصالح تتحكم بالانتخابات. ومع أن الناصرية هي المدينة التي تأسست ونشطت فيها أهم الأحزاب في العراق : الأمة ، الشيوعي ، البعث ، الدعوة ، القوميون العرب ، وشخصيات تعرفونها ..ومنها أول ثلاثة مطربين غنوا في الاذاعة : حضيري ابو عزيز وناصر حكيم وداخل حسن ، فان المدينة تراجعت فيها الثقافة التقدمية ، وافتقد كورنيشها مجالس الطرب ..غير أن فيها شبابا واعدون ناشطون بالصحافة والمسرح ..وليتها تستعيد طربها ، فحتى مؤسسها " ناصر الأشقر " كان عاشقا وشاعرا ومحبا للطرب ، فهو القائل :" لو تون لو ترتاح لو تلزم الباب!". تحياتي لأهل الناصرية .
ملحوظة : شيء جميل أن يزرع وسط الطريق بالنخيل ، لكن هنالك أكثر من ألف نخلة يابسة بين سيطرة بغداد الى نهاية المدائن ..فهل هو اهمال أم لعبة فساد ؟!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفؤوق الجندرية بين العلم والخرافة
-
رسالة إلى نفسي
-
الانتخابات العراقية ..وسيكولوجيا الاحتواء -قراءة نفسية-سياسي
...
-
سيكولوجيا الفوضى بين بغداد وبيروت
-
نحو فهم جديد لسيكولوجيا الشيخوخة
-
العار ..للقتل غسلا للعار !
-
التقاعد = مت وأنت قاعد!
-
العراق : وطن بلا طفولة
-
دلالات الرموز في أعلام دول العالم
-
الحب في زمن الكوليرا
-
تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة السادسة - سيكولوجيا الدين
...
-
تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة الخامسة -سيكولوجيا الدين :
...
-
تساؤلات محرجة .. في الدين - الحلقة الرابعة - سايكولوجيا الدي
...
-
تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة الثالثة - الدين والصحة الن
...
-
تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة الثانية - التطرفان الديني
...
-
تساؤلات محرجة ..في الدين - الحلقة الأولى -
-
خذوا الحكمة من جلجامش
-
دلالات اللون في اعلام دول العالم
-
في سيكولجيا المجتمع العراقي بعد نيسان 2003
-
في سيكولوجيا الحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
لحظة تصدي رجل هارب لشرطي أمريكي أدخلته في حالة حرجة.. شاهد م
...
-
بروتوكول تعاون عسكري بين مصر والصومال وسط خلاف بين مقديشيو و
...
-
برلين تؤكد أن التحقيق في تفجير -السيل الشمالي- لن يؤثر على ع
...
-
نائب نمساوي يدعو إلى وقف المساعدات لأوكرانيا بسبب تورطها في
...
-
سامي الجميّل في بلا قيود: تطرف حزب الله وإسرائيل يصعب إيجاد
...
-
إيران: إصابة أم بالشلل النصفي بعد إصابتها برصاص الشرطة بسبب
...
-
فلسطيني يستخرج شهادة ميلاد توأمه.. ويعود ليجدهما مقتولين مع
...
-
عدد القتلى في غزة يقترب من -40 ألفاً- منذ بدء الحرب، ووزير إ
...
-
لإفساح المجال لوجوه جديدة في اليابان.. كيشيدا يعلن عزمه الت
...
-
زيلينسكي: قواتنا أسرت أكثر من 100 جندي روسي في كورسك صباح ال
...
المزيد.....
المزيد.....
|