|
لا للشراكة الأوروبية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 20:48
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لاشك بأن موضوع أي شراكة، أو تعاون بين أي طرفين في العالم، ومنه ما يقال عن الشراكة الأوروبية السورية، يشكل في نهاية المطاف، مصلحة مشتركة لكلا الطرفين الموقعين عليها، وإن كانت مصلحة بعض تطغى على مصلحة آخر. فالاتحاد الأوروبي، وأوروبا والغرب، بشكل عام، وتاريخياً، وحين يسعون لأية خطوة من هذا القبيل فلأن لهم مصلحة كبرى فيها.
والأهم من هذا وذاك، فهذه الدول التي "تتصدق" بالشراكة، ليست، جمعية خيرية، و"وكالة من غير بواب"، للغادي والبادي، ولا من أجل عيون السوريين، أو غيرهم، وهي مدروسة بالميليمتر لجهة ما ستجلبه من فوائد للأوروبيين، وفائدتهم كبيرة وعليا، بالمشاركة الاقتصادية مع سوريا، ولولا ذلك لما اقتربوا منها، وكلنا يعلم المقولة التي تتكلم عن "رأس المال الجبان". ففي سوريا الكثير من المزايا الاقتصادية والاجتماعية والتجارية النادرة، والتي قد لا تتوفر في أي من دول الجوار، أو حتى في المحيط المتوسطي برمته. ولا يسع المرء إلا أن يقف مع كل خطوات تلاق إنساني ينعكس في النهاية انفتاحاً وأخوة وعولمة إنسانية فيما بين شعوب الأرض قاطبة، شريطة أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل، وتنعكس إيجاباً، رفاهاً، ونماءً، وخيراً، على جميع الشعوب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، سورية ليست دولة عادية، ولا هي من الدول "الفقيرة،، والمستجدية والمديونة التي ترزح تحت وطأة الحاجة والديون والعوز، بحال من الأحوال. وإلى اليوم فهي تطعم معظم دول الجوار قمحاً، وحبوباً، ولحوماً، وخضاراً، وفواكه، وتمدّ أكثر من دولة مجاورة بالماء وبالكهرباء تلك الأعصاب الاقتصادية الحيوية الهامة. ولم تكن، إلا كذلك على مر التاريخ. إذ يخبرنا التاريخ، مثلاً، بأن منطقة حوران السورية الجنوبية، لوحدها، والتي كان يقطنها أكثر من عشرين مليوناً من الناس، كانت تطعم الإمبراطورية الرومانية، وتتصدق عليها بالقمح، وبعض المنتجات الغذائية والزراعية الأخرى. واليوم، أيضاً، فسورية دولة زراعية، وتجارية، وسياحية، وبترولية، وصناعية ...إلخ، إضافة إلى الطاقة البشرية الخلاقة، والكوادر الجرارة في شتى الاختصاص والمهارات النادرة والذوق الرفيع في كل شيء، وهي الأهم وهذه عوامل ومزايا قلما نجدها في دولة أخرى، وهي تكفي ذاتها بذاتها، وتجتمع فيها كل العوامل التي تجعل منها بلداً ناجحاً ورائداً على أكثر من مستوى ومقياس.وتستطيع أن تصدر وتغطي من إنتاجها الزراعي ما يكفي الاتحاد الأوروبي المتعطش للسلعة الزراعية ذات الجودة العالية والطبيعية العضوية Organic والرخيصة (هذه بحد ذاتها ميزة سورية نادرة بالنسبة للأوروبيين)، وأزمة الألبان الأوروبية الأخيرة ومشتقانها ، تنذر بمستقبل مظلم للمنتج الأوروبي.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي المستفيد الأول من هذه الشراكة وهذه البنية التحتية الجاهزة أرضاً وشعباً وثراء وإمكانيات، ولعدة اعتبارات. لكن بعضاً من أطرافه، تلح وتظهر هذه الشراكة باعتبارها، هدية، أو تصدقاً، أو عطفاً على سورية. لا بل أن البعض أدرجه كمادة وشعار على رأس مشروعه الانتخابي، كما فعل وزير الخارجية الهولندي مكسيم فيرهاغن الذي استخدم هذا الموضوع لأسباب انتخابية داخلية، تتلاءم وطموحاته السياسية بان يصبح رئيساً للحكومة، ولوّح بالاعتراض على توقيع الشراكة، وتجميدها حتى بعد التوقيع، وفي هذا نوع من الابتزاز والغطرسة المرفوضة، وتسييس لقضية محض اقتصادية فيها منفعة متبادلة للطرفين. إنه سلوك لا يليق، البتة، لا بوزير خارجية محترم، ولا ببلد عظيم وعريق كسوريا، له مكانة استثنائية في قلب التاريخ البشري حيث انطلق منها أول حرف، وأول لحن في الفضاء الإنساني. وللعلم فإن نفس هذا الوزير، الذي يتباكى على همروجة حقوق الإنسان، كان قد صوّت في تناقض مفضوح، ضد تقرير غولدستون في جنيف، وهذا ما يدلل على الازدواجية المفضوحة الفجة، والفظة، التي تميز تعامل الأوروبيون بها في موضوع حقوق الإنسان، والتي أصبحت مادة للتندر، كما أنها وسيلة للضغط والابتزاز والحصول على مكاسب وتنازلات، سياسية واقتصادية، على حساب هذا البلد والشعب أو ذاك. ولن نتكلم عن التاريخ الأوروبي الاستعماري الملطخ بالانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وعن تواطؤ الأوروبيين، وانخراطهم مع الأمريكيين في الحرب المدمرة والكارثية ضد العراق، والسجون الطائرة التي أزكمت الأنوف في كل مكان، والتي يبدو، فيها، دائماً، أن حقوق الإنسان لا تعني لهم أي شيء وباتت تستعمل فقط للابتزاز . كما لن نتكلم عن هرولة الأوروبيين، وغيرهم، وغضهم الطرف عن ممارسات أبشع وأفظع، وبما لا يقارن، ولا يقاس لدول في المحيط والجوار، لا تقيم وزناً للتسامح، وتنكل بالمرأة والأقليات، ونراهم يتراكضون مثنى، وثلاثاً، وأرباعاً، نحوهم من أجل الحفاظ على تدفق النفط الخام إلى ميناء "روتردام"، لا بل إن زعيمهم الذي علمهم السحر، امتشق السيف اليعربي، وشبع رقصاً وشخلعة، على أشلاء ضحاياه، وضحايا الأوروبيين من فقراء فلسطين، ولبنان، والعراق.
بالمختصر المفيد، ومن الآخر، وما نريد قوله، هو أن ما يسمى بقضية حقوق الإنسان ما هي إلا شماعة غايتها الحصول على مزيد من التنازلات وفرض شروط تصب في مصلحة الأوروبيين، في الآخر، وقد تكون مجحفة بحق سوريا والسوريين. فحقوق الإنسان، والمرأة بشكل خاص، والأقليات، في سوريا، ليست بذاك القدر والسوء الذي يحاول البعض تصويره، وتضخيمه واللعب عليه، طمعاً في ابتزاز وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وتجارية، وإن أي تدخل في الشؤون السورية الخاصة والداخلية هو أمر مرفوض من عموم الشعب السوري، وقد علمنا التاريخ أ؟ن حقوق الإنسان لا تعني شيئاً للأوروبيين أمام مصالحهم التجارية والاقتصادية والاستثمارية.
إن سورية التي وقفت سداً منيعاً، وبعز وفخار ضد مشاريع الهيمنة الاستعمارية، وأسقطت الشرق أوسطية، لا يمكن لها، ولا يجب أن ترضخ، للابتزاز الأوروبي عبر أزعومات لا تبغي، أبداً، "وجه الله". فما عجز عن تحقيقه جورج بوش، وأساطيله، ومارينزه، لا ينبغي أن يمنح هكذا وعلى طبق من ذهب للأوروبيين، من أجل شراكة قد لا تسمن ولا تغني من جوع، في نهاية المطاف، وسوريا وسيادتها، وكرامتها ليست موضوع مساومة، أو مقايضة على الإطلاق. فكما قلنا، سابقاً، الاتحاد الأوروبي، ليس جمعية خيرية، وإذا تبدى لسورية مصلحة ما، في هذه الشراكة، فللاتحاد الأوروبي ألف مصلحة ومصلحة بها، وللتذكير يكفيه ما فيه من أزمات اقتصادية ومعيشية وبطالة وإفلاس وكساد، ما زال يتخبط فيها حتى اللحظة، ويبدو أن الشراكة مع سوريا وغيرها ستكون طاقة أمل له للخروج منها، في حين لم يكن للأزمة الاقتصادية العالمية على سوريا، نفس تلك الآثار التي تركتها على الاقتصادات الأوروبية، وكانت سوريا على الدوام مستقلة اقتصادياً، وبعيدة كل البعد عن تلك الأزمات، بسبب استقلال وكفاية اقتصادية مميزة.
فليأخذوا اتفاقهم وشراكتهم، و"بلاويهم" السوداء كلها، ويرحلوا، فسورية، كانت ولا تزال وطناً للسوريين، تكفيهم، وتؤويهم، وتعطيهم تعيش بخيراتها وثرواتها، وشعبها الطيب العظيم، وتعرف كيف تدبر أمورها وشؤونها، وليست بحاجة ، لا للأوروبيين، ولا غيرهم، تشاركهم كي تعيش.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تعتذر يا تركي السديري
-
Never Trust Them لا تثقوا بهم أبداً
-
سوريا وتركيا وبدو العرب
-
نعم ليهودية إسرائيل
-
ثقافة الأولمبياد
-
هل المساجد لله؟
-
أوباما وفضيحة نوبل
-
مأساة معسكر أشرف: ومسؤولية حكومة المالكي
-
العربي الرخيص: مهزلة تبادل الأسرى
-
C/V لمسؤول عربي
-
سجالات وردود
-
ليلة القبض على الثقافة العربية: وزراء ثقافة أم وزراء أوقاف؟
-
وزراء ثقافة الطلقاء 2
-
وزراء ثقافة الطلقاء
-
حمار عربي أصيل!!!
-
لماذا لا يستشهدون؟
-
اسم على غير مسمى
-
لماذا يُفرض الحجاب في الدول الدينية؟
-
البكيني مقابل الحجاب والأكفان السوداء
-
وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرّدا
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|