|
رواية سهرة تنكرية ( غاده السمان )
بابلو سعيده
الحوار المتمدن-العدد: 2807 - 2009 / 10 / 22 - 17:11
المحور:
الادب والفن
قراءة نقدية سهرة تنكرية للموتى / رواية / غادة الســــمان عاشـت غـادة متنقلة بين أوطان ثلاثة ، وطن الطفولة ( دمشـق) ووطن الإبداع /بيروت/ ووطن المنفى الاختياري / باريس/ وحملت معها ثلاث هويات في لحظة تاريخية واحدة . أبطالهـا في رواياتهـا ، هـم مـن الوجوديين ، والعبثيين ، والمأساويين ، والسورياليين ، والرومانسيين ، والواقعيين . تصنعهم من التخييل ، والمخزون الثقافي المجتمع في ذاكرتها ، ومن تجاربها الذاتية والمتعمدة مع العرّافات ، والمقامرين ، والمغامرين ، وهواة المخدرات لرصد النشاط العام للنخب الدمشقية . أبطالها في رواية " سهرة تنكرية للموتى" هربوا من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية إلى النعيم والاستقرار الدائمين في باريس . ولكنهم وجدوا ذواتهم في جحيم من نوع آخر لا يطاق . وهي امتداد طبيعي لرواية ( ليلة المليار ) . إنه الاغتراب والاستلاب في الوطنين معاً : وطن الطفولة ووطن المنفى، وفي الرواية تختلط لدى أبطالها الأوراق والمفاهيم والمواقف ، بحيث يصعب على أبطال الرواية أن يميزوا بين الوهم والحقيقة ، والتجريد والتجسيد ، والواقع والحلم ، والوعي واللاوعي . فتختلـط السـوداوية بالتفاؤلية ، والجنون بالعقلانية ، والسـيادة بالعبودية ، والانفلاش بالانتماء ، والنصر بالهزيمة ، والخرافة بالواقعية . وتبعث " كوابيس بيروت للحياة من جديد على شكل سهرة تنكرية للموتى" بعد مرور عقدين من الزمن . إنهّا الحرب التي تدّمر الطاقات البشرية والمادية . وتشكّل إحباطاً واكتئاباً للأنا الفردي والأنا الجماعي . ويصبح الأنا الفردي فأراً مذعوراً وخائفاً على وجوده الشخصي ، والتي تجعل الطيبين شريرين ، والشريرين أكثر وحشية وهمجية وانفلاشية . وانعكست آثار الحرب الأهلية على أسلبة غادة وحياتها ، بحيث جعلت أبطالها يغيرون مواقعهم وهوياتهـم وسـلوكهم بين لحظـة وأخرى . ويحاورون ذواتهم ، والأشباح والأموات ، وذلك انسجاماً مع ذاتها المبدعة والمتجددة والمتغيرة . والعالم الغادوي على المستويين الذاتي والأسلبي ، جعل أبطالها يعيشون اللامألوف ، واللامنطق ، واللاعقلنة ، والقلق والتأزم ، لأن غادة لا تخشى أحداً. إنّها تعيش الحرية المطلقة في أسـلبتها وحياتها. وتعيش العزلة في نفس اللحظة . وغادة هي الأقرب إلى المبدع المجنون ، وقد ألزمه أهله ووطنه وأصدقاؤه أن يكون قلقاً ومتأزماً في حياته وأسـلبته الأدبية ، وغادة مصممة على استمرار قلقها وتأزمها ، من أجل رفع وتيرة الإبـداع والتجديد ، لأن غادة لا تستطيع أن تعيش خارج الإثارة والمشاكسة والغرابة والدهشة . في روايتها " فسيفساء دمشقية " تصنع أبطالها من مخيلتها ، وتجعلهم يقتربون من أهدافهم وأحلامهم . وفي نفس اللحظة يبتعدون أكثر عن أهدافهم وأحلامهم . ويتوهم بطلها ، أنه يحاور الآخرين ، ويتخذ موقفاً منهم ، وهو في الوقت ذاته يحاور ذاته . ويبقى عاجزاً عن اتخاذ الفعل المناسب ، لأنه مصاب بالتعددية الشـخصانية ، العاجـزة عـن اتخاذ موقف واضح من الحدث والذات والآخر . وتقدم غادة عرضاً أدبياً للقارئ الناقد ، أن يختار عنواناً من ثلاثة لروايتها"سهرة تنكرية لموتى" وهذه هي أول محاولة إبداعية جادة وهادفة لمشاركة القارئ الناقد في تحمل مسؤولياته الأدبية – النقدية . أبطالها بشر وجرذان ، وشياطين يزرعون الرعب والموتى والدمار والطاعون . الرواية محورها الأساسي سبعة لبنانيين ، من شرائح اجتماعية واقتصادية متعددة ومتنوعة ، يهاجرون من بيروت إلى باريس هرباً من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية . ويعيشون في باريس الأنوار، الاغتراب والاستلاب . وبعد مضي ربع قرن من الزمن يعودون إلى بيروت الوطن . ويصاب من بقي منهم حياً بالإحباط والاكتئاب والهزيمة الجوانية والخارجية . والإنسان في الرواية يصبح قاتلاً أو مقتولاً ، وناهباً أو منهوباً . ويتحول القتل إلى غاية ، والإنسان إلى وحش مفترس ، والتخييل إلى واقع معاش ، مما جعل أبطال الرواية يقيمون حوارات مونولوجية ، وروائيه يساهم فيها الموتى والأرواح والأشباح . واستخدمت غادة في روايتها مفردات نخبوية في جغرافية لبنانية يمتزج فيها التخييل الروائي بالواقع اللبناني المرئي والمعاش ، من كتاب وأدباء وسياسيين ومسؤولين ، وشوارع وفنادق ومقاهي معروفة ومشهورة في بيروت . وتخلصت غادة من التراتبيه لبعدي الزمان والمكان ، ومن التقليد الروائي (التبويب والفصول) باعتمادها تقنية روائية تظهر صوت الذات الروائية المتنقلة بحرية تامة ، وانتقال الحدث السريع من زمن حاضر إلى ماضٍ وقادمِ ، ومن جغرافية مكان محدد إلى جغرافية مكان آخر، أقرب أو أبعد ، مما جعل الأسلوب السردي يتنامى على حساب الحوار الدرامي للشخصيات. ويحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها. ويسـاعد على اكتشاف العمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات . وأبطال غادة الروائيين ، قلقون متأزمون مأساويون ، منهـم السوي والميكافيلّي ، والحالم والواقعي . ترفض غادة في أدبياتها وحياتها النضال المؤدلج القائم على نقل القهر المنظم من دولة القهرستان إلى دولة مجاورة . وتبقى بطلة الرواية الأساسية / ماريا / الأقدر من غيرها على فعل الانتماء للهوية ببعديها التاريخي والإنساني ، والعمل بكل طاقاتها الأسلبية والثقافية لإعمار لبنان من جديـد ، رغـم أنها فقدت في الحرب الأهلية اللبنانية أسـمى ما لديها، حبيبها ، وبيتها ، والأماكن المحببة إلى ذاكراتها. باختصار شــديد : في الروايـة توجــد كوابيس القهر في الحلم والواقع ، والعشق والقلق . يختلـط فيهـا السـرد الروائي ، بالأسـلوب الحواري ، والرمزية بالواقعية ، والنثر بملامح الشعر، والصدام الحياتي بالصدام الروائي ، في عالم مثير للدهشة وللغرابة في الواقع والرواية معاً . وانتقال الحدث السريع من زمن حاضرٍ إلى ماضٍ وقادم ، ومن جغرافيةٍ محددة ، إلى جغرافيةٍ أخرى أقرب أو أبعد ، أدى إلى تغليب السرد الروائي على الحوار الدرامي للشخصيات ، وإلى تحرر الروائية من تراتب الجغرافيات بأماكنها وأزمنتها ، واكتشاف المعمق الدلالي للحدث ، وسبر الأغوار العميقة للشخصيات . أبطالها الأموات : نهايتهم مأساوية / سوداوية / هزائمية ، وقد دمّروا بيروت وذواتهم والوطن . أبطالها الأحياء : جعلوا من بيروت تخييلياً مدينة الحرية . ماريـا البطلة الوحيـدة في الرواية التي حافظت على بنائها الداخلي / الدرامي/ الحياتي. استطاعت من خلال إبداعاتها الأدبية الواعية والمتميزة ، أن تتخذ موقفاً مستهجناً ومستنكراً لدولة القهرستان . وتستخف بـ " نضال " أحد المناضلين القاهرين للبنان . وتعمل بكل إمكانياتها الأسلبية لإعمار لبنان من جديد ، رغم أنها فقدت في الحرب الأهلية أسمى ممتلكاتها المادية والفكرية . وماريا في كل يومٍ ، تحزم حقائبها الفكرية للسفر والعودة إلى دمشق ، ثم تعلّق سفرها في آخر لحظة ! لأنّ العالم الغادوي لم يستطع أن يضع قدميه على أرضٍ صلبة ، بل وضع قدماً في باريس ، وآخر في دمشق !
#بابلو_سعيده (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|