|
التقارب السوري-السعودي وانعكاساته الإقليمية
رائد نايف حاج سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 2805 - 2009 / 10 / 20 - 19:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الآونة الأخيرة كثُر الحديث عن التقارب السوري-السعودي، وذلك إثر قيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة السعودية للمشاركة بافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا بمدينة ثول، وقيام الملك عبدالله بن عبد العزيز بعدها مباشرة بزيارة دمشق، وهنا يثور سؤالان رئيسيين تحاول المقالة الإجابة عليهما، أولها هل التقارب السوري-السعودي تقارب حقيقي( استراتيجي)؟ وثانيهما هل سينعكس التقارب السوري-السعودي على لبنان؟. إن محاولة الإجابة على السؤال الأول لاتستقيم إلا بالاستعانة بالمنهج الوصفي، الذي يتيح إمكانية تحليل مكونات ومرتبطات الظاهرة المدروسة ، ثم تركيبها للتمكن من إعطاء إجابة على السؤال المطروح. قامت إسرائيل بشن حرب على لبنان صيف 2006، بذريعة (حق الدفاع عن النفس)، بعد قيام حزب الله بعمليته النوعية الوعد الصادق، واختلف الموقفان السوري والسعودي من الحرب اختلافاً جذرياً، فسورية أيدت حزب الله وأعلنت غير ذي مرّة استعدادها للحرب، المّرة الأولى على لسان وزير الإعلام الدكتور محسن بلال، والمّرة الثانية في اجتماع بيروت لوزراء الخارجية العرب خلال الحرب، عندما قال وزير الخارجية وليد المعلم :"أهلاً وسهلاً بالحرب"، أما الموقف السعودي فقد حمّل حزب الله المسؤولية كاملة، واعتبر ماقام به الحزب يندرج في خانة المغامرات غير المحسوبة، حتى أنه أعيد نشر فتوى للشيخ عبد الرحمن بن جبرين تحرم الدعاء لحزب الله (الرافضي) كما جاء في الفتوى، ثم تطور الموقف بشكل إيجابي بعد الصمود الرائع لحزب الله أمام إسرائيل، وإمعان إسرائيل باستخدام القوة ضد المدنيين اللبنانيين(قانا2)، وسعت السعودية بالتعاون مع فرنسا لاستصدار القرار 1701 ، الذي وضع نهاية لحرب ال33 يوماً. بانتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان انقسم النظام الرسمي العربي ككل إلى معسكرين: معسكر اعتدال عربي تقوده السعودية، ورؤيته لقضايا المنطقة أقرب إلى الرؤية الأمريكية، ومعسكر مقاوم أو ممانع على رأسه سورية، ويعارض تماماً الرؤية الأمريكية للمنطقة، واستمر الانقسام يلقي بتأثيره على ساحات مختلفة أبرزها لبنان، فدخل لبنان في أزمة فراغ رئاسي دامت ستة شهور، حتى تم توقيع اتفاق الدوحة أيار/مايو2008 برعاية عربية وجهد قَطري محمود . بقيام إسرائيل بشن حربها الغاشمة على قطاع غزة آواخر عام 2008 وبداية عام 2009، وماتبعها من دعوة قَطرية لعقد قمة طارئة في الدوحة، لم تحضرها السعودية وحضرتها سورية، بدا الانقسام العربي أمراً مخجلاً، وخصوصاً إذا ماتذكرنا الموقف التركي المشرّف على سبيل المثال، والرأي العام الشعبي العربي والإسلامي والعالمي الساخط. تفاجأ الجميع على هامش القمة الاقتصادية العربية في الكويت بدعودة الملك عبد الله بن عبد العزيزإلى تجاوز الماضي والانتقال الى المصالحات العربية –العربية، وقد شرحنا في مقالة سابقة* الأسباب الموضوعية التي أفضت لهذه الدعوة ، ولم تشهد الساحة السياسية العربية نتائج ذات أهمية كبيرة كانعكاس لدعوة المصالحة، باستثناء تمكن الفرقاء اللبنانيين من إجراء الانتخابات النيابية في حزيران/يونيو 2009 ، وبعدها دبلوماسية الزيارات المشار إليها آنفاً. بعد تلك الزيارات بدأت أقلام كثيرة تنعي حالة الانقسام العربي –العربي التي سادت في الفترة السابقة، وتبشربعهد الوئام العربي، لكن في الحقيقة –من وجهة نظر الكاتب- يبدو التفاؤل مبالغ فيه، وسأسمح لنفسي السباحة ضد تيار كبير متأمل بالانضمام إلى مدرسة المتشائمين، أو على أكثر الأحوال إيجابية إلى مدرسة المتشائلين، وليس مرد ذلك سوى أسباب موضوعية ، سأسوقها من خلال استعراض موقف كلا البلدين من القضايا الأساسية محل الصراع. أولى قضايا الصراع هو تباين وجهات النظر حول القضية الفلسطينية، فسورية ليست في وارد تغيير وجهة نظرها التقليدية من القضية الفلسطينية، والمتمثل بدعم خيار المقاومة على خيار( التسوية)؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها ماهو يقع ضمن الأسباب المرحلية وبعضها الآخر ينضم للأسباب الاستراتيجية، فالأسباب المرحلية تتمثل بأنها حققت قدراً كبيراً من فك عزلتها الدولية، من خلال انفراج علاقاتها مع الغرب عموماً(الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا)، وتأكد تحالفاتها الإقليمية( تركيا وإيران)، أما الأسباب الاستراتيجية فهو تيقنها من عدم رجوع الجولان السوري المحتل في المدى المنظور، ناهيك عن أن البعد القومي يمثل مصدر أساسي من مصادر شرعية النظام السياسي السوري. وبالنظر إلى موقف السعودية من القضية الفلسطينية، فإن المسألة تبدو غامضة للوهلة الأولى ولايزول الغموض إلا بالنظر للموضوع من زواية غير مباشرة، فالسعودية تخلت لمصر بشكل نهائي عن ملف المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، بعد أن تأكدت فشلها في تحقيقه من خلال اتفاق مكة المكرمة، أما فيما يتعلق بالرؤية الأمريكية الجديدة للتسوية، فمن المتوقع أن تقبل السعودية بمايعرضه جورج متشيل من إمكانية المشاركة مالياً في دعم السلطة الفلسطينية. إذاً تقبل السعودية لدور مصري بديل وفاعل في ملف المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، يمهد لنوع من إمكانية التقارب السوري-السعودي. والقضية الخلافية الثانية هي العراق، وتبدو أكثرإلحاحاً من سابقتها على الأقل بالنسبة للسعودية، فالسعودية تحتاج سورية ذات العلاقات المميزة مع إيران وتركيا للحفاظ على عروبة مقبولة نسبياً في العراق، وعدم انحياز العراق إلى إيران، التي تتخوف منها السعودية بشكل كبير؛ بسبب البعد المذهبي. أما القضية الخلافية الثالثة فتتمثل بعلاقة سورية بإيران، فالطالما تخوفت السعودية من تعمق هذه العلاقة، وتمنت أن تكون العلاقة السورية-التركية الآخذة بالتطور على حساب العلاقة السورية –الإيرانية، غير أن ذلك يبدو غير مقبول سواءً من طرف سورية أو حتى تركيا نفسها، التي ترسم استراتيجيتها الجديدة على أساس علاقات طيبة مع العالمين العربي والإسلامي. إن استعراض واقع القضايا الخلافية يشير، إلى أن هناك إمكانية للتقارب، فرضتها المصالح والتخوف من الاستحقاقات المنتظرة في المنطقة، وهذا الاستنتاج يتلاءم مع ماوصل إليه ملف تشكيل الحكومة اللبنانية من المراوحة في المكان، والذي يمثل جوهر السؤال الثاني في المقالة. انطلقت السعودية بعد اتضاح نتائج الانتخابات اللبنانية من ضرورة المحافظة ولو(شكلياً) على النتيجة الانتخابية، وهذا مايفسر لنا التحرك السعودي السريع لتطويق نتائج الانقلابة الجنبلاطية، والتي أثمرت وعد النائب وليد جنبلاط للوزير السعودي عبد العزيز خوجة باستمرار تأييد الرئيس المكلف سعد الحريري. غير أن المسعى السعودي اصطدم مرّة أخرى من قبل الجنرال مشيل عون، الساعي بدوره لتأكيد زعامته المسيحية، التي لم تتيح له الانتخابات النيابية تثبيتها، وسيبقى ملف تشكيل الحكومة اللبنانية عالقاً حتى تحقق مجموعة من الشروط: • رضا الولايات المتحدة الأمريكية بصيغة (15-10-5 )، والتي تعطي فعلياً الثلث الضامن للمعارضة اللبنانية. • إعطاء العماد مشيل عون مايساعده في تحقيق مبتغاه، من خلال الإبقاء على وزارة الاتصالات من نصيب التيار الوطني الحر، أو منحه وزارة سيادية. • قبول مصر بإخراج الحكومة، وذلك بعد إعطائها وعد بتسهيل المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية من قبل حركة حماس، التي تتخذ من دمشق مقراً لها. أخيراً، إن حالة الاستقطاب العربي لازالت موجودة ، وكل مايبدو في الأفق نوع من التهدئة المصحوبة بانعدام الثقة، التي نتمنى أن تزول بتحقيق تقدم في الملفين الفلسطيني واللبناني، وإن كان كل المؤشرات الراهنة تؤكد أن أي تقدم في الملفين سيكون شكلياً أكثر منه موضوعياً، هذا فيما لو تحقق.
#رائد_نايف_حاج_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستقرار السياسي ومؤشراته
-
سياسة المحاور العربية واسس المصالحة
المزيد.....
-
من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
-
الذباب والديدان والدبابير.. حشرات تساعد في علاج الأمراض
-
-شبيغل-: ألمانيا تجاهلت تحذيرات السعودية من منفذ هجوم ماغديب
...
-
ألمانيا.. توجيه 5 اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس في ماغدي
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 42 مسيرة أوكرانية
-
ألبانيا تحظر استخدام تيك توك لمدة عام بعد مقتل قاصر
-
تحطم مقاتلة أميركية في البحر الأحمر بسبب -نيران صديقة-
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|