|
الشاعر وديع شامخ في ( ما يقوله التاج للهدهد ): أسئلة مثقلة بهموم التأريخ والهوامش والتفصيلات اليومية .
وديع شامخ
الحوار المتمدن-العدد: 2802 - 2009 / 10 / 17 - 22:19
المحور:
الادب والفن
الـكـتـابـة بـالـنـسـبـة لأي مـبـدع شـيء عـسـيـر ، أنـهـا أشـبـه مـاتـكـون بـالـولادة الـمعـقـدة ، حـيـث يـرى الـمـبـدع نـفـسـه أمـام مـسـؤولـيـة جـسـيـمـة وهـو يـواجـه الجـمـهـور، ولـذا أعـتـرف أنـنـي وجـدت صـعـوبـة بـالـغـة فـي الـكـتابـة عـن شـعـر وديـع شـامـخ ، لـيـس الـصـعـوبـة بـمـعـنـاهـا الـحـرفـي وإنـمـا بـمـعـنـاهـا الـراكـس فـي قـعـر الـكـلـمـة .
وأعـترف ثـانـية ، أنـنـي لـم أجـد فـي شـعـره الـكـثـير مـن الأشـارات الـمـعـلـنـة الـتـي تـدلـك عـلـى مـقـاصـده ، وإنـمـا تـجـد نـبـعـا ً يـقـودك نـحـو بـريـة واسـعـة ٍ ، يـكـتـنـفـهـا الـغـموض والأرق والأغـتـراب .
يـعـتـقـد أودنـيـس أن قـرار هـدم الـبـنـى والـثـوابـت الـتـي تـحـيـط بـالـلـغـة واحـدة مـن الـمـهـمات الـرئـيـسـيـة الـتـي تـدفـع بـالآخـر الـمـتـمـسـك بـالـقـوالـب والأشـكـال إلـى نـعـت الـمـبـدع بـالـمـدمـر والـهـدام ، وهـذا الأعـتـقـاد مـن وجـهـة نـظـري لـيـس فـتـحـاً شـعـريـاً ، وإنـمـا هـكـذا هـي حـركـة الـتـأريـخ ، تـذهـب دائـمـا ً وأبـدا ً نـحـو الأنـزيـاح ، لـشـعـورهـا الـمـسـتـمـر أن الـكون مـازال نـاقـصا ً ، وأنـنـا مـازلـنـا بـحـاجـة لـلـبـحـث عـمـا يـنـقـصـه ، وهـذا مـايـريـد أن يـعـلـن عـنـه شـعـر وديـع شـامـخ .
ولـذا يـمـكـنـنـا وبـبـسـاطـة الـعـثـورعـلـى رابـط سـري بـيـن مـا يـكـتـبـه وبـيـن مـا تـنـشـد إلـيـه الـصـوفـيـة ، لـمـا تـمـتـلـكـه مـن قـوة الأيـغـال فـي الـمـحـذورات ونـسـف الـمـرجـعـيـات الـعـقـيـمـة الـتـي تـرى فـي الـثـوابـت مـركـزا ً لـهـا .
لـقـد حـاولـت الـقـصـائـد الـتـي قرأتـهـا ، الـوقـوع عـلى الـجـزء الـنـابـض والـحـي فـي الـلـغـة وخـاصـة مـاهـو يـومـي : ( يـاصـاحـب الـنـخـيـل : الـخـمـرة جـفـت )
( هـؤلاء جـعـلـوا لـلـحـلـم قـصـاصـا ً )
( الـعـائـلـة تـشـارف عـلـى الأنـقـراض مـن يـومـي )
( كـم نـحـتاج مـن الـمـاء لـنـحـنـي عـنـق سـنـبـلـة فـي الـحـقـل ) . هـذا الـشـائـع والـمـلـموس الـذي إســتـخـدمـه وديـع فـي قـصـائـده أراد أن يـقـول لـنـا مـن خـلالـه أن الـشـعـر لايـعـبـر عـن الأضـواء الـسـاطـعـة فـحـسـب وإنـمـا عـن الـظـلال الـممـوهـة ، ولايـكـتـفـي بـمـشـاهـدة الـحـقـائـق مـن الـخـارج ، وإنـمـا يـتـصـل بـهـا ويـتـحـد مـعـهـا .
لـم يـكـن إسـتخـدام الـعـاطـفـة فـي شـعـره صـدفـة عـابـرة أو لـعـبـة شـعـريـة يـراد مـن خـلالـهـا إسـتـدراج الـمـتـلـقي ، وإنـمـا هـي ظـهـور تـلـقـائـي تـنـبـعـث مـن بـيـن ركـام أسـئـلـتـه الـتـي تـبـحـث عـن جـواب الـشـعـر ، تـلـك الأسـئـلـة الـمـثـقـلـة بـهـمـوم الـتـأريـخ والـهـوامـش والـتـفـصـيـلات الـيـومـيـة ، والـتي يــحاول مـن خـلالـهـا إسـتـعـادة تـوازنـه الـنـفـسـي والـرجـوع إلـى شـخـصـيـتـه الـجـوانـيـة .
رغـم بـلـوغـه ذروة الأنـفـعـال فـي قـصـائـده ، إلا إنـه لـم يـتـخـل عـن الأمـسـاك بـالـذاكـرة ، لـذلـك نـراه يـتـعامـل مـع الـهـامـشـي بـمـوضـوعـيـة عـالـيـة ، لإعـتـقـاده أن فـي الـهـامـشـي تـنـوعـا ً مـن الـتـحـولات الـتي بإمـكـانـهـا ، إحـالـتـنـا إلـى الـذاهـل الـذي تـسـعـى الـكـتـابـة لإظـهـاره إلـى الـعـلـن .
وأنـا أقـرأ قـصـائـد مـجـمـوعـتـه الـشـعـريـة ( مـا يـقـولـه الـتاج لـلـهـدهـد ) وجـدت فـيـهـا رعـبـا ً هـائلا ً ، وكـمـا ً مـن الأسـقـاطـات الـمـعـرفـيـة ، لـذلـك كـان شـعـره بـالـنـسـبـة لـي أقـرب مـايـكـون إلـى الـسـرد ، وكـأنـه أراد مـن خـلال هـذا الـسـرد أن يـدون سـيـرتـه الـذاتـيـة ، وتـجـربـتـه الـخـاصـة الـتي يـعـتـقـدهـا تـعـنـي الآخـر بـل وتـرتـبـط بـه ، بـل هـنـاك حـبـل سـري يـوصـلـهـا بـذوات الآخـريـن .
(( كـل يـوم أشـطـب عـامـا ً مـن الـتـقـويـم ، وأرفـع مظـلـتـي ، خـوفـا ً مـن سـقـوط رأس الـيـوم الـجـديـد عـلـى حـلـمـي )) .
إنـه يـحـاول أن يـخـلـق شـكـلا ً مـغـايـرا ً لـواقـعـه الـيـومـي لـيـدرء بـه الـفـاجـعـة ، هـكـذا نـجـده دائـم الـتـحـفـز لـمـواجـهـة مـصـيـره الـمـجـهـول والـملـيء بـخـسـاراتـه وخـيـبـاتـه بـكـل مـا يـصـدم الـذاكـرة .
أن وديـع شـامـخ دائـم الـبـحـث فـي قـصـائـده عـن الـثـمـرة ، تـلـك الـمـجـهـولـة الـشـكـل لـيـس لـهـا صـفـات مـحـددة ، ألا أنـه كـان يـراهـا مـحـلـقـة مـثـل الـحـلـم فـي رأسـه ، كـلـمـا حـاول الأمـسـاك بـها تـسـربـت مـن بـيـن أصـابـعـه .
ثـمـرة الـشـعـر بـالـنـسـبـة لـه ، تـضـاد بـيـن حـقـيـقـتـيـن تـتـمـثـلان بـطـبـعـيـة مـفـرطـة فـي حـقـائـقـهـا ، وأخـيـلـة سـريـة تـنـشـط فـي حـفـر الـحـلـم ، بـإعـتـبـار أن أي عـمـل إبـداعـي يـنـبـثـق مـن الـجـوانـيـات الـلا واعـيـة لـلـشـاعـر ، وإنـطـلاقـا مـن هـذه الـرؤيـة يـعـنـي الـشـعـر بـالـنـسـبـة لـشـامـخ أكـثـر مـن قـضـيـة شـخـصـيـة .
أيـمـكـن لـنـا أن نـفـكـك فـي هـذه الـشـهـادة مـغـالـيـق نـصـوص وديـع شـامـخ ؟ لـيـس بـمقـدور أي مـن الـنـاظـريـن إلـى الـشـعـر بـقـدسـيـة ، أن يـأخـذ دور إبـن جـنـي وهـو يـقـوم بـشـرح قـصـائـد الآخـر ، فـيـحـولـهـا إلـى كـلام بـسـيـط ٍ فـاقـد الأهـلـيـة ، أن روعـة الـشـعـر تـكـمـن فـي أخـذه كـلـيا ً ، ولـيـس تـفـصـيـلا ً مـمـلا ً يـضـع عـصـا الـركـود بـيـن عـجـلـة الـنـهـر الـجـاري .
ثـمـة لـغـز ٍ أو دلالـة ، تـحـيـلـك إلـى جـمـال الـقـصـيـدة الـكـلـي ، ولـذلك نـحـن بــحـاجـة دائـمـيـة لـوجـود نـاقـد يـركـس فـي قـعـر الـمـحـبـرة لـيـسـتـخـرج لـنـا لـون الـحـبر الـسـري الـذي كـتـبت فـيـه الـقـصـيـدة .
عـلـى أسـاس هـذا الـمـعـنـى بـقـي سـؤال يـلازم الـشـاعـر حـتى قـصيـدتـه الأخـيـرة ، سـؤال مـقـلـق ، لـم يـجـد لـه إجـابـة كـامـلـة الـمـلامـح : مـاجـدوى الـكـتابـة مـادام الـعـالـم مـعـبأ بـكـل هـذا الـسـوء ؟ .
*- شهادة شعرية القيت في أمسية شعرية أقيمت للشاعر في مدينة سدني – استراليا مؤخرا.
#وديع_شامخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمسية شعرية في سدني للشاعر العراقي غيلان
-
مسرحية الرداء... نسمة جمالية في سماء المسرح العراقي.
-
الشعر والحب
-
عبد الخالق كيطان والعودة الى الأبجدية الأولى *
-
الأديان ... وصناعة الأقليات
-
بَهجةٌ تتمطى على جناح الفجيعة ..
-
ليلة .. أن تكون مواطنا من الدرجة الأولى
-
حوار الأديان ... أم حوار طرشان
-
البيان التأسيسي للبيت الثقافي العراقي -الاسترالي
-
الدارونية وانتصاب العقل الانساني
-
المتنبي... الشارع والشاعر والذاكرة
-
بدر شاكر السيّاب .. هل مات حقا ؟؟
-
خبر صدور المجموعة الثالثة للشاعر العراقي وديع شامخ - مايقوله
...
-
الرقابة.. نتاج الجلاد أم مرض الضحية ؟
-
الرجل الأسود في البيت الابيض
-
وطن أم حلم .. منفى أم منأى ؟
-
عسل السماء وزرّقة الفلاسفة
-
المسيحيون والإشارات الإلهية
-
ما يقوله التاج للهدهد
-
شعراء الحروب
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|