عزيزي......
الوضع في الناصرية اليوم 18- 5 هاديء نسبياً، لقد هرب جيش المهدي أمام التحالف مخلفاً ورائه عشرات القتلى والجرحى. هناك استياء عام في كل أنحاء المدينة بوجه أوضاع الحرب والمعارك....... لقد نهب جيش المهدي المتحف الغني بالآثار وتبريرهم أسوأ من فعلتهم، فهم يدعون بأن الآثار هي كنوز الأرض وكنوز الأرض للمهدي وجيشه، وجدت بعض المسروقات في اليوم التالي في سوق الهرج......
******************
كانت تلك مقاطع من تقرير أحد رفاقي في الحزب الشيوعي العمالي من الناصرية يعرض فيه بعض الحقائق المتعلقة بممارسات جيش المهدي أو عصابات مقتدى. ويبين جانب من السيناريو الأسود الذي يمر به العراق والذي تلعب دور البطولة فيه قوات الإحتلال وعصابات الإرهاب الإسلامي.
ما جاء في ذلك التقرير لا يمثل سوى حوادث صغيرة مقارنة بما تعانيه جماهير العراق في ظل تسلط تلك العصابات على مقدراتهم، وفي ظل اشتداد الصراع الإرهابي بين قوات الإحتلال من جهة وبين جيش المهدي وغيرها من جيوش الصحابة والأئمة. فمن شن الحملات القمعية على النساء غير المحجبات إلى تفجير دور السينما ومحلات بيع المشروبات الكحولية مروراً بالدعوات التحريضية لقتل الشيوعيين والعلمانيين وكل من يناهض تسلط تلك الزمر، ناهيك عن عمليات الثأر والقتل والاغتصاب، تعددت الممارسات الإجرامية للعصابات الصدرية والتي بدأت منذ اليوم الأول لدخول قوات الاحتلال الأمريكية للعراق.
لن نستنتج من هذا بأن المواجهة الحالية بين جماعة مقتدى والمجاميع الإرهابية الإسلامية الأخرى مع قوات التحالف والقوات الاميركية تأتي على خلفية سعي قوات الإحتلال للحفاظ على أمن المواطنين كما يدعون. كما إنه من الغباء تصورها كنضال مسلح من جانب الجماعات الإسلامية من أجل إحقاق حقوق الجماهير وطرد مغتصبي تلك الحقوق، اي القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها.
فاليوم، نحن أمام نموذج لتفجر صراع إرهابي بين قطبين إرهابيين عالميين إختارا العراق كميدان لتصفية حساباتهما الرجعية.
لقد مارست الجماعات الإسلامية المدعومة من إيران، ومنذ اليوم الأول لدخول الأمريكيين، الإرهاب كوسيلة لفرض نفسها ومنهجها المتحجر ووجودها الرجعي على جماهير العراق. وقد كان كل شيء يجري تحت سمع الإدارة الامريكية وبصرها دون أن تحاول ردعهم او وضع حد لهم. فجريدة الحوزة، على سبيل المثال لا الحصر، والتي اًغلقت بناء على قرار من الإدارة المدنية الأمريكية، وبحجة تهجمها على القوات الأمريكية، سبق وأن هددت الشيوعيين والعلمانيين بالقتل وسفك الدماء ولم تحاول القوات الأمريكية حتى الضغط عليهم للكف عن ذلك، بل على العكس راحت تهاجم مقرات الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي أضطر إلى تسليح رفاقه ومقراته بالأسلحة الدفاعية للذود عن حياة أعضائه وكوادره بوجه تهديدات الإسلاميين وغيرهم.
كما ان قوات الاحتلال قد غضت الطرف طوال السنة الماضية عن عمليات القتل والإغتيالات العشوائية والكيفية ، ولم تعر أي أهتمام للشكاوى المتكررة من غير المسلمين الذين عانوا الامرين من تلك العصابات وتطاولاتهم على بيوتهم واماكن عملهم. كما لم تحاول حتى التفكير في الدفاع عن النساء اللاتي بتن في مرمى نيران وتهديدات الإسلاميين، وبديهي ان زيارات قيادات المخابرات الإيرانية المتكررة إلى البصرة ولقائها بقيادات الجماعات الإسلامية العميلة ودعمها للزمر المسلحة الإسلامية لم تشكل أية مشكلة للقوات البريطانية المتمركزة في المدينة، كما لم تحركهم نداءات الإستغاثة من الناس الذين تم فرض الأتاوات عليهم من قبل هذه العصابات.
لم تشكل كل هذه الامور هماً لهذه القوات وكانت تنظر للامور وكانه شيء لم يكن. إلى أن جاء اليوم الذي حول فيه الإسلاميون الإرهابيون فوهات بنادقهم نحوهم، اي الأمريكيين وحلفائهم.....
لا ينبغي الاسترسال أكثر في شرح الدوافع الحقيقية لحرب أمريكا على الإسلاميين. ذلك ان الوقائع المريرة التي عانى منها الناس في الشرق كله والتي أتت جراء تحالف الأمريكيين مع القوى الإسلامية الظلامية حينما كانت المصلحة المشتركة في إرهاب وإرعاب الجماهير والقوى التقدمية تقتضي ذلك أوضح من أن تحتاج إلى شرح.
بيد ان هذا ليس بهدفي من كتابة هذا المقال. إذ أن ما يشكل وهماً قاتلاً، فيما يتعلق بهذا الصراع الدموي، هو كيفية فهم ماهية ودوافع القوى التي باتت تسمى اليوم، وعلى نطاق واسع، بقوى المقاومة العراقية.
ففيما يتعلق بــ"المقاومة" العراقية، ثمة وهم مستشر في صفوف اليسار على الصعيد العالمي. فمن دفاع خجول، مباركة علنية ومصحوبة بالإبتهاج لكل عملية تقوم بها "المقاومة"، إلى دفاع مستميت عن كل ما يصدر عن هذه المقاومة ومحاولة تجميل صورة القوى القائمة بها، إلى لوم الحزب الشيوعي العمالي في العراق لوقوفه بوجه تلك القوى "المقاومة" ووصفه لها بجبهة في صراع إرهابي و رجعي، تتنوع تجليات ذلك الوهم ويصبح من واجبنا الرد على مطلقيه.
إن هذه الأوهام تستند الى مقدمات نظرية وسياسية خاطئة وغير ثورية بالمرة. نحاول هنا تناول أهمها بالنقد لعل ذلك يساعد في توضيح ما يجري في الواقع وجوهر الموقف السياسي الذي تبنيناه نحن الشيوعيون العماليون في العراق بصدد هذه المسالة.
الأحتلال يعطي شرعية للمقاومة ويجب على اليساريين التضامن مع المقاومة كائناً ما كان طبيعة قيادتها. طالما هناك احتلال، فان هناك مقاومة وعلى الشيوعيون المشاركة في الحركة الوطنية وإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية بمشاركة القوى والأطياف الوطنية الأخرى.
إن تلك الصيغ الجاهزة وتعريفات الإحتلال والمقاومة وخلفياتها السياسية التي تنطلق من مقولات "السيادة" و"الوطن" كـ"مقدسات" لم تكن يوماً ما جزءاً من المقولات التي أستخدمها الشيوعيون العماليون لا في زمن ماركس ولا في زمن لينين للتعامل مع الحروب ونتائجها السياسية والحركات التي تنهض بوجه الجيوش الغازية. إن المعيار الوحيد في تقييم الحركات السياسية المسلحة منها وغير المسلحة يكمن في ادراك طابعها وأهدافها وخصائصها الموضوعية لا في اقرار الأمم المتحدة وما تجيزه ومالا تجيزه من تحركات بوجه جيوش أجنبية غازية.
إن مواجهة عمال العراق للجيش "الأجنبي" لا تأتي من مجرد كون دخول ذلك الجيش لينتهك مقدساتهم! فأي مقدس بقى لنا نحن العمال لكي ينتهكه الجيش الدخيل؟! "السيادة" التي كانت بيد مضطهيدنا؟! أم الوطن الذي لا نملك فيه شبراً من الأرض؟! والذي قلنا، مع ماركس في البيان الشيوعي وقبل مئة وخمسون عاماً، بأنه لم يكن يوما ما لنا. الحرية؟! تلك التي لم تكن يوماً سوى حرية سجانينا وجلادينا في أن يقمعوننا ويقمعوا تطلعاتنا ويذيقونا أشد العذاب. إن الترهات الوطنية والقائلة بأن الذئب المحلي و"الوطني" والذي حتى لو أكل لحمنا لن يكسر عظامنا لم تعد تفعل فعلها المخدر للجماهير، إن العمال الواعين الذين لم يروا طوال عشرات السنين من البرجوازيات الوطنية وحكوماتهم على اختلافها سوى الحروب والفقر والجوع وأقسى أنواع القمع والأمتهان للكرامة الإنسانية لا تهمهم هذه السخافات ولا ينخدعون بها.
إن كانت التضحيات التي قدمناها، وبالاحرى اجبرنا على تقديمها، طوال العقود الماضية في معارك برجوازياتنا الوطنية لم تنتج منها سوى تراجيديات تشتيت صفوفنا وقتل قياداتنا ومناضلينا في سجون عبدالناصر وصدام وأسد وملالي إيران وإجبارنا على تحمل عبودية "وطنية"؛ فإن تكرار تلك التجارب مرة أخرى والسير وراء تلك الشعارات والتضحية من أجل "الوطن" البرجوازي في ركب القوى الرجعية المعادية إلى أبسط المعايير الإنسانية والحضارية دع عنك حقوقنا وأهدافنا الطبقية، سوف لن تكون سوى فصل ممل من كوميديا سوداء لا تستحق حتى الضحك والسخرية. ألم يكفينا ما اصابنا على أيدي "الوطنيين" من نصبهم لأعواد المشانق والزنزانات الإنفرادية وأحواض الأسيد. هل ان ذاكرتنا بليدة إلى الحد الذي نحاول فيه أن نكرر وبأيدينا كل ذلك؟!
إن العمال يناضلون ضد الجيش الأمريكي ويقفون بالضد من سياسته ومؤامراته. بيد انهم لا يشاركون القوى الرجعية والظلامية جبهتها. إن نضال العمال والكادحين ضد الجيش المحتل لا ينفصل عن النضال ضد تلك القوى الرجعية وبدائلها السوداء وبرامجها اللاإنسانية.
من أجل أن يصبح خروج القوات الأمريكية إيذاناً ببدء عهد جديد من الحرية وتحقيق المطاليب العاجلة للجماهير، فإن عمال وكادحي العراق بحاجة لأن يضمنوا وبأيديهم تحقيق أمانيهم وتطلعاتهم. لقد كنا أول من نزل للشارع مناهضين للقوات الامريكية، كان أتحاد العاطلين أول المعتصمين ضد البطالة والجوع، وكنا أول المطالبين برحيل الأحتلال، وقد وقفنا بوضوح بوجه سياساتهم بإعادة صياغة الدولة والبنى السياسية على أساس التوافقات المذهبية والقومية. اننا من قلنا لا لمجلس الحكم ولا لحكومة قومية وطائفية! نحن من طالبنا وناضلنا من أجل دولة مدنية علمانية غير قومية تضمن الحرية والمعيشة والأمان وما زلنا نناضل من اجل ذلك. ولكن شتان ما بين أهدافنا وتطلعاتنا وسياسات قوى لا تبغي إلا تكرار التجارب السوداء لإيران وأفغانستان والسودان في العراق. إن العمال بحاجة إلى جبهة تقف بوجه كلتا قطبي الإرهاب، أي الإرهاب الأمريكي والإرهاب الإسلامي في آن واحد.
إن امريكا هي رأس كل المصائب التي تحصل في عالمنا اليوم. انها القوة الإمبريالية الأولى التي، بهزيمتها، ستنهزم الإمبريالية المعاصرة وسيهيء ذلك اوضاعاً ثورية على صعيد العالم كله. إن مقارنة قوى ضعيفة ومحلية مثل جماعة مقتدى مع أمريكا تلك القوة العسكرية الرهيبة هو خطأ يرتكبه الحزب الشيوعي العمالي الذي ينسى بأن الإرهاب الإسلامي هو صنيعة الغرب وأمريكا وسينتهي بهزيمتهما.
ان هذا أساس آخر من أسس الأوهام التي تعرقل تدخل اليسار العالمي وتفعيل دوره في أوضاع العالم الراهنة وأوضاع العراق خصوصاً. ان كون اتباع الصدر والجماعات الإسلامية في العراق لا يتعدون المئات وكونهم يحملون أسلحة خفيفة لا تقارن بما تحمله القوات الأمريكية والمتحالفة معها من أسلحة ثقيلة ذات تكنولوجية عالية، ينسيهم حقيقة أن التيارات الإسلامية في العراق هي جزء من تيار وقوة عالمية تمارس إرهابها من مانهاتن إلى بالي ومن مدريد إلى الفلبين. ينسيهم حقيقة إننا أمام قوة تحكم في عدد من البلدان ومعارضة نشطة في بلدان اخرى وتتألف من مئات الأحزاب والمنظمات والجماعات المسلحة ومؤسسات مالية وتمويلية ضخمة وأجهزة إعلام عصرية و"مفكرين" ومنظرين ودعاة ومحرضين في مختلف أرجاء العالم.
إن التصور التقليدي والخاطيء لليسار حول الإمبريالية وتشخيصها بالرأسمالية التي نشأت في الغرب وتطورت فأصبحت قوى ودول أمبريالية لتشكل قطباً في العالم الرأسمالي بوجه الدول "الأشتراكية"- في السابق- وبلدان العالم الثالث، يعيق إدراكها للإمبريالية بوصفها نظاماً عالمياً. ان أختزال الأمبريالية إلى الدول والقوى الرأسمالية المتقدمة ورؤية أمريكا كممثلة لذلك القطب، يجعل اليساريون التقليديون يتناسون إننا وحتى حين نكون في مواجهة أكثر القوى الرأسمالية تخلفاً وأشدها ضعفاً، إنما نواجه رأسمالية وبرجوازية هي جزء لا تتجزأ من الإمبريالية كنظام عالمي. إن الأمبريالية ليست دول وسياسات حتى تنهار بمجرد انهيار دولة جبارة تسعى للعب دور القوة العظمى الوحيدة. إن رؤية مجاميع إرهابية صغيرة هنا وهناك والنظر إليها كظواهر مبتورة ومنفردة وردود أفعال لما تفعله وتصنعه امريكا هي رؤية ساذجة وسطحية لا تأخذ بالحسبان برجوازيات ورأسماليات تتسلط وتستغل ملياراً من البشر وتبلور الأساس المادي والأقتصادي لظهور حركة تسعى لتمثيل الراسمالية في هذا الجزء من العالم الرأسمالي والمسمى بـ"البلدان الإسلامية".
إن واقع تشكل وبروز الإسلام السياسي في اوضاع كان الغرب بحاجة إلى حلفاء للوقوف في وجه ما كانوا يسموه "الخطر الشيوعي" لا ينفي حقيقة إن هذا السحر قد إنقلب على الساحر وبات اليوم قوة فاعلة ومؤثرة وقطب من أقطاب الصراع العالمي من أجل تقسيم الثروات والسلطة.
لا شك إن الإرهابيون يعتاشون من بعضهم البعض. وبهذا المعنى، فإن إرهاب الدولة الذي تمارسه امريكا هو أفضل غذاء تقدمه الرأسمالية المعاصرة إلى إرهاب اتباع بن لادن وغيرهم، كما إن سياسات شارون وإرهابه العنصري والفاشي هما أفضل ما يمكن أن تقدمه إسرائيل لقوى الإرهاب الإسلامي في فلسطين. ولكن في نهاية الأمر إن أسوأ ما يمكن أن يفضي إليه هذا الصراع من وجهة نظر مصالح العمال والبشرية المتحضرة على وجه العموم هو أنتصار قوة إرهابية مثل الإسلام السياسي على أمريكا. ان امريكا تعتاش على الخوف والرعب الموجود على صعيد العالم من هذا الإحتمال. كأن البشرية المتمدنة تراقب صراع الإرهابيين مثلما تراقب فريسة ما صراع ضواري كاسرة تتنافس على من يحظى بالفريسة. قليلون جداً في العالم يتحلون بالغباء الذي يتحلى به اليسار التقليدي لكي يشجعوا في صراع مثل هذا طرفاً ضد آخر. ان هذا هو أحد أسباب أنحسار الحركة المعادية للحرب وعسكرتارية أمريكا وضعف تأثيرها على مجريات الأحداث الراهنة. إن البشرية المرتعبة من الصراع الدائر ونتائجه الكارثية تتطلع بفارغ الصبر الى قوة ثالثة وقطب ثالث يظهر بوجه هذا الصراع وكلا قطبيه ويعلن عن بديل آخر وحل آخر لمعضلات عالمنا الراهن. ان بامكان الشيوعية واليسار بان يكونا هذا البديل ولكن شريطة أن يتخلصا من اوهامهم ويظهرا كقوة مستقلة وفاعلة لا كمشجع لإحد القطبين ضد الآخر.
في العراق، نسعى ونناضل من أجل بلورة هذا القطب الثالث. إننا نوفر الفرصة لليسار والشيوعية على الصعيد العالمي لكي يظهرا بصورة مستقلة وفاعلة، لكي يضربا عسكرتارية وإرهاب أمريكا بيد والإسلام السياسي بالأخرى. ليس بدعم ومؤازرة اليسار المعنوية والمادية لأتباع الصدر وبن لادن، بل بتضامنه مع الشيوعية العمالية والحركة العمالية في العراق يستطيع أن يضمن هزيمة أمريكا على يد البشرية المتحضرة وقواها التقدمية والإنسانية.
بالإضافة إلى تخلصه من أوهامه، يحتاج اليسار لأن يراجع نفسه وموقعه في المجتمعات المعاصرة والصراعات الدائرة في العالم. إن الثورة والتغيير في عالمنا المعاصر لا يأتي إلا كثمرة لنشاط واعي ومستقل للقوى الثورية والإشتراكية. اما اليسار الذي يقف في أنتظار "اللحظة التأريخية" التي تنتج من هزيمة أمريكا أمام الإسلام السياسي وطردها من العراق وغيره ليس له اي مستقبل او حظوظ.
لا يمكن لأي حركة تتعامل مع الوقائع والتحولات بسلبية وتقف كمتفرج على الاوضاع أن تحضى بثمار تلك التحولات. إن هزيمة أمريكا في العراق أمام الإسلام السياسي والمقاومة التي يقودها لن يصبح إلا نصراً للإسلام السياسي والرجعية والفاشية ويصب في جيبهم على الصعيد العالمي. ولن تستطيع القوى اليسارية في الغرب أستثمار تلك الهزيمة، بل سيقوي ذلك التيارات العنصرية واليمينية الرجعية في مجتمعات الغرب نفسها وسينكمش اليسار على أثر ذلك أكثر فاكثر. فكما أن الإرهاب الإسلامي في فلسطين الذي تغذيه الفاشية الشارونية لم ينتج عنه إلا تقوية اليمين الأسرائيلي اكثر فأكثر. لن ينجم عن هزيمة أمريكا في هذا الصراع، ان حدث ذلك على أيدي الإسلام السياسي، غير تقوية اليمين الرجعي والفاشي في الغرب. لكي يضمن اليسار والحركة الإشتراكية في العالم بأن هزيمة أمريكا في العراق وتقهقرها على الصعيد العالمي سوف يمهد السبيل لظهور قوي لها على صعيد المجتمع، يجب، إلى جانب عوامل مهمة اخرى، أن يضمن بأن تلك الهزيمة سوف تحدث على ايدي اليسار والشيوعية في العراق.
إننا في العراق امام قوى متصارعة لا تمثل قوى محلية فقط، بل هي قوى عالمية وتعتمد على عمقها العالمي في مواجهة بعضها البعض. من الصعب على اليسار (وليس مستحيلاً بالطبع) أن يظهر كقوة مؤثرة في العراق بدون تفعيل عمقه العالمي وتنشيط الدعم التضامني للقوى اليسارية العالمية للحركة العمالية والشيوعية في العراق. ولكننا اليوم، وللأسف، أمام يسار تقليدي يطالبنا بعض اطرافه بالتعاون والتحالف مع الصدريين وأتباع بن لادن، أي الأستسلام لقوى وجماعات تهدف إلى ذبح وأمحاء وجود ليس فقط الشيوعيين بل أي علماني وتحرري يخالفهم في برنامجهم ومنهجهم الظلامي. صحيح انه ليس للغباء حدود.
اما فيما يتعلق بأتخاذ سبيل المقاومة المسلحة كتكتيك نضالي في الظروف الحالية، ان الشيوعيين العماليين في العراق، مع أنهم ينظرون إلى خيار المقاومة المسلحة كأسلوب من الاساليب النضالية، إلا إن الظروف الراهنة في العراق وفي ظل التوازنات السياسية والطبقية الحالية وضعف التنظيم الحزبي والجماهيري للعمال والقوى التحررية من الممكن أن تجعل من اتخاذ هذا الأسلوب خطئاً سياسياً يعيق تطور النضال الجماهيري ويعمق اكثر فأكثر السيناريو الاسود. إن المقاومة المسلحة في عراق اليوم، وفي ظل حضور القوى القومية والمذهبية تمهد في جانب منه الى تقوية تلك القوى الرجعية. فطالما كان العمال والتحرريون يفتقدون إلى منظمات حزبية وجماهيرية قوية تستطيع ملأ الفراغ الامني والسياسي في حالة تقهقر القوات الامريكية وأنسحابها من مناطق معينة، من المحتمل أن تؤدي ذلك الإنسحاب إلى التمهيد لحكم الميليشياة والجماعات القومية والمذهبية الرجعية المسلحة. كما إن أنسحاب القوات الأمريكية والقوى المتحالفة معها في هكذا ظروف من الممكن ان تحول العراق إلى صومال آخر. إن ضمانة عدم حدوث ذلك يكمن في الإسراع بتقوية القدرات التنظيمية الحزبية والجماهيرية وكذلك التسليحية للعمال والشيوعيين والمحاولة في أخذ زمام المبادرة والظهور بمثابة قوة مهيمنة وحاكمة على صعيد العراق كله أو أي منطقة يتوفر فيها فرصة إنجاز ذلك. إن الحزب الشيوعي العمالي يسعى ويخطو يوماً بعد آخر خطوات في هذا الاتجاه. ومن الواضح أن تضامن القوى اليسارية والعمالية العالمية معه سوف يسرع في تلك الخطوات.
إن السبيل إلى ظهور اليسار العالمي كقوة مؤثرة وفاعلة في الاوضاع الراهنة في العالم لا يتمثل بالوقوف في صف الصدريين واتباع الزرقاوي وبن لادن والتصفيق "لمقاومتهم" بل في مؤازرة وتقديم الدعم السياسي والمادي للقوى الشيوعية والعمالية في العراق وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العمالي.
22/05/2004