عبد الرحمان حموزاي
الحوار المتمدن-العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16 - 00:17
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تقديم لابد منه : إن مبحث" مسالة الفلاحين في فرنسا وألمانيا" , هو من أهم وثائق الماركسية في المسالة الزراعية . أما الدافع المباشر الذي دفع انجلز إلى كتابة هذا المبحث , فهو محاولة فولمار وغيره من الانتهازيين , استغلال مناقشة مشروع البرنامج الزراعي في مؤتمر الاشتراكية –الديمقراطية الألمانية , الذي انعقد في مدينة فرانكفورت عام 1894 , من اجل تمرير" نظريات" معادية للماركسية تقول بتحول العناصر الكولا كية في الريف تدريجيا إلى الاشتراكية , ...الخ. وهناك دافع آخر دفع انجلز إلى إبداء رأيه علنا في هذه المسالة على صفحات الصحف , هو الرغبة في تصحيح أخطاء الاشتراكيين الفرنسيين الذين انحرفوا عن الماركسية واجروا تنازلات للانتهازية في برنامجهم الزراعي , الذي اقره مؤتمرهم في مرسيليا عام 1892 وأكمله مؤتمرهم في نانت عام 1894 .
والى جانب النقد , يوضح انجلز في هذا المبحث الأسس الثورية لسياسة البروليتاريا حيال مختلف فئات الفلاحين , ويطور فكرة التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين.
*************************************************************
تعجب الأحزاب البرجوازية والرجعية خارق العجب لان مسالة الفلاحين أخذت في الوقت الحاضر ترد , فجأة وفي كل مكان , في جدول الأعمال عند الاشتراكيين . ولابد لها , والحق يقال , أن تعجب لان هذا لم يحدث من زمان . فمن ايرلندا إلى صقلية , ومن الأندلس إلى روسيا وبلغاريا , يبدو الفلاح عاملا جوهريا جدا بين عوامل السكان والإنتاج والقوة السياسية . ولا يستثنى غير مقاطعتين من أوروبا الغربية . وفي بريطانيا العظمى بالذات , أزاحت الملكية الكبيرة للأرض والحراثة الكبيرة كليا الفلاح الذي يعيش من استمارته , وفي بروسيا شرق الألب يجري التطور ذاته منذ بضعة قرون , وهنا أيضا يزاح "1" الفلاح أكثر فأكثر , أو يستبعد على الأقل إلى المؤخرة في الميدانين الاقتصادي والسياسي .
إن الفلاح , بوصفه عاملا من عوامل القوة السياسية , لايظهر نفسه حتى الآن في غالبية الأحوال إلا بلامبالاته التي تمتد جذورها في عزلة الحياة الريفية . وهذه اللا مبالاة لدى جماهير واسعة من السكان هي أقوى سند , لا للفساد البرلماني في باريس وروما وحسب , بل أيضا للاستبداد الروسي . ولكن هذه اللامبالاة ليست أبدا عقبة يستحيل تذليلها. فمنذ أن نشأت الحركة العمالية , لم يكن من العسير جدا على برجوازيي أوروبا الغربية , ولاسيما في الأنحاء التي تهيمن فيها الملكية الفلاحية الصغيرة المجزاة أن يثيروا في نفوس الفلاحين الحذر والكره حيال العمال الاشتراكيين , وان يصوروا هؤلاء أمام خيال الفلاح بصورة " بارتا جوه" , بصورة أنصار" للتقسيم" , بصورة مدنيين كسالى , طماعين , يعتدون على الملكية الفلاحية .
وإذا بالهبات الاشتراكية المبهمة في ثورة شباط 1848 , سرعان مايكنسها تصويت الفلاحين الفرنسيين الرجعي , وإذا الفلاح الذي يرغب في أن يدعوه وشانه يسحب من دفينة ذكرياته أسطورة الإمبراطور الفلاحي نابليون ويخلق الإمبراطورية الثانية "2 ". وجميعنا نعرف أي ثمن دفعه الشعب الفرنسي حتى لقاء مأثرة الفلاح هذه وحدها , ومن عواقب هذه المأثرة لايزال يعاني الشعب الفرنسي حتى الآن .
ولكن أشياء كثيرة تغيرت مذ ذاك . فان تطور شكل الإنتاج الرأسمالي قد بتر عصب حياة الإنتاج الصغير في الزراعة , وهذا النتاج الصغير يسير بسبيل الهلاك والتدهور بلا مرد . ومزاحمة أمريكا الشمالية والجنوبية والهند قد صبت في السوق الأوربية سيولا من الحبوب الرخيصة , والرخيصة إلى حد أن منتجا اوربيا واحدا لم يستطع أن ينافسها . إن شبح الهلاك يزحف على مالك الأرض الكبير وعلى الفلاح الصغير , يزحف عليهما معا بالقدر نفسه . وبما أنهما كلاهما مالك ارض وساكن ريف , فان مالك الأرض الكبير يعلن نفسه مناضلا طليعيا في سبيل مصالح الفلاح الصغير ,والفلاح الصغير يعترف به – عموما وإجمالا – مناضلا في سبيل مصالحه .
وفي هذه الأثناء , نمى في الغرب حزب اشتراكي جبار . واتضحت الهواجس والتطلعات الغامضة من عهد ثورة شباط, وازدادت اتساعا وعمقا , وتحولت إلى برنامج يستجيب لجميع مقتضيات العلم ويتضمن مطالب محددة , ملموسة , والنواب الاشتراكيون الذين يتزايد عددهم على الدوام يدافعون عن هذه المطالب في البرلمانات الألماني والفرنسي والبلجيكي . وأصبح ظفر الحزب الاشتراكي بالسلطة السياسية قضية مستقبل غير بعيد . ولكنه يجب على هذا الحزب , لكي يظفر بالسلطة السياسية , أن يذهب بادئ بدء من المدينة إلى الريف , يجب عليه أن يغدو قوة في الريف . إن الحزب الاشتراكي الذي يتميز عن الأحزاب الأخرى بفهمه الواضح للصلة بين الأسباب الاقتصادية والعواقب السياسية , والذي كشف بفضل ذالك من زمان بعيد سيماء الذئب تحت جلد حمل الملاك العقاري الكبير الذي يفرض صداقته على الفلاح , - ترى , هل يسع هذا الحزب أن يترك بهدوء الفلاح الذي يتهدده الهلاك , في أيدي حماته الكاذبين , هل يسعه أن يترك الفلاح في أيديهم حتى يحولوه من خصم خامل للعمال الصناعيين إلى خصم نشيط ؟ وهكذا نجد أنفسنا في مركز المسالة الفلاحية .
إن سكان الريف الذين يمكننا أن نتوجه إليهم , يتألفون من أقسام مكونة مختلفة جدا تتمايز بدورها حسب اختلاف الأماكن . ففي غرب ألمانيا , كما في فرنسا وبلجيكا , يسود الإنتاج الصغير للفلاحين الصغار الذين هم بمعظمهم ملاكون وفي أقلية الأحوال مستأجرون لقطعهم الصغيرة من الأرض . وفي الشمال الغربي –أي في سكسونيا السفلى وشليزفيغ – غولشتين – يهيمن الفلاحون الكبار والمتوسطون الذين لايستطيعون الاستغناء عن الأجراء الزراعيين والأجيرات الزراعيات وحتى عن العمال المياومين . والوضع نفسه في قسم معين من بافاريا . وفي بروسيا شرقي الألب ومكلنبورغ , نجد منطقة الملكية الكبيرة للأرض والإنتاج الكبير المرفقين بالخدم البيتيين والأجراء الزراعيين والعمال المياومين , كما نجد هنا وهناك عددا غير كبير نسبيا من الفلاحين الصغار والمتوسطين يقل باستمرار . وفي ألمانيا الوسطى , نرى خليطا من جميع هذه الأشكال للإنتاج ولملكية الأرض بنسب مختلفة , تبعا للاماكن , مع العلم أن أيا من هذه الأشكال لايهيمن في رقعة كبيرة نوعا من الأرض . وفضلا عن ذلك توجد أماكن مختلفة المقاييس لاتكفي فيها الأرض المحروثة الخاصة أو المستأجرة لمعيشة العائلة ولاتشكل غير أساس لحرفة من الحرف , جاعلة من الممكن بالنسبة لهذه الحرفة قيام مقاييس للأجرة منخفضة , منخفضة إلى درجة لاتصدق بدون هذا الشرط , تؤمن تصريف المنتوجات بكل تأكيد , أيا كانت المنافسة الأجنبية .
فأي من أقسام سكان الريف هذه يمكن اجتذابها إلى الحزب الاشتراكي – الديمقراطي ؟؟ بديهي أننا لن ندرس هذه المسالة الابخطوطها الكبرى , ولن نتناول بالبحث غير الأشكال الحادة التعبير , فان ضيق المجال لايتيح لنا التطرق إلى الدرجات الوسيطة والى حالات اختلاط تركيب السكان في الريف .
لنبدأ من الفلاح الصغير . إن هذه الفئة من أهم فئات الفلاحين , وليس بالنسبة لأوربا الغربية عموما وحسب .كلا . فان مركز الثقل في كل هذه المسالة إنما يقع هو أيضا في هذه الفئة . فما أن نستوضح موقفنا من الفلاح الصغير حتى نملك جميع نقاط الارتكاز لأجل تحديد موقفنا من سائر أقسام سكان الريف .......................................- يتبع-
النسخ الالكتروني: عبد الرحمان.
1"- تعبير تكنيكي لطرد الفلاحين ومصادرة أملاكهم في تاريخ ألمانيا.
2" – المقصود هنا المرحلة الممتدة من 2 - 12 -1852 إلى 4 -9 -1870 , والمرتبطة بحكم الإمبراطور نابليون الثالث .
Partageux بارتا جوه "
#عبد_الرحمان_حموزاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟