|
-الاحتكام إلى الشعب-.. فلسطينياً!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 17:43
المحور:
القضية الفلسطينية
كلَّما احتكمت الخصومة، وتوثَّقت، بين رأسَيِّ "المجتمع السياسي الفلسطيني" الضيِّق، والذي يضيق به "المجتمع الفلسطيني" ذرعاً، وبدا الحَكَم أو الوسيط المصري، عاجزاً عن إقناعهما بأنَّ الصلح خيرٌ وأجدى لهما ولشعبهما وقضيته القومية، لاح في الأفق الأعلى الملبَّد بسحب النزاع العبثي، ما يشبه "عصا موسى"، وهو الدعوة إلى "الاحتكام إلى الشعب"، أي رَفْع خصومتهما إلى هذا "الحاكِم"، أو "القاضي"؛ ولكن من غير أن يُبْديا، ولو ميلاً قليلاً، إلى التخلِّي عن احتكامهما في الحُكْم؛ مع أنَّ الاحتكام في الحُكم، أي الانفراد والاستبداد به، هو ما يزيِّن لصاحبه أنْ يتصوَّر "الشعب"، الذي في الديمقراطية، وبها، يَحْكم نفسه بنفسه، على أنَّه في منزلة "القاضي"، أو "الَحكَم"، فحسب.
"الاحتكام إلى الشعب" إنَّما هو أمْرٌ في منزلة "العنقاء" فلسطينياً، فـ "الشعب" الذي إليه يحتكمون، أو يودُّون الاحتكام، هو الذي مُسِخَ معنىً ووجوداً وفِعْلاً في الحياة السياسية الفلسطينية التي، مُذْ قامت للفلسطينيين "حكومة"، كانت واحدة فأصبحت اثنتين، اتَّسَعَت لكل "المنظَّمات"، فَلَمْ تَضِقْ إلاَّ بـ "الشعب".
أفْتَرِضُ، إذا ما قَبِلْتُ لرأسي أن يكون ممراً أو مقراً لوهم "الاحتكام إلى الشعب"، أن يكون لكل فلسطيني مستوفٍ لشروط أنْ يكون "ناخباً" الحق في أن يدلي برأيه، عبر صندوق الاقتراع الديمقراطي الشفَّاف، في الخصومة نفسها، وفي المتخاصمين أنفسهم، وأنْ يُمكَّن، في الوقت نفسه، من ممارَسة هذا الحق، فلا أهميةً تُذْكَر لحقٍّ لا يتمكَّن، أو لا يُمكَّن، صاحبه من ممارسته.
إذا لم يكن في الأمر خداعٌ وتضليل وضلال فإنَّ "الاحتكام إلى الشعب" يعني، ويجب أن يعني، فلسطينياً، أن يَشْعُر كل فلسطيني مستوفٍ لشروط أن يكون "ناخباً، من "أهل الداخل" أو من "أهل الخارج"، أنَّه قد قال كلمته، وأدلى برأيه، في القضايا مدار الخلاف والنزاع، وفي المتخاصمين أنفسهم؛ فهل من وجود لهذا "القاضي ـ الشعب" إذا لم يشعر ملايين الفلسطينيين في الخارج بانتمائهم إلى هذا "الشعب" الذي إليه رَفَع المتخاصمون خصومتهم، إذا ما اتَّفقوا على ذلك، وإذا ما سَمح لهم نزاع المصالح الفئوية الضيِّقة بأن يعملوا بما اتَّفقوا عليه؟!
لا تتذرَّعوا بصعوبة واستعصاء أن يكون لملايين الفلسطينيين في الخارج حصَّتهم من "صناديق الاقتراع"، فهذا "الصندوق" هو وسيلة من وسائل عدة للإدلاء بالرأي، أو بما يشبه "الصوت"، ويمكن، بالتالي، أن يشعر هؤلاء بوجودهم في عبارة "الاحتكام إلى الشعب".
لا تتذرَّعوا بذلك إلاَّ إذا كان الباطن من القول والفعل هو مَسْخ "الشعب الفلسطيني"، مفهوماً ومعنىً ووجوداً، والإبقاء على ملايين الفلسطينيين في الخارج، مشاهدين ومتفرجين، يجلسون في مقاعدهم في خارج "الملعب"، وبعيداً عنه بُعْد غزة ورام الله عن "خُلْد" المنافي!
"الاحتكام إلى الشعب"، أو إلى "صناديق الاقتراع" في الضفة الغربية وقطاع غزة، يجب أن يكون معركةً يخوضها الفلسطينيون هناك، وقياداتهم السياسية "الرشيدة"، لينتصروا فيها لمبدأ "استحالة الجَمْع بين الديمقراطية والاحتلال"، فلقد انتصروا، من قبل، لنقيض هذا المبدأ إذ تباروا في تصوير انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، والرئاسة الفلسطينية، على أنَّها "حرَّة"، "ديمقراطية"، "شفَّافة"، وكأنَّهم من السويد، شعباً وأرضاً!
إنَّ شعباً يتمكَّن من أن يَنْتَخِب البرامج السياسية مع أحزابها وممثِّليها في هذه الدرجة العالية (أو العليا) من "الحرِّية" و"الديمقراطية" و"الشفافية" لا يمكن إلاَّ أن يكون حرَّاً، سيِّداً، مستقلاً، لا أثر لاحتلالٍ أجنبي في أرضه وحياته وإرادته..!
شتَّان ما بين أنْ تُظْهِر وتؤكِّد أنَّ شعبكَ، الذي يخضع للاحتلال الإسرائيلي ويقاومه، منحازٌ، ويزداد انحيازاً، إلى الحياة الديمقراطية بأوجهها كافة، وأنْ تُظْهِر وتؤكِّد للعالم، عن وعي أو عن جهل، أنْ لا تعارُض بين "الاحتلال" و"الديمقراطية"، وأن التضاد الطبيعي والحتمي في العلاقة بينهما يمكن أن يُرْفَع ويُزال.
ونحن لو دعونا "الواقع" إلى أن يدلي برأيه في هذا الأمر لقال في كلام جامع مانع إنَّ الخلاف بين "فتح" و"حماس" ما كان له أن يفضي إلى ما أفضى إليه حتى الآن لو كان ممكناً، من وجهة نظر الحقائق لا الأوهام، عقد صُلح بين الاحتلال الإسرائيلي و"صناديق الاقتراع الفلسطينية".
الحرِّية في الاقتراع، وفي الترشيح، لا تجتمع و"الاحتلال"، فإذا اجتمعت، فإنَّ النتائج الانتخابية والسياسية لا تجتمع و"الاحتلال"، الذي لن يستخذي لأوثان من القيم والمبادئ الديمقراطية، وإنَّما لمصالحه المضادة لتلك النتائج، فيزج "المنتخَبين" في غياهب سجونه، ويزج "الناخبين" في سجن كبير، يمطرهم بالنار، ويمعن في تجويعهم حتى يكفروا بما انتخبوه من سياسة وبرامج، ويَصُبُ على نار كل خلاف بين الفلسطينيين، الذين انتهوا من فرز الأصوات وإعلان النتائج، مزيداً من زيته، ويفاوِض المفاوِض الفلسطيني ليقنعه بعبثية التفاوض، وبأنْ لا حلَّ من طريقه، وكأنَّه يريد أن يقول للفلسطينيين جميعاً: مفاوضاتكم معنا عبثية، مقاومتكم (العسكرية) لنا عبثية، انتخاباتكم عبثية؛ وحده نزاعكم "غير عبثي"، فَلْتٌهزموا فيه، ولْيَذهب ريحكم.
ولقد "نجح" المتخاصمون (تَخاصُم أصلعين على مشط، أي على سلطة) في تسيير رياحهم بما تشتهي سفينة "عدوهم الأوَّل"، فاتَّخذوا من "العبثية" نهجاً للتفاوُض والمقاوَمة معاً، ثمَّ شحنوا بها نزاعهم، حتى ظَهَر، أو أظهروه، على أنَّه الأعظم شأناً من النزاع مع "عدوهم القومي الأوَّل والأعظم"، فاجتمعت "المأساة" و"المهزلة" إذ اجتمع "احتكامهم في الحكم (الذي لا يساوي قطرة دم فلسطينية واحدة)" مع الدعوة إلى "الاحتكام إلى الشعب"، الذي يَعْظُم ميله إلى محاكمتهم لا إلى أنْ يحتكموا إليه!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعتراف ب -يهودية- إسرائيل هو تهويدٌ للعقل!
-
القيادات الفلسطينية.. رؤوسٌ تبحث عن عقول!
-
-نوبل-.. ونُبْلُ أوباما!
-
-أردي- جاءت تأكيداً لا نفياً لنظرية داروين!
-
محادثات واشنطن..أهي تجربة تفاوضية جديدة؟
-
الدكتور زغلول النجار إذ هبط بالعِلْم إلى الدرك الأسفل من الش
...
-
الحلُّ في حلِّ -مشكلة الحدود- أوَّلاً!
-
-التعصُّب- إلغاء للعقل!
-
نتنياهو يطلب تشدُّداً فلسطينياً وعربياً!
-
أُطْلبوا -عِلْم التفاوض- ولو في إيران!
-
إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
-
شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
-
-الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!
-
أيلول 2009 يتربَّص بالفلسطينيين شرَّاً!
-
حكومة الذهبي -خصخصت- حتى -تخصخصت-!
-
-ثقافة قضائية- مستمدَّدة من -الأمِّية الديمقراطية-!
-
تسع سنوات من حرب -بن بوش بن لادن-!
-
-ظاهرة-.. في مؤسَّساتنا!
-
خيار -الدولة الواحدة-!
-
ليبرمان يقود من الحبشة -حرب المياه- ضدَّ مصر!
المزيد.....
-
الملكة رانيا والأمير الحسين يهنئان ملك الأردن بعيد ميلاده
-
بعد سجنه في -معسكر بوكا-.. ماذا نعلم عن أحمد الشرع الذي أصبح
...
-
الجولة الثالثة.. بدء إطلاق سراح الرهائن في غزة و110 أسرى فلس
...
-
من هي أغام بيرغر الرهينة التي أطلقت سراحها حماس الخميس؟
-
هواية رونالدو وشركائه.. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
سقطتا في النهر.. قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قر
...
-
مراسم تسليم الرهينة الإسرائيلية آغام بيرغر للصليب الأحمر في
...
-
-كلاب و100 ضابط من أوروبا على حدود مصر-.. الإعلام العبري يكش
...
-
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يصل إلى دمشق في أول
...
-
دقائق قبل الكارثة.. رجل يكشف آخر رسالة من زوجته قبل حادثة مط
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|