علي الأمين السويد
الحوار المتمدن-العدد: 2798 - 2009 / 10 / 13 - 19:11
المحور:
كتابات ساخرة
في لقاء تلفزيوني حول مسرحيته الشهيرة "شاهد ما شفش حاجة", تحدث الممثل عادل إمام عن كيفية خروجه على النص المسرحي في أحد عروض تلك المسرحية في إحدى الدول العربية. لقد ذكر أن الجمهور كان عابسا ،متجهما كأنه على رأسه الطير، قابعاً في مقاعده يحاكي التماثيل في جمودها وكأن المسرحية التي أضحكت الكثيرين قبل ذلك لا تعنيهم، مما جعل الممثلون يشعرون بالضيق والحرج و بنوع من الارتباك إلى أن جاء وقت الفرج على يد مشهد "كيس الخيار" حيث انفجر الجمهور ضاحكا كأنه لم يضحك من قبل أبدا. وببداهته السريعة اتخذ الممثل إمام قرارا بإبقاء كيس الخيار معه طيلة البقية المتبقية من المسرحية حيث صار يخرج الخيارات من الكيس كلما أراد أن يضحك الجمهور الذي سرعان ما كان يفتر إلى أن انتهى العرض.
تحول كيس الخيار إلى المسيح المخلِّص للممثل عادل إمام وتلقف الدرس كل من كان ذا أربة من أصحاب النفوذ والصولجان, فصار المخلص للممثل الدبلوماسي وللممثل الأممي ولممثل الشعب رغما عنه صاحب الفخامة الدكتاتور صديق صاحب الجلالة ابن المتسلط دولة الرئيس ، ناهيك عن بعض ممثلي الدين من المشايخ المتنورين ولا ننسى من يضع نفسه ممثلا لنبض الشارع كبعض المتفلسفين أصحاب الأقلام الحرّة والمتحررة. وكثير هم من فهم الدرس فراح يطبقه مغتنا خمسا قبل خمس, و كيس الخيار هو شكل وطريقة تشكل ذات صيرورة حركية احتمالية حيوية على رأي المنطق الحيوي. فكل ممثل يمسك بكيس الخيار, يصبح لكيس الخيار صلاحية معينة لا تشذ عن قواعد المدرسة ولكن تشذ عن الواقعية والعقلانية.
فممثلو الشعب رغما عنه من أصحاب الفخامة والجلالة والسمو يعرضون خيارهم كلما دق الكوز بالجرة، ومن كثرة العروض والرخص، حفظنا مواصفات الخيارات التي يروجون لها عن ظهر قلب, فقد بزّوا في دعايتهم دعايات ترويج العلكة والفوط النسائية في المحطات التلفزيونية العربية الرسمية والفضائية. ومن هذه الخيارات التي ثقبت طبلات أذاننا: الخيار الاستراتيجي للسلام, وخيار التفاوض والتفاوض إلى اللحظة التي لا تأتي, وخيار استعادة الأراضي المحتلة وخيار التقدم وخيار الرفاهية وخيار الديمقراطية وخيار الوسطية حسب الأمريكية، وان تسنى لأحد أن يسأل أصحاب الفخامة والوسامة والجلالة والسمو والسعادة عن صدق عرض خيارهم في السر, لقالوا إن الشعب بحاجة لأن يحرك فكيه وهذه الخيارات مناسبة للوقت الراهن ولا ضير في جعلهم يأكلون الخيار بأسنانهم الآن مبدئيا.
فالممثل الدبلوماسي العربي الذي يمثل أصحاب الفخامة والجلالة والسمو يحمل في حقيبته خيارات من كيس الخيار التي يملكه سادته ممثلو الشعب رغما عنه. وفي حالتنا العربية يقوم الدبلوماسي بتلميع الخيارات وتنظيفها وتقديمها للعم سام الذي بدوره يقوم بإعادة توجيه الخيارات لتستعمل من قبل الشعب العربي الاستعمال الغير معتاد في بلاده, المُدمَنُ عليه في بلادنا ولا ينسى بأن يهدي أكبر خيارة لرؤساء الممثل الدب لوماسي. في البداية تُقدم الخيارات من نوع الذي لا يفسد الحمية, ولا يؤذي الأوزون ولا يسمن و لا يغني من جوع ومع ذلك ترد لنا مطلية بالفازلين المنكه حسب معايير عصر أكل الخيار على مدار الساعة أي ليل نهار.
ولبعض نواب نبض الشارع من كتَّابنا قصة أخرى, قصة كئيبة يندى لها الجبين, فهم أصبحوا مثل باقي النواب والممثلين يحملون كيس الخيار كي يضمنوا سماع تشجيع بعض رواد أسواق الجمعة وذلك بتقديم خيار من نوع يصلح للبيع في مثل تلك التجمعات. فعندما تكون مادة الكاتب لغة قوامها السخرية المبنية على قلب الحقائق والظن والسب والشتم والتعالي والتناقض, فلا بد أن يجد له بعض السوقيين الذين يروق لهم هذا النوع من البضاعة، لا لشيء، إلا لان البائع والشاري ينتمون إلى نفس الطينة ويوهمون أنفسهم بأنهم يضجون بالحياة من خلال التفاعل الذي يظهر بين قراءتهم له واستمتاعه باهتمامهم.
ليس المطلوب أن يربت الكاتب على أكتافنا, أو يلملم جراحنا، أو يشعرنا بأنه منا وفينا, وليس المطلوب منه أن يبكي أو ينوح على ما تنوح به العجائز حزنا على ماض أو على حاضر بغيض, وليس المطلوب أن يحمل كيس الخيار الذي يعلم مسبقا إنّا نفضله، ولكن المطلوب أن يكون الكاتب واقعياّ, لا يشتم ولا يقذف الناس بما ليس فيهم وأن لا يمارس ازدواجية معايير تخرجنا من رشدنا وان يمسك بالحقيقة من رأسها ويظهرها للناس كافة دون أدنى ليِّ للمفاهيم أو تدليس أو تدنيس للواقع.
لقد خرج علينا بعض كتّاب الوفرة الانترنتية بسيل وابل من التعابير والمفاهيم التي لا تتصل بواقع أو حقيقة قدر ما تتصل بالعنصرية البغيضة, عنصرية من نوع جديد أسمحوا لي أن أدعوها بعنصرية ملاك أكياس الخيار لقلة شأنها في نهاية المطاف، فهم يتعصبون لاستمراريتهم على صفحات الانترنت بقذف تسونامي خيار من سباب وشتائم وجعل كل ما يقوم به قومهم مخزٍ ومعيب, حتى إذا اغتصب عجوزُ ابنته في إحدى ضواحي لندن كان السبب في ذلك الجرم عندهم هو الأمة المهترئة على سبيل المثال المنضوية تحت المنظومة التركية المتمركزة في ما يعرف ببلاد الشام, أو بلاد المنظومة الفارسية فيما يعرف بدول الخليج أو بلاد المنظومة الفرعونية, وإذا سألته من أنت؟ ربما قال: أنا عربي أنتمي إلى دين الإسلام! فتسأل: ومن أي العرب أنت؟ هل أنت من البلاد الفارسية أم بلاد المنظومة اليونانية أم من بلاد خوفو وخفرع الفرعونية؟ بالله على كل من في رأسه مثقال عقل, كيف ينكر أصل وجود شيء ويسبه ويلعنه ويحط من إنسانيته ويجزم بحتمية تخلفه وهو ذاته لا يمكن إلا إن أكون جزء منه؟
و الآن، ماذا يجمع الحكام بالكتَّاب المقصودين أعلاه؟ يجمعهم تواجدهم القَدَري في ساحات الإعلام كلها ويجمعهم استعمالهم لأكياس الخيار المعبأة من نفس الكومة المتعفنة. كل يبيع الخيار على ليلاه, والمهم عند هذا وذاك أن تبقى السوق رائجة ويبقى السوقيون على أهبة الاستعداد للشراء. لقد قيل في الموروث الشعبي أن الدنيا يوم لك ويوم عليك, وقال أحدهم أن الدنيا خيارة يوم في فمك ويوم ليست فيه، ولهذا أتوجه إلى كتابنا الذين ما فتئت أتوسم الخير في طويتهم أن يستأنسوا بحديث الخيارة، ويجعلوا الخيار حيث ينفع من جوع بطني, أو فليتواروا عن الأنظار قبل أن تبور بضاعتهم فهي لابد وأن تنكشف للمتسوقين ولو بعد حين. أستسمحكم العذر إن استعملت ذات كيس الخيار, إلا أني أعدكم باني سأتوب توبة نصوحة ولا خيار بعدها إلا خيار الحق ما استطعت.
#علي_الأمين_السويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟