|
الديكتاتور 1 ( قصر الزعيم )
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2798 - 2009 / 10 / 13 - 13:34
المحور:
الادب والفن
تمهيد : تلخص مسرحية الديكتاتور في خمسة فصول ، صراع الإرادات السياسية بين الحاكم وأبناءه ، مبرزة أوجه الاستبداد السياسي ومساوئه على حياة المجتمع والإنسان . لا ترتبط المسرحية بزمان ومكان معين فهي تسبح في فضاء كوني أقرب ما يكون إلى الواقع العربي ، تحاول من خلال موضوعها المزاوجة بين حالتي الكوميديا الاجتماعية والتراجيديا السياسية ، وذلك في تطرقها لهموم المجتمع المحكوم بقبضة حديدة ، فالكوميديا تندرج في سياق تندر الجمتمع على حالات العسف والاضطهاد التي يتعرض لها كوسيلة لتخفيف الأعباء الملقاة على عاتقه ، أما التراجيديا فهي واقعية لا تغرق في الخيال أثناء تسجيلها لصور القمع والبطش التي يتعرض لها أي شعب يرزح تحت نير الاستبداد . تشكل نظرية المؤامرة حجر الزواية الذي تنطلق منه شرارة الصراع الأولى بين الديكتاتور وأعوانه ، لتتحول تالياً بين الديكتاتور وشعبه . إن القضية الأساسية التي ركزت عليها المسرحية ، سعي الإنسان المعاصر إلى التحرر والانعتاق من جبروت الاستبداد ، رغم ندرة الأمل وقلة الحيلة ، إلا أن المسرحية ، ومن خلال الصراع الدامي بين شخصوصها ، تنتصر في نهاية المطاف لقيم الحق والعدل والحرية . ------------------------------------------------ المشهد الأول (القصر - مكتب الزعيم ) (يجلس الزعيم بزيه العسكري أمام طاولة مستديرة وإلى جانبه لفيف من جنرالات الجيش) الزعيم (متجهماً) : صار لنا نحارب العدو أكثر من ثلاثة أعوام ، وصورتنا لازالت مشوشة في نظر الشعب . الجنرال الأول (يقف باستعداد) : ومن قال ذلك ياسيدي ، إن الشعب يهتف بحياتك جهاراً نهاراً ، وإذا ما سألته مَن تحب ، سيجيبك دون أدنى تردد ، زعيمنا الأوحد . الجنرال الثاني ( بثقة ) : سيدي الزعيم ، لطالما أنني المسؤول عن أمن سيادتكم ، وعن كل كلمة تقال أو حرف يكتب ، فأرجوا أن لا تقلقوا كثيراً ، شعبيتكم لم ولن يسجل التاريخ مثلها من قبل . الجنرال الثالث (متملقاً ) : نعم سيدي ، وبما أنني المسؤول عن إدارة شؤون دولتكم في الخارج ، فإنني أود التأكيد لسيادتكم ، بأن كل سفراء وقناصل العالم يتمنون لقاءكم وبرقيات تهنئتهم لا تنقطع في كل مناسبة . الجنرال الرابع (باسماً) : اطمئن سيدي ، فنتائج الحرب وفقاً لحسابات الربح والخسارة ، هي لصالحنا ، أجل سيدي ، جنودنا البواسل لقنوا العدو الغاصب درساً قاسياً لن ينساه ، صحيح أنهم لم يستعيدوا بعد الجزء المفقود من أرض سيادتكم ، لكنهم وللشهادة ، أفهموه أن منطق الحق أقوى من منطق القوة . الزعيم ( يقف باعتداد مشهراً عصا المارشالية في وجوه جنرالاته ) : أيها الرعيان (يصمت الجميع برهة ) أيها العلق ، يا من تمتصون دماء شعبي الذي يحبني حباً يبذل في سبيله الغالي والرخيص ( محتداً) أنتم مَن أفقدتم الشعب ثقته بي ، وسرقتم رزقه ولقمة عيشه في وضح النهار ، لذا لن أقبل منكم هذا التبرير الساذج لأعمالكم الخسيسة وسلوككم المشين ، أتريدون بترهاتكم هذه أن تحملوني مسؤولية الهزيمة معكم ، كي يهزئ التاريخ مني ؟ لا والله ، وحدكم من يتحمل المسؤولية كاملة ، فأنتم القادة الميدانيون وعليكم تقع المسؤولية . الجنرال الأول ( مندهشاً) : لكن يا سيدي ، ألست من رسم لنا خطة الحرب ، ومن وجهنا أثناءها ، لكونك القائد الأعلى للجيش ؟. الجنرال الثاني : وسيادتكم من أوعز إلي بأن أعلن على مسامع الشعب ، بأننا انتصرنا ، وأن أرضنا المحتلة ليست أغلى وأثمن من بقاءكم . الجنرال الثالث : ولولا موافقة سيادتكم على وقف الحرب ، لما توقفت البتة ، ولما بقينا على قيد الحياة ، أنسيت كل هذا سيدي الزعيم ؟. الزعيم (غاضباً) : أنتم تتملقوني لتنفذوا بريشكم من العقاب الذي ينتظركم ، لتعلموا جميعاً ، أنني لم أهزم في هذه المعركة ، بل أنتم مَن هُزِم ، فأنا وحدي مَن سيعمل على تصحيح مسار التاريخ ، فلتذهبوا إلى الجحيم . الجنرال الرابع ( مضطرباً) : سيدي .. سيدي ، إنني لا أكاد أصدق ما تقول وتدعي ، إلى أين سنذهب ؟. الزعيم ( يرمي قبعته على الطاولة ) : إلى جهنم وبئس المصير . الجنرال الثاني ( يسقط مغشياً على الطاولة ) : إلى .. إلى . الجنرال الثالث (يمتقع وجهه ) : سنذهب إلى جهنم ( محتداً) سأذهب بنفسي ، أسمح لي سيدي ( يخرج مسرعاً ) . الجنرال الرابع ( يجلس على كرسيه ويشعل سيجاراً ) : أتظن أنك أفزعتنا ( بتحد) مَن تخال نفسك ؟ . الزعيم ( يضرب عصاه بقوة على الطاولة ) : أيها القرد ، كيف تمسح لنفسك على مخاطبتي بهذا الأسلوب الأرعن ( مهدداً) لقد جنيت على نفسك ما لم تجنيه براقش على قومها . الجنرال الرابع ( هازئاً) : هدئ من روعك ، كي لا تحترق أعصابك ، فهذه أولى المعارك ، وأمامك معارك طاحنة ، ولا أظن أنك بقادر عليها لوحدك . الزعيم ( ممتعضاً) : أيها المسخ ، مَن أنت لتدلوا بدلوك الفاجر ، فأنتم جميعكم سبب البلاء ، ولا أريد سماع المزيد من تبريراتكم . الجنرال الرابع ( يذرع المكان جيئة وذهاباً ) : يا زميلي ... الزعيم ( مندهشاً ) : ماذا قلت ؟. الجنرال الرابع ( بثقة وثبات ) : يا زميلي .. ويا رفيق دربي ، أنسيت أننا تعلمنا سوية فنون الحرب تحت سقف واحد ؟ وأننا لهونا ولعبنا وحلمنا أحلام ليالي الصيف في ذات المدرسة ؟ أنسيت ما كنا نخطط له وقد نجحنا في تنفيذه ؟. الزعيم ( مقاطعاً بغضب ) : كفى .. كفاك هراء يا قرد . الجنرال الرابع ( يجلس على كرسيه ) : صحيح أن الشعب يجهل حقيقة ما يجري ، لكننا أنا وأنت فقط من يعلمها علم اليقين . الجنرال الأول : وماذا كنتم تخططون ؟ . ( لحظة صمت عميق ) الجنرال الأول ( يشير بيده للجنرال الرابع ) : استحلفك بشرفك العسكري ( يحدق بالزعيم ) عفوك سيدي ، أرجوك أن تقول الحقيقة ، لأعرف ما إذا كنت استحق هذه الحياة أم لا . الزعيم ( محتداً) : أخرجا من هنا ، لقد صدعتما رأسي ، ولن ينقضي اليوم دون أن يعرف كل واحد منكم مصيره . الجنرال الرابع ( يرمي سيجاره أرضاً ويدوسه بكعبه ) : عن أي مصير تتحدث ، لتعلم أن مصيرك ومصيرنا في كف واحد ( أسفاً بغضب ) لقد أوهمنا الشعب أننا انتصرنا ، لكنه يجهل حقيقة استسلامنا المُرّة . الزعيم ( مقهقهاً ) : أيها الغبي ، هل تريده أن يعرف ؟ ( بغضبٍ شديد ) سأقطع لسان كل من ينبس ببنت شفة ( مهدداً) وأولهم لسانك الفاجر . الجنرال الأول ( ملوحاً بيدها للزعيم ) : إذن أنت تخشى الحقيقة ، ومن يخشاها ليس قوياً . الزعيم ( يذرع مكتبه بغضب ) : أيها النتن ( يشير إلى الجنرال الأول) قسماً بشرفي العسكري سأقطع لسانك وألقي به للكلاب الضالة لتكون عبرة للعالمين . الجنرال الرابع ( يقهقه بشدة ): يا إلهي ، بأي شكل خلقتنا وبأي صورة ركبتنا ( يشير بيده إلى الزعيم ) أتريد أن تلقي بلسان من تسميهم بالقردة للكلاب ؟ ( هازئاً) ولكن ماذا ستفعل به إذا لم يرق لها طعمه ؟. الزعيم ( يقلب الطاولة بكلتا يديه ) : أيها القرد ، ها قد حفرت قبرك بنفسك ، فاذهب إليه صاغراً مطأطأ الرأس ، كما تذهب إلى مومساتك في جنح الظلام . ( يصفق بيديه ) أيها الحرس . الجنرال الثاني ( يصحو من غيبوبته فاقداً الوعي ) : يا الهي ! ماذا حصل ، هل عادت الحرب ، ومن الذي انتصر فيها ؟. الجنرال الرابع ( يربت على كتف الجنرال الثاني ): حمداً على سلامتك ، لقد عادت الحرب ، لكنها بيننا هذه المرة . الجنرال الأول ( يرمي قبعته أرضاً ) : وا أسفاه ، حربنا الضروس لم تترك مكاناً للرحمة في قلوبنا ، فكيف سيرحمنا الشعب ، وأعداؤنا يعدون العدة ، بينما نحن نسلخ جلد بعضنا البعض . الجنرال الثاني ( يهذي ) : لكن من انتصر فيها ؟ النصر طريقنا ، أجل لقد انتصرنا .. انتصرنا . ( يدخل قائد الحرس ومعه أربعة حراس مدججين بالأسلحة) الزعيم ( يشير لقائد الحرس ) : أيها الحرس ، اقتادوا هؤلاء الخونة الذين خانوا الثقة إلى مزابل التاريخ . الجنرال الرابع ( يشعل سيجاراً ويستدير للخلف ) : إذا كان هناك من خان الثقة والأمانة ( يواجه الزعيم وجهاً لوجه ) فهو أنت ( يشهر سبابته ) أنسيت أنك مَن قاد الانقلاب الأسود على سلطة هذا الشعب المسحوق بتكليف مني ؟. الزعيم ( يمتقع وجهه) : أخرس أيها الفاجر (محتداً) اقتادوه إلى السجن . (يهجم الحرس على الجنرال الرابع ، فيصدهم ويتراجع خطوتان للخلف ) : مهلاً .. مهلاً ( ينفث دخاناً بوجه الزعيم ) أنسيت أنك مَن قايض العدو بحفنة من النقود لقاء تسليمك إياه أرض دولتك المصون التي تتربع على عرشها ؟. الجنرال الأول ( مندهشاً) : هل أنا في حلم أم في واقع ؟ يا إلهي ، ما الذي اسمع ؟. الجنرال الرابع : بل أنت في واقع آسن ، واقع مَن يريد أن يتسلط على شعبه بقوة الحديد والنار ، واقع مَن يخشى الحقيقة ويخافها ، ولهذا يعمل على طمسها وطمس مَن يجهر بها بكل قوة . الزعيم ( بانفعال ) : أحسنت أيها الخائن ، لأنك طمست نفسك ، ليس في قبر يحفظ عظامك من النبش ، بل طمستها في حفرة واقعك الآسن الذي تفوح منه روائح غدرك الكريه ، فاذهب إليه حاسر الرأس ، ذليل النفس ( يشير إلى الحراس ) أيها الحراس خذوه ورفاقه الخونة ، وألقوا بهم في المزابل ( يبصق على جنرالاته ) حثالة ( يتلقط عصاه وقبعته ويخرج ). (يقبض الحراس على الجنرالات ويقتادونهم إلى الخارج ) * * *
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تغرقوا مصر في الظلام
-
الإسلام والحضارة : أزمة هوية
-
لماذا العلمانية ضد الإسلام ؟
-
الإسلام والسلطة : مَن يُفسد الآخر ؟
-
العربدة الأسدية !
-
خصخصة الإسلام لا علمنته
-
الإسلام كقنبلة بشرية
-
خسارة الإخوان السوريين
-
الأسد بين محكمتين
-
النظام السوري وعودة الإخوان
-
النظامان السوري والإيراني : صناعة الفوضى
-
العراق الجاني والمجني عليه
-
حماس على طريق الإمارة
-
الزعامة من حصة الأسد
-
سياسة التعمية في سورية
-
جنبلاط : عودة الابن الضال
-
ثمن التطبيع مع إسرائيل
-
معرقلو الديمقراطية في مصر
-
الأسد / خامنئي : حلف التزوير والتطميش
-
لماذا أنا معارض؟ سؤال المستقبل
المزيد.....
-
ليلى علوي تخطف الأضواء بالرقص والغناء في حفل نانسي بالقاهرة
...
-
-شرفة آدم-.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|