أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - تيسير خالد - -قوس قزح- بألوان إسرائيلية في رفح















المزيد.....

-قوس قزح- بألوان إسرائيلية في رفح


تيسير خالد

الحوار المتمدن-العدد: 849 - 2004 / 5 / 30 - 09:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو الكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

العملية العسكرية الواسعة التي قامت بها قوات الاحتلال مؤخرا في رفح أثارت ردود فعل واسعة وغاضبة شارك فيها إسرائيليون على نحو غير مسبوق أو مألوف. يوسف (تومي) لبيد، وزير العدل الإسرائيلي ورئيس حركة شينوي، شريك الليكود وغيره من الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحاكم في إسرائيل فاجأ الجميع بموقف شجاع : "صورة العجوز، التي كانت تفتش عن أدويتها بين أنقاض بيتها المهدوم في رفح ذكرتني بجدتي، ومن هنا فان عملية هدم البيوت يجب أن تتوقف فورا فهي ليست إنسانية وليست يهودية". يوسف لبيد ، زعيم شينوي ، يميني علماني متنور ، نجا من المحرقة النازية ، التي استمرت عالقة في ذاكرته وحسب موقفه في ضميره كذلك . أمثال لبيد في إسرائيل والعالم من اليهود كثيرون، غير أن قلة منهم تعيش المحرقة النازية في ذاكرتها وفي ضميرها كذلك. في الذاكرة نعم، أما الضمير فشئ آخر، ولهذا لا مجال للحديث عن مقاربة بين الممارسات والجرائم النازية وبين ممارسات وجرائم سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وإذا كانت صورة الأحداث كما جرت في رفح تذكر وزير العدل الإسرائيلي بجدته فان ما جرى في رفح يذكرني كذلك بانتفاضة وارسو ضد الغزاة والمعتدين النازيين عام 1943، والتي شارك فيها " الغيتو" اليهودي بفعالية من أجل حماية الذات من الوحش النازي. آنذاك سقط عشرات آلاف القتلى من اليهود والبولنديين على أيدي الوحش النازي وسيق من تبقى إلى معسكر الابادة في تريبلنكا، أما الحي اليهودي فقد دمرته وهدمته قوات الاحتلال النازية. كان ذلك العمل عملا إجراميا بكل المقاييس، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وما جرى في رفح مؤخرا في مقاييس الذاكرة والضمير عمل إجرامي بكل المقاييس، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. الأمور هنا لا تقاس فقط بعدد القتلى أو بعدد البيوت والممتلكات التي تم هدمها وتدميرها بقدر ما تقاس كذلك بالحساب مع النفس ومع الضمير. تومي لبيد كان شجاعا في مقاربته بين صورة العجوز الفلسطينية وبين صورة جدته. هذا السياسي اليميني العلماني المتنور كان أشجع من عديد قيادات حزب العمل الإسرائيلي، التي حافظت على الذاكرة وتجاهلت الضمير. هؤلاء يعيشون بذاكرة حية وضمير ميت، ذاكرة حيه في كل ما يتصل بجرائم النازية ومعسكرات الابادة والمحرقة وضمير ميت عندما يتعلق الأمر بمعاناة الشعب الفلسطيني من قتل لأبنائه وهدم لبيوته وتدمير لممتلكاته ومعسكرات اعتقال جماعية أين منها معسكرات الاعتقال الجماعية في عهد الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.
الذاكرة هنا ليست حكرا على شعب من الشعوب، فلكل شعب ذاكرته وللشعب الفلسطيني هو الآخر ذاكرته، وهو كذلك يحيي ذكرى كارثة وبطولة تمتد على مدى تاريخه المعاصر والقريب، بدءا بدير ياسين وكفر قاسم مرورا بصبرا وشاتيلا وانتهاء برفح حتى الآن. لا أحد يمكنه ان يمحو من ذاكرة أحد ذكرى المعاناة، سواء تمت هذه المعاناة على أيدي احتال نازي أو احتلال أمريكي أو احتلال إسرائيلي، رغم الوعد الذي قطعه على نفسه موشيه يعلون، رئيس الأركان الإسرائيلي بأنه سوف يمحو من ذاكرة الشعب الفلسطيني حقه في مقاومة الاحتلال. لا شئ يرسخ في الذاكرة أكثر من المعاناة، ولا شئ يمكن أن يخفف من وقع المعاناة غير رفعها. وكل محاولة للتهرب من وقعها وتبعاتها من خلال محاولة إزاحتها أو من خلال محاولة تغطية فظاعتها بأخرى أقل منها شأنا وفظاعة لا يمكن أن يكتب لها النجاح. استطلاع الرأي العام الشهير في دول الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل كدولة تهدد الأمن والسلم الدوليين يؤكد ذلك، ونتائجه مستوحاة من صور الطائرات والدبابات والعربات العسكرية والجرافات الإسرائيلية، التي حولت حياة شعب بأسره إلى جحيم لا يطاق. وفي الولايات المتحدة ذاتها عبر نحو 43 بالمئة عن الموقف نفسه، الذي عبر عنه استطلاع الرأي في دول الاتحاد الأوروبي. المحرقة النازية بفظاعتها لا تعفي حكام إسرائيل من المسؤولية عن المعاناة الفظيعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وهي لا تزيحها ولا تغطي عليها.
صورة ما جرى مؤخرا في رفح هي غير الصورة التي تحاول حكومة إسرائيل تسويقها في أوساط الرأي العام الإسرائيلي وفي أوساط الرأي العام العالمي. " قوس قزح " ارتسم في سماء رفح بلون دموي، لم يكن لقوس قزح الإسرائيلي في رفح غير لون واحد هو لون الدم ينزف من الرجال والنساء والأطفال، ولم يبشر بربيع أو غيث بل بدماء وخراب، دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إلى القول، " لا فرق بين إسرائيل وأية منظمة إرهابية "، ودفع دول الاتحاد الأوروبي على لسان الرئاسة الايرلندية للاتحاد إلى التأكيد بأن دولة " إسرائيل تستهين بطريقة غير مسؤولية بالحياة البشرية من خلال ممارسات الجيش الإسرائيلي في رفح " ودفع منظمة العفو الدولية لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. فريقان فقط لم يجدا في " قوس قزح " الإسرائيلي في رفح شيئا غير عادي، الأول في واشنطن والثاني في تل أبيب. ففي ذروة أعمال القتل والتدمير في رفح خاطب الرئيس الاميركي جورج بوش مؤتمر منظمة " ايباك " الصهيونية قائلا: " إنكم في دفاعكم عن حرية وازدهار وسلامة إسرائيل إنما تخدمون أميركا "، وهكذا ضجت قاعة المؤتمر بالهتاف والتصفيق والثناء.
وفي إسرائيل ردت " محكمة العدل العليا " الإسرائيلية التماسا تقدم به مركز الميزان الفلسطيني بالإضافة إلى عدد من المواطنين في رفح لوقف عمليات الهدم والتدمير. " محكمة العدل العليا " عللت رفضها بسببين: الأول، ان الدولة أبلغت المحكمة أن العملية العسكرية قد توقفت، والثاني أن الدولة أعلنت أنه إذا ما تقرر مستقبلا هدم بيوت أخرى فسوف يمنح الجيش المواطنين حتى الادعاء أمام المحكمة ما عدا في حالات ثلاث هي: حاجة تنفيذية عاجلة، تعرض حياة الجنود للخطر أو إحباط عملية عسكرية مخطط لها . وبالطبع لم تكن العملية العسكرية حينها قد انتهت، وفضلا عن ذلك نادرة هي الحالات التي منع فيه حق الادعاء أمام " محكمة العدل العليا " الإسرائيلية قوات الاحتلال من ممارسة الهدم والتدمير في ظل مقاييس تجعل من الاستئناف عملا غير قابل للتحقيق.
ما الذي انتهت إليه عملية " قوس قزح " بالألوان الإسرائيلية في رفح. لقد انتهت إلى قتل العشرات بينهم عديد من الأطفال، وجرح مئات، وهذا لا تنكره إسرائيل أو تتنكر له . عدد منهم سقط نتيجة قصف وحشي لمسيرة سلمية، في تظاهره استهانة غير مسؤولة بالحياة البشرية على حد تعبير وزير الخارجية الايرلندي. المفارقة المرعبة هنا بالمقايس السياسية والإنسانية أن مسؤولين على مستوى عال في إسرائيل لا يجادلون بعدد الذين يسقطون من الفلسطينيين في عملياتهم العسكرية وأعمالهم العدوانية ولا يجدون حرجا في الجدل حول عدد البيوت التي هدمتها قوات الاحتلال. رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه يعلون لا يتردد في الإعلان بان ( مشكلتنا ليست في الميداني, وإنما في الأكاذيب التي ينشرونها بشأن هدم البيوت ), ( فالفلسطينيون وكذلك جهات معنية أخرى كمندوب وكالة غوث اللاجئين يتحدثون عن 1650شخصا فقدوا منازلهم, لقد هربوا من عدة منازل مركزة في منطقة معينة, وما أعرفه, أي يعلون, هو انه تم هدم 12منزلا فقط منذ بداية الحملة ).أما العميد شموئيل زكاي, قائد قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة فقد كان قد أعترف قبل موشيه يعلون بعدة أيام بأن ما تم هدفه هو 56 بيتا فقط. وقدمت وكالة غوث اللاجئين الأمور على حقيقتها, فوفقا للاحصائيه الرسمية لطواقمها الفنية والتي تمت بعد الانسحاب الإسرائيلي من رفح فقد هدمت قوات الاحتلال في الفترة بين 18 أيار و 24 منه 167بيتا هدما كاملا كان يعيش فيها 379 عائلة تضم 2066 شخصا ودمرت على امتداد شهر أيار وفي رفح بالذات 277 منزلا وشردت 641 عائلة تضم 3451 شخصا يعيشون بلا مأوى في المدارس و الملاعب و الساحات العامة.
من أجل ماذا كل هذا القتل وهذا التدمير و الدمار. من أجل البحث عن أنفاق لم يعثر منها جيش الاحتلال الا على حفرة واحده لنفق واحد ( حفره وليس نفقا) في منطقة العمليات حسب اعتراف العميد شموئيل زكاي قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة. وعلى كل حال توقف التدمير و الدمار في رفح عند هذه الحدود وكان يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ويذكرنا بسيرة شارون الأولى عندما كان قائدا للجبهة الجنوبية 1971- 1972, فقد هدم آنذاك آلاف المنازل وسقط على يديه أكثر من آلف شهيد وطرد عشرات الآلاف من منازلهم. نومي لبيد كشف ذلك عندما قال في مقابله له مع برنامج (مشعال حام) في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي يوم 25 أيار الجاري:(طلب الجيش من الحكومة الموافقة على هدم ثلاثة آلاف بيت أضافي في رفح, ورفضت وزارة العدل إصدار مثل هذا الترخيص ).
هدم ثلاثة آلاف بيت أضافي في رفح كان خيارا مطروحا على جدول أعمال (قوس قزح ) الإسرائيلي, وهو في ظني يعادل الحي اليهودي, الذي هدمه الوحش النازي في وارسو البولندية عام 1943.



#تيسير_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية الصمود إلى عمالنا البواسل في عيد العمال العالمي
- حكومة يمينية متطرفة بدون غطاء داخلي أو خارجي


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - تيسير خالد - -قوس قزح- بألوان إسرائيلية في رفح