أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - نزار قباني : دهشة الاكتشافات الأولى ل جسدية النص، ونصية الجسد














المزيد.....


نزار قباني : دهشة الاكتشافات الأولى ل جسدية النص، ونصية الجسد


فاطمة الشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2794 - 2009 / 10 / 9 - 21:18
المحور: الادب والفن
    


ربما لم ولن يؤثر شاعر عربي في فضاء الشعر العربي الحديث وأرواح شعرائه، كما فعل ذلك العاشق الملعون(نزار قباني)، حيث عجن الشعر بكل مواد الحياة، من الإنسان حتى أعقاب السجائر، وأشعل اللهفة في كل شيء من الأصابع، حتى الموجودات والجمادات، فباتت طيّعة بين يديه ومفرداته يشكل منها نصوصه ويحرّق عليها عشاقه ومريديه بكل سهولة ويسر. لقد كان “نزارقباني” ولايزال ظاهرة لغوية لاتقل غرابة ولمعانا في ذات الوقت عن الظواهر الكونية التي لاتتكرر، أو التي لاتتكرر إلا نادرا، لقد كان إلها شعريا خالقا بامتياز، وكان يجمع في بوتقة أصابعة شهوة الحس، ولذة الخيال، وجنون السياسة، ولهفة العشاق، ويخلق نصّه(غير المصنوع) ببداهة خزّاف، أو حنكة ودقة صائغ معتّق، ليقول ببساطة الكلمة -التي لايمكن استبدالها بسواها- كل شيء ببساطة ودهشة الأطفال في الحديث، ويترك المتلقي معلّقا بآخر حرف عالق في لسانه، ينتظره أنى يجيء، لتكتمل تلك الدهشة التي لاتنسكب مرة واحدة، بل تتدرج في ذهنية المتلقي مع تواتر الصوّر الشعرية، وانساكبها في لوحة المعنى حتى تكتمل اللوحة الأكبر(النص).لقد فعل “نزار قباني” فعلته الكبرى، واقترف جرائمه القصوى في بنائية النص المخاتل، وأعاد في مجموعاته الشعرية نسج التاريخ الشعري العربي بأكمله، وصالح المتلقي في كل عصور اللغة والكلام، وفي كل مستويات الثقافة والوعي، وفي كل جوانب التلقي ايروتيكيا وعذريا، سياسيا واجتماعيا، داخليا وخارجيا، فكان كل متلقٍ يجد ضالته بين أفياء كلماته المظلِة المضلِّلة، وكل باحث عن وفرة المعنى، أوعن خصوبة الرؤى، أوعن جمالية الكلمة سيجد مايريد وربما في نص واحد. لقد أكمل “نزار قباني” حلقات الشعر الناقصة في تاريخ اللغة العربية، وآخى بين النخبة والشارع، وبين العشق والأنثى، وبين اللغة والجسد . وهو في جرأته تلك التي رفعت في وجهه كل أصابع الاتهام، وكل رايات الظلاميين، جعل النص جسدا أنثويا رائعا يتهادى بخفة رشا، ورشاقة راقصة باليه جذلى بالحلم والموسيقى، وجعل الجسد نصا لغويا مشغولا ببهاء العبارة وإشراقة المعنى اللاموارب، واللامنتقص. لقد ألّه “نزار قباني” الجسد واحتفى به، وتمادى في كشف مستور لغاته ومناطقه، وأحرج المتوهمين وسدنة التغييب، والفصاميين الذين يميلون لاستحضار سري لمكنوناته الفضية، والتمرغ في غاباته الوعرة، والتلذذ بمواربة أفعاله .كما ألّه المرأة/ الأنثى وجعلها معبودة النص والعاشق معا، فهو يتبتل في محرابها ليلا ونهارا، ويكتحل بأوجاعها ويتلبس هيئتها ليأتي نصه أنثويا يحاكيها ألما شفيفا/ ووجعا طريا، وأحاسيسا لم يكن لأحد أن يكتبها بصدق الأنثى وحقيقية أوجاعها سواه. فقد كان “نزار قباني” شاعرا عاشقا، جعل أنثاه تتصدر نصه تارة، ويتصدرها هذا النص تارة أخرى ، فإما أن يكتبها النص، أو أن تكتبه هي. وحين قيل أن “نزار قباني” شاعر المرأة، فقد كانت تلك غاية الحمد للمرأة وللشعر معا، فمن ذا تصدى لإشكاليات عبورها المؤججة بالحزن والوجع والظلم، وأي نص احتفى بها بكل جوانبها جسدا وروحا، فرحا ووجعا، طفلة وأنثى كما فعل “نزار قباني” ، فأي اتحاد خلقه نزار بين الشعر والأنثى، وأي معادلة عصيّة على التمازج إلا بين يدي نصه كانت بين الجسد والنص.لقد جعل نزار الثوري الروح النص ساحته الأكثر حدة وجرأة في مجال العشق والنقد الاجتماعي، والتحدي الثوري، والرفض السياسي، فأخذ العشق بين يديه أشكالا أكثر ولعا من جسد ميت، ليصبح نصا شهيا، كـ حديقة غناء ملأى بثمار الجوز والخوخ والرمان، أو كـ ثورة مفعمة بالحزن، والدمع والرفض، وليصبح النص امرأة معشوقة، وأخرى موجوعة، وطفلة تتشاقى بين حروف النص، ولعوب تقامر العشق بالكلمة، وكلها أشكال حية في مجتمعاتنا الميتة، مسكوت أو متغافل عنها، أحياها “نزار قباني” بشهية فاتح، ليجعل بذلك نصه الشعري ساحة حرب، وشهادة موت، وزغرودة أم على شهيدها البطل، وصرخة مظلوم في مجتمعات القهر، ومظاهرة في وجه العدالة الناقصة والجوع المستتر، والبغي المظلل بأسماء مستعارة. أن أهم ماقدمه “نزار قباني” للنص الشعري هو تخليصه من ربقة المواربة، وثقل الأطر التاريخية والجغرافية، ومن رنين الزيف المقنن، وحدبة الكذب التي كانت تتكأ على ظهور أغلب النصوص فتجعلها واضحة الإنحناء.إنه رائد الحداثة، وفاتح بلاد الشعر، وسيد القصيدة التي تخاطب الجميع فتنزل الشعر بمظلة قزحية إلي الأرض والشارع والناس، وترفعهم بمناطيد ملونة إلى سماءة الضاجة بالألعاب النارية ليلتقيا معا عشاقا ومحبين. “نزار قباني” هو تلك الدهشة الخضراء التي نمت في أرواحنا الطفلة حينما عانقنا قصائده لأول مرة- نحن الخارجين من رحم مجتمعات الكذب والخوف- لنجد نصه يخاصر أنثى بين حروفه، ويجاهرنا برقصة عاشقين في متن نصه، وناسكين ملتهيين بالصلاة بين حروفه في ذات الآن، بل قد يتجاسر على النص فيسميه بأسماء الجسد الأشهى والأكثر تلغيما في الذاكرة العربية كـ “طفولة نهد” أو “نهد مغرور” . ليحقق للشعر تلك التؤامة اللغوية بين جسدية النص، ونصية الجسد.”نزار قباني” هو البوابة الأمامية الأولى للشعر العربي المعاصر، والتي لابد أن يكون قد دخل منها كل شاعر عاصره أو جاء بعده، وربما يدخلها كل من يكتب الشعر العربي إلى أن يشاء الله، ولكن مع عدم التسليم – في عصرنا هذا – بمدة المكوث في أنهرها العذبة، ومتاهاتها الللينة اللدنة التي قد تفضي إلى عذوبة وبساطة لغوية لم تعد تناسب كائن هذا العصر المنشق من ماديته ورماديته، والمضرّج بالوجع والوحدة والضبابية.



#فاطمة_الشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقاع تاريخي
- النص الشعري عند ظبية خميس
- الغربال الأعمى
- رسالة إلى ابن عربي
- القفار سردا: لطالب المعمري : سينمائية الواقع حين تكتب بالحبر ...
- ذاكرة الإسفنج
- سيدةُ الحيادِ
- الصورة الشعرية بين الذاكرة والمخيال في نصوص الشاعر الإماراتي ...
- العزلة:رقية الحيوات السرية
- أرواحنا بين قيد ومقص، وتحت جلودنا رقيب
- حساسية الرؤية الشعرية المغايرة في مجموعة -نون الرعاة- للشاعر ...
- ثقافة الطفل العربي : حاجة أم ترف ؟!
- كفاءة التناص في توظيف الموروث اللغوي في النص الشعري المعاصر ...
- رسالة إلى الله
- قرابين الوجع
- بين أدب الطفل .. وثقافة الآخر .. حول مجموعة -أنا ويوكي- للكا ...
- تأملات في سيرورة الكائن في المطلق والعبث
- المسرح ..خفة التلبس ..وابتهاج الضوء بالظل
- -لعبة الكراسي- رؤية سيسيو ثقافية للوضع العربي
- خيط دخان من شغاف القلب حتى وجع الذاكرة


المزيد.....




- روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم ...
- كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا ...
- مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م ...
- “نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma ...
- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
- شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا ...
- منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية ...
- ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك ...
- حكاية امرأة عصفت بها الحياة


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الشيدي - نزار قباني : دهشة الاكتشافات الأولى ل جسدية النص، ونصية الجسد