|
قساوسة المالكي ورؤوس هيدرا وجدائل إليزابيت –1
علي السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 18:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
( كنت قد نشرت هذه القطعة وحدها بعنوان( اليزابيت) لكن ولما كان لها علاقة وثيقة بمحتويات هذا المقال بكل تفاصيله الطويلة نسبيا ، لذا وجدت من المناسب أن أبدا بها ) . وأنت تشاهد الفيلم الشهير ( اليزابيت) ، تشعر وكأنك أمام محاضرة عملية مصورة عن الوضع العراقي ، فقد تسلمت الملكة المذكورة الحكم بعد أحداث عاصفة اوشكت بها البلاد أن تدخل في أتون حرب أهلية طاحنة بين البروتستانت المضطهدين والكاثوليك الحاكمين ، وكان عدد كبير من قاسوسة الكاثوليك يحرضون الشعب على الإبلاغ عن ( الهراطقة ) أي اصحاب البدع كما كمان يطلق على البروتستانت ، حيث كانوا يحرقون احياء بعد محاكمات شكلية سريعة يرأسها قساوسة الكثلكة . كان جيش ( اليزابيت ) مفككاً وضعيفاً، ومستشاروها وأصحاب النفوذ والسطوة في بلادها ، يتوزعون بين متآمر ومتخاذل وعميل ، بعضهم يؤيد ملك اسبانيا- الطامع في مدّ نفوذه الى بريطانيا - باعتباره الأقوى والأقدر على حمايتها، والآخر يقف مع منافسه ملك فرنسا لأنه الاقرب والاجدر حسب زعمهم، بل حتى امراء اسكوتلندا الساعين الى الإنفصال ، وجدوا من يؤيدهم كذلك في البلاط البريطاني ، وكان كل من هؤلاء الطامعين ، يرشو المحيطين بالملكة ويرسل مرتزقته لإيقاع المزيد من الفتنة بين شعبها (الكاثوليكي / البروتستانتي) بحجة الحماية ونصرة كل طرف على الآخر . لم تنفع مناداة الملكة بأن الإيمان بالله واحد ، فاتهمت بأنها من ( الهراطقة ) وتعمل على نشر مذهبهم في بريطانيا محاربة للكاثوليكية ، وكان البابا يلقي بفتاويه المتواصلة لمحاربتها بلا هوادة . إنبرى لمساعدتها أحد المستشارين الصلبين والمخلصين لبريطانيا ، فألقى القبض على عدد من القساوسة المحرضين ، في ليلة واجهت بها الملكة مجمع القساوسة لتطالبهم باتخاذا قرار ( التماثل ) اي توحيد الكنيستين في كنيسة بريطانية مستقلة ، وحينما ثار البعض على ذلك متهمين إياها بالخروج عن سلطة البابا ، أجابت بكل ثقة : من منكم يؤمن بأن يكون خاضعاً لسلطتين ، ويكون مخلصاً لكليهما في الوقت والدرجة ذاتها ؟ وبعد ان نجحت في خلق كنيسة خاصة لبريطانيا سميت (الكنيسة الانكليكانية) كما تعرف حتى اليوم ، رفضت كل عروض التحالف مع أي من دول الجوار ، وأبت كذلك ان تتزوج من أي من ملوكها ، فقصت شعرها والقت بتبرجها معلنة أنها قد تزوجت بريطانيا ، وبعد أن قضت على كل رؤوس التآمر ودعاة الفتنة بمساعدة رجالها المخلصين ، جعلت من بلادها الدولة الأقوى والأكثر هيبة واستقلالاً بعد ان كانت عرضة لتدخل حتى سفراء الدويلات الصغيرة . هل من داع للقول عن التشابه المثير بين مامرت به بريطانيا الأمس ، وما يمر به العراق اليوم ؟ مع فارق اننا نبني دولة بحكومة انتخبناها بلذا أنفسنا يفترض أن نقف معها إذا أصابت ونقومها إن أخطات ، لكن (مجمع القساوسة وجموع المتآمرين والمتواطئين والمتخاذلين والمحرضين) مازالوا يبيعون ولائهم لهذا الطامع او ذاك باعتباره الأقوى والأقدر على الحماية وتأمين المصالح الخاصة ، فمن يشمر عن سواعده ويوحد العراق ليجعله كما يجدر أن يكون؟ رغم صعوبات المواجهة مع الهجمة الشرسة ل( هيدرا ) ورؤوسها الخبيثة بكل شرورها . و ( هيدرا) في الأساطير اليونانية ،هي أفعى شريرة مثلثة الرؤوس ، أنفاسها تنفث النار وتنشر الحرائق حيثما حلّت ، شرها الأكبر يكمن في قدرتها على تجديد نفسها ، فكلما قطع أحد رؤوسها ، نبت غيره ، لكن للشر نهاية حتمية ، فقد تصدى لها (هرقل ) بطل الخير ، مستخدماً شرها للقضاء عليها ، فكان ان حمل مشعلاً ملتهباً ، كلما قطع رأس من رؤوسها الخبيثة ، أحرق مكان القطع ، حتى خمدت وماتت . ليس الرحم العراقي بعاجز عن إنجاب (هرقل ) رغم ان ( هيدرا ) تجتمع هذه المرة تحت نجمة إسرائيل سداسية الرؤوس – مخابرات السعودية وسوريا – القاعدة والصداميين – الموساد وبعض القادة الكرد . كأنما يحدث في فيلم سينمائي ، تحت أجنحة الظلام تجتمع قوى الشر ، فتشكل رؤوس ( هيدرا) وتغزو المدن والقرى نافثة سمومها ولهيبها ، فيحترق الاطفال في بيوتهم والمصلين في مساجدهم ، وتتقطع اشلاء الباحثين عن لقمة عيش ، لكن الأهالي يخرجون من كل صوب ، متناسين خلافاتهم ، ومتوحدين خلف ( هرقل ) ، فكانت النتيجة ان سحقت ( هيدرا) الشر الى الأبد ، ليعيش الطيبون بأمن وسلام . سداسيو الشر هؤلاء ، لم يقرأوا تاريخ العراق جيداً ، ولا عرفوا حاضره ، وقطعاً لم يتخيلوا مستقبله ، لذا اعتقدوا انهم بارتكابهم تلك الجرائم المخزية التي تعبر عن ذروة السقوط والخسة ، قادرين على النيَل من العراق . المشكلة الأخلاقية الأكبر تكمن في أن تبارك أعمالهم سلاسل طويلة من الكتبة والإعلاميين الذين يفترض أنهم مثقفون يحملون المعرفة ويدافعون عن الحق ، لكنهم يتحولون الى الضد ، تحركهم أحقادهم وعقدهم النفسية ، فينشرون سمومهم عبر أعداد لاتحصى من المواقع الألكترونية والصحف والفضائيات ، التي تضخ يومياً كميات خيالية من الشتائم و( الكشوفات والتنبؤات ) ، الى درجة لو قام باحث ما ، بجمع كل هذه الكتابات والأقوال والشتائم والتخرصات التي قيلت ضد التجربة العراقية الوليدة وحكوماتها المتعاقبة ، فسيجد أنها الحكومات الأكثر تناولاً في التاريخ على هذا الصعيد ، إذ لم تسبقها مجازر هتلر وموسوليني ، ولا أفعال ستالين ، ولا مذابح بول بوت ، بل ولا حتى الحكومات الصهيونية المتعاقبة ، ولا كل مجازر الطغاة عبر التاريخ من طاغية سراكوزا مروراً بهولاكو وتيمور لنك وآتيلاً ، وصولاً الى صدام حسين ونظامه عبر كل مامر به العرب في تاريخهم وماشهدوه من مجازر توجها السلاطين في سلخ جلود الأحياء وفقأ عيون المفكرين وقطع أيدي الفلاسفة المتصوفة . المالكي- وقبله الجعفري وعلاوي - هو من ورث كل القبح في كل مامرعلينا وما قرأناه أو عرفناه ، وبالتالي ، فسوريا والسعودية وكل الجوقات اليعربية بما فيها الإمارة الكويتية المتنمرة ، تقابلها إيران وافغانستان وتركيا ، كلها معذورة بالعذر الشرعي اذا أرسلت جموع الإرهابيين كي تملأ دجلة والفرات بالدم بدل الماء ، حتى يتخلص العراق من كل هذه الشرور التي يخلقها المالكي ، ليعود العراق من ثم بلد الرفاه والسعادة ، فيمد أذرعه لإحتضان الجيران وتقبيل لحى هؤلاء الكتاب والإعلاميين ( المناضلين ) الذين ساهموا بما كتبوه وقالوه ، في إسقاط العراق وحكومته التي تحاول بناء ديمقراطية وطنية وسط صحارى الذئاب ، والجديرذكره ، ان كل هذا الهجوم ، لايستهدف المالكي بشخصه ، فقد بدأ منظماً وممنهجاً منذ سقوط الطاغية ، فتم تصوير كل من شارك في العملية السياسية بأنه ( عميل جاء على ظهر دبابة أمريكية ) ثم إرتفعت الهستيريا ضد العملية الديمقراطية بكل مؤسساتها وآلياتها بما فيها وصف كل من ينتخب بانه خائن – هدد الإرهابيون بقطع أصابع من يجدوا عليه الحبر البنفجسي ، وذلك على شاشة بعض الفضائيات العربية - ثم تحول الهجوم ضد الشخصية العراقية ذاتها التي نعتت بكل قواميس الشتائم ( خونة وكاذبين وفاسدين ولصوص باعوا العراق ولم يدافعوا عنه ضد الإحتلال --- الخ ). إذاً فالمستهدف هو قيام العراق بنظام مختلف عما هو قائم في سلسة المنظومة العربية ، وعليه فلو أفرزت صناديق الاقتراع في الإنتخابات القادمة ، شخصية أخرى عدا المالكي ، فسوف تجد الأقلام والأصوات ذاتها ، مبررات مكررة أو معادة ، لمواصلة عملها ، ذلك لأنها تشبه راهب الحكاية ، الذي حرص ان لايموت الشيطان كي يستمر الراهب في عمله بمكافحة الشيطان ، تصوروا كم صحيفة ستغلق أبوابها ، وكم موقع الكتروني سيُهجرغير مأسوف عليه ، وكم فضائية ستدور خاوية تستجدي مشاهدين ، لو لم تكن التجربة العراقية تستجلب كل هذا الكم من الحاقدين أو الناقمين أو المتذمرين أو المخدوعين .
يتبع --- - عراق الخرافة – عراق العقول
#علي_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أكاذيب الاعلام الموجه مابين دارون وقائمة الحزب الشيوعي العرا
...
-
من الذي يحتضر..؟الاسلام أم أتباعه ؟ ومن سيطلق رصاصة الرحمة..
...
-
الماء غير مبذول...ولن يرويكم غير دماء الشعب ..!
-
الناشطة والكاتبة وجيهه الحويدر...شمعة في ظلام دامس
-
العصامي الهندوسي شويترام باجراني(قصة حياته من يوم هروبه من ا
...
-
البوذي الذي كاد أن يفقد ظله ...
-
أقزام عملاء ..وعمالقة فقراء
-
السيكارة والطبيب والثورة والجنس
-
الدكتور علي الوردي وحليب السباع
-
(مطرقة التهديم..في مملكة التحريم) تحية للمرأة في المملكة الس
...
-
الاستاذة راندا وجبل الجليد..
-
اللجنة المركزية وبرجها العاجي
-
من على اطلال بابل شاهدت مردوخ البابلي وتلمست عذاب البشرية في
...
-
الفوسفور ...واستعماله من قبل اعداء البشرية
-
جو بايدن(السيءالصيت)..يتأبط شرا
-
اللهم أكشف هذه الغمة عن هذه الامة....اللهم أغثنا..اللهم اغثن
...
-
إدارة التوحش.. وصناعة الوحوش السلفية ..!!
-
المدرسة التي ارادت ان تخرجني ...هي ذاتها التي خرجت بن لادن و
...
-
ساعة واحدة في ضيافة خلية سلفية جهادية
-
...حتى عملاء الامس أشرف من عملاء اليوم ...!!!
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|