|
كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي
نضال الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 2792 - 2009 / 10 / 7 - 23:25
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كنت قد نشرت على هذا الموقع مقالا بعنوان ألله والمؤسسة الدينية وبينت كيف أن المؤسسة الدينية قد قامت بتجييرالله لنفسها وأخذت تتحدث بإسمه وحولته إلى إله مؤسساتي مستبد. وسنحاول في هذا المقال البحث عن كيفية نشوء الله في الوعي العربي . لم تأتِ كلمة الله إلينا من فراغ، ولم تكن خارجة عن مجمل الأنظومة الثقافية التي ظهرت فيها ولم يسم الله نفسه بهذا الإسم كما يحلوا لرموز الفكر الديني قوله. بل تشكَّل الإسم بألفاظ بشرية ومعانٍ مألوفة ومعهودة قبلها، وبمفردات وقواعد لفظية كانت معروفة قبل وزمن ظهور الكلمة. لذلك كانت كلمة الله هي نتاج الأعراف والتقاليد والخلفية الثقافية للمجتمعات التي ظهرت فيها. وهذا يعني أن اسم الله ما كان ليُدرَك أو يُعقَل إلا بوعيٍ الإنسان لحقيقة نفسه وإدراكٍ لشرط وجوده . بذلك لا تعود "كلمة الله" شيئًا خارجيًّا تلقاه البشر، بل نداءً داخليًّا للحاجة البشرية للبحث عن المطلق والإتصال به وهي في نفس الوقت محاولة بشرية لفهم الذات. لم تكن كلمة الله، في لحظات ظهورها، منفصلة عن الألفاظ اللغوية التي سبقتْها في وصف الخالق أو منقطعة عنها، بل كانت تطورا طبيعيا لها. وكان لتطور المجتمع الرعوي إلى الزراعي وامتزاجها به أثر على تطور الكلمة ومغزاها. فالأب الذي في السماء كان انعكاسا للأب في المجتمع الذكري الرعوي، وكذلك الإلهة التي في السماء إنعكاسا للأنثى الولودة في المجتمع الأمومي الزراعي، وتداخل المجتمعين انعكس في زواج الإله بالإلهة وولادة الإبن . كان الأب يتمثل في السماء في صورة الإله القمر وتتمثل الأم في صورة الإلهة الأنثى الشمس أما الإبن فتمثل في صورة النجم الزهرة. ولقد تغير مركز وماهية الشمس والزهرة حسب المجتمعات وطبيعتها وعلاقتها بالشمس والزهرة أما القمر فظل محافظا على مركزة وألوهيته بغط النظر عن الإسم الي كان يعرف به. ولقد عرف الإله القمر ب(إل) والإلهة الشمس ب(إيلات) ولإبن المتمثل في كوكب الزهرة ب( عثتر سمين) أي عثتر السماء. و في حضرموت عرف باسم (سين) ولقد عبد المعينيون القمر باسم (ود) ويعني الودود، وعرف في الجنوب العربي باسم (ودم شهرن) ويعني الأب القمر ولقد وصفه اليمنيون ب (صدوق) أي الصادق. كما وصفوه ب (نهى) أي الحسن و( حريمن) أي المحرم أو القدوس و( حكم) أي الحكيم و(رحمن) أي الرحيم كما وصفوه بالرب والملك والعزيز والعادل والأمين ولقد كان الإله (إل) معروفا في بلاد الرافدين وسوريا القديمة ولقد عرف كذلك في كل العبادات السامية. ولم يظهر إيل لوحده ولكنه كان مع مجموعات من الآلهة المحلية لكل منطقة ولكن إيل كان ومنذ العصر البرونزي أب الآلهة وخالق السماء والأرض مع رفيقته عشيرة أو عشتارت( ملكة السماء) وكان كبير الأرباب ورئيس مجمع الآلهة في كل من الحكايات الشعبية والأغاني. كان بعل منفذه الرئيسي وغالبا ما كان مترافقا بالإلهة الأنثى عشيرة، التي وصفت بأنها أم كل شيئ حي وأعطيت دورا في الخصوبة والحداد. نجد بعل في فنيقية والجليل وفي مرتفعات فلسطين أما في مناطق أخرى فنجد يهوة وفي الساحل الجنوبي كان (دجن) الإله الحامي . وهناك أيضا مولوخ ومردوخ وكموش إلى جانب الآلهة المصرية حاثور وأمون. وكانت الآلهة تتغير بتغير السلطة الحاكمة في المنطقة وبتغير الدول والقوى التي يقومون بحمايتها. كان الحاكم أو الملك البشري يجسد المطلق ومنفذ الحماية الإلهية. هناك أدلة على وجود أرباب صغيرة كانت مساعدة للإله الأعظم إيل ولكنها كانت في المرتبة الثالثة بعد بعل ويهوة وغيرهما من أرباب الصف الثاني وهي عزرائيل وجبرائيل وليليت وغيرها التي تحولت في الديانات السماوية إلى ملائكة في خدمة الله. يعتقد الكثيرون أن إسم (الله) قد جاء من (إل) ، ولقد كان من عادة ملوك اليمن التسمي بالأسماء الإلهية تبركا ولاكتساب القدسية. ومن هذه الأسماء (إل ذرح) أي الإله المضيء و ( إل شرح) أي الإله المتلألئ و (إل يسع) اي الإله المشع. وفي نداء المسيح الناصري من على الصليب (إيلوي إليوي لما شبقتني) أي إلهي لم تركتني، دليل على أن إيل كان يعني الله وليس بعد غريبا أن يتحول الإسم من إيل إلى الله الذي عرف قبل ظهور الإسلام. في تلبية الجاهليين المنصوص عليها في كتب أهل الأخبار اعتراف صريح واضح بوجود اللهَ. كانوا يلبون بقولهم: "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك. تملكه وما ملك، يعنون بالشريك الصنم، يريدون ان الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التي تكون عنده وحوله والنذور التي كانوا يتقربون بها اليه كلها ملك لله . وفي دعاء العرب تأكيد على استعمال كلمة الله لتدل على الإله الخالق، فقولهم: "رماه الله يما يقبض عصبه"، و "قمقم الله عصبه"، و "لا ترك الله له هارباً ولا قارباً"، و "شتت الله شعبه"، إلى آخر ذلك من دعاء يدل على وجود ايمان بخالق هو اللّه. وفي الشعر المنسوب إلى الجاهليين ما يؤكد هذا القول. وفي بعضه اعتراف بان هذه الأرض الواسعة هي "بلاد الله". أينما حللت فيها فهي أرضه وبلاده. و"اللهُ" كما جاء في شعر زهير بن أبي سلمى، عالم بكل شيء، عارف بالخفايا وبالأسرار. وهو الذي يعصم من السيئات والعثرات. وهو مقر بوجود يوم حساب يحاسب فيه الناس على ما قاموا به من أعمال، وقد ينتقم الله من الظالم في الدنيا قبل الآخرة، فلا مخلص له. والله "كربم" لا يكدر نعمة، اذاُ دعي أجاب. وهذا هو رأي الأعشى في الرب، اذ يقول: ربّي كريم لا يكدر نعـمة واذا يناشد بالمهارق أنشدا . وقد ورد اسم الله في أشعار كثير من الشعراء الجاهليين: ورد في شعر امرىء القيس وغيره، فامرؤ القيس يقول: "من الله" و "لله"، و "تالله"، و "قبح اللّه"، و "والله"، و "يمين الله" " و "يمين إلإلَه"، و "الإله" هي "اللّه"، و "الحمد لله". ونرى العرب عامة تستعمل في كلامها: "لله دره"، و "لا يبعد الله"، و "لحى اللّه"، و "جزى الله"، و "عمر الله". وقد جاءت لفظة (الله) في ايمان أخرى، في مثل: "لعمر الله"، و "ها لعمر الله" كالذي ورد في شعر زهير: تعلمن ها لعمر الله ذا قـسـمـاً فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك وورد "ها اللّه" و "والله" و "الله " و" نعم الله" و "أي والله لأفعلن"، و "ايم الله" و "ايمن الله" و "يعلم الله" و "علم الله" وأمثال ذلك. وذكر أهل الأخبار ان الجاهليين الوثنيين كانوا يفتتحون كتبهم بجملة "باسمك اللهم". وقد جاء في بعض الأخبار ان هذا الاستعمال متاًخر، وانه حدث بعد ان تغيرت عوائد القوم في افتتاح كتبهم، فقد كانت عوائدهم القديمة افتتاح رسائلهم بأسماء آلهتهم كاللات والعزى، فرفعوا تلك الافتتاحيات القديمة واستبدلوا بها هذه الجملة الجديدة، جملة "باسمك اللهم". وعلى كل، فإن جملة "باسملك اللهم" وأمثالها فإنها تدل على حدوث تطور في الحياة الدينية عند الجاهليين واستعمالهم لفظ (الله) ليدل على الخالق. وهذا جميعه يؤكد أن لفظة الله لم تأت مع الإسلام وإنما جاءت قبل الإسلام وكانت على الأغلب تطورا طبيعيا للفظة "إيل" للدلالة على الإله والخالق وكانت هي نتاج الأعراف والتقاليد والخلفية الثقافية للمجتمعات التي ظهرت فيها.
د. نضال الصالح / فلسطين
#نضال_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض من الحكم التاوية
-
أمنية
-
المعتقدات الدينية الصينية وفلسفة الوجود
-
الآخر في الديانة اليهودية
-
التوراة في الفكر الديني الإسلامي : كتاب مقدس أم محرف ؟
-
عندما يصبح غصن الزيتون رمزا للمقاومة
-
القصص القرآنية بين التاريخ والخرافة
-
المتاهة
-
الوداع الأخير للحب الأول والأخير
-
العار
-
أم الشهداء
-
يوم عادي من يوميات فلسطيني
-
أشجار الزيتون ستظل في فلسطين واقفة (قصة قصيرة)
-
الأخلاق و- الكتب السماوية-
-
كلنا مشاريع قص رقبة
-
علاقة الديانه اليهودية بالمشروع الصهيوني والتكوين السياسي لد
...
-
عودة إلى موضوع الدين والعلمانية
-
ما الهدف من نقد الفكر الديني
-
المرأة ناقصة عقل وعورة وجب إخفاءها عن عيون الغرباء
-
العلمانية والدين، صراع بقاء أم حياد إيجابي
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|