|
مسيرة حقوق المرأة ..الجزء الثاني
قاسم أمين الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 00:32
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ذكرنا في الجزء الأول من هذا الموضوع أن أشهر تصنيفات مواطنة المرأة اعتمدت على ثلاث سياسات هي: الليبرالية، الماركسية، الراديكالية. وأن هناك تداخل في الآراء الفلسفية الثلاث لدرجة يصعب التفريق بين البرنامج الماركسي والليبرالي وأن كلا البرنامجين لا يعالج سياق الحوار حول المواطنة والحرية، أما البرنامج الراديكالي فقد تشعب إلى أنماط كثيرة بطرق مختلفة. وفي هذا الجزء سنكمل موضوع حقوق المرأة بمناقشة حريتها وحقوقها والمساواة والكوتة النسائية.
الحرية: الحرية تشمل حرية الفرد في التعبير والتفكير والاعتقاد وحيازة الملكية وما إلى ذلك. ومن الواضح أنه ليس هناك معنى للحرية إن لم تكن على صلة وثيقة بحرية المرأة، وإن تحرير المرأة هو معيار لأي تحرر في أي مجتمع. والتحرر لا يعني التغير في المظهر والملبس بل التحرر هو في المظمون من اعتبارها سلعة تابعة للرجل. في المجتمع البدائي كان الناس يعيشون في أسرة المجموع وكان الأبناء ينسبون إلى الأم لتوكيد أصل الطفل. كان ذلك من الأمور الأخلاقية المعتادة ويتماشى بالكامل مع الحياة الاجتماعية. وكانت المرأة محاطة بالاحترام من الجميع فهي عنوان الأسرة. ومع تعقد وتطور النشاط الاقتصادي وحلول عصر الرق أصبح الرجل هو مالك أدوات الصيد وظهرت موضوعياً تقسيمات جديدة للعمل أبعدت المرأة مرحلياً عن المشاركة في الإنتاج الاجتماعي ولذلك همشت. وبحلول الإقطاع محل الرق عادت المرأة نسبياً إلى موقعها في الفلاحة لتعمل على قدم المساواة مع الرجل. وعندما تخلى الإقطاعيون للرأسمالية تحت وطأة الثورات البرجوازية عادت المرأة تمثل جانباً مهماُ في المنشات الصناعية، وكان ذلك بالمعيار النسبي أكثر تقدماً. إذ يعمل حالياً أكثر من ثلث إجمالي القوى العاملة في الكرة الأرضية بالإنتاج الاجتماعي العالمي. وظهرت المرأة سائقة للجرارات والتراكتورات وميكانيكيات. وقد أكد نهرو كثيراً على أن الحرية تعتمد على الظروف الاقتصادية أكثر من اعتمادها على الظروف السياسية، فان كانت المرأة غير مستقلة اقتصاديا فسوف تقع في وضع تابع يقيد حريتها. ولنعد إلى واقعنا الحالي ولنتدبر السؤال الاستنكاري المأثور للخليفة عمر بن الخطاب (رض) وعلاقته بالفرد الإنسان سواء أكان ذكر أم أنثى حين قال "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟". فهل أن بمقدور الأمهات المستعبدات أن يلدن رجالاً أحراراً؟.إذ إن هذه القاعدة الفقهية لا تشمل الفلسفة الإسلامية فحسب بل قد تكون بمثابة قاعدة منطقية لصنوف الفلسفة كافة. ألا يستحققن نساء النبي(ص) الحرية بكل معانيها السالفة الذكر؟. وهل أن أمهات العظام في التاريخ الإنساني وفي التاريخ العربي وفي التاريخ الإسلامي لا يستحققن الحرية. فضلاً عن ذلك فأن التاريخ يذكرنا بنساء عظيمات قد نتذكر بعضهن على سبيل المثال لا الحصر: كليوبترا وبلقيس وخولة بنت الأزور والخنساء وماري انطوانيت ومدام كوري وجان دارك وفاطمة الزهراء وجميلة بوحيرد و ماركريت تاتشر وانديرا غاندي وفالنتينا ترشكوفا الحرية؟ وإن كن يستحققنها فكل أمهاتنا وبناتنا يستحققن هذه الحرية؟ فما يصح على الجزء يصح على الكل. يتصور الليبراليين أن المرأة حرة لأن لها ما للرجال من حقوق رسمية وحماية من الدولة متناسين عدم المساواة القائم في الحقل العام وفي تقسيم السلطة والمردودات الاقتصادية والحماية من النشاطات المؤذية بدنياُ. أن منح الحرية مهما كانت مدياتها الاجتماعية تبقى مقيدة ومهزوزة ومحددة جدلياً طالما منحت من جهة أخرى مانحة ومتحكمة وهي الجنس الذكوري. لما تقدم يتطلب أن لم يكن ملزماً أن توضع أسس صحيحة في علم الاجتماع، في مفهوم الحرية النسوية.
الحقوق: تتمثل الحقوق المدنية في الحقوق السياسية كالترشيح والانتخاب والحقوق الاجتماعية في الأمن والاقتصاد والرفاهية، ومن المفروض أن حقوق الإنسان مكفولة بالاتفاقات الدولية، وإن حقوق الفرد مكفولة بقوانين الدول التي يمكن المطالبة فيها عبر المحاكم القضائية في ذلك النظام. أما حقوق النساء فهي افرض من حقوق بعض التجمعات كالأقليات والمهاجرين لحماية ثقافاتهم. فمنح حقوق للجماعات العرقية ضرورية وذو أهمية ليس من أجل الاعتراف الكامل بالمساواة فحسب بل من اجل الاعتراف بوجود الاختلاف ذاته، وإنه بلا شك سيقود للمزيد من الاقتراب القائم على الاحترام بين الأعراق. لكن هذه المفاهيم تتعارض مع الليبرالية الاجتماعية وتستدعي المعالجة وبالخصوص فيما يتعلق بحقوق النساء. فهل حقوق النساء عامة أم أنها حقوق خاصة بالنساء؟ فإذا ما سلمنا بقول الليبراليين الاجتماعيين من أن وضع المرأة كمواطن يمنحه كل الحقوق، فلماذا تحتاج النساء إلى حقوق خاصة؟ وهل أنهن لا يملكن كل حقوق المواطنة؟ وإن كن بحاجة إلى حقوق جمعية فأين تلك الحقوق؟ وحتى مصطلح الحق في العمل لا يتضمن الاختيار الحر والحصول على المهنة الملائمة للمرأة. إن أفكار الليبراليين بحاجة إلى حوار فيما بينهم على الأقل للوصول إلى حل مقنع. انه يتطلب بذل جهد كاف لتوضيح أن الحقوق الخاصة هي وسيلة لخلق مواطنة متساوية ولإيجاد مفاصل مقنعة للمجادلة بأن الحقوق المتساوية تفرض واجبات متساوية وعادة ما تستخدم حالة التجنيد الإلزامي كحجة بيد الفئات المناهضة للحقوق الجمعية النسوية. إن التشبث بالفوارق الفسلوجية تضعف جبهة المناهضين لحقوق المرأة .فالحقوق لا تحدد بالتعامل مع القتال فقط بل أنها تشمل رعاية الحياة عن واجبات أخرى مثل الحمل"الذي لا يخلو من خطر" والرضاعة و تربية الأطفال ورعاية الأسرة.
المساواة: المساواة لا تعني التماثل بل تعني قيم متساوية من الاحترام والإنصاف والثروة والمشاركة الاجتماعية. وهي أكثر القضايا المثيرة للجدل في مضمون المساواة. فهل المساواة شرط للمواطنة؟ أم هي جزء منها؟ فالليبراليون يعدّون المساواة الاجتماعية التي تعني المساواة المادية هي الحرية. ولذا يتجنب الليبراليون الحوار حول القضية الاجتماعية في الحرية معززين القول بأن للفرد، أي فرد، حق اكتساب ثروة وأملاك مما تجعله مستقلاً وأنه قادر أن يكون مواطناً حراً وأن اللامساواة الاجتماعية لم يعد لها قيمة للمجادلة. ويضيفون أن حقوق الضمان الاجتماعي تنجي الفرد من الفقر وينبغي تقليل الفرق بين الأغنياء والفقراء بإنهاء الحرب بين الرأسمالية والحرية، ولكي لا تستمر حالة مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية. ونلاحظ أنه نادراً ما يتحدث الليبراليون عن المشاركة الاجتماعية. وهي المعنى الآخر للمساواة الاجتماعية لإعتقادهم أن المشاركة الاجتماعية لا أهمية لها ما دام المرأة والرجل مواطنين متساويين بالحقوق السياسية وأمام القانون، إن هذه الانهزامية تتطلب الرد بأن المساواة ينبغي ان تشمل المساواة في الآتي: الأجور في العمل، الموازنة في الحقوق والواجيات، تساوي في وقت الفراغ، تسهيلات لرعاية الأسرة والأبناء، الفصل بين ما هو عام وما هو خاص للمرأة، ومع كل ما ينبغي القيام به لنصل إلى المعنى الصحيح للمساواة. والمساواة الاجتماعية قد لا تقتصر على ما سبق من؛ مستويات الدخل ووظائف العمل والملكية والتعليم بل قد تشمل تقسيم وقت العمل المأجور والعمل غير المأجور كما في رعاية الأسرة وحرية الحركة والمسؤولية في رعاية المحتاجين وتأكيد الاحترام المتساوي والمواقع والنفوذ وقد تشمل حرية الجنس في المجال العائلي.
الكوتة: غالباً ما يرد قي قوانين الدول مصطلح "الإنسان" ويظهر أن المقصود في هذا المصطلح لا يتعدى معنى الرجل. فعندما تقرأ "يولد الإنسان متمتعاً بكافة الحقوق التي يكفلها "القانون" يعني أن القانون يكفل للرجال كافة حقوقهم. وإن القوانين التي تصدر "باسم الشعب" وهي ليست من اجل الشعب، كما في بلادنا ومثلياتنا، إنما يضعها المشرع من أجل خدمة من وضعه مشرعاً. ومن وضعه مشرعاً هو الرجل وليس المرأة، لهذا فإن حقوق النساء بالعموم ليست حقوق بقدر ما هي واجبات لأنها تنحصر "بحقها" بالزواج و"حقها" بالحمل و"حقها" بالرضاعة و"حقها" في رعاية الأسرة وحتى كيفية المشاركة بالانتخابات وكلها واجبات لخدمة الرجل. وفي بلادنا أثناء الحرب كانت مسؤولية المرأة كبيرة جدا فهي الأم والأخت والأخ والابن وكل شيء في الأسرة نتيجة غياب الرجل أو فقدانه كلياً، لكنها نتيجة الظرف الاقتصادي السيئ المفروض إبان الحرب تردت حالتها وتردى موقعها الاجتماعي وحتى الأخلاقي لبعضهن. عليه فإن الحروب مهما كانت تؤذي الموقع الاجتماعي للمرأة. مع ذلك فإن نضال المرأة أصبح في قلب الثقافة السياسية منذ قرنين في العالم الغربي على الرغم من عدم التمتع بالمساواة بسبب الإقصاء غير المعلن في القوانين. ولهذا بدأ مصطلح "فرد من الجنس البشري" يدخل لغة القوانين بدلاً من مصطلح "إنسان". ظل الحرمان من المشاركة في الانتخابات النيابية وصناعة القرار يلازم النساء بسبب الهيمنة الذكورية على الانتخابات التشريعية. لكن ما حدث في بلجيكا عام 1994 لم يكن أن يحدث لو لم تكن هناك حركة نسوية دفعت إلى إصدار قانون يفرض على الأحزاب أن تقدم نسبة لا تقل عن ثلث المرشحات في قوائم الانتخابات كافة. مما دعا البرتغال لإجراء تنقيحاً في دستورها بعد ثلاث سنوات بهذا الخصوص. وحذت إيطاليا ولكسمبورك بهذا الاتجاه. ثم حدا بدول الاتحاد الأوروبي على اعتماد إجراءات تشريعية للتوازن بين المرأة والرجل في مجالس النواب بل وفرض عقوبات مالية على الأحزاب التي لا تقدم العدد الكافي من المرشحات. كما اتخذ الحزب الاشتراكي الفرنسي قراراً بترشيح 30% من النساء لخوض الانتخابات التشريعية عام 1998. ومع ذلك فقد جاء الاعتراض على هذه الكوتات من قبل الحركات النسائية ذاتها، على أساس أن القرار يقلل من قيمة المرشحة لأن اختيارها للموقع لا يستند إلى ما تتمتع به المرشحة من صفات بل كان بسبب جنسها. وتذمرت مرشحات عديدات من النبرة الساخرة التي اتبعتها وسائل الإعلام بهذا الخصوص. وفي المقابل أيدت حركات نسائية أخرى القرار على أساس أن الكوتة هي السبيل الوحيد المتيسر لفرض أنفسهن داخل العالم الرجالي. وكأن القرار شرٌّ لا بد منه، وأنه هذا الموجود والمتاح حالياً" تريد أرنب خذ أرنب تريد غزال خذ أرنب". لقد أحيت الكوتة "الـ 50%" مفهوم التكافؤ وليس المساواة ولكن حتى هذه النسبة مثار جدل في الدول التي يزيد فيها عدد الإناث على عدد الذكور. يعني التكافؤ التمثيل المتساوي للمرأة والرجل في المحافل السياسية وفي القرارات العامة التي كانت سمة الذكورية هي السمة المرجحة فيها. على الرغم من أن المطالبة بمبدأ التكافؤ كان يستند على دعايات سياسية انتخابية لبعض الحركات العالمية أكثر مما هو حق طبيعي لا شائبة عليه. وهكذا يبقى النقاش سيد الموقف حتى لو كانت المرأة رئيسة مجلس النواب العراقي بين العطية وطيفور الذي اختلف عليه لفترة زمنية طويلة، من اجل الوصول للحل العلمي العادل المقنع.
#قاسم_أمين_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسيرة حقوق المرأة
-
سجن الحوت .. معسكر التاجي
-
التأثير البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية.
-
البيئة الإشعاعية
-
حين يرحل الكبار
-
هل حسمت القنبلة النيوترونية معارك الجيش العراقي؟
-
استنساخ لبنة بناء الأحياء
-
تساؤلات حول لبنة بناء الكون
-
النفط مستعبد الشعوب في سيرته الذاتية
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|