راضى وديع خليل
الحوار المتمدن-العدد: 2790 - 2009 / 10 / 5 - 18:46
المحور:
الادب والفن
عقب وفاة والده,آلت الى (روقه)ملكية أراضى قرية (الطيِّبَه),عرف لين الملابس وطيب الطعام وحسن النساء ,فانشغل بالنهل من المتع الآنيه ,لم يتجشم عناء اصلاح أحوال الناس بالقريه,بل ترك كل شئ على حاله, حتى أن أهل القريه الفلاحين قد جأروا بالشكوى و ضجوا الى الله بالبكاء من هوانهم و سوء حالهم و طغيان الأعيان و عربدة مأمور المركز,ظلت الأوضاع تسير من سئ لأسوأ حتى استيقظ الأهالى ذات يوم على خبر جديد,إذ تمكن شاب قوى من أبناء الفلاحين و يدعى (عبده) من طرد(روقه) خارج القريه عنوه من منطلق أن القريه ملك لأهلها.
أقام عبده بدوار العمده, فاعترف به أهل القريه عمدة لهم,استعان عبده بفريق من المساعدين كان على رأسهم (نوار),سعى عبده حثيثا الى ادخال بعض الاصلاحات و منح الفلاحين بعض الحقوق ,توفرت له الامكانات بعد مصادرة معظم أراضى و أموال الأعيان ,ترك لهم ما يكفل العيش الكريم بلا زياده,لا أستطيع أن أصف مبلغ رضاء الفلاحين عنه و سعادتهم به,ذهب الأعيان شاكين باكين الى مأمور المركز ,حدثت مواجهات بين عبده و المأمور أسفرت عن فرض الأمر الواقع الذى أراده عبده,حمله الفلاحون على الأعناق,و أينما تجول(بالكاريته) لقى الترحيب و البشاشه. اغتر عبده بما حظى به من مكانه ساعيا لبسط نفوذه على القرى المجاوره التى تربط أهلها بأهل قريته صلات أرحام ,كان(الغريب)قد استولى على أراضى احدى هذه القرى فطرد عمدتها و أهلها من أبناء عمومة (عبده) و أتى بقومه من (بنى موسى) من الشتات فأسكنهم هذه القريه .كان ذلك فى تاريخ سابق على تولى عبده العمديه, لما لاحظ الغريب نجاح عبده فى بسط نفوذه على بعض هذه القرى,خشى على نفسه فاستعد جيدا لملاقاة عبده فى يوم قريب مستعينا بمساعدات عمه مأمور المركز الذى يدعى(الخواجه),و ذات يوم سمع عبده أن الغريب يستأذن فى الحصول على حصه من مياه الترعه,فرفض رفضا قاطعا مهددا بقطع مياهها عن أرضه.لم يجد الغريب سبيلا للتفاهم مع عبده فبادر بالعدوان على قريتنا ,وألحق بعبده هزيمه نكراء ضاعت على اثرها مساحات من أرض القريه وأراضى بعض القرى المجاوره,لم يصدق عقل (عبده) أن مثله قد يهزم, فاستسلم الرجل للحزن حتى مات كمدا.
خلفه(نوار) فصار عمدة القريه,بدأ عهد العمديه بالتخلص من زملاء الكفاح القدامى من رفاق عبده ثم أتى بغيرهم,لم يمهله أهل القريه ليستمتع بوجاهة المنصب و أرضهم ضائعه.طالبوه بالثأر من الغريب و استعادة الأرض.جمع رجاله لبحث كيفية التصرف حيال إصرار الأهالى, اتفقت الآراء على أنه لا مفر من منازلة الغريب, إستعد (نوار) للمواجهه و أجرى بعض المقابلات مع مبعوث (المأمور)فى تكتم شديد ,فوصل الى اتفاق جهنمى لم يُطلع واحدًا من رجاله عليه ,و فى ظهيرة أحد أيام الخريف شن رجاله هجمه خاطفه فاستعادوا جزءا يسيرا من أرض قريتهم.بالغ (نوار) فى الاحتفاء بـ(النصر) الباهت الذى حققه,أعقب ذلك اختيار نوار لـ(حسنين) ساعدا أيمن له بعد أن أبلى بلاء حسنا فى الهجوم لاستعادة الأرض .أسقط فى يد الغريب فلم يدر ما يفعل ,ذهب فى طلب مقابلة عمه (المأمور)الذى اصطنع الغضب و الكدر من فعلة نوار فصاح بصوت كالرعد:سوف أطلب حضور نوار ليدلى أمامى بتفسير لما حدث,
فاطمئن و أهدأ بالا,انصرف الغريب مغتما. فى صباح اليوم التالى وصلت إشارةالمأمور الى العمده نوار ,فارتدى ملابسه متوجها لمقابلة المامور بالمركز. خاطب المأمور العمده نوار قائلا:لقد تركتك تلحق هزيمه جزئيه بابن أخى لأنى أريد أن أتخلص من الصداع الناجم من مناوشاتكما المستمره,أطرق العمده متفكرا فلم يمهله المأمور بل تساءل فى ضيق:دعنا نكمل ما خططنا له قبل الهجوم,سوف أقنع الغريب بأنه لا سبيل لانهاء العداء سوى بتسليمك باقى أرض الطيبه التى ما زالت بحوزته عن طريق اقامة حوار مباشر بينكما فى وجودى.أجاب نواراً:الرأى ما تراه جنابك,و لكن أتعشم أن توقفه عن العدوان بعد تسليمه الأرض لى .رد المأمور:يجب أن أعقد بينكما صلحا يلزمكما بعدم العوده للشجار,ثم ما الذى يمنع من أن تصيرا جارين متحابين؟تهللت أسارير نوار ثم استأذن منصرفا. بعد بضعة أيام طلب المأمور من كليهما (الغريب و نوار) الحضور أمامه فى توقيت واحد,فلما حضرا خاطبهما معا قائلاً:إنصتا لى جيداً,الرأى هو ما أراه أنا,لا وقت عندى لعبث الصغار,ليس أمامكما من سبيل إلا أن توقعا على عقد صلح الآن برعايتى .أسقط فى يد الغريب فلم يعرف كيف يجيب ,ألح المأمور قائلا: لا مناص من هذا ,أجيبانى,هل توافقان؟, ثم غمز بعينه للغريب فأعلن موافقته و تبعتها موافقة العمده نوار,كان المأمور قد أعد صيغة مذكرة الصلح و ضمنها شروطه,أخرج المذكره من درج مكتبه آمرا:وقعا .فوقع الخصمين اللدودين اللذين تنص المذكره على أن يصيرا صديقين!.هنأهما المأمور ثم سمح لهما بالانصراف بعد المصافحه. عاد نوار الى القريه يكاد يقفز فرحا بالفوز المبين ,و فى الأيام التاليه احتفل أهل الطيّبَه باستعادة كامل أراضيهم. بعد عدة أيام علم أهل القرى المجاوره من أقارب أهالى الطيبه بما كان فرموا نوارا بالغدر إذ لم تعد لهم أراضيهم.ارتفعت هامة نوار فحظى بالتبجيل و الإكبار من الأهالى .ذات يوم قرر أن يطلق أبناء شيخ الجامع من محبسهم و قد كانوا من مثيرى الشغب و فى اليوم التالى اختار شيخ الجامع ليكون أقرب مستشاريه .اعترض كثيرون من رجال نوار المخلصين على تلك الخطوه ,و لكن نوارا كان قد اغتر و ركبه الكبر فلم يطق أن يراجعه أحد فى حديث أو يناقشه كائن من كان فى قرار.سرعان ما عاد أبناء الشيخ الى سيرتهم الأولى,طلب نوار مقابلة الشيخ فلما حضر أسمعه ما يكره مطالبا اياه بالسيطره على أبنائه,استأذن الشيخ فى الانصراف متبرما دون التعهد بعمل شئ .استيقظ الأهالى ذات صباح على خبر عجيب,إذ علموا بأمر حبس الشيخ المستشار .لم تمر على تلك الواقعه عدة أيام حتى سمعوا بمقتل العمده نوار .
خلفه(حسنين) على كرسى العمديه,و لما زاره جناب المأمور للتهنئه طمأنه حسنين بأنه باق على عهد نوار وتعهد بحسن الجوار مع الغريب مهما يكن من أمر,فاطمأن المأمور ثم انصرف عائدا الى المركز.ركز حسنين منذ أيامه الأولى للعمديه على هدف واحد هو أن يظل محتفظا بكرسى العمديه ما بقى حيا ,و حبذا لو ظلت العمديه فى أهل بيته من بعده,فشرع بمعاونة التجار فى تعلية السياج (السور) المحيط بالدوار,و لما اكتمل السياج رآه أهل القريه شاهقا سامقا فتعجبوا له,كلف حسنين شيخ الخفر بتكليف رجال أشداء بمنع و زجر كل من تحدثه نفسه بالاقتراب من السور,فى حديقة الدوار بنى العمده بيوتا أنيقه خص بها رجاله المقربين و أعيان القريه.أتاح له السور و الحراسه المعينه عليه أن يحيا هو أسرته و حاشيته داخل الدوار فى بلهنيه العيش غير مكترث لما يجرى خارج السياج سواء بقريته أو فى القرى المجاوره.جاء اليوم الذى لم يجد الأهالى احتياجاتهم الضروريه إلا بشق الأنفس,و زادت أطماع الأعيان و كبار التجار ,حتى أن الغريب استمرأ الاعتداء على أهل القرى المجاوره,كما راودت أحلام اليقظه أبناء المرحوم الشيخ مستشار نوار بأنهم الأحق بسكنى الدوار,فحدثتهم وساوسهم بأنهم ليسوا دون حسنين مقدره على ادارة شئون القريه,و بأنهم سيجدون المسانده من الأهالى .صار أبناء الشيخ ماده لفكاهة و تندر الأعيان ,فقال أحدهم ساخرا:أيتصور هؤلاء أن العمديه هى درّاجه يجب أن يحصلوا منها على (لفّه)؟! تساءل حكيم القريه مغتماً:كيف صارت قريتنا على هذه الحال ينتظرها مستقبل غامض بعد تاريخ حافل مجيد؟
#راضى_وديع_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟