|
الكرامة
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2790 - 2009 / 10 / 5 - 14:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا وضعت كلمتين فقط ، هما : نصر أكتوبر ، علي أي محرك بحث علي شبكة الانترنت ، دون أن تذكر السادس من أكتوبر أو أكتوبر عام 1973 ، ستنهمر أمامك عشرات الصفحات والصور الالكترونية عن الحرب التي غيرت معني الحروب في العالم ، وأثبتت أن المقاتل المصري هو خير جنود الأرض قولا وفعلا ، وأن قدراته وأدواره تفوق بكثير أحدث الآليات العسكرية والتكنولوجية وسط هذا السيل الرقمي الجارف ، وتلك الغابة من الألياف الضوئية ، لابد وأن تقع عيناك قبل أن تجهد طبعا ، علي كلمة واحدة ستتكرر بثبات علي شاشة الكمبيوتر ، مع كل موضوع أو صورة .. هذه الكلمة هي : الكرامة.
وإليك نتائج البحث في صفحة واحدة فقط : يوم الكرامة ، ذكري الكرامة ، رد الكرامة ، رمز الكرامة ، معركة الكرامة ، حرب الكرامة ، انتصار الكرامة ، النصر والكرامة ، الكرامة والعزة ، الكرامة والشرف ، الكرامة الوطنية .....
بين الكرامة والفلسفة وشائج قربي ، تجلت بوضوح منذ عصر النهضة الأوروبية ، فقد عنون الفيلسوف الإيطالي بيكو دي لا ميراندولا 1463 - 1494 كتابه العمدة، بهذا العنوان المثير : خطبة في كرامة الإنسان ? Oration on The Dignity of Man ، يقول فيه : أن الخالق الأعظم قد أعطي الإنسان مكانة مرموقة ، كما أعطاه حرية الاختيار ، ووضعه في وسط العالم ليري كل ما يحيط به من كائنات ، ولما كان الإنسان لم يخلق كائنا ملائكيا ولا كائنا أبديا ، فإن السبيل ميسر أمامه ليهبط بنفسه إلي درك الحيوانية أو يسمو بنفسه إلي الذروة السماوية ، فمصيره ومستقبله رهن اختياره الحر.
هذه الأفكار هي التي ساهمت في إذكاء روح المغامرة والبحث والإستكشاف داخل إنسان العصر الحديث ، وأيقظت احساسه بذاته وقيمته وكرامته . وما الثورة الفرنسية عام 1789 إلا تجسيد عميق لمفهوم الكرامة الذي يرتبط بمفهوم الحرية والتحرر والاستقلال ، وبسبب ذلك ، أصبحت الكرامة هي حجر الزاوية لحقوق الإنسان في العالم أجمع ، لا فرق بين شرق أو غرب .. شمال أو جنوب ، أو حتي وسط .
فقد جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، أن الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية، وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة ، هو ما يمثل أساس الحرية، والعدالة، والسلم في العالم . وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعني الحديث ، لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ أيضا ، فهو : المبدأ الأساسي الذي يشمل المساواة بين الأفراد جميعا ، ويمنع في الوقت نفسه - جميع أشكال التمييز بينهم ، أو المعاملة اللا إنسانية أو المهينة التي تمس كرامتهم .
هكذا اختفي المفهوم التقليدي للكرامة الذي يستند علي فكرة العرق والسلالة أو المكانة الاجتماعية الطبقية أو العقيدة والإيديولوجيا ، وأصبح جميع البشر متساوين في الكرامة ، وأصبح الشرط الأساسي لكل إنسان كي يمتلك كرامته ، هو : اعترافه بكرامة الآخر أيضا ، أيا كان هذا الآخر .
في كتاب الفيلسوف الكندي توماس دو كونيك ، المعنون ب الكرامة الإنسانية ، والحائز علي جائزة الأكاديمية الفرنسية عام 1996 ، تعريف مبتكر وبسيط للكرامة ، يقول فيه : الكرامة تعني أن الإنسان فوق كل ثمن . فكل ما له ثمن، كما قال الفيلسوف الألماني إمانويل كانت ، يمكن تغييره بشيء آخر، معادل له في القيمة، في حين أن ما يفوق أي ثمن .. له قيمة مطلقة .
ولأن الكرامة هي قيمة مطلقة وليست نسبية ، فهي كل و واحد صحيح ، لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يتناقض بين باطن و ظاهر .. داخل و خارج ، فكرامة الإنسان المصري داخل وطنه تنعكس بالضرورة علي صورته في الخارج ، فضلا عن تعامل هذا الخارج أيضا معه . كما أن الاستهانة بكرامته في الداخل لا تدفع الآخرين فقط إلي الاستهانة به ، وإنما تجعله هو أيضا يستعذب هذه الإهانة والمهانة .
بعد 36 سنة علي نصر السادس من أكتوبر 1973 ، أصبحت كرامة الإنسان المصري مثار جدل كبير، والمقارنة اليوم قطعا ليست في صالح الحاضر ، فهل نراهن علي المستقبل ونحن نحتفل بذكري الكرامة؟.
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كراهية الغرب
-
التسامح في الأديان ، وبينها
-
خان الخليلي
-
وجها لوجه وليس كتفا بكتف
-
أطياف دريدا بالبحرين
-
حتي لا نخسر - ذاتنا - السياسية
-
يا أصدقائي ، لم يعد هناك صديق !
-
النووي ، إلي أين يتجه بالمنطقة ؟
-
جريمة إبراهيم عيسي !
-
تحديات الليبرالية في العالم العربي
-
هل بدأت الألفية الثالثة عام 1968 ؟
-
تديين الشرق الأوسط .. إلي أين ؟
-
الشخصية المصرية المعاصرة
-
آليات الشخصية المصرية
-
للصبر حدود .. وللتسامح أيضا
-
الفوضي أم الاستبداد ، قدر المنطقة ؟
-
الجغرافيا بين السياسة والثقافة
-
شهادة المرأة في حقوق الإنسان
-
2008 .. عام المنع والممانعة
-
في الثورة والفورة
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|