أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - دولة المسلمين لا إسلامية الدولة















المزيد.....



دولة المسلمين لا إسلامية الدولة


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 847 - 2004 / 5 / 28 - 06:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مـقـدمـة :
كثيرا ما تسود مفاهيم، و يعتقد الناس بصحتها فيستعملونها و يعملون على انتشارها، و يحولونها إلى ثوابت مقدسة على المستوى النظري، متهمين من ناقضها بأمور لا يقبلها العقل، و لا يستسيغها المنطق، إلا إذا كان ذا طابع أيديولوجي.
و من المفاهيم التي سادت، و استأسدت، ووقفت وراء الكثير من المنزلقات غير المشروعة، و القتل و القتال، و الاقتتال مفهوم " الدولة الإسلامية ". هذا المفهوم الذي حوله مروجوه إلى كائن عاقل له وجدان يؤمن، و يكفر، و يعتنق هذه العقيدة أو تلك بناء على كونها إسلامية، أو مسيحية أو أي عقيدة أخرى، و هو أمر غير مقبول لا بالقول و لا بالمنطق، لأن المفهوم هو من إنتاج البشر بناء على إيديولوجية معينة تتبناها طبقة من الطبقات تسعى إلى جعل الناس يأخذون بها، عن طريق التلقين، و الترغيب، و الترهيب، و أشياء أخرى يمكن أن تصل إلى التصفية الجسدية كما حصل مع فرج فودة، و حسين مروة، و مهدي عامل، و عمر بنجلون من قبلهم، و غيرهم كثير لا نعرف لهم عددا، و لا لأماكن اغتيالهم أمدا، و يمكن أيضا أن تتحول إلى حروب مدمرة تدوم سنين طوالا هنا و هناك، في أفغانستان، في السودان، في الجزائر، في الشيشان، و في العديد من المناطق الأخرى. و تغطي زمن التمرس على أدلجة العقيدة الإسلامية منذ موت محمد صلى الله عليه و سلم.
إن مفهوم الدولة هو مفهوم من إنتاج البشر، و سنتناول في الفقرات الآتية دلالته، و علاقته بالعقيدة، و هل الدولة للإسلام أم للمسلمين ؟ و سنحاول إبراز الطابع الأيديولوجي لهذا المفهوم. و العمل على تجنب ثيوقراطية دولة المسلمين. و هل يمكن أن تكون علمانية ؟ و هل بمكن اعتبار دولة المسلمين هي الدولة الإسلامية ؟ و سنأتي في الأخير على معالجة دور الشعب في مقاومة استبدادية " الدولة الإسلامية "، و فرض ديمقراطية دولة المسلمين.
و بذلك يتبين أن هذا الموضوع يعتبر شائكا و متشعبا يقتضي التأني في التفكير و المعاجلة وصولا إلى خلاصة تنسجم و معطيات الواقع في تاريخيته و راهنيته.
مفهـوم الـدولة :
سوف لن نناقش هذا المفهوم مناقشة أكاديمية لأن ذلك يقتضي البحث و الوقوف على الآراء التي قد تتناقض، و العمل على ترجيح رأي على آخر وصولا إلى خلاصة يهتدي بها من يأتي من الباحثين الذين يقومون بنفس العمل . وصولا إلى إضافات جديدة ،وهكذا إلى ما لانهاية له .
بل سنتاول هذا المفهوم من منطلق :
1) أنه من وضع البشر من أجل بناء جهاز ينظم حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
2) أنه يبني على أساس قانون أسمى يصادق عليه الشعب حتى يكون تعبيرا عن قيامه بتقرير مصيره بنفسه .
3) أنه يتكرس على أساس وجود مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية .
4) أنه يسود من خلال قوانين إجرائية تنسحب على مجمل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية .
وذلك لنصل إلى أن مفهوم الدولة هو من صياغة البشر ، ولاوجود له في أي نص ديني . اللهم إلا ما تعلق بالتوجيه الوارد في الآية الكريمة "وأمرهم شورى بينهم " والحديث الشريف "إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم " ولجوء بعض الخلفاء إلى تسمية مهمة الخلافة بتسميات محددة مثل "خليفة رسول الله" و" أمير المومنين" كما فعل عمر لايمكن أن يوحي إلينا إلا بتأكيد أن تسمية الدولة ليس من وحي الكتب السماوية ، وخاصة القرآن الكريم.
ومع توالي العصور تحولت الدولة إلى أداة ووسيلة :
فالدولة باعتبارها جهازا تكون أداة في يد الطبقة التي تصل إلى السلطة بطريقة ديموقراطية أو استبدادية وهي في الحالتين معا تمكن الطبقة الحاكمة من بسط نفوذها على باقي الطبقات من أجل إخضاعها وتسخيرها بكل الوسائل الأيدلوجية والقضائية والقمعية حتى تكون في خدمة الطبقة الحاكمة بدون منازع حتى تزداد استفادتها من الوصول إلى الحكم .
والدولة باعتبارها وسيلة تساعد الطبقة الحاكمة على وضع أسس استدامة سيطرتها وفرض قوانين إجرائية تخدم مصلحتها الطبقية ، وخلق جيش من المستلبين بتصريف أيدلوجية تلك الطبقة التي يروج لها بواسطة وسائل إعلام الدولة ، وكل أدواتها الايدلوجيةالاخرى لإنضاج شروط إعادة نفس الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تساهم في إنتاج نفس الطبقة .
والدولة بهذا الاعتبار هي:
1) مجموعة أجهزة سياسية ،وحكومية وأيدلوجية وتشريعية وقضائية .
2) من وضع البشر الذين تختلف أماكن تواجدهم كما تختلف عقائدهم.
3) أن النصوص الدينية لم تتناول مفهوم الدولة ولا شكلها ولاطبيعتها ، ولانمط إنتاجها.
4) أن الذين يصلون إلى امتلاك السلطة عن طريق التحكم في أجهزة الدولة. يوظفون الدين كوسيلة من وسائل بسط سيطرتهم الطبقية .
5) أن الدين الإسلامي بالخصوص يحمل في ثناياه مؤشرات حفظ كرامة الإنسان من خلال دعوة الناس جميعا إلى تقرير مصيرهم بأنفسهم .وهو ما يمكن أن يفهم من مجموعة من النصوص ، والكثير من الوقائع في حياة الرسول "ص" . وفي حياة الخلفاء الراشدين .
والدولة بذلك ليست الاصنيعة من إبداع البشر لها علاقة بتنظيم شؤونهم العامة والخاصة.
عـلاقة الدولـة بالعقيـدة :
وبما أن الدولة هي مجرد نظام عام يتجسد في الهياكل الإدارية والترسانة القانونية والمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، والجيش ، فان هذا النظام هو مجرد إطار يتحرك ضمنه البشر الذين تختلف نظمهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية كما تختلف عقائدهم.
ولذلك فقد تعود البشر أن يسندوا الدولة إلى الأنظمة الاقتصادية /الاجتماعية، أو إلى عقيدة معينة. وهو في نظرنا إسناد خاطئ ، وكان المفروض أن تسند إلى المجسدين لذلك النظام الاقتصادي /الاجتماعي .أو إلى تلك العقيدة فنقول ، دولة الرأسماليين ، أو دولة الاشتراكيين ، أو دولة المسلمين الرأسماليين ، أو المسلمين الاشتراكيين ….. وهكذا .
والفرق بين إسنادها إلى النظام الاقتصادي /الاجتماعي أوالى العقيدة ، وبين إسنادها إلى المجسدين لذلك النظام أو المعتنقين لتلك العقيدة، أن إسنادها إلى النظام الاقتصادي / الاجتماعي أو العقيدة يعطيها بعدا أيدلوجيا مباشرا ، فيصبح المجسدون للنظام والمعتنقون للعقيدة شيئا واحدا مع النظام أو العقيدة.
والأمر يختلف مع المجسدين للنظام أو المعتقين للعقيدة . إذ يبقى النظام والعقيدة بعيدين عن الأيدلوجية التي تلتصق بالبشر .وتعبر عن المصالح الطبقية المختلفة باختلاف الأيديولوجيات التي تتحرك جميعا ضمن نظام واحد وعقيدة واحدة .
وبذلك نصل إلى أن الدولة هي مجرد أداة يتحكم فيها من يصل إلى السلطة ، ويوظفها لحماية مصالحه سواء كان مسلما أو غير مسلم ، رأسماليا أو اشتراكيا أو أي نظام آخرله علاقة بالاقتصاد . والعلاقة القائمة بين الدولة والعقيدة تمر عبر المعتنقين لتلك العقيدة ، وهي علاقة غير مباشرة ، ولذلك لا يصح أن نقول " الدولة الإسلامية" والصحيح أن يكون التعبير "دولة المسلمين " الذين قد يكونون مجسدين لنظام اقتصادي معين. و دولة المسلمين تبعد الدين الإسلامي عن كونه يتحول إلى أيديولوجية، توظفها طبقة من الطبقات لحماية مصالحها الطبقية، و تجعله عقيدة صالحة لكل زمان و مكان فعلا. و هو ما يجب أن نسعى إلى تحقيقه بإعادة النظر في المفاهيم المتداولة و التي لا علاقة لها بالعقيدة، و تعتبر تحريفا أكيدا في حقها. و علينا ونحن في بداية القرن الواحد و العشرين أن نقتحم هذا القرن بعقلية جديدة، و بأسلوب جديد من خلال إنسان جديد يحتكم إلى العلم و إلى التفكير العلمي الحقيقي، حتى في الأمور التي لها علاقة بالعقيدة التي يجب أن نعمل على تطهيرها من التحريفات التي تلحقها عبر المفاهيم. و العمل على عدم استغلالها كأيديولوجية لطبقة من الطبقات، حتى و إن كانت هي المقهورة في المجتمع. و ذلك لا يتأتى إلا بضبط العلاقة بين الدولة و العقيدة الإسلامية التي لا تستقر إلا في وجدان المسلم، و لا تنبعث إلا منه، و لا تتجسد إلا في سلوكه، لا في دولته، و لا في أي شيء آخر له علاقة به.
دولـة المسلمين لا إسلامية الدولـة :
و بضبط العلاقة بين الدولة و العقيدة، نستطيع أن نقول أن التسمية الصحيحة –كما أشرنا إلى ذلك سابقا- هي "دولة المسلمين". لماذا دولة المسلمين و ليست "الدولة الإسلامية"؟ لأنه إذا قلنا "الدولة الإسلامية" سنتساءل : هل المسلمون مجتمع بدون طبقات؟ و إذا كان الأمر كذلك فإن الدولة ستكون اشتراكية، و نحن نعلم أن حاملي شعار "الدولة الإسلامية" أكثر عداء من أي كان للدولة الاشتراكية. و هل مجتمع المسلمين يتشكل من الطبقات؟ فإذا كان كذلك، فمن هي الطبقة التي تمتلك السلطة؟ فإذا كانت الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج هي التي تملك السلطة، تكون الدولة رأسمالية، و إذا كانت هي الطبقة التي لا تملك وسائل الإنتاج أو تشغلها تصبح الدولة اشتراكية. و في جميع الحالات سواء ثبت لدينا بالتحليل الملموس للواقع الملموس أم لم يثبت أن المسلمين في مجتمع طبقي أو لا طبقي أو متعدد التشكيلات الاقتصادية/الاجتماعية. فإن تسمية الدولة ب"الدولة الإسلامية" سيجعل الإسلام منحازا إلى طبقة من الطبقات، و هذا غير صحيح، لأن الإسلام من حق الناس جميعا على أساس المساواة بينهم في العقيدة، "لافرق بين عربي و عجمي، ولا بين أبيض و أسود إلا بالتقوى" و كما قال تعالى : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، و خلق منها زوجها، و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا" و الذي نعرفه –اعتمادا على النصين السابقين-وعلى غيرهما في نفس السياق- أن الله عادل، و عدله لا يجيز لنا أن نعتبر الإسلام متحيزا إلى طبقة من الطبقات، حتى في دولة ولاية الفقيه، لأنها هي أيضا ولاية طبقة ذات بعد إقطاعي على المستوى الأيديولوجي، و رأسمالي على مستوى علاقات الإنتاج و هي بالتالي دولة طبقية الوسطاء بين الله و بين البشر، و هي أيضا دولة طبقية، وفي إطارها يكون انحياز الإسلام إلى تلك الطبقة التي تحتكر تأويل النص الديني الإسلامي فعلا، و تعتبر تأويلها بمثابة القرآن الكريم الذي : "لا يعلم تأويله إلا الله" أما "الراسخون" في "العلم" فمهما كان تأويلهم صائبا فإنه لا يجاوز مجرد رأي قد يرتفع إلى درجة الوثوق بسبب علميته، و قد لا يرتفع بسبب قصور فيه. و هذه الاستطرادات في الاستنتاجات لا يمكن أن تقودنا إلا إلى حالة واحدة، و هي أن الإسلام دين الله في الأرض منذ كان هناك إيمان و كان هناك وحي "إن الدين عند الله الإسلام" و أن عدالة الله بين الناس تحول دون الاعتقاد بأن الله يميز بين البشر رغم ورود قوله تعالى : "و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق" لأن دلالته تأتي في سياق آخر و ذلك لأن الاعتقاد بأن الله يميز بين البشر –إذا ما استثنينا اختيار الله الأنبياء و الرسل- هو اعتقاد خاطئ لا يحمله و لا يروج له إلا المتنبئون الجدد الذين يتجنون على النص الديني بتأويلاتهم الخاطئة، و خاصة عندما يرفعون شعار "الدولة الإسلامية" بدل دولة المسلمين.
الطابع الأيديولوجي لشعار الدولة الإسلامية :
و المتنبئون الجدد عندما يرفعون شعار "الدولة الإسلامية" أو بناءها، أو تطويرها، أو إعادة هيكلتها، بما يتناسب مع الإسلام نفسه، بل يسعون إلى تأسيس دولتهم هم لتحمي مصالحهم، و تكرس سيادتهم، أو بناء تلك الدولة، أو تطويرها أو إعادة هيكلتها للغرض نفسه.
و للوصول إلى ذلك يجب أن يكون الإسلام لباسا لتلك الدولة، و هو لباس يؤدي إلى تحريف الإسلام عن مقاصده التي جاء من أجلها ليخدم مقاصد أخرى، لتتحول عن تكريم الإنسان إلى تكريس سلطة طبقة من المتنبئين الجدد يسمونها ب "ولاية الفقيه" و ما حرصهم على "إقامة الحدود" و تأدية الفرائض و إنجاز الأركان الممكنة تحت عين و رقابة أجهزة الدولة إلا بسط نفوذ تلك السلطة عبر ما يسمونه "تطبيق الشريعة الإسلامية" الذي لا يمكن اعتباره كذلك إلا من باب التجاوز، و عدم اعتبار التطور الذي حصل في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و هو اعتبار كان يجب أن يحصل. فنعمل –بناء عليه- على تطوير "الشريعة" نفسها لتتناسب مع ما يستجد في الحياة كما فعل الفقهاء القدماء. و مادام ذلك غير وارد فإن ما يفعله المتنبئون الجدد ليس إلا مجرد توظيف أيديولوجي للدين الإسلامي و هو توظيف مغرض يسعى إلى تضليل المسلمين و إيهامهم أن ما يفعلونه، و يفرضونه على المسلمين هو "الإسلام الحقيقي" و الواقع أنه لا يتجاوز مجرد تأويل لحماية مصالح المتنبئين الجدد الطبقية و فرض ولايتهم على المسلمين، أو فرض ولاية من يوظفهم لتكريس سلطته و تأبيدها على المسلمين.
و الأيديولوجية -كما نعلم- هي مجموعة من الأفكار المنسجمة و المعبرة عن مصالح طبقة من الطبقات، و هذه الأفكار هي عبارة عن مجموعة من الأوهام، و لا تكون الأيديولوجية علمية إلا عندما يتعلق الأمر بأيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها طبقة تنسجم مصالحها مع مجموع مصالح حلفائها من الكادحين و المقهورين.
و الإسلام باعتباره عقيدة للجميع يستحيل أن يختصر في مجموعة من الأفكار/الأوهام المعبرة عن مصالح طبقة معينة، فهو دين الله في الأرض، و من حق أي إنسان أن يومن به، و ليس من حق أي كان أن يوظفه لأغراض طبقية.
و لذلك فشعار "الدولة الإسلامية" هو شعار إيديولوجي بامتياز. و إلا فلماذا ينتفض المتنبئون الجدد عندما يتم تشريح تأويلاتهم الإيديولوجية و يطلقون أوصافا دنيئة و منحطة في حق من قام بذلك التشريح، بل و يلجأون إلى اغتياله كما فعلوا مع عمر بنجلون، و حسين مروة، و مهدي عامل، وسهيل طويلة، و فرج فودة، و غيرهم كثير؟ لماذا يرفضون الرأي الآخر و يعتبرونه مخالفا للشريعة أو مخلا بالعقيدة أو إلحادا؟
إن الأيديولوجية عندما لا تكون علمية تقوم، و تستمر، على مبدأ الإقصاء، و النفي الذي يتخذ معنى التصفية الجسدية، و هو ما يحصل يوميا في العديد من مناطق العالم. و ما يجري في الجزائر ليس إلا مؤكدا لما ذهبنا إليه، مما يحوله إلى قاعدة عند المتنبئين الجدد. و ما ذلك إلا لأن شعار "الدولة الإسلامية" لا يمتلك الأسس المادية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و التاريخية لقيامه. و لا يمكن أن يكون إلا دافعا لإلغاء الآخر و نفيه بالمعنى الذي ذكرنا اعتقادا من المتنبئين الجدد : أن الإسلام قام على حد السيف. و هو قول مردود عليهم، لأن الدعوة الإسلامية عندما ظهرت تحت مقاومة استجابة الناس التلقائية لها بحد السيف، و بالتالي فإن محافظة المسلمين على أنفسهم كمسلمين يعتنقون العقيدة الإسلامية تفرض عليهم الدفاع عن حقهم في اعتقاد ما يشاءون مما يكفل لهم حق الحرية، و المساواة في عدالة الله، و في تحقيق كرامة الإنسان، و لو على مستوى الحلم، و بذلك يتبين أن الإسلام ليس قائما على حد السيف كما يذهب لذلك المتنبئون الجدد، بخلاف الأيديولوجية فإن حد السيف هو الذي فرضها خلال قرون بكاملها، و لازال يفرضها في العديد من بقاع الأرض. ولولا حد السيف الذي تحول في عصرنا إلى متفجرات قد تكون نووية أو جرثومية . ماكان تاريخ المسلمين تاريخ استبداد وما كانت فصائل المتنبئين الجدد التي لم تصل إلى السلطة بعد تؤسس لاستبداد بديل بجميع الوسائل ،بما فيها توظيفهم الأيدلوجي للدين الإسلامي الحنيف الذي يجب أن يبقى بريئا من تأويلاتهم المعرضة التي تحول حماية مصالحهم الطبقية إلى إسلام لاعلاقة له بالإسلام الحقيقي الذي نلتمس فهمه من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي ثبتت صحتها قولا وممارسة .
سبل تجنب استبدادية دولة المسلمين :
والمسلمون كغيرهم من البشر ليسوا معصومين من الخطأ ، وليسوا بحكم إسلامهم من الأنبياء و الرسل في العصمة ، فالأنبياء والرسل وحدهم المختصون بعصمة الله حسب النص الديني ، وما عليه جمهور الفقهاء ، ولذلك فهم مرشحون لأن يخطئوا ، وخطأهم يجعل منهم أناسا عاديين وحتى الرسل لا يتميزون عن الناس إلا في حالة تلقي الوحي ، فإذا زالت يصبحون كالناس يجتهدون في تمثل ما يتلقونه من الله تعالى ، وقد ينتجون ممارسة تقتضي عتاب الله لهم كما وقع مع محمد "ص" .الذي تصرف بما لا يرضى الله تجاه صحابي أعمى فنزل قوله تعالى معاتبا له " عبس وتولى أن جاءه الأعمى".
وإذا كان المسلمون لا يختلفون عن باقي البشر إلا في عقيدتهم ، فان دولتهم أيضا قد تكون كباقي دول البشر : استبدادية ،أو ديموقراطية : رأسمالية أو اشتراكية أو ما قبل رأسمالية . والذي طبع دول المسلمين من عهد الخلفاء الراشدين الذين لم تسلم دولتهم من استبداد ومن توظيف الدين الإسلامي لتكريس ذلك الاستبداد الذي يغيب فيه رأي المسلمين .فماهي سبل تجنب استبدادية دولة المسلمين مستقبلا ؟
إننا أمام إشكالية عريضة تقتضي التروي و استنهاض الهمم ، واستحضار الواقع بكل تجليا ته ودراسته دراسة معمقة من قبل الهيئات والمنظمات التي يشكلها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعيدا عن التوظيف الإيديولوجي للدين الإسلامي باعتبار ذلك التوظيف مصدرا للاستبداد ، والنضال في إطار كل من دول المسلمين كيفما كانت هويتها من أجل:
1) وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب الذي يعتنق أفراده الدين الإسلامي الحنيف ، لأن ما يجري في ساحة المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم هو أن الدول التي تحكمهم إما :
أ- أنها بدون دستور يذكر ، وبالتالي فان الحاكمين يعتبرون أن" الدستور" الوحيد هو القرآن الكريم الذي يجب أن لا نتجاوزه . وطرح كهذا ليس إلا طريقا لتكريس الاستبداد على ا ساس النص الديني ، وهو طرح يسيء إلى الإسلام نفسه. لأنه لا يصح أن نعتبر القرءان دستورا. فالقرآن وحي لا يصح أن نعطي رأيا فيه . ولا يجوز أن نجعله تبريرا لممارسة العبادات ، ومكون من مكونات ثقافة المسلمين الذي يحضر بقوة في وجدانهم وتفكيرهم ، وممارستهم حتى أثناء التفكير في صياغة دستور يريده المسلمون وما سوى ذلك ليس إلا تجنيا على النص الديني واعطائه تأويلا أيدلوجيا من قبل المتنبئين الجدد لصالح الحاكم المستبد الذي لا يسمح بوجود دستور يضعه المسلمون بأنفسهم في إطار دولتهم .
ب- أوأنها تمنح شعوب المسلمين الواقعة تحت سيطرتها دساتير تكرس الاستبداد . وتجعله قانونا أسمى تحرم مناقشته باسم الدستور الذي يكرس التوظيف الأيدلوجي للنص الديني لصالح ولاية الفقيه (إيران مثلا) أو لصالح الحاكم أو الطبقة الحاكمة التي توظف أمورا أخرى تجعلها منخرطة في إطار النظام الرأسمالي التبعي.
وفي الحالتين معا نجد أن المسلمين في جميع الدول التي تحكمهم يعانون من الاستبداد ونتائجه ، كما يعانون من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية .ولا رأي لهم فيما يجري على مستوى الدول التي ينتمون إليها. نظرا لغياب الديموقراطية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي ، والثقافي قبل أن نفكر في المفهوم السياسي الذي يتم السطو عليه وتحريفه لخدمة مصالح المتنبئين الجدد ، أو لخدمة مصالح الحاكم المستبد ، أو الطبقة الحاكمة .
ووضع الدستور الذي تكون فيه السيادة للشعب من شعوب المسلمين يقتضي :
أ-تكوين حكومة تحضر فيها جميع التمثيليات التي يرضى عنها الجميع . وتكون مهمتها :
ب- انتخاب مجلس تأسيسي تنحصر مهمته في وضع صيغة للدستور تعرض على الشعب من أجل مناقشتها واقتراح تعديلات عليها، ثم المصادقة عليها بالإضافة إلى قيام المجلس بسن القوانين التي تخدم هذا الهدف .
ح-إيجاد حلول مستعجلة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والمدنية و السياسية المستعصية حتى تتيح للجميع التمكن من المساهمة الفعالة في عملية وضع الدستور والمصادقة عليه .
د- إجراء انتخابات حرة ونزيهة بناء على لوائح سليمة وقوانين نزيهة تفرز:
*مجالس محلية وجهوية تهتم بالشؤون اليومية للمواطنين ، وتراقب الأجهزة المحلية.
*برلمان يقوم بتكوين حكومة من أغلبية ويقوم بمراقبتها ويضع التشريعات التي تقتضيها مستجدات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية حتى يستطيع المسلمون مسايرة التطور الذي يحدث في حياتهم في إطار التطور الذي يحدث في جميع أنحاء العالم .
وبذلك يتمكن المسلمون من ممارسة سيادتهم كاملة مكرسين :
أ - لمبدأ الشورى الذي جاء به القرآن الكريم " وأمرهم شورى بينهم " و "شاورهم في الأمر " .
ب-للديموقراطية الحقة من الشعب والى الشعب حتى وان كان أفراده يعتنقون الدين الإسلامي لأن الدين الحقيقي هو الذي يهدف إلى حفظ كرامة الإنسان وهو بذلك لا يتنافى مع مبدأ تكريس سيادة الشعب .
2) ملائمة القوانين مع المواثيق الدولية، لأن القوانين و التشريعات التي تطبق في الدول التي تحكم المسلمين بما فيها الدساتير التي وضعت خصيصا لتكريس الاستبداد، و حماية مصالح المستبدين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية. و لذلك لا يمكن للاستبداد أن يزول إلا بإعادة النظر في تلك القوانين. و إعادة النظر في القوانين لا يعني في عصرنا هذا –عصر العولمة- إلا السعي إلى جعلها متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و قد يقول قائل –تبعا لما يدعيه المتنبئون الجدد- أن تلك المواثيق صادرة عن منظمات غربية، و لا تتناسب أبدا مع خصوصية الإسلام و المسلمين، و تلك المنظمات التي وضعتها كافرة و ملحدة، و صهيونية، و أي شيء آخر من هذا القبيل، و الرد على هذا الادعاء ينبع من كون تلك المواثيق تعتبر أرقى ما وصلت إليه البشرية، لأن وجودها آت من مساهمة جميع الناس من خلال تمثيليتهم –طبعا- في المنظمات الدولية الرسمية أو غير الرسمية، في وضعها و صياغتها بقطع النظر عن انتماءاتهم الدينية و العرقية و اللغوية القطرية و القارية. و لذلك يجد كل إنسان ذاته فيها، و لذلك أيضا لم تبادر الدول المستبدة بالتوقيع عليها، و خاصة إذا كانت تدعي أنها هي "الدولة الإسلامية" أو تنادي ببناء "الدولة الإسلامية" أو كان الداعون لها من المتنبئون الجدد.
فالمواثيق الدولية باعتبارها أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، يمكن أن تكون منطلقا لتأسيس الدولة التي يعيش مواطنوها الحياة الديمقراطية و المسلمون كالناس من حقهم أن يعيشوا هذه الحياة، و لكن كيف يتم ذلك؟
إن الحياة الديمقراطية، لا يمكن أن نؤسس لها إلا بالعمل على ملائمة القوانين المعمول بها مع المواثيق الدولية لضمان :
أ – تمتع جميع المسلمين بالحقوق الاقتصادية التي تعتبر مدخلا للحياة الكريمة، لأنه بدون التمتع بها تبقى حياة المسلمين مهدورة. و قد ورد في الحديث النبوي الشريف –إشارة إلى ذلك- "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيبيعه خير له من أن يسأل الناس سواء أعطوه أو منعوه" و نحن نعلم أن حياة المسلمين قائمة على التسول المعبر عن الدناءة و الانحطاط.
ب-ضمان حصول جميع المسلمين بالحقوق الاجتماعية كالتعليم و التطبيب، و السكن، و الشغل، و التنقل، و كل ما له علاقة بالاجتماع البشري على أساس المساواة بين الأفراد المتعايشين في مجتمع المسلمين، و إلا فإن الحرمان من الحقوق الاجتماعية سيعتبر إهانة للمسلمين، و حطا من كرامتهم.
ح-ضمان احترام مكونات ثقافة المسلمين و توفير شروط تنميتها، و العمل على الحيلولة دون استغلالها لتمزيق جسد المسلمين، و استغلال تلك المكونات لتكريس ثقافة حقوق الإنسان بين أفراد المجتمع و تعميقها، و بذلك يشعر الجميع بسماحة الإسلام، و عدالة الله بين المسلمين.
ع-ضمان المساواة أمام القانون، كيفما كان المركز الاجتماعي، و كيفما كانت المسؤولية التي يتحملها الإنسان في أجهزة الدولة أو في مؤسسات الحصانة، و هذه المسألة ليست جديدة على الحياة البشرية و لا على حياة المسلمين، و ليست مرتبطة بظهور المواثيق الدولية، فقد ورد في الحديث النبوي الشريف : "لافرق بين عربي و لا عجمي ، ولا بين أبيض و أسود إلا بالتقوى" و هو حديث يؤكد ضرورة اعتماد المواثيق الدولية، و اعتبارها مواثيق إنسانية لا تتعارض مع النصوص الدينية بقدر ما تؤكد على احترامها كمكونات ثقافية.
هـ-الحقوق السياسية التي تعتبر أساسية بالنسبة لمجتمع تتفاوت فيه المستويات الطبقية مما يجعل هذا المجتمع مرشحا للصراع الذي يقتضي العمل على إيجاد أدوات للصراع الذي يجب الحرص على ديمقراطيته التي تقتضي إطلاق الحريات الأساسية، و خاصة حرية التعبير، و الانتماء الحزبي و النقابي و الجمعوي و الحقوقي، و حق الترشيح و التصويت، و شغل المسؤوليات السياسية لجميع المسلمين في إطار دولتهم مهما كان جنسهم أو لغتهم أو عرقهم في إطار تحقيق المساواة بين جميع المسلمين التي تكون مضمونة دستوريا للذكور و الاناث، و يكرسها قانون إجرائي ينص على الكيفية التي تمارس بها تلك الحريات في مجتمع معين من المجتمعات الإسلامية .
و هذه الحقوق التي تفصل فيها المواثيق الدولية الخاصة، كالعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، و العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و المواثيق المتعلقة بحقوق العمال، و الطفل، و المرأة، و حماية المدافعين عن حقوق الإنسان….الخ. تعتبر ضرورية للإنسان، و لا علاقة لها بالكماليات، و لا يمكن التعامل معها من منطلق ممارسة السياحة، بل يجب اعتبارها أساسية لحقوق الإنسان.
و لذلك فالعمل على ملاءمة القوانين و التشريعات المحلية معها يعتبر مقدمة للممارسة الديمقراطية الصحيحة التي بها وحدها تتحقق كرامة الإنسان و تتم حمايتها. و تعتبر طريقا صحيحا لبناء سد منيع يحول دون تسرب الاستبداد إلى ممارسة الحكام و يحملهم على الممارسة الديمقراطية الصحيحة، و يضمن التداول على السلطة بين الأحزاب أو التكتلات السياسية. و يعطي إمكانية استبدال الأنظمة الاقتصادية، و أن يختار المسلمون النظام الاقتصادي الذي يناسبهم في إطار دولتهم.
3) ضمان تمتع جميع المسلمين بجميع الحقوق، و للوصول إلى ذلك، و كما أشرنا في الفقرات السابقة لابد من ملاءمة القوانين و التشريعات المحلية بدون عقد تذكر مع المواثيق الدولية. ثم بعد ذلك مع آليات المحاسبة و المراقبة و التتبع لإلزام المسؤولين ب :
أ –الحرص على أن يكون كل مواطن مسلم أو كتابي أو غيرهما في إطار دولة من دول المسلمين، مهما كانت لغته أو جنسه، أو عرقه، أو طبقته التي ينتمي اليها، يتمتع بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
ب-الحرص على إيجاد جهاز تشريعي نزيه يقوم بسن التشريعات التي تضمن التمتع بكل الحقوق.
ح-إيجاد حكومة شرعية ترعى سيادة المسلمين على ثرواتهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية عبر انتخابات حرة و نزيهة.
ع- إيجاد هيئات رصد و تتبع الواقع، تكون كل واحدة منها مختصة بدراسة جانب معين من أجل الخروج بخلا صات تستأنس بها الحكومة و المجلس التشريعي.
هـ-إيجاد هيئات مختصة برصد الأمراض الاجتماعية المختلفة، و مساعدة المسؤولين محليا و جهويا و وطنيا على إيجاد حلول جذرية لها حتى ينتقل المسلمون إلى التفكير فيما هو أسمى.
و-وضع برنامج للتربية و التعليم يراعى في جوهره إيجاد تربية حقوقية حقيقية بين المسلمين حتى تصير حقوق الإنسان كالماء و الهواء، لا نحيا و لا نستمر بدونها.
ز-إعداد تقارير سنوية عن مختلف الخروقات التي ترتكب من قبل المسلمين، و نشرها بكل الوسائل، و بجميع اللغات ووضعها لدى الهيئات المختصة من أجل استثمارها حقوقيا و إعلاميا.
و هذه الآليات التي أشرنا إليها لا يمكن أن تكون ناجحة إلا باعتماد اختيارات شعبية و ديمقراطية تسعى إلى استئصال كل الممارسات التي لا تخدم مصلحة الشعب، و ترسيخ القيم النبيلة المنتجة للممارسات المتناسبة مع حفظ كرامة الإنسان المسلم في إطار دولة المسلمين الديمقراطية و الشعبية.
4) ضمان إجراء انتخابات حرة و نزيهة لمختلف المؤسسات المحلية و الوطنية في إطار دولة المسلمين. و ذلك عن طريق :
أ – وضع قوانين سليمة، و موضوعية، و متلائمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لإجراء انتخابات حرة و نزيهة تعكس الرادة الناخبين المسلمين و دون تأثير من أي جهة كانت، و دون بيع و شراء في الضمائر بين المسلمين.
ب-تكوين هيأة مستقلة للإشراف على الانتخابات ابتداء بتسجيل اللوائح، و انتهاء بإعلان النتائج النهائية.
ج-ضبط اللوائح الانتخابية بطريقة يستحيل معها التلاعب في أصوات المسلمين.
ع- وضع مسطرة تتناسب مع الانتخابات التي يتم إجراؤها بناء على تقسيم نزيه و سليم للدوائر الانتخابية.
ه – تكوين لجان مراقبة إجراء الانتخابات التي تتمتع بكامل الصلاحيات لضبط حالات التأثير على الناخبين المسلمين، و ضبط المتلبسين بها و تقديمهم إلى المحاكمة.
و- إعداد الشروط الموضوعية لإجراء تلك الانتخابات.
ز- إعداد تقارير من قبل اللجان المكلفة عن كل دائرة انتخابية تضاف إلى تقارير مكاتب التصويت، و تسلم إلى الجهة المشرفة على إعداد الانتخابات على المستوى المحلي ثم على المستوى الجهوي ثم الوطني لدراستها داخل أجل محدود قبل إعلان النتائج النهائية لضمان حفظ كرامة المسلمين، واحترام إرادتهم.
ح-اجتماع الهيئات المنتخبة داخل الآجال التي تحددها الجهة المشرفة على الانتخابات و تحت إشرافها من أجل انتخاب المكاتب المسيرة و إعلان النتائج في حينها.
ط- تقديم تقرير إلى الناخبين المسلمين عن الشروط التي جرت فيها الانتخابات من أجل طمأنتهم على مستقبلهم.
و هذه الانتخابات لا يمكن أن تجرى إلا في ظل حكومة ائتلافية وطنية داخل الدولة التي يعيش فيها المسلمون المعنيون بتلك الانتخابات، و هذه الحكومة يتحمل الجميع مسؤولية تشكيلها قبل الشروع في الإعداد للانتخابات، و تنتهي مهمتها بمجرد تكليف زعيم الأغلبية البرلمانية بتشكيل حكومة ناتجة عن صناديق الاقتراع.
5) تكوين حكومة للمسلمين منبثقة عن صناديق الاقتراع تقوم بإعداد برنامجها، و تقديمه أمام المؤسسة التشريعية من أجل المصادقة عليه لتنتقل مباشرة إلى إعداد التصميم المتناسب مع ذلك البرنامج و المصادقة عليه في البرلمان و الشروع في تطبيق ذلك البرنامج عبر قوانين مالية سنوية، و عبر ورشات كبرى لترجمة اختيارات المسلمين الشعبية و الديمقراطية على أرض الواقع، و عبر بناء اقتصاد وطني متحرر، و تعليم ينبني على التطور الذي يعرفه العصر دون التفريط في الهوية التي تميز المسلمين في دولة من الدول، و ثقافة تتعاطى مع ما هو وطني أو قومي أو عالمي.
و حكومة من هذا النوع لابد أن تحترم إرادة الناخبين المسلمين ، و أن تلتزم بالبرنامج المصادق عليه، و أن تسعى إلى استحضار طموحات شعب المسلمين بمكوناته المختلفة في الحرية و العدالة و التقدم، تلك الطموحات التي يمكن اختصارها في السعي إلى تحقييق كرامة الإنسان المسلم، و غير المسلم داخل الدولة التي تسيرها الحكومة الديمقراطية.
6) ضمان ممارسة الحريات الأساسية عن طريق سن قوانين تضمن لكل مسلم داخل دولته أن يتمتع بحقوقه، و في مقدمتها حرية التعبير، و حرية الانتماء السياسي و النقابي، و حرية اختيار العمل، واختيار مكان الاستقرار، و حرية التنقل…الخ.
فحرية التعبير عن الرأي بطريقة مباشرة، أو عن طريق وسائل الإعلام السمعية/البصرية، و المكتوبة/المقروءة يجب أن تكون مضمونة، و تستهدف الشؤون العامة : السياسية و النقابية، و كل القضايا النقابية و الحقوقية، حتى يتمكن كل مسلم في الدولة التي ينتمي إليها من المساهمة في تطوير الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة. وفي هذا الإطار نستشهد بالحديث الشريف : "كلكم راع، و كلكم مسؤول عن رعيته" و الحديث : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان". و من هذين النصين يتأكد لنا أن حرية التعبير مسؤولية جماعية ، يجب أن تكون مكفولة للجميع حتى يتحمل كل مسؤوليته عما يجري في وطنه، اقتصاديا، و اجتماعيا، و ثقافيا، و مدنيا، و سياسيا، فيكشف بواسطة التعبير عن مواطن الخلل حتى يكون الناس جميعا عارفين بما يجري عن طريق التلقي الإيجابي، فيعملون على مقاومة الانحرافات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية التي تطالهم.
و لذلك فضمان حرية التعبير تعتبر مدخلا لممارسة الحريات الأخرى، لأنها في عمقها تعتبر ممارسة سياسية بمعنى المعاني.
و يمكن أن نعتبر أن حرية التعبير تشكل الوجه الإيجابي للديمقراطية داخل الأحزاب و خارجها. فإذا كانت حرية التعبير مضمونة كانت الديمقراطية حاضرة، و إذا لم تكن كذلك تكون الديمقراطية غائبة..
والواقع أن مجتمعات دول المسلمين من الشرق إلى الغرب و أحزابها، خاصة تلك التي تلبس رداء الإسلام و توظفه ايديولوجيا، تنعدم فيها الديمقراطية، و كنتيجة لذلك تغيب حرية التعبير نظرا للعلاقة الجدلية بينهما.
أما حرية الانتماء السياسي و النقابي المعبرة عن الوعي المنتشر بين الناس الذين يختارون الانتماء المعبر عن الطبقة التي ينتمون إليها أو التي يختارون الانحياز إليها. و عندما يتعلق الأمر بدول المسلمين فإننا نجد أن المسلمين يحملون وعيا متدنيا أو مقلوبا بسبب انتشار الأمية، و سيادة الفقر بين المسلمين و تعبير الفوارق الطبقية و تكريس كل أشكال الاستبداد المادي و المعنوي لذلك نجد أن حرية الانتماء السياسي، و النقابي تكون مغيبة بشكل كبير، و يزيد في تغييبها طبيعة التنظيمات الحزبية و النقابية.
أما بقية الحريات الأخرى فهي نتيجة لممارسة الحريات السياسية و النقابية التي تنتزع بواسطتها المزيد من الفوارق، و تكتسب المزيد من الحريات خاصة إذا كان المناخ العام لدول المسلمين مناسبا و كان المناخ الدولي يساعد على ذلك.
7) دعم الأحزاب و النقابات و الجمعيات المؤطرة للمواطنين حتى تقوم بدورها كاملا، و بما أن الأحزاب و النقابات و الجمعيات الثقافية و الحقوقية و التربوية يوكل إليها تأطير المسلمين، و إعدادهم للمساهمة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، فإن من واجب دول المسلمين، أن تساهم في دعم جميع الأحزاب و النقابات و الجمعيات ماديا و معنويا حتى تتحرر من التبعية للأجنبي و تتوفر لها إمكانيات القيام بتأطير المواطنين بخلاف ما يحصل الآن حيث نجد أن دول المسلمين لا تعير أي اهتمام لدعم التنظيمات المختلفة في حالة وجودها، لأنه غالبا ما يمنع تشكيلها بسبب سيادة الأنظمة الاستبدادية الموظفة للدين الإسلامي كأيديولوجية قمعية، وفي حالة تقديم الدعم، فإنه يكون مشروطا بالولاء لدولة المسلمين و المساهمة في تنفيذ خططها، و إعداد المسلمين لتأييدها، لتنقسم بذلك التنظيمات السياسية و النقابية و الجمعوية إلى :
أ – تنظيمات موالية لدول المسلمين تتلقى دعما بدون حدود، و تعتمد الممارسة الانتهازية لخلق جيش من الاتباع.
ب-تنظيمات غير موالية لتلك الدول محرومة من الدعم، و غالبا ما تعتبر تنظيمات غير شرعية.
و ليس من الديمقراطية ولا من الإسلام في شيء إذا اعتمد هذا التقسيم، أو تم منع المسلمين من ممارسة تأسيس تنظيماتهم أو عدم دعمها في حالة السماح بتأسيسها لأن غالبية الجمعيات و التنظيمات غير المدعومة أو الممنوعة ترتبط بالطبقات المقهورة في المجتمع، و هذا الحرمان أو المنع لا يكون إلا ناتجا عن ممارسة أيديولوجية موظفة للنص الديني بشكل أو بآخر لإبقاء المقهورين بدون هوية سياسية أو نقابية أو جمعوية : حقوقية أو تربوية. و هذا يدفعنا إلى القول بضرورة تحرك التنظيمات المختلفة من أجل فرض شرعيتها، و انتزاع نصيبها من الدعم اللازم لقيامها بمهمة تأطير المواطنين المسلمين و غير المسلمين.
8) تنظيم أجهزة المحاسبة، و مراقبة المؤسسات الآمرة بالصرف محليا، و إقليميا، و جهويا و وطنيا. و هذه الأجهزة غائبة، أو يعتبر وجودها شكليا فقط، و هو وجود لا فائدة منه، و يعتبر غيابها تعبيرا عن تكريس الاستبداد، لأن الآمرين بالصرف يتصرفون و كأنهم غير معنيين بالمحاسبة،و كأن أموال المسلمين التي يتصرفون فيها هي أموالهم وحدهم. و لذلك فمن سمات تنظيم مجتمع المسلمين الديمقراطي أن تنظيم أجهزة المحاسبة و المراقبة يتم انتخابها من بين المختصين على المستوى المحلي، و الاقليمي و الجهوي و الوطني. و تكون موازية للمجالس المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية. و توضع رهن إشارتها كل الوسائل التي تساعدها على القيام بمهمتها. و تتسلم التقارير المالية التي تعنيها لدراستها، و الوقوف على مواطن الخلل فيها، و تقدم نتائج بحثها في التقارير، و بحوثها الميدانية إلى الأجهزة المنتخبة، و السلطات المسؤولة، و تنشر عبر وسائل الإعلام المختلفة، و تكون ملزمة بذلك مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل كمساهمة من هذه الأجهزة في تحسيس المسلمين بأهمية تتبع ما تقوم به الجهات الآمرة بالصرف.
9) دسترة مبدأ فصل السلط حتى تكون كل سلطة مستقلة عن باقي السلطات بضمان الدستور لأن الدساتير المعمول بها في دول المسلمين تمركز السلطات كلها في أيدي شخص واحد هو رئيس الدولة الذي يكون في بعض الأحيان هو نفسه رئيس الحكومة، و هو ما يجعل السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية في يد شخص واحد، و هو ما يتنافى مع الممارسة الديمقراطية الحقة التي تسير في اتجاه بناء دولة الحق و القانون التي تعتبر هي الأصل عند المسلمين و بما أن هذا الاستقلال فيما بين السلط الثلاث يكاد يكون منعدما، فعلى المسلمين أن يتحركوا من خلال تنظيماتهم الحزبية و النقابية و الجمعوية و الحقوقية من أجل المطالبة بدسترة فصل السلط و تحريم تدخل السلطة التنفيذية في شؤون السلط الأخرى إلا بالقانون الذي يجب أن ينص على الحقوق و الواجبات المختصة بكل سلطة.
ففصل السلط أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى بسبب سيادة ما أصبح يعرف بالعو لمة التي تقود إلى سيادة همجية اقتصاد السوق على المستوى العالمي في ظل غياب سيادة التكافؤ بين الدول و الشعوب على جميع المستويات، مما يجعل شراسة همجية السلطة التنفيذية، و خاصة في الدول المتخلفة، و منها دول المسلمين، و هذه الشراسة، و الهمجية، لا يمكن تجنبها إلا بدسترة السلط لضمان حق الشعوب في قبول نتائج العولمة أو رفضها.
10) ضمان حرية الاعتقاد في إطار دولة المسلمين، لأنه بدون تلك الحرية ستكون دولة المسلمين مخالفة لما جاء به الإسلام. فقد ورد في القرآن الكريم : "لا إكراه في الدين" و ورد أيضا : "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله" و هي أقوال تكرس سماحة الدين الإسلامي، و عدالته و ديمقراطيته. و ليس من المقبول أن تتحول دولة المسلمين إلى أداة لمحاربة العقائد الأخرى كيفما كان اختلافها مع عقيدة المسلمين. كما أنه ليس من المقبول أن نحصر الفهم في الاختلاف مع العقائد الأخرى. بل يجب استحضار الاختلاف الناجم عن اختلاف التأويلات في ظل العقيدة الإسلامية، كالاختلاف بين الشيعة و السنة، و الاختلاف بين مذاهب الشيعة و مذاهب السنة، و هو اختلاف يفتح تفرعات عقائدية في إطار العقيدة الواحدة، و دولة المسلمين الديمقراطية التي تشرعن هذا الاختلاف و تقرره، و تسعى إلى تكريس الحوار الإيجابي بين العقائد المتباينة، و المذاهب المختلفة في طار العقيدة الواحدة، و كل ذلك يدخل في إطار حرية الاعتقاد التي يجب أن تكون مضمونة دستوريا، و ديمقراطيا لضمان تحقق وحدة مجتمع المسلمين و تجنب تحوله إلى مجتمع طائفي.
إن ضمان حرية الاعتقاد في مجتمع المسلمين هو وحده الكفيل بتجاوز الإشكاليات القائمة في العديد من دول المسلمين، و المتجسدة بالخصوص في الانفراز الطائفي القائم على أساس عقائدي.
دولة المسلمين و علمانية الدولة :
ودولة كهذه التي أشرنا إليها، هل هي دولة علمانية ؟ و هل يمكن أن تتحول دولة المسلمين إلى دولة علمانية؟ و ما هو الفرق بين الدولة العلمانية و الدولة غير العلمانية ؟ و هل يصح أن نسمي الدولة بالعلمانية ؟
إننا أمام إشكالية قائمة حول المفاهيم، و نحن نتجنب دائما الخوض فيها و تفكيك ما هو سائد منها لاعتبارات نذكر منها :
1) أن العديد من المفاهيم لا يمكن إخضاعها للمناقشة خوفا من الصدام مع الجهات المستعملة لها.
2) أن عملية التفكيك و المناقشة –إن حصلت- تستهدف التكريس، لا المراجعة العميقة المبنية على أسس علمية دقيقة.
3) أن العديد من الكتاب يتعاملون مع المفاهيم كمسلمات غير قابلة للمناقشة.
4) أن ثقافة الاختلاف و الحوار تكاد تكون منعدمة في سلوكنا.
5) أن الإيديولوجية تمتد إلى الممارسة الفكرية مما يجعل عملية المراجعة مبطنة بها.
6) أن الوثوقية تطبع التصورات السائدة في كثير من المفاهيم.
و توخيا للممارسة العلمية سنتناول علاقة دولة المسلمين بمفهوم الدولة العلمانية من خلال :
1) مفهوم العلمانية الذي يتم تشويهه من أجل محاربته لصالح مفهوم "الدولة الإسلامية"الذي يتحول معه الدين الإسلامي إلى ممارسة أيديولوجية.
و العلمانية نسبة إلى الممارسة العلمية في مجال معين هو المجال السياسي الذي يخص البشر و يخص الصراع بين الطبقات، و تعدد الأحزاب و التكتلات السياسية، و تعدد العقائد مما يجعل دولة دينية معينة تمارس الاستبداد و الإقصاء على الجميع و تقيم محاكم التفتيش، و تتخلص من العديد من السياسيين بدعوى الإلحاد و الزندقة….الخ، فهي في هذا المجال السياسي الصرف تعني فصل الدين عن الدولة. فالدين لله تعالى: "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون" و الدولة للبشر : "و أمرهم شورى بينهم" يختارون من يريدون في إطار النظام الذي يريدون، أي أن الأصل في الدولة أن تكون علمانية.
ففصل الدين عن الدولة يعطي إمكانية قيام نظام ديمقراطي يتعايش في إطاره الجميع، لا فرق بين هذا التنظيم أو ذاك، أو بين حاملي هذه العقيدة أو تلك إلا بقيامه بالاجتهاد في تطوير الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة.
و فصل الدين عن الدولة يدفع في اتجاه قيام دولة الحق و القانون، دولة يتمتع في إطارها جميع المواطنين المسلمين و غير المسلمين بجميع الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية والسياسية على أساس أجرأة القوانين و التشريعات مع المواثيق الدولية، و يتساوى في إطارها جميع المواطنين المسلمين و غير المسلمين أمام القانون، و مهما كانت مسؤولياتهم.
و فصل الدين عن الدولة في نهاية المطاف بجنبنا سفك الكثير من الدماء لصالح طبقة تحول الدين الإسلامي إلى أيديولوجية تحكم المسلمين باسم "الدولة الإسلامية".
و لذلك فالعلماني يمكن أن يكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو غيرها، أي أنه يومن بعقيدة معينة. و كما قلنا سابقا، فإن وصف الدولة بالإسلامية فيه تعسف أيضا، لأن الدولة يقيمها البشر الذين قد يكونون مسلمين أو معتنقين لديانة أخرى، و لكنهم في فكرهم و في ممارستهم علمانيون.
و بناء على هذا التصور، فدولة المسلمين واحدة، و فكر المسلمين هو الذي يمكن أن يكون علمانيا : يعطي تصورا آخر للدولة، يختلف عن التصور الذي يجعل الدولة أداة لاستبداد الحكام بإسم الدين.
2) و هنا يردنا سؤال : هل العلمانية إلحاد ؟ إن موظفي الدين الإسلامي كأيديولوجية هم وحدهم المسؤولون عن وصف العلمانيين بالملحدين، ووصف كهذا يكشف عن الخلفيات الإيديولوجية التي يحملها هؤلاء، و عن خوفهم من العلم و عدائهم له. بل و محاربتهم للفكر العلمي ، حتى لا تتفتح العقول في اتجاهه، وتعتمده للتخلص من الأيديولوجية الظلامية باعتبارها تأويلا مغرضا للنصوص الدينية . فالعلمانية ممارسة موضوعية تهدف إلى جعل الدولة محايدة تجاه الأديان و الواقع أإنها لا يمكن أن تكون متصارعة فيما بينها، و قد لا تكون كذلك. و مادامت العلمانية ممارسة موضوعية تجاه الأديان و الواقع، فإنها لا يمكن أن تكون ضد عقيدة معينة أو معها، و في نفس الوقت ، فإن العلمانيين يمكن أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، و بذلك لا يمكن أن نعتبر العلمانية إلحادا، لأن المقتنعين بها قد يكونون ملحدين ، و هي –بالتالي- مجرد وصف للممارسة التي ينجزها العلمانيون في إطار الدولة.
3) و ما ذهبنا إليه يقودنا إلى طرح سؤال آخر : هل العلمانية أيديولوجية أم تنوير ؟ لأنه إذا لم تكن العلمانية إلحادا فماذا تكون ؟ قد يقول البعض إن العلمانية هي مجرد قناعة ايديولوجية، و هذا القول مردود، مبعثه أن العلمانية لا تعبر عن مصالح طبقية معينة، فهي باعتبارها ممارسة تصدر عن العلمانيين في إطار دولتهم، لا تعبر عن طبقة اليمين أو اليسار أو الوسط. فكل من وصل من هؤلاء إلى احتلال جهاز الدولة، يصبح قائدا للدولة العلمانية، و تتعايش تحت اشرافه كل التوجهات و العقائد المختلفة. ولا يجيز لهذه الجهة أو تلك أن تتكلم باسم الدولة الموصوفة بالعلمانية، و هو ما يعني أنها ليست أيديولوجية حتى توظف لخدمة المصلحة الطبقية. وبالتالي سنصل إلى طرح السؤال الموالي : هل العلمانية تنويرية ؟
إن التنوير هو ممارسة فكرية تهدف إلى جعل الناس يسعون إلى تغيير أفكارهم المختلفة عن الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة بأفكار أخرى تفتح لهم آفاقا جديدة فيما يتعلق بالتحرك في اتجاه تطوير أوضاعهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، انطلاقا من رؤى و تصورات جديدة مخالفة للرؤى و التصورات المختلفة و المتخلفة التي كانت سائدة من قبل. وعملية التنوير تلك تتحمل مسؤوليتها نخبة من المثقفين الذين يعملون على بلورة أفكار لها علاقة بصعود طبقة معينة، قد تكون بورجوازية، و قد تكون طبقة عاملة ، و بالتالي، فإن التنوير قد يكون مقدمات أيديولوجية و قد يكون مجرد توعية للناس بخطورة ما يحملونه من أفكار، و ما يقومون به من ممارسات، و قد يؤدي التنور إلى بروز فكر علماني، و لكن ليس هو العلمانية.
فعلاقة العلمانية بالفكر الديني هي علاقة العام بالخاص، و علاقتها بالأيديولوجية هي نفسها أما علاقتها بالتنوير فهي علاقة المسبب بالسبب.
4) و هنا نصل إلى السؤال : لماذا يحارب المتنبئون الجدد العلمانية ؟ إن ما يمكن أن نقوله منذ البداية أن الصراع ضد العلمانية هو صراع غير مشروع لاعتبارات كثيرة أهمها :
أ – أن العلمانية تبررها النصوص الدينية، كما أشرنا إلى ذلك سابقا.
ب-أنها تعتمد العقل، و القرآن الكريم يدعو إلى استخدام العقل. فقد جاء في قوله تعالى : "أفلا يتدبرون القرآن" وقوله : " و في أنفسكم أفلا تبصرون" وفي آيات أخرى كثيرة ما يؤكد ما ذهبنا إليه.
ح-أنها تعتمد العلم في الحياة العامة و الخاصة، و الإسلام يحث على طلب العلم من المهد إلى اللحد.
ع-أنها تعمل على عدم إقحام الدين في الصراع الأيديولوجي و السياسي و التناحري بين الطبقات الاجتماعية.
و لذلك فممارسة المتنبئين الجدد ضد العلمانية و العلمانيين ترجع إلى :
أ – كون العلمانية تشكل خطرا على الأيديولوجية الظلامية التي تعتمد التأويل المتعسف للنص الديني.
ب-كونها تعطي إمكانية تأسيس دولة الحق و القانون، و هو ما يتناقض جملة و تفصيلا مع التصور الأيديولوجي لشعار الإسلام دين و دولة.
ح-كونها تعطي إمكانية بناء ديمقراطية من الشعب و إلى الشعب في البلد الذي يسود فيه المسلمون.
ع-كونها تتيح فرصة التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
فالعلمانية و الظلامية لا يجتمعان، و التناقض القائم بينهما هو الذي يدفع في اتجاه قيام المتنبئين الجدد بمحاربة العلمانية من أجل الحفاظ على مصالحهم المرتبطة بتحويل الدين الإسلامي إلى أيديولوجية، و قد كان في إمكانهم أن يتعايشوا مع المكونات الأخرى على أساس المساواة بين الجميع في ظل حكم العلمانيين، و سيادة العلمانية.
5) و تتجسد ممارسة المتنبئين الجدد بشكل مكثف في الحيلولة دون وصول العلمانيين إلى السلطة. لماذا ؟ لأن العلمانية في جوهرها تتوخى الممارسة الديمقراطية، و المتنبئون الجدد ليس من مصلحتهم أن تكون الديمقراطية هي السائدة، لأن ذلك يعني القضاء على أشكال الفساد التي يستغلونها لفرض أيديولوجيتهم المتجسدة في " الإسلام هو الحل" و هو شعار يحمل ما يحمل من تضليل للجماهير الكادحة من المسلمين.
فالديمقراطية تمكن المسلمين من التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هي بذلك تعطي الفرصة للمسلم أن يشعر بكرامته، و بإمكانية مساهمته في تطوير الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة من خلال الممارسة السياسية الهادفة.
و هذا التصور هو الذي يجعل المتنبئين الجدد يعتبرون الديمقراطية باعتبارها جوهر العلمانية، بدعة غربية مستوردة ليجدوا مبرر محاربتها، ومحاولة التفكير في إمكانية مصادرة التفكير في المجتمع الديمقراطي الذي تنفضح بسهولة في إطاره كل الممارسات التي لها علاقة بالديمقراطية، ومنها ممارسة المتنبئين الجدد، و في مقدمتهم أسيادهم، الذين يقوم وجودهم على غياب الديمقراطية و إقبار العلمانية.
و لذلك نجد أن المتنبئين الجدد يلعبون دورا كبيرا، و أساسيا في تضليل الشعوب و تعبئتها. و بكل الوسائل من أجل مناهضة قيام دولة العلمانيين من المسلمين لاعتقادهم أن العلمانية إلحاد، و هو اعتقاد خاطئ كما أوضحنا ذلك. و ممارسة كهذه تسعى لأجل أمرين :
أ – فرض استبداد المتنبئين الجدد من خلال فرض ولاية الفقيه.
ب-أو القبول بالاستبداد القائم الذي يعتبر أهون من العلمانية.
و في حالة قبولهم بقيام الدولة الديمقراطية التي لا يمكن أن تكون إلا دولة علمانية فإن ذلك يطرح علينا إشكالية أخرى و هي :
6) هل يمكن أن تكون دولة المسلمين علمانية ؟ و في هذا الإطار يمكن القول : إن المسلمين كالناس في كل بقاع الأرض، لا يتميزون عنهم إلا بعقيدتهم، و ما سواها يمتد اليهم، خاصة في عصر العولمة الذي نعيشه، لأنه لا يمكن أن تنتقل البضائع دون انتقال الأفكار لأن بها و بها وحدها، يتحول الإنسان من واقع إلى واقع جديد. و لذلك لا يمكن أن يبقى المسلمون بعيدين عما يجري في العالم و خاصة في دول الشمال التي تفرض سيطرتها الاقتصادية و الإعلامية و الثقافية على دول الجنوب التي يوجد بها معظم المسلمين، و هو ما يؤكد إمكانية التحول في اتجاه تحول دولة المسلمين إلى دولة علمانية هذا التحول ذو العلاقة الوطيدة بمقدمات لابد منها :
أ – المقدمة الأولى : نضال المسلمين من أجل التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
ب-المقدمة الثانية : المطالبة بقيام دولة الحق و القانون باعتبارها إطارا للمساواة بين المسلمين كيف ما كان جنسهم ، أو جنسيتهم أو لونهم أو لغتهم.
ح-المقدمة الثالثة : النضال من أجل الديمقراطية الحقة من المسلمين وإلى المسلمين.
و بهذه المقدمات تحضر خصوصية كل دولة من دول المسلمين، و في إطار تلك الخصوصية تحضر العلمانية بشكل أو بآخر في تحقيق تمتع المسلمين بحقوقهم، و قيام دولة الحق و القانون و تكريس الممارسة الديمقراطية. و عندما تتحقق هذه المقدمات سيصبح المسلمون علمانيين، شئنا أم أبينا، و لا يهم بعد أن نسميها كذلك أو نسميها شيئا آخر . و بذلك نصل إلى أن دولة المسلمين يمكن أن تتحول إلى دولة علمانية عبر التحول الديمقراطي الذي يعرفه مجتمع المسلمين و قبل أن يحصل ذلك التحول الذي سيكون مفروضا بقوة الواقع.
7) ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين دولة المسلمين و الدولة العلمانية ؟ هل علاقة تجاذب ؟ أم علاقة تناقض ؟
إن دولة المسلمين التي تطمح إلى أن تصبح دولة ديمقراطية/علمانية يطرح إشكالية العلاقة بين مفهوم دولة المسلمين، و مفهوم الدولة العلمانية. فالمسار الذي تسير فيه دولة المسلمين باعتبارها دولة استبدادية/إقطاعية أو رأسمالية أو متعددة التشكيلات الاقتصادية/الاجتماعية، أو باعتبارها دولة ولاية الفقيه أو دولة ديمقراطية هو الذي يحدد هذه العلاقة و يرسم سماتها. فإذا كانت الدولة يتحكم فيها مفهوم ولاية الفقيه فهي دولة تتخذ صفة الدولة الدينية، و بالتالي فالعلاقة بينها وبين الدولة العلمانية هي علاقة تناقض لأن الدين –من خلال ولاية الفقيه- يتحكم في مسار الدولة، و توجهاتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى وإن كانت هذه الدولة إقطاعية أو رأسمالية أو متعددة التشكيلات الاقتصادية/الاجتماعية، أو تدعي الاشتراكية بشكل من الأشكال. أما إذا كانت استبدادية رأسمالية أو تدعي الاشتراكية بدون حضور ولاية الفقيه فقد تكون علمانية، و قد توفق بين العلمانية، و بين تدخل المتنبئين الجدد في توجيه شؤونها. و على هذا الأساس، فالدولة قد تكون منجذبة للدولة العلمانية، و قد تميل إلى التناقض معها.
أما إذا كانت الدولة ديمقراطية، فإنها بالضرورة تكون علمانية نظرا للتناقض القائم بين الديمقراطية وولاية الفقيه من جهة وبين الاستبداد من جهة أخرى.
و بذلك نتبين أن دولة المسلمين قد تكون علمانية، وقد لا تكون كذلك، و المسلمون وحدهم، و انطلاقا من نوعية الوعي الذي يحملونه، فإنهم يقررون طبيعة الدولة التي يريدون، هل هي رأسمالية أو اشتراكية ؟ و كلا الدولتين علمانيتان.
أما إذا كان المسلمون مغلوبين على أمرهم فإن نظام الدولة يفرض عليهم سواء كان النظام استبداديا أو موسوما بولاية الفقيه، لأن المسلمين في ظل النظام المفروض بالقوة لا رأي لهم، فهم مجرد قطيع يفعل به الحاكمون ما يشاؤون خدمة للطبقة المتسلطة على رقاب المسلمين كما هو حاصل الآن في معظم دول المسلمين في آسيا وإفريقيا وأوربا.
هل دولة المسلمين هي الدولة الإسلامية ؟
لقد سبق أن أوضحنا بما فيه الكفاية أن "الدولة الإسلامية " مصطلح أيديولوجي لاوجود له على أرض الواقع.وأن هذه التسمية يناسبها استعمال مفهوم دولة المسلمين . هذه الدولة التي قد تكون كما أشرنا إلى ذلك سابقا –دولة بحمولة استبدادية ، وأن هذه الاستبدادية قد تكون نابعة من سيادة ولاية الفقيه . وقد تكون ناتجة عن توصل طبقة معينة إلى امتلاك سلطة الدولة . ولذلك فدولة المسلمين هي دولة المسلمين التي قد تختلف هويتها من قطر إلى آخر ، ومن قارة إلى أخرى ، ومن مفهوم إلى آخر مادام كل ذلك يخص المسلمين في قطر من أقطارهم .
إن دولة المسلمين هي دولة في يد طبقة من الطبقات الاجتماعية توظفها لحماية مصالحها الطبقية. وتستخدم كل الإمكانيات لإظهار الدولة وكأنها دولة للجميع –جميع الطبقات – وهي في الواقع ليست كذلك ، فالتوظيف الأيديولوجي الذي يستخدم الدين الإسلامي يلعب دورا كبيرا في جعل الناس يعتقدون أن الدولة ترعى مصالحهم بينما نجد أن ما تقدمه الدولة من خدمات يكون بقدر ما تكون تلك الخدمات لصالح سيادة الطبقة التي تمتلك سلطة الدولة . والناس عندما يعتقدون أن الدولة في خدمتهم يلجأون إلى اعتبارها ترجمة لشعار الدولة الإسلامية إذا كانت خاضعة لمؤسسة ولاية الفقيه، وغير إسلامية إذا لم تكن كذلك . والناس عندما يعرفون الدولة الإسلامية، ويعتقدون أن هذا الشعار تحقق في دولتهم ينسون أن المتنبئين الجدد الذين يسمون بالفقهاء ، أصبحوا يشكلون طبقة بورجوازية كبرى أو متوسطة أو صغرى . لها مصالح اقتصادية معينة تسعى إلى المحافظة عليها عن طريق التحكم في أجهزة الدولة ، وتوظيفها لهذا الغرض . وما ذلك إلا لأنهم يحملون وعيا مقلوبا يقتضي إزاحته عن طريق وعي حقيقي له علاقة بجعل حامليه يعتقدون بأن البشر هم الذين يكونون الدولة ، وأن هذا الجهاز ليس نازلا من السماء ،وأنه من البشر إلى البشر ، وعلى هذا الأساس فدولة المسلمين لايمكن أن تعتبر هي الدولة الإسلامية للاعتبارات التالية :
أ - لأن من طبيعة الدولة أن تكون طبقية ،أي معبرة عن وصول طبقة ما إلى السلطة .
ب-لأن الإسلام لايمكن أن ينحاز ، وبواسطة سلطة الدولة إلى طبقة من الطبقات الاجتماعية.حتى وان كانت الدولة صاحبة السلطة تحمل اسم " الدولة الإسلامية ".
ج- لان دولة المسلمين يمكن تتلون بأية أيدلوجية سواء كانت إقطاعية أو بورجوازية ، أو بورجوازية متوسطة أو صغيرة ، أو عمالية ،بينما نجد أن ما يدعونه ب"الدولة الإسلامية" تكون قائمة على التوظيف الأيدلوجي للدين الإسلامي دون سواه ، حتى وان كانت الدولة الإسلامية ذات طابع بورجوازي .
د-لأن دولة المسلمين يمكن أن تكون ديموقراطية تقوم مؤسساتها المختلفة على أساس الاختيارات الشعبية ، ويمكن أن تكون استبدادية ،بينما نجد أن الدولةالاسلامية ،لاتكون إلا استبدادية، أي لا يمكنها أن تكون ديموقراطية حتى وان ادعى متنبئوها ذلك .
ه- لأن "الدولة الإسلامية" وانطلاقا من التوظيف الأيدلوجي للدين الإسلامي على يد المتنبئين الجدد لاتقبل أبدا أن يكون هناك بأي شكل من الأشكال رأي للمسلمين فيما يجري على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي . فكل شيء في نظرهم من عند الله وبأمره .
دور الشعب في مقاومة الاستبداد واقامة ديموقراطية دولة المسلمين :
ويبقى السؤال المطروح هو: من هي الجهة التي تقف وراء فرض ديموقراطية دولة المسلمين على المدى القريب والمتوسط والبعيد ؟ إن الجهة الوحيدة التي من مصلحتها قيام ديموقراطية حقيقية من الشعب والى الشعب هم الكادحون بقيادة الطبقة العاملة ، وحتى يتحرك هؤلاء الكادحون في اتجاه الفعل من أجل قيام الدولة القائمة على أ سس ديموقراطية صحيحة عليهم أن :
1) يمتلكوا الوعي بحقيقة الاستبداد بصفة عامة وبمدى خطورته على مستقبل الأجيال الصاعدة ومستقبل الكادحين وبحقيقة استبداد ما يدعوه المتنبئون الجدد "بالدولة الإسلامية “. ولايومن إلا بالإقصاء والإبادة. وإذا كانت هناك ممارسة يسمونها ديموقراطية ، فيجب أن تكون مشروطة بممارسة المستبدين في إطار دولة المتنبئين الجدد " الدولة الإسلامية"
2) يمتلكوا الوعي بأطروحات المتنبئين الجدد في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. وفي ما يدعونه ب"تطبيق الشريعة الإسلامية " وفي رؤياهم للتاريخ والمستقبل وفي علاقتهم بالآخر، وموقفهم من مختلف القضايا الوطنية والقومية والدولية ،والعمل باستماتة، وعلى يد المثقفين المتنورين ، على تفنيد تلك الاطروحات وتشريحها ، وجعل بسطاء المسلمين يدركون خطورتها ويفرقون بينها وبين حقيقة الإسلام والعقيدة الإسلامية، والشريعة الإسلامية.
3) يناضلوا من أجل التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والمدنية والسياسية كما هي في المواثيق الدولية التي يجب أن تتلاءم معها القوانين والتشريعات المحلية ، وفق برنامج محدد تعده الهيئات المعنية بتنظيم المسلمين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا وثقافيا .وتقودهم في أفق انتزاع مختلف الحقوق على المستوى التشريعي والواقعي .
4) يناضلوا من أجل احترام الحريات السياسية والنقابية والجمعوية انطلاقا من برامج حزبية ونقابية وحقوقية بالخصوص من أجل مناهضة الخروقات التي تستهدف حريات الأفراد والجماعات ، وتنظيم وقفات احتجاجية واقامة العروض والندوات للتعريف بتلك الحريات كماهي في المواثيق الدولية . وتفكيك القوانين المنظمة لها على المستوى الدولي والقومي والوطني حتى يكون المسلمون على بينة منها والنضال من أجلها بتنسيق مع الحركات المناضلة على المستوى القومي والعالمي وتكوين جبهات من أجل فرض المكاسب في هذا الاتجاه وفرضه داخل دولة المسلمين ، وعلى المستوى القانوني والواقعي على جميع المستويات .
5) مناهضة فتاوى المتنبئين الجدد عن طريق ممارسة النقد بكل أشكاله لجعل الناس يتعاطون سلبا مع تلك الفتاوى التي تدخل الناس في دهاليز الظلام التي أصبحت تهيمن على معظم كادحي دول المسلمين . فالفتاوى الصادرة عن عتاة المتنبئين الجدد غالبا ما توجه سلوك المسلمين في اتجاه ممارسة الإرهاب المادي والمعنوي ضد المتنورين من المثقفين المسلمين ، وضد كل من تسول له نفسه الاستجابة لمناهضة الإرهاب .
6) يثبتوا نجاعة ديموقراطية المسلمين عن طريق :
أ - إقامة المؤسسات الديموقراطية .
ب- سن قوانين ديموقراطية لحماية تلك الأحزاب .
ح- ممارسة الحريات السياسية والنقابية كمكون من مكونات النضال الديموقراطي.
د-الحرص على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسة .
ه- تنظيم مناهضة الخروقات التي تحدث في جميع المجالات .
و- العمل على الاستفادة من مختلف التجارب من أجل تطوير الممارسة الديموقراطية .
وبذلك يعطي المسلمون في دولتهم المثال للبشرية في كل الدول ، مما يجعل بلاد المسلمين مجالا للتنمية الاقتصادية والبشرية التي تعتبر خير تعبير عن الممارسة الديمقراطية لتأمين مستقبل الأجيال الصاعدة.
خـاتـمة :
و بمعالجتنا لموضوع "دولة المسلمين لا إسلامية الدولة" نخلص إلى إعادة النظر في المفاهيم المتداولة، و التي غالبا ما تكون محكومة بالتصورات الأيديولوجية التي تتغير حسب الطبقات و الأنظمة و التكتلات السياسية، و منها تلك التي توظف الدين توظيفا أيديولوجيا .
و قد عملنا من خلال هذه المعالجة على ملامسة مفهوم الدولة، و علاقتها بالعقيدة، و الفرق بين دولة المسلمين و الدولة الإسلامية التي تحمل في مفهومها طابعا أيديولوجيا، و وقفنا على سبل تجنب تحول دولة المسلمين إلى دولة دينية عن طريق وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب، و ملائمة القوانين و التشريعات مع المواثيق الدولية، و ضمان تمتع المواطنين المسلمين و غيرهم بحقوقهم المختلفة، و العمل على إجراء انتخابات حرة و نزيهة، و تكوين حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع، و احترام ممارسة الحريات العامة، و دعم الأحزاب و النقابات و الجمعيات المؤطرة للمواطنين، و تنظيم أجهزة المحاسبة و المراقبة و دسترة فصل السلط، و ضمان حرية الاعتقاد كما نص على ذلك القرآن الكريم. ثم عالجنا علاقة دولة المسلمين بالعلمانية، و طبيعة العلمانية، و هل هي أيديولوجية أم تنوير؟ و لماذا تتم محاربتها ؟ و هل يمكن أن تكون دولة المسلمين علمانية ؟ و هل العلاقة بينهما علاقة تناقض أم تجاذب . و حاولنا الإجابة على السؤال : هل دولة المسلمين هي "الدولة الإسلامية " ؟ و ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه شعوب المسلمين في مقاومة استبداد الدولة، وفرض ديمقراطيتها عن طريق الوعي بحقيقة الاستبداد . و بأطروحات المتنبئين الجدد، و تفنيد شعاراتهم، وفرض التمتع بالحقوق المختلفة، و احترام الحريات العامة، و مناهضة فتاوى المتنبئين الجدد، و إثبات نجاعة الديمقراطية في معالجة المشاكل المختلفة.
و بهذه المعالجة نؤكد على ضرورة الرؤية الصحيحة باعتماد إيجابيات الماضي و نبذ نواقصه التي لا تعد ولا تحصى، و خاصة عندما يتعلق الأمر بمسار حياتنا، و التي تحتاج إلى المعالجة و التقويم وصولا إلى إعطاءها مضمونا متطورا حتى نعبر فعلا عن انتمائنا إلى العصر الذي نعيش فيه، و الذي يسير في اتجاه سيادة عولمة اقتصاد السوق التي تقتضي منا مواجهتها بعولمة نقيضة، عولمة النضال الحقوقي الذي تتكاثف فيه جهود المنظمات الحقوقية و النقابات و الجمعيات المختصة، و الأحزاب التقدمية لقيادة النضالات الحقوقية، و محاصرة النتائج السلبية لعولمة اقتصاد السوق.
إنها ضرورة المراجعة الشاملة للقيم و الاطروحات المكرسة للجمود في الممارسة المناهضة للاستغلال بكل ألوانه، و ضرورة مراجعة أساليب المواجهة التي تعتبر الطريق السليم لسلامة الشعوب المسلمة من التعرض لتدمير القيم النبيلة المستهدفة بقيم اقتصاد السوق التي تتلقى دعما بدون حدود من أجل العبور إلى نسيج المجتمعات الإسلامية.
فهل تتم إعادة النظر في المفاهيم من أجل إنضاج شروط وحدة المقهورين ضد الاقتصاد الوافد المدمر.
إن الأمر رهين بنهضة الشعوب، و نفضها لغبار الاستلاب الذي تراكم عبر سنين التخلف الذي كرسه الاستعمار بمفهوميه القديم و الجديد الذي تطور ليصبح "عولمة". و إلى تلك النهضة يجب أن نسعى جميعا من أجل مسلمين بلا عقد، بلا استغلال أيديولوجي للدين، بلا طوائف، بلا تعصب أيديولوجي يسمونه تعصبا دينيا، بالتسامح الذي جاء به الإسلام، بالانفتاح على العقائد و الحياة، باستيعاب ما تتوصل إليه البشرية من تطور حتى يبقى صالحا لكل زمان و مكان، يفسح للمسلمين إمكانية التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الذي ينفتح على الأنظمة السياسية، و لا يتنمذج في نظام معين تبقى فيه مذاهب الفقهاء للاستئناس فقط، و ليست مصدرا للتشريع، و يعتبر مصدره النص الديني الذي تطور ليكون ناسخا، أما المنسوخ فللتعبد فقط لا للتشريع.
و إن ما يجب أن نستحضره في ختام هذه المعالجة أن المسلمين الأوائل آمنوا بالإسلام، لا على حد السيف بل اقتناعا بأنه هو الأصلح لتطوير البشر لصفائه و تطهيره للنفوس عن طريق التربية الروحية، و هو ما يجب أن نسعى إليه في عصرنا حتى يتحول المسلمون بقيمهم النبيلة إلى درع حصين ضد قيم العولمة الهمجية.



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام/ الإرهاب…..أية علاقة؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الحنفي - دولة المسلمين لا إسلامية الدولة