|
القروض الاستهلاكية وأزمة الطبقة الكادحة
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 2789 - 2009 / 10 / 4 - 14:57
المحور:
الادارة و الاقتصاد
أجرت مجلة مغرب اليوم من خلال الصحفية سمية اللوقي حوارا صحفيا حول واقع القروض الاستهلاكية وأزمة الطبقة الكادحة وهو الحوار الذي من المفروض أن يصدرة في المجلة يوم الجمعة 09 أكتوبر 2009 وفي ما يلي نص الحوار.
* اتجهت العديد من الأسر في الأونة الأخيرة، نحو قروض الاستهلاك في نظركم ما هي مميزاتها؟ ** قروض الاستهلاك عبارة عن عملية مصرفية تطورت في البلدان الرأسمالية من أجل خلق معوض عن نقص الأجور والادخار ودفع المعنيين لاستهلاك السلع الوفيرة في السوق. وقد اتسعت القروض الاستهلاكية خصوصا بعد وصول رونالد ريغان للسلطة في الولايات المتحدة، فمنذ بداية عقد الثمانينات لوحظ بأن أجور الطبقة العاملة والطبقة الوسطى ضلت مجمدة مقابل ارتفاع مداخيل الطبقة العليا، وكان من شأن ذلك تراجع كبير في حجم الاستهلاك الشيء الذي شكل عاملا اضافيا لتفجير ازمة 1988 ، وقد وجدت الأبناك في ظل هذا الواقع فرصة مواتية لتوسيع أشكال الاقتراضات خصوصا وأنها تتوفر على رؤوس أموال تزيد بشكل كبير عن حجم الاستثمار مما يستدعي ضرورة توظيفها خوفا من تبخيس قيمتها، وبذلك بدأت توفر القروض الاستهلاكية بفوائد جد منخفضة وقد أخذت الأسر الأمريكية تلتجأ الى هذه القروض في جميع المجالات خصوصا في مجال اقتناء العقارات، ولعل أزمة السوبرايم التي انفجرت في خريف 2008 لخير دليل على مدى توسع هذا النوع من القروض. في بلادنا نلاحظ نفس الشيء، ففي ظل جمود الأجور وغلاء الحياة اليومية وصعوبة مواجهة مصاريف ضرورية على الخصوص في مجال التعليم والتطبيب والمواسم الدينية كرمضان وأعياد الفطر وعيد الأضحى ... الخ تجد العائلات نفسها مضطرة للجوء إلى القروض الاستهلاكية لتحقيق نوع من التوازن بين ضعف مقدرتها الشرائية وغلاء الحياة اليومية، ومع اقبال العائلات على هذه القروض تعددت مؤسسات الاقراض واستطاع كل بنك خلق مؤسسته الاقراضية ويبقى أهم هذه المؤسسات هي كل من وافا سلف وكريدي اكدوم والسلف الشعبي.
* كيف تتصورون مستقبل القروض الاستهلاكية بالمغرب؟ ** هناك تلاث مستويات يمكن من خلالها مناقشة القروض الاستهلاكية، هناك أولا مستقبل القدرة الشرائية للعائلات المغربية في مواجهة الاستدانة المفرطة من أجل الاستهلاك، ثم هناك ثانيا مستقبل المؤسسات المقرضة واتساع نطاق التنافس على هذا القطاع ثم هناك ثالثا انعكاس القروض الاستهلاكية ككل على الاقتصاد المغربي. فبالنسبة للمستوى الأول تشكل وفرة القروض الاستهلاكية وسهولة الحصول عليها معوضا للأسر المغربية على جمود وضعف مداخلها لكنها تشكل في نفس الوقت مأزقا مستقبليا للقدرة الشرائية لهذه الأسر والتي تتقلص بشكل كبير وتعدم قدرتها على الادخار وتقلص نطاق استهلاكها، نظرا لتراكم الديون وتآكل المداخيل بفعل الاقتطاعات؛ أما بالنسبة للمستوى الثاني فإن المؤسسات الممولة تحقق أرباحا خيلية جراء هذه القروض حيث تجد الأبناك في هذا القطاع مجالا لتوظيف رؤوس الأموال المتراكمة لديها الى جانب المجالات الأخرى للاستثمار، ثم إن حدة تراكم الأرباح والسيولة لدى الأبناك نتيجة الاقراض والاستثمار يجعل جزءا من رؤوس الأمال لا تجد مجالا للتوظيف مما يدفح تحت ضغط التنافس على توظيف هذه الأموال إلى تقليص نسبة الفوائد وتوفير السيولة والاقتراضات الاستهلاكية بشكل أكبر كما قد توظف الأبناك جزءا من رؤوس الأموال الفائضة في مجال المضاربات في البورصة واقتناء العقارات ... الخ حيث تصبح المضاربة ضرورية للحفاظ على عائدات أعلى من الأرباح، ومعلوم أن اتساع نطاق الرأسمال المضارباتي بسبب وفرة رؤوس الأموال على حساب الرأسمال الانتاجي الذي تتضاءل عائداته نتيجة الافراط في وفرة الانتاج، ثم إن تراجع ادخار العائلات وتآكل قدرتها الشرائية يقود نحو انحدار لولبي للدورة الاقتصادية في اتجاه الأزمة المالية والاقتصادية. لذلك يمكن الحديث هنا أفق محدود لتوسع القروض الاستهلاكية لأنها تؤدي إلى اعادة توزيع الثروات من أسفل إلى أعلى، لذلك تكون الأزمة حتمية. على العموم فإن فوائد القروض الاستهلاكية عبارة عن اقتطاع شبه اجباري لجزء من فائض القيمة الذي تحققه العائلات بفضل عملها ينضاف الى فائض القيمة الذي يقتطعه المشغلون من مداخيل وأجور هذه العائلات. فالنتيجة هي أنه بدلا من أن تشجع هذه القروض على الاستهلاك وتحريك الدورة الإقتصادية والتي تتحقق فقط لفترة قصيرة جدا فإنه على المدى الطويل تقلص الاستادنة المفرطة للعائلات قدرتهم على الاستهلاك فتنفجر أزمة فائض الانتاج ويحدث الكساد. على المستوى الثالث، فإن الاقتصاد المحلي يتأثر بهذه القروض على المدى الطويل لأن اختلال خطير يحدث بين القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم الكادحين التي تتدهور بشكل واضح ويتراجع معها الادخار كما يتناقص الاستهلاك وبين الطبقة الرأسمالية(الأبناك، الشركات، الملاكين الكبار ...) التي تراكم الأرباح وتحاول توظيفها في الاستثمار ثم المضاربة للحفاظ على معدل أعلى من الأرباح لكنها سرعان ما تصطدم بالكساد والأزمة وضعف القدرة الشرائية لدى عموم المواطنين، حيث تبدأ الاقفالات والتسريحات الفردية والجماعية ويبدأ اللجوء أكثر للمضاربة لتعويض التدهور الحاصل في معدل الربح الشيء الذي يزيد من تعميق الأزمة على المدى المتوسط والطويل. * ألا ترون أن الاستمرار في التعاطي مع هذه القروض سيؤدي إلى انخفاض قيمة الفوائد؟ ** بطبيعة الحال أن وفرة السيولة لدى الأبناك نظرا للارباح الخيالية التي تحققها البرجوازية تفرض على هذه الأبناك اعادة توظيفها، وبما أن مجال الاستثمار محدود فإن جزءا كبيرا من رؤوس الأموال يبدأ في التوجه نحو الاقراض الاستهلاكي، وفي ظل المنافسة على توظيف هذه الأموال تنخفض معدلات الفائدة.
*هناك منافسة شرسة بين مؤسسات القروض، مما يجعل المستهلك أمام العديد من الخيارات، هل هذا يصب في صالح المستهلك؟ ** أكبر متضرر من القروض الاستهلاكية هو المستهلك نفسه، فاقبال المستهلكين من عمال وفلاحين وموظفين على قروض الاستهلاك نظرا لوفرتها وانخفاض معدلات فوائدها يؤدي على المدى المتوسط الى تآكل قدرتهم الشرائية مما يقلص من مستوى استهلاكهم خصوصا بالنسبة للمواد والخدمات الأساسية فتحدث أزمات عائلية كثيرة جراء ذلك.
* كيف ترون شراء الديون الاستهلاكية الممنوحة لمقترضي الدين؟ ** شراء الديون الاستهلاكية رغم كونها تخفف شيئا ما من حجم الديون الواقعة على كاهل المقترض إلا أنها تعتبر في حد ذاتها قروضا استهلاكية جديدة وأن ما تم تخفيفه هو مجرد لعبة مصرفية توهم المستهلك بتراجع ديونه لكنها تطال في المقابل في الزمن. الخلاصة هي أنه إلى جانب استغلال البرجوازية للطبقة العاملة في مواقع العمل حيث تسدد لها أجورا أقل بكثير من قيمة يوم العمل الذي يبدله العامل، فإنها تستغله أيضا نظرا لضعف قدرته الشرائية حينما تدفعه نحو الاقتراضات الاستهلاكية فتزيد من معاناته وفرض المزيد من القيود على حياته. لذلك فهذه الاقتراضات الاستهلاكية هي عبارة عن لعبة رأسمالية بامتياز تكرس المزيد من استغلال الطبقة العاملة.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة صناديق التقاعد
-
ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة
-
الغلاء ونضالات تنسيقيات مناهضة الغلاء
-
المخلفات المأساوية للأزمة وآفاق التجاوز
-
تفريغ الأزمة على حساب الطبقة الكادحة
-
عقد من الأداء الاقتصادي، أية حصيلة؟ 1999 - 2009
-
تجاوز الماركسية للفكر البرجوازي المتعفن
-
تعفن النظام الرّأسمالي العالمي وطابعه الطفيلي يستدعي قلبه
-
الأزمة، وضعية العمال وقانون الشغل، الغلاء وحقوق الإنسان
-
أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية
-
يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفضوا
-
الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
-
إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
-
ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا
...
-
القروض الاستهلاكية أداة سياسية لتدبير أزمة النظام الرأسمالي
...
-
لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
-
ارتفاع الأسعار عصف بكل الزيادات في الأجور
-
الحملة التطهيرية شكلت عملية انتقامية وسط التحالف الطبقي الحا
...
-
قانون حرية الأسعار فشل في ضبط السوق
-
قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|