أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - شهادات -لاشيء-4














المزيد.....

شهادات -لاشيء-4


محمد الفرجاني

الحوار المتمدن-العدد: 2788 - 2009 / 10 / 3 - 23:43
المحور: الادب والفن
    


انت لا شي، هذا ما سمعه عندما انفردوا به في مركز الشرطة دقائق بعد ايقافه في الشارع الموازي... انت افرغ من اللاشيء، هذا ثاني ما سمعه من رئيسهم لما دفعوا به الى مكتبه في ذلك الصباح الشتوي البعيد... بعد بعض الضرب واللكم والسب والاهانات، اخذوه من ذلك المركز و اركبوه سيارة وكانوا اربعة في السيارة، السائق وثلاثة اعوان بالزي المدني، اثنان بكرفاتات قديمة يعلوها بعض لمعان الوسخ والثالث في قميص صوف اسود يغطي رقبة العجل البشري كلها... تبعتهم سيارة اخرى حتى وصلوا الى مقر منطقة الشرطة: هاتوه! هذا اول ما سمع عندما دفعوا به الى داخل المبنى وما فهم من المتحدث، اذ كانت اللكمة صائبة تحت الفك الاسفل، ومع ما يتبع هذا النوع من اللكمات الفجائية من دوار وغياب ما فهم من المتحدث... بعد دقائق وقوف في احد المكاتب، دخل احدهم مصحوبا بآخر وتتطلعا في فضول الى الاشيء ثم انصرفا... ثم بدأ استنطاق عادي بكل مقومات هذا اللون من الاحاديث ومع كلمة تتخلل الحديث، كلمة تتردد بمعدل مرة في الدقيقة : حكايتك فارغة... كل ما فهمه من هذا الاستنطاق هو ان امره هزيل و ان لا قيمة لهذا التحقيق وانه من الفاشلين التافهين حتى الشفقة...، قاوم في مناسبتين على الاقل رغبة قوية في الضحك لما استعمل المحقق كلمات بالفرنسية فيها "ابتكارات" نحوية لا تترجم طبعا... ثم وبعد اتصالات هاتفية فيها الحقيقي وفيها المسرحي وبعد وشوشات فيها الحقيقي وفيها الوهمي، وبعد فتح ابواب واغلاقها وبعد تصفيق حاد لبعض الابواب بالعفوي منها والمفتعل، وبعد ان ساد المنطقة كلها صمت عميق امتلأ المكتب فجأة برجال كثر وكأنك في حفل عرس... وهو في كل هذا ينظر من النافذة الى الساحة الخلفية لمنطقة الشرطة ويفكر في حصة الدرس التي تخلف عنها طبعا، ولم تكن اول مرة "يحرق" الساعة الاولى من الدروس ولكنها اول مرة يتخلف لانه لا شيء، و بدأ يتعود بالتدريج على وضع اللاشيء الجديد عليه، وانطلق في فكره، كيف يجلس اللاشيء، اين يضع اللاشيء يديه، افي جيوب البنطلون او في جيوب السترة ام على الركبتين ككل حتى شي اصيل، وكيف ينطق اللاشيء، كيف يبدأ الجملة، وهل له من اسلوب خاص في الكلام او عبارة تتردد في كلامه من تلك التي تفقد معناها الاول وتحل محل بلع الريق لمواصلة الحديث الذي هو ايضا غالبا ما فقد معناه قبل التلفظ به، ليس من اليسير ان تتعود في صباح واحد على وضع الحتى شي كما هو ليس باليسير ان تمشي بالسرعة المطلوبة من الاعوان المرافقين اذ كانوا هم انفسهم من ضربك منذ ساعة على رجلك حتى عطبوا بها عصبا، ومع ذلك حاول ان يجاريهم تفاديا للكمات من الخلف و حتى لا يكون حتى شي في المشي ايضا، وهي رياضة لا تتطلب مهارات استثنائية... وصل الركب، سيارتان، الى مبنى الوزارة وادخلوه من احد الابواب الجانبية، وقبل ان تبدأ الرحلة عبر الممرات اصابته ضربة صائبة على الرأس من الخلف، فقد معها الكثير من التركيز لذلك ما تذكر الطريق الذي قطعه حتى يصل الى ذلك البهو اين انتظروا جميعا دقيقة او بعضها حتى خرج من بعض الابواب ظابط، هنا جاء دور مرافقيه بان يشعروا بانفسهم حتى شي امام هذا الكبير من الكبار كان ذلك واضحا من انظباطهم في الوقفة وافرادهم له الصدارة في الحلقة التي كانت حول الحتى شي وكان ذلك واضحا ايضا من نظاراته، قميصه الابيض، كرافات، عدد النجوم على كتفيه و وضعها من بعضها، نظّـّاراته الثمينة وخصوصا نطقه للغة فرنسية سليمة متمكنة، هنا انتهت الابتكارات اللغوية وما شعر برغبة في الضحك ابدا، بل العكس... شعراللاشيء ببعض القلق اذ فهم ان شيئا كبيرا لا يفهمه يحدث، واحيانا يمكن ان يكون اصغر الصغار التافهين مربوطا باعمال كبرى، هذا لو صدقه مرافقوه طبعا في كل شيء... قادوه الى مكتب آخر و وقف برهة امام احد الاعوان في كرافات انيقة ايضا، وهنا حصل ما لم يكن يتوقعه، اتضح انه عون طيب مسالم، استدعاه الى الجلوس وما سأله شيئا بل العكس الموظف من تحدث لفترة طويلة، تحدث عن البلاد، احسن بلاد، الاختيارات، احسن اختيارات، الخير العميم، احسن عميم، والاغلبية الساحقة، احسن اغلبية، التي تفهم وتسير على خطى قائدها، باختصار الامور على احسن ما يرام، كلام استغرب له الحتى شي وستظهر عنده في الساعات اللاحقة رغبة في تغير هندسة هذا اللقاء.. اخذوه الى مكتب آخر تتوسطه طاولة وامروه ان يضع عليها كل ما بجيوبه التي افرغوها من الدقيقة الاولى في مركز الشرطة، نزع الحزام و وضعه على الطاولة، نزع رباط حذائه والى هناك ايضا، ثم بعد تفتيش دقيق اخذوه الى زنزانة بها طلبة يتناقشون في "طبيعة المرحلة"، مؤتمر استثنائي في مكان اكثر استثنائية... في الطريق ذكّره العونان المرافقان الى الدهليز مرة اخرى ان حكايتو فارغة وانه حشرة حقيرة طبعا، هكذا لوضع الامور في اطارها قبل تسليم مقر الاقامة... بعد ساعة او بعضها من الاقامة الجديدة فُتح الباب ودخل شخص طويل القامة في بذلة انيقة ومعطف ثمين وعلى راسه كلباك من فرو وسيجار بنيّ قصير بين شفتيه، يذكّر منظره بأب عائلة تقليدي، الاب الحنون وربّ العائلة المتفاني في خدمة ذويه، و لولا المكان وبعض الجزئيات، كنت تظن احدهم خرج صباح الاحد ليبتاع من السوق كل ما يلزم لبيته، دون ان ينسى رغبات ابنته الحبيبة المدللة طبعا...، ومع ذلك توتر الجو واستقام اغلب من كان بالمكان في جلسته، تقدم الزائر من الحتى شي وطلب منه بشدة وازدراء ان يقف، فهم اللاشيء المقصد لما فات الاوان، فدفع بنصفه الاعلى الى الامام واستعد للانتصاب واقفا عندها تلقى ركلة عنيفة مركزة على وجهه من حذاء الاب الحنون، الانيق الثمين ايضا... من الغد اخذوه الى مكتب آخر، ثم آخر، وفي كل مرة كرافاتات انيقة وموظفون وحركة وجلبة ونشاط، وتقنيات وتدابير فيها الخفي وفيها المفضوح، ومكاتب وبعض الابهة... عندما وصل الى القميص الابيض والكرافات الثمينة العاشرة المشتغلة المستنطقة لهذا اللاشيء ظهرت، اضافة الى الاوجاع العنيفة في اماكن عدة من جسمه، ظهرت عنده رغبة في قلب اتجاه التحقيق بسؤال صار ملحا ان كانوا فعلا متأكدين انه لاشيء وان حكايته فارغة...




#محمد_الفرجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادات -لاشيء- 3
- شهادات -لاشيء- 2
- شهادات -لاشيء-
- سقاية الحجيج الاعظم
- بصفة قارئ


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - شهادات -لاشيء-4