أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شكشك - أم الفحم














المزيد.....

أم الفحم


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 2790 - 2009 / 10 / 5 - 08:37
المحور: الادب والفن
    



لعلها ككل مدينة فلسطينية{وربما ككل شخص فلسطيني}, تلخص الحكاية, لأنها {أي الحكاية} منذ البداية وبكل بساطة هي تعسف السياق.
هكذا يقرر بضعة عشرات من المستوطنين إعلان تَسيُّدِهم على أم الفحم,بضعة عشرات يضاجعون التاريخ في {عادة علنية}, على مشهدٍ من عيون إمبراطوريات الديموقراطيات في جهة العين الحَمِئَة, حيث تغرب الشمس, ودون حياء, وبتصريحٍ من أعلى هيئة قضائية عبرانية, وبحمايةِ دروع الشرطة.هكذا يكون هذا الامتهان العلني لأم الفحم, وتصبح الأرضُ كلها ساحةً, والقذفُ بالقنابل المسيلة للدموع وسيلةَ استثارة,والردُّ بالحجارة والزغاريد طقوساً للبكارة.
لا يملك الشجر إلا الانتصاب وشربَ نخب الندى والنتحَ والثمارَ والولادة, وهذا الفرح الأعزل هو ذاته الذي يزيد المستوطنَ ارتباكاً ويفاقمُ من رصيد قلقه, مما يدفعه إلى مزيدٍ من الاضطراب والانزلاق في أخطائه {خطاياه}, وهو لا يملك خيارَ الصواب الآخر, لأن هذه هي بداهة الأشياء, وهي نفس البداهة التي تلدُ الإبداع, إبداعَ الرمل والأندوجين والثلج والعشب وتموّجات اللسان.
في ذلك الصباح الجميل, والمشهدُ منتشٍ بعمارة كنعانية وأشجارٍ شكّلتْ فسيلاتُها مادّةَ الأرض والتاريخ, وتكلمتْ لهجةَ الفحم الأولى, وحيث الأثيرُ حميمٌ على تربةٍ وجباهٍ ألّفَها وألِفَها, تمرّ راياتُ العبرانيين, غريبةً نشازاً على الفرح الأول الأعزل, وعلى لون الفحم ومذاق الزيت ورائحة العشب وترانيم وتر السماء.
فهنا سطّرْنا سفرَ تكويننا, فلاكتْ لغةُ العشب ألسنتنَا, ونبتت به, وناغَتْه, واهتزّت ورَبَتْ معه, وشربتْ مواويلُنا من ينابيعنا, وتشاكلت حكمتُنا مع حكايات الجدات وطقوس البذر والتناسل والولادة والحصاد, وشربتْنا الآبارُ وأشجارُ الصبار,ودارت فينا ودرنا فيها, فتشكل طينُنا من طينها, وتجدّدت دورة التكوين فينا, فكان فحمُ الأرض منا, وكُنّاه, وصارت أم الفحم عنوانَ الصيرورة, فكيف لسلاحهم الذري أن يفك مادة التكوين, هذا الاشتباك, وبداهة اليقين.
هنا تهجّتْنها الأسماءُ كلُّها, وعرَجتْ أرواحُنا إلى أل {ماوراء} لتصل أرضَها بسمائها, وليكتمل سفرُ التكوين بشكر الرب {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين}, وتنزيهه عن العجل المقدس.
هذا اليقين, يقين السياق, هو الذي يزرع لدى المستوطن يقيناً مقابلاً باستحالة البقاء, وهو الذي يدفعهم للمجون وارتكاب الجنون, والهروب إلى الأمام, الهروب من جزعهم ومن يقيننا, ويقينهم, مسكونين بهاجس تكويننا وبداهتنا وفرحنا الأعزل, ومسكونين بهاجس النصوص المحذوفة من التوراة, ومطاردين بالأركيولوجيا ولعنات داوود وعيسى.
هذا الهروب إلى الأمام هو الذي يدفعهم للإيغال أكثر في دمنا وهو الذي يفسر كل هذه المكابرة وكل هذه المستوطنات والجدران, وكل هذا {اليمين} في البرلمان.
وهو نفس الجزع التكوينيّ الذي يدفعهم لحشد اللوبيات والأموال والسلاح النووي ... لأم الفحم, التي تنام واثقة من قوى البداهة التي ترفدها ببداهة العبقرية في استنفاذ العسف الطارئ على الزمان والعشب واللسان والمكان والإنسان.
تلك هي أم الفحم, تلك هي الحكاية... كل الحكاية.



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بؤرة استيطانيّة لاشرعية
- خربشات على ضوء الفوسفور
- سوناتا للبابا - شاهداً على نهاية يهوذا-
- أغنية فرح لإفريقيا
- الخيمةُ … الآن
- السفينة
- بين اتمامين
- وطن لهذا القدس
- شهادة جديدة لجريمة قديمة
- أطفال أمام الكاميرا
- محمود درويش-كِتابُ حنين الأب-
- , فتح . النص الأول
- وداعا للسلام
- باقة شوك


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي شكشك - أم الفحم