|
«الأب» ل «سترندبرغ» : ملخص عداء كاتب للمرأة
ابراهيم العريس
الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 19:32
المحور:
الادب والفن
الجمعة, 02 أكتوبر 2009
Related Nodes: 100215b.jpg100216b.jpg كان الكاتب السويدي اوغوست سترندبرغ يكره النساء في شكل عام. وقد يكون من الصعب العثور على سمات هذه الكراهية في كل اعماله المسرحية، ولكن ثمة مرحلة في حياته تشغل على الأقل ثمانينات القرن التاسع عشر، شهدت كتابته لعدد لا بأس به من مسرحيات تشهد على هذه الكراهية. فمثلاً في مسرحيته «الرفاق» تكذب البطلة برتا على زوجها اكسل وتغشه ليس فقط في مجال انتزاع المال منه، بل ايضاً من اجل تدمير سمعته كإنسان وفنان. وفي مسرحية «الدائنين» تدمر الزوجة تكلا إرادة زوجها ادولف وشجاعته وكذلك الحال في عدد من مسرحيات الفصل الواحد التي كتبها في ذلك الحين، وصولاً الى مسرحية «الأمومة» التي تتحدث عن فتاة هوى سابقة ترفض السماح لابنتها بأن تتصل بأبيها او تتلقى اي عون منه. وإذا كان هذا البعد نفسه يسري على لعبة الحب/ الكراهية التي تهيمن على مسرحية سترندبرغ الكبرى «الآنسة جوليا» حيث تؤدي سيطرة الأم وعدوانيتها الى الحيلولة دون نضوج جوليا، فإن مسرحية «الأب» التي كتبها اوغوست سترندبرغ في العام 1887، تبقى الأكثر دلالة على ما نقول. ولا شك في ان سترندبرغ، إذا كان قد جعل نتفاً من مشاعره وتفاصيل حياته الخاصة تبدو من مواقفه في كل هذه الأعمال، فإنه في «الأب» جعل الأمر كله يبدو اشبه بسيرة ذاتية.
> في تلك الفترة من حياته كان صاحب «سوناتا الأشباح» يعيش وضعاً عائلياً مزرياً، إذ ان زوجته كانت لا تكف عن الإيحاء امام الأصدقاء والأهل بأن زوجها يعاني درجة اكتئاب وجنون متقدمة، وأن هذا يؤثر سلباً في أسلوب تعاطيه مع الأطفال وتربيته لهم، ما يستدعي وضعه تحت الوصاية وسحب الأطفال منه. كان من المعتقد ان زوجة سترندبرغ تود في ذلك الحين لو تراه يموت، وصولاً حتى الى قبض قيمة التأمين على حياته. فهل كان هذا كله صحيحاً؟ هل كانت زوجة سترندبرغ شريرة الى هذا الحد، ام ان نوعاً من البارانويا (رهاب الاضطهاد) كان يعتمل في داخل سترندبرغ مصوراً له الأمور على هذا النحو؟ مهما كان من شأن الجواب، من المؤكد ان كاتبنا عرف كيف يقاوم. والفعل الأساس في مقاومته تجلى في كتابته مسرحية «الأب» وسط اعمال اخرى له تحمل الذهنية نفسها، والرغبة العنيفة في «فضح اخلاقيات النساء».
> إذاً، في «الأب» لدينا رجل (هو الأب والشخصية الأساس في المسرحية) وهو كابتن في سلاح الفرسان، ورجل أعمال إضافة الى ذلك ونحن لا نعرفه إلا باسم «الكابتن». والكابتن هذا يعيش محاطاً بعدد من النساء، وفي مقدمهن زوجته لورا، وابنتهما برتا، وهناك ايضاً الممرضة العجوز مرغريت، وحماة الكابتن، والمربية. ومن الطبيعي للكابتن ان يشعر بقدر ما من الاختناق وسط هذا المناخ. وهو، إذ يحب ابنته حباً جماً، من الواضح انه يرغب لها في ان تفلت من هذا الجو، فيقرر ان عليها ان تسافر بعيداً كي تستكمل دراستها. بيد ان الأم لورا تعارض هذا. إنها تريد لابنتها ان تبقى ها هنا. ثم اذ يحتدم الصراع حول هذا الأمر بين الكابتن ولورا، تبدأ هذه الأخيرة بنسج مؤامرة توحي من خلالها، وبدفع ومساعدة من طبيب العائلة، بأن برتا ليست في الحقيقة ابنة الكابتن، وإنما هي ابنة علاقة آثمة اقامتها لورا في الماضي. في البداية يقاوم الكابتن هذه الفكرة تماماً، غير ان شيئاً من الشك يبدأ بالتسرب إليه. ومناخ الشك هذا هو الذي يسيطر تدريجاً على المسرحية ككل، وإلى درجة يبدأ الكابتن معها في التساؤل حول ما اذا كان، هو، في كامل عقله ام انه مجنون. ولورا لا تتوقف عن تغذية مشاعره وأفكاره هذه الى درجة تفقده في نهاية الأمر كل هدوئه ورصانته حتى يصيبه ما يشبه المس الحقيقي، ما يدفع ممرضته - المتواطئة اصلاً مع لورا - الى ربطه بقميص المجانين وتكون النتيجة ان يصاب بذبحة قلبية ويموت. اما لورا فإنها ستسعد في ذلك الانتصار الذي حققته.
> من ناحية مبدئية يبدو الموضوع بسيطاً في خطّيته، كما يبدو فوز لورا في الصراع حتمياً في مناخ يعيش فيه الكابتن محاطاً بالأعداء. ولكن من الواضح ان ما هو مهم هنا، ليس هذا الحدث بل دلالاته والكيفية التي عالج بها الكاتب شؤونه الخاصة مسقطاً إياها على شخوص مسرحيته. فالموضوع الجوهري هنا انما هو الصراع الذي تخوضه لورا، تلك المرأة التي لا تكف طوال الوقت عن تبرير تصرفاتها مضفية عليها طابع المشروعية، انطلاقاً من قناعتها التامة بأن الحب بين الجنسين إنما هو فعل صراع دائم. غير ان موقف المرأة «الشرير» هذا، لا ينبغي عليه ان يبعدنا عن رؤية ان دوافع الكابتن نفسه ليست دوافع طيبة، بمعنى ان سترندبرغ هو هنا ابعد من ان يصور لنا صراعاً بين الخير والشر. فالحب الذي يكنه الكابتن لابنته انما هو في حقيقته صورة لأنانيته ولرغبته في امتلاك ابنته. ومن هنا فإن الصراع الذي يصوره لنا اوغوست سترندبرغ انما هو صراع بين طبيعتين انانيتين. وفي هذا الصراع العنيف والذي تستخدم فيه كل ضربات ما دون الحزام، من قبل الطرفين، لا يكون الانتصار للأقوى، بل للأكثر سوءاً... لمن يستخدم القدر الأكبر من الشر. وبالنسبة الى سترندبرغ، المتشائم عادة إزاء الطبيعة الإنسانية، المرأة هي الأكثر شراً بين الطرفين، من دون ان يعني ذلك ان الرجل ليس شريراً، كل ما في الأمر ان لدى المرأة من الحيل وضروب المكر والخداع ومن القدرة على الكذب، ما يفوق ما يملكه الرجل. ومن هنا تكون هي المنتصر في نهاية الأمر.
> وهكذا، على هذا النحو المثير بدوره للتساؤلات، تمكن سترندبرغ من ان يصور في هذه المسرحية القاسية والسوداء، هواجسه الحياتية ونظرته الى الصراع، الصامت احياناً والصارخ في احيان اخرى الذي كان يدور داخل حياته. وانطلاقاً من هنا صوّر سترندبرغ - ومن دون ان يوفر نفسه او مشاعره الخاصة او انانيته - مخاوفه إزاء المرأة: كل امرأة سواء اكانت زوجة او اماً او ابنة او حتى خادمة. لكنه صور ايضاً تواطؤ طبيب العائلة، ثم حمق الرجل بشكل عام وغرقه في شكوكه ما ان تجري امامه تلميحات. ولعل الأمور هنا تصل الى ذروة الإيلام حين يصور سترندبرغ كيف ان ابنته تقف الى جانب امها حين يحتدم الصراع ضاربة عرض الحائط بكل الخير الذي يريده الأب لها، وكذلك حين يصور خديعة الممرضة إذ تتواطأ عليه بعد ان تبدو لحين عاطفة عليه متفهمة له، فإذا بها تلهيه حتى تلبسه سترة المجانين.
> حين كتب سترندبرغ مسرحية «الأب» كان في الثامنة والثلاثين من عمره، هو المولود في العام 1849 في ريدار هولم غير بعيد عن استوكهولم عاصمة السويد. وكان قد سبق له ان نشر، منذ العام 1869 من المسرحيات ما امن له شهرة كبيرة ومكانة اساسية في تاريخ المسرح السويدي، قبل ان يواصل مسار مسرحه الواقعي والقاسي، جاعلاً من نفسه واحداً من اقطاب الكتابة المسرحية في الأزمان الحديثة. ولقد كتب سترندبرغ حتى رحيله في العام 1912 مسرحيات تدور حول الصراعات الداخلية والحياة العائلية وعودة الماضي، ضمن أسلوب قاس، وتعمق في نفسيات شخصياته. ومن ابرز أعماله الأخرى «الى دمشق» في جزءيها و «طقس عاصف» و«رقصة الموت»، إضافة الى عدد كبير من المسرحيات التاريخية.
عن الحياة
#ابراهيم_العريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«صرخات وهمسات» لانغمار برغمان: أسئلة الايمان والمرأة والموت
...
-
الفيلم التاريخي: أنواع لا تعد وخيال لا يحد والأساس في بطون ا
...
-
سينما الأدب البوليسي: بدايات صامتة وأنواع لا تنتهي عنوانها ا
...
-
السبات العميق» أيقظ السينما البوليسية
-
الروايات والمسرحيات على الشاشة ورائحة الخيانة تعبق في كل مكا
...
-
«القسيس الأسود» لتشيكوف: صراع الروح والجسد
-
-بلاتونوف- لتشيكوف: حين يخون المثقف نفسه
-
«الشاحنة» لنادين غورديمير: عاشق أميركا وعاشقة الصحراء
-
«بادلاند» لتيرنس مالك: اجرام على طريقة السينما
-
«عن الحب وشياطين أخرى» لماركيز: القبر والشيخوخة والشعر الطوي
...
-
«رقابة صارمة» لجان جينيه: أسئلة السجن الكبير
-
-عرس الدم- للوركا: الفولكلور ويد القدر
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|