|
دفاتر تثقيفية / الحلقة الثالثة / عن مفهوم الطبقة العاملة
الماركسيون اللينينيون المغاربة أنصار الخط البروليتاري
الحوار المتمدن-العدد: 2786 - 2009 / 10 / 1 - 04:41
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تقديم بالرغم من تطرق العديد من الكتابات الماركسية في المغرب وخارجه لمفهوم الطبقة العاملة، كطبقة متميزة عن جميع الطبقات الكادحة، من حيث ارتباطها الوثيق بنمط الإنتاج الرأسمالي، ومن حيث موقعها في عملية الإنتاج، والاستغلال الذي تتعرض له، وكذا من حيث أدوارها في النضال من أجل التغيير، وبالنظر لقدرتها وأهليتها لقيادة جماهير الكادحين، وبالنظر كذلك لامتلاكها، لوحدها كطبقة، مشروعا للتغيير الاشتراكي، يخدم في العمق مصالح جميع الكادحين والبؤساء والمحرومين والمضطهدين.. فمازال الغموض يلاحق ويلف المفهوم، وما زالت بعض الكتابات التي تدٌعي انتماءها، جورا أو جهلا، للماركسية تكرس الغموض وتعمقه، الشيء الذي فرض علينا إعادة التأكيد، من خلال هذه المساهمة المتواضعة، على مفاهيمنا وتصوراتنا من منظور علمي، استنادا واسترشادا بمرجعيتنا الماركسية ومنهجيتها العلمية. سنراعي كون المساهمة في الأصل، قبل أن تعمم، موجهة لنادي التثقيف الاشتراكي، وبالتالي، فتبسيط اللغة والشروحات لن يمس من جوهر الموضوع والمفاهيم في شيء، ونتمنى أن نكون قد وفٌقنا في هذه المهمة الشاقة والصعبة.. وألاٌ نكون قد انزلقنا لشراك المواقع المحصٌنة، التي كانت عرضة لهجماتنا أيام زمان، مواقع المثقفين العارفين، "الفلاسفة" المطلعين.. الذين يخاطبون بعضهم بعضا عن مواضيع ومصالح ومهام لا تخصهم.. بل تهم غيرهم، العمال والفقراء والكادحين بالمدن والأرياف..الخ فأمام موجة "التجديد" التي طالت العديد من المفاهيم التي كانت تعتبر أساسية بالنسبة للماركسية، بل يمكن القول، أنه بدونها لن يكون من مبرر ولا من حاجة للفكر الماركسي كتيار متميز داخل الحركات الاشتراكية والشيوعية.. بات من الضروري تحيين مفاهيمنا وفق المنهجية التي اعتمدناها بداية، وعلى طول هذه المغامرة التثقيفية التي وصلت حلقاتها إلى ثلاثة. لقد اصطدمنا في إطار النقاشات الفكرية التي نخوضها داخل الحركة اليسارية الاشتراكية، بما فيها جناحها الماركسي اللينيني، بالتشكيك في بعض البديهيات والمسَلمات، من قبيل: التشكيلة الاجتماعية الحالية في المغرب، نمط الإنتاج السائد ببلادنا، نظام الرأسمالية التبعية وعلاقته بالإمبريالية العالمية، وجود الطبقة العاملة بالمفهوم البروليتاري الماركسي للكلمة..الخ الشيء الذي دفع بنا للخوض في هذا النقاش، وسنحاول قدر المستطاع المساهمة في جدالاته بالشكل الذي يخدم قضايا التغيير الاشتراكي، أو على الأقل بالشكل الذي نتوخى منه ذلك، ولن تكون الفرصة سانحة، بالطبع، للإجابة على جميع الإشكالات النظرية، وسنكتفي في هذه الحلقة بالتركيز على مفهوم الطبقة العاملة وما ينازعه من شوائب.
مفهوم الطبقة قبل الخوض في تحديد مفهوم الطبقة العاملة، لا بد من تحديد مفهوم الطبقة بشكل عام، أولا. والتعريف الوحيد الذي عثرنا عليه ضمن الكتابات الماركسية والذي عرضناه سابقا، هو التعريف الذي تقدم به لينين في إحدى نصوصه على الشكل التالي "إن كلمة طبقات تطلق على جماعات واسعة من الناس، تمتاز بالمكان الذي تشغله في نظام الإنتاج الاجتماعي، محدد تاريخيا بعلاقتها (التي يحددها ويكرٌسها القانون في معظم الأحيان) بوسائل الإنتاج، بدورها في التنظيم الاجتماعي وبمقدار حصتها من الثروات.. إن الطبقات هي جماعات من الناس، تستطيع إحداها أن تستملك عمل جماعة أخرى بسبب الفرق في المكان الذي تشغله في نموذج معين من الاقتصاد الاجتماعي" عكس ذلك، نجد أن الطبقة العاملة أو البروليتاريا قد حظيت بتعريفات شتى، و في أماكن عدة من أعمال ماركس وانجلس، لكن بمضمون واحد.. فهي "طبقة من طبقات المجتمع تعتاش كليا من بيع عملها" وهي البروليتاريا "أي الطبقة التي لا سلطان لها على حياتها اليومية".. وهي "الطبقة منتجة فائض القيمة، والمفصولة عن وسائل العمل، وعن منتوج عملها" فليست الطبقة العاملة هي الطبقة الشغيلة وفقط، أو هي "عموم الكادحين" كما يتم الخلط فيه بتعمد وعن سابق إصرار من بعض الكتابات التي تدعي التزامها بالعلم والماركسية. فما نقصده بالطبقة العاملة، أو البروليتاريا، في خطابنا ومفاهيمنا هو الطبقة العصرية المنتجة لفائض القيمة ـ موضوعة سنخصها بالشرح خلال هذه المساهمة ـ والمتعرضة لأبشع أنواع الاستغلال، والمرتبطة بنيويا بنمط الإنتاج الرأسمالي. فلا وجود للبروليتاريا خارج النظام الرأسمالي، ولا وجود كذلك لرأسمالية بدون الطبقة العاملة، وزوالها، أي الطبقة العاملة، لن يتأتى إلا بالتدريج مع انتصار الثورة الاشتراكية وتقدم البناء الاشتراكي في اتجاه النظام الشيوعي الخالي نهائيا من الطبقات ومن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
من هم الكادحون، وماذا نعني بالجماهير الكادحة؟ أمام ضرورات العيش والحياة، يضطر الناس للكدٌ كمقاومة لشروط الطبيعة المتقلبة، ولشراسة العديد من الحيوانات، ولوعورة المسالك والتضاريس، وكذا لجور علاقات الإنتاج التي ميزت أنماط الإنتاج الطبقية على طول تجربة البشرية.. فمن أجل لقمة العيش وإشباع الحاجيات الأساسية، اضطر الإنسان للاشتغال والكدح منذ الزمن الغابر، أي قبل ظهور الاستغلال والطبقات. وداخل نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه، يستمر الناس، بل الغالبية من الناس، في الشغل والكدح المضني دون أن يكونوا عمالا بروليتاريين بالمعنى الماركسي للكلمة. ثم إن الشغل والكدح المضني لا يؤدي بالضرورة إلى البؤس والشقاء والحرمان من أساسيات الحياة.. فهناك من يشتغل أزيد من 12 ساعة في اليوم لحسابه الخاص، لكنه بالمقابل يوفر من جراء هذا الكدٌ عيشا في مستوى لائق ومريح يميزه عن باقي الكادحين أو أغلبيتهم. فمجموع الشغيلة والكادحون، لا يمكن لهم بأن يصبحوا بروليتاريين إلا بعد دخولهم في علاقة اجتماعية مع الرأسماليين أرباب العمل، يعني بعد أن يتحولوا تحت الضرورة إلى عمال يعرضون قوة عملهم للرأسمالي لتشغيلهم مقابل أجرة. لدينا في المغرب، مثلا، الحرفيون على مختلف اختصاصاتهم وحنطاتهم، خياطون، حدادون، نجارون، دباغون، اسكافيون، نساجون ودرازون، بناؤون، فخارون، ميكانيكيون، رصاصون وكهربائيون..الخ ولدينا كذلك الفلاحون المزارعون ومربو الماشية، والتجار الذين يتوسطون بين المنتجين والمستهلكين، بعددهم الكبير والمتنوع، و تختلف مداخيلهم كذلك من حرفة لحرفة وداخل الحرفة نفسها.. مما يجعل من طبقتهم، كطبقة متوسطة، أو ما نعرٌفه في ثقافتنا الماركسية بالبرجوازية الصغيرة، طبقة منقسمة إلى فئات عديدة متناقضة، وأحيانا متعارضة المصالح والتطلعات. هناك أيضا فئة المستخدمين والموظفين الصغار، والمأجورين، منهم من يشتغل في دائرة تداول رأس المال، كالبنوك وشركات التمويل والتأمين ومكاتب البيع ووكالات الأسفار.. إضافة لموظفي الخدمات في القطاعين الخاص والعام، في البريد والخدمة الهاتفية، والصحة، والتعليم ومختلف مصالح الإدارة العمومية..الخ هي فئات كادحة، ليست منتجة لأي نوع من السلع، ولا تنتج فائض القيمة بطريقة مباشرة، لكنها تساعد على إعادة إنتاج شروط فائض القيمة بطريقة ما.. فئات تبيع قوة عملها، ويتم استغلالها عبر السلب المباشر لقوة عملها هذه وليس عبر استخلاص فائض القيمة، هي أجيرة وأجرتها تعادل بطريقة ما الكلفة الاجتماعية لإعادة إنتاج قوة عمل هذه الفئات. هاته الفئات المكونة للطبقة البرجوازية الصغيرة، بالرغم من انفصالها وتميزها على المستوى الاقتصادي كمنتجين صغار ومالكين صغار ـ كفئتين مالكتين ـ ثم أجراء غير منتجين ـ كفئة غير مالكة ـ فمصيرها الكد والكدح الذي يجمعها ويوحدها سياسيا وإيديولوجيا في أمور شتى.. وهو ما يميز الطبقة الوسطى بمعنى المصالح، والموقع بين الطبقات، وما يترتب عنه من توفيقية وسطية على المستوى الإيديولوجي وتذبذب انتهازي على المستوى السياسي. ومن الناحية النظرية، وفقا لماركس والماركسية، لا توجد بالمعنى الحاد للكلمة سوى إيديولوجيتين داخل المجتمع الرأسمالي، إيديولوجية الطبقة البرجوازية المسيطِرة وإيديولوجية الطبقة العاملة، أما البرجوازية الصغرى فتأخذ من هنا وتنتقي من هناك في إطار الفكر التبريري المتردد، دفاعا عن مصالحها وموقعها المفترض. ثمة فئة اجتماعية أخرى تعيش في الحضيض وفي قعر المجتمع أسوء حالات الفقر والبؤس والإملاق.. فئة غير مرتبطة ارتباطا مباشرا بنمط الإنتاج الرأسمالي، بل سابقة في وجودها عنه، لكنها خضعت لتطور وتوسع هائل بفعل تأثيره السلبي وانتشاره وهيمنته على حياة المجتمع.. وهي "الطبقة الخطيرة" كما يسميها بعض الماركسيون "طبقة" مبهمة الهوية والحدود، حيرت المنظرين الاشتراكيين منذ القرن 19 إلى حد الرهان عليها "كطبقة" قائدة ومؤهلة لقيادة التغيير.. إنها فئة فقراء المدن، المتنقلين أبدا من عمل هامشي إلى عمل هامشي آخر، الذين يعيشون من مداخيل غير ثابتة، من أشغال حقيرة ـ السخرة، اللصوصية، الدعارة، القوادة، التجسس والمخابراتية، المخدرات..ـ وبعض أنواع التجارة البسيطة كباعة متجولين وباعة على قارعة الطريق ـ الفرٌاشة ـ وباعة المتلاشيات ـ الخردة ـ..الخ جمهور الفقراء واللصوص والمتسكعين والمتسولين.. الجاثم كالعبء الثقيل على صدر المجتمع، لأنهم في آخر المطاف غير منتجين، يخيفون بكثافتهم وبدرجة بؤسهم الجميع، السلطة وأحزابها البرجوازية من جهة، والتيارات العمالية الاشتراكية الطامحة للتغيير، من جهة أخرى. وقد أطلق ماركس على هذه الفئة اسم "البروليتاريا الرثة" أو "ما دون البروليتاريا"، التي سنتناولها بالشرح في سياق بحثنا هذا، بالنظر لما تستحقه من اهتمام بعد أن تغير شعور الريبة والتحفظ تجاهها، من طرف التيارات الاشتراكية المناضلة. لقد وعى الجميع بأدوارها الإيجابية التي يمكن أن تلعبها في تأجيج الصراع الطبقي ضد الحفنة المالكة والفاحشة الثراء، ولم تعد معادية للطبقة العاملة بذلك الشكل السافر الذي كانت عليه إبان المراحل الأولى من سيادة وتغلغل النظام الرأسمالي. لقد أصبحت محتضنة ـ على الأقل في بعض التجارب، ومنها التجربة المغربية ـ للطبقة العاملة ونضالاتها، للحركة الطلابية التقدمية وإضراباتها، للحركات الاحتجاجية المناهضة للخوصصة والغلاء، للعمل الجمعوي التقدمي المناهض للرأسمالية وسياساتها..الخ لقد تمكن اليسار التقدمي عبر نضالاته المريرة وصموده التاريخي لسنوات عديدة، من اختراق قلاعها وحصونها.. ومن مساهمته في نشر الوعي في صفوفها، خاصة بعد أن تمكن العديد من أبناءها من الاستفادة من مكسب "الحق في التعليم" ومن الحصول على الشهادات الجامعية العليا.. فمصير هذه "الطبقة" مرتبط بالضرورة بالتطور في اتجاه الاشتراكية، لأن انتصار الثورة الاشتراكية هو الكفيل لوحده باستئصالها من جسد المجتمع واجتثاث جذورها كآفة لازمت وتطورت أساسا مع تطور وانتشار وهيمنة النظام الرأسمالي على العالم وعلى حياة البشر. نرجع لموضوعنا عن الكدح الذي يجب أن نميزه عن إنتاج فائض القيمة الذي تتميز به الطبقة العاملة لوحدها عن سائر الفئات والطبقات الأخرى داخل نمط الإنتاج الرأسمالي. وسنركز عن الفئات التي تشتغل وتكدح طول النهار، ومنها من ينتج بضائع للسوق ومنها من يؤدي خدمة معينة بالمقابل، أي المقابل الذي يتراوح من سد نفقات العيش الأساسية، إلى الكماليات ووسائل العيش المريحة الأخرى. فالفئة المنتجة لا تشتغل لحساب الآخر، أي لحساب الرأسمالي الذي يمكن أن يستغلها، لكنها تكدح وتشقى، وخلال كدحها هذا يمكنها أن تشغل الزوجة والأبناء أو من تستغله في إطار المساعدة، لحسابها. والأمثلة عديدة في هذا المجال، إذ يمكنك المعاينة مباشرة لبعض المحترفات والمجمعات الحرفية بضواحي فاس، مراكش، سلا، آسفي.. للاطلاع على كيفية وحال اشتغال الفخارين، مثلا، الذين ينتجون الأواني الفخارية المنزلية أو الزليج.. يمكنك معاينة الشروط القاهرة التي يشتغل المنتجون فيها ويكدحون ليل نهار معرضين صحتهم وحياتهم للخطر.. لكنهم خلال هذه المعاناة يعرٌضون الأطفال الصغار أو ما يسمى بالمتعلمين، وهم عمال في حقيقة الأمر وبحكم الواقع، لأبشع أنواع الاستغلال والظلم والإهانة التي يمكن أن تصل، وفي غالب الأحيان، للاستغلال الجنسي، حتى! فالطفل العامل، المحروم أصلا من حقه في الدراسة واللعب والترفيه.. يجد نفسه محروما من حقه في أجرة سوية بالكبار، وغير محمي من حوادث الشغل والأمراض المهنية المزمنة.. ولا يوجد قانون عملي يعترف بوضعه، رغم صراخ "الحقوقيين" وادعاءات دولة الباطرونا من خلال مدونتها الشغلية، بمنع المشغلين من استغلال وتشغيل الأطفال دون الخامسة عشرة سنة، كعمال.. فالواقع يبين أن سياسة الدولة تدفع في اتجاه تشجيع الفقراء لتشغيل أبنائهم داخل الورشات الحرفية، خاصة بعد انسداد آفاق التشغيل أمام خريجي مؤسسات التكوين المهني وحاملي الشهادات التقنية العالية والجامعية. فلاختصار الطريق، وربح الوقت وبعض الدريهمات، يزج الفقراء بأبنائهم في عالم الشغل منذ صغرهم، لامتهان حرفة "تنفعهم" في كبرهم، وهو تطلع يبدو مضمونا وأكثر واقعية، خاصة وان نموذجهم المحتذى به، ومثالهم الإيجابي حي أمامهم، ألا وهو الحرفي المشغٌِل، صاحب الورشة الذي يفتخر دوما أمام متعلٌميه بنجاعة اختياره، ناصحا إياهم بسلك نفس الطريق الذي مرٌ منه والذي قاسى ربٌما أكثر لكي يصل إلى ما هو عليه في حينه. هذا نموذج لا يختلف عن النماذج الأخرى التي تهم أوضاع المنتجين داخل ورشات النجارة والحدادة وصناعة الأحذية ودور الدباغة..الخ أدرجناه لتدعيم أطروحتنا بالمزيد من الشرح والتبسيط، في إطار النقاش وعملية التثقيف الماركسي الذي نستهدفه ونستهدف به الطلائع العمالية المناضلة وشبيبة الأحياء الشعبية المكافحة.. ومهمتنا في ذلك، نفض الغبار على بعض المفاهيم التي تثير التشويش والضبابية إذا ما بقيت على وضعها بدون تحديد وتدقيق، وبشكل خاص تأثيرها السلبي على استقلالية الطبقة العاملة الفكرية والسياسية والتنظيمية، وعلى مهمتها ورسالتها التاريخية لقيادة جمهور الكادحين نحو التحرير والتحرر من ربقة نظام الاستبداد والاستغلال القائم، نظام الملكية الفردية والخاصة المتعفن، نظام الرأسمالية التبعية، حليف الاستعمار ووكيل الإمبريالية محليا وجهويا. فالرهان على درجة بؤس وفقر هذه الفئات، أو على توسعها العددي والكمي داخل المجتمع.. دفع ببعض المترددين، وكذا ببعض "المجددين والمجتهدين" في الماركسية، بالدعوة لإبطال أو تأجيل الرسالة التاريخية للطبقة العاملة كطبقة مؤهلة لوحدها ودون غيرها لقيادة مشروع التحرير والتحرر الاشتراكي. فالطبقة العاملة هي طبقة كادحة، وجزء لا يتجزء من جيش الكادحين، لكنها كادحة من أجل وبفعل الرأسمالي، الذي يستغلها عبر استخلاص فائض القيمة، الذي تنتجه باعتصار عرقها ودمها وأشلاء لحمها المتناثرة جنب وتحت ماكينات المصانع والورشات الرأسمالية. أما مستوى العيش الذي وفرته لنفسها، بالرغم من الحرمانات العديدة، والذي هو في مجمله أحسن أو يفوق حالة بعض الفئات الكادحة والمهمشة، كالعاطلين، والباعة المتجولين، والرعاة، والمزارعين المعدمين، وبعض الحرفيين الموسميين.. فقد نالته بفعل اتحادها وإضراباتها ونضالاتها الاحتجاجية والنقابية، فمكاسب الحد الأدنى للأجور، والحق في التامين عن الحوادث والأمراض، والتقاعد، والتغطية الصحية، والعطلة الأسبوعية والسنوية، وعطل الأعياد، وتحديد ساعات العمل.. إضافة لمنح السنة والأعياد وافتتاح السنة الدراسية وقرعة الحج..الخ لم تكن منٌة من أحد، بل انتزعتها الطبقة العاملة بفضل نضالاتها المريرة وتضحياتها الجسيمة على طول وعرض تجربتها الكفاحية في الميدان. بهذه المكاسب التي نالتها الطبقة العاملة في خضم نضالاتها وكفاحها العنيد، أثبتت للطبقات والفئات الفقيرة والكادحة الأخرى على أنها أهل وكفء لقيادة النضال من أجل القضاء على مجتمع الاستغلال، لأنها تمتلك أحسن الآليات التنظيمية لتمتين وحدتها ـ الحزب والنقابة والنوادي العمالية..ـ وأنجع وسائل الحرب الطبقية على الرأسمال ودولة الرأسمال، الإضراب، الانتفاضة والعصيان..الخ لقد أثبتت عبر تجاربها التاريخية بأنها الطبقة الوحيدة التي توفر لنفسها ولجميع الكادحين البديل الوحيد عن هذا المجتمع ونظامه القائم على القمع والاستبداد والاستغلال، بديل المجتمع البرجوازي، البديل الشيوعي بمدخله الثوري الاشتراكي تحت وعبر سلطة الكادحين المنظمة، والمركزة تحت سلطة الطبقة العاملة وحزبها الثوري الماركسي اللينيني، المعروفة بدكتاتورية البروليتاريا، كضمانة وحيدة للتدرج في معركة البناء الاشتراكي المرهون نجاحه بتوسيع دائرة التغيير والثورات الاشتراكية في بلدان أخرى وباضطراد لحد التعميم والشمولية.
من هم الكادحون البروليتاريون؟ هم طبقة من العمال، البروليتاريين، طبقة من الرجال والنساء المنتجين والمحرومين من أية ملكية، أي غير مالكين لأدوات ووسائل الإنتاج بما فيها النقود، وبالتالي مكرهين على بيع قوة عملهم كما تباع السلعة لكي يعيشوا هم وأبناءهم وأهاليهم.. مجبرون إذن على العيش تحت رحمة طبقة، لا تشكل داخل المجتمع سوى حفنة صغيرة من الناس، برجوازية تملك المال والأرض والبنايات والآلات والماكينات وكل الوسائل التي يمكن عبر تشغيلها أن تنتج بضاعة ما.. بضاعة قابلة للبيع بثمن يفوق القدر الأصلي من المال الذي صرف على إنتاجها، أي بضاعة لها مردودية وتدر أرباحا. وعبر عملية الاستغلال التي يتعرض لها العمال والعاملات لحظة الإنتاج، من طرف المالكين، إذ يمكن أن يكونوا أفرادا مستقلين أو عائلات أو شركات المساهمة أو تجمع للشركات أو مؤسسات إنتاجية تابعة للدولة.. يستولي الرأسماليون على الأرباح الهائلة التي لا حد لها، ويتركون للعمال المنتجين الكادحين ليل نهار، الفتات والبؤس والشقاء، والجوع والحرمان وجميع الأمراض المزمنة..الخ
من أين تأتي الأرباح؟ لقد أوضحنا خلال الحلقة الأولى، مميزات نمط الإنتاج الرأسمالي وحددناها بالاقتصاد السلعي وبالعمل المأجور وباحتكار وسائل الإنتاج من طرف حفنة من الرأسماليين البرجوازيين. أوضحنا كذلك كيف يتم جني الأرباح، وكيف تتم مراكمتها في إطار عملية استغلال لا حدٌ لها، يتعرض لها العمال والعاملات من طرف البرجوازيين الرأسماليين. ولم نتكلم عن فائض القيمة إلاٌ كإشارات، وبالنظر لأهمية الأطروحة/فائض القيمة، والتي شكلت إحدى الركائز الأساسية في بنيان الفكر الاقتصادي الماركسي وجب أن نعطيها مكانتها في هذه الفقرة بالشرح والتوضيح اللازم الذي تستحقه. فالرأسمالي، كما أسلفنا القول في الحلقة الأولى، يستثمر قدرا من المال لإنتاج بضاعة معينة يتوجه بها للبيع في السوق، ويفترض أن هذه البضاعة ستعود عليه بربح وإلاٌ لما أنتجها. وعبر الشرح أوضحنا الفرق بين الاقتصاد السلعي البسيط الذي يعتمد على تبادل بضاعة ببضاعة، أو بيع بضاعة بقدر من المال لشراء بضاعة جديدة تكون الحاجة لها لاستعمالها أو استهلاكها، وليس لبيعها من جديد بربح زائد. عكس هذا، فالاقتصاد الرأسمالي يعتمد بالضرورة، على إنتاج بضاعة ما ويوجهها إلى السوق قصد بيعها بقدر مالي يتضمن ماله الأصلي، الذي هو رأس المال، إضافة لقدر زائد يعبٌر عنه بالربح أو الفضل. وبالرغم من اجتهاد الاشتراكيين الأوائل، لتفسير تناقضات العالم الرأسمالي، من خلال محاولاتهم العديدة، النظرية والعملية، لإيجاد مخرج لبؤس العمال والعاملات وسائر الكادحين والمضطهدين.. فلم يفلحوا في تفسير أصل الربح وعملية التراكم الرأسمالي. ثم برزت اشتراكية ماركس/انجلس كرد على التفسيرات العاجزة والخاطئة، ومن خلال كتاباتهم النقدية للاقتصاد الرأسمالي وبشكل بارز مؤلف ماركس "رأس المال"، أجابت على هذا النقص وسدٌت الثغرة في تحاليل الاشتراكيين الأوائل، فعرٌت بطريقة عملية عن أصل الأرباح وفسٌرت عملية التراكم الرأسمالي، وقدٌمت المجتمع الاشتراكي كبديل للمجتمع الرأسمالي القائم على الاستغلال والاستعباد.. وبشٌرت بأهلية الطبقة العاملة لوحدها ودون غيرها من الطبقات الكادحة لقيادة جمهور الكادحين والمهمشين والمضطهدين.. نحو هذا المجتمع البديل..الخ وفي السياق نفسه، لا بد من الإشارة لمفاهيم أخرى مرتبطة بموضوعنا، حيث سيصطدم بها العمال والعاملات والرفاق المناضلون.. عند قراءتهم للموضوعات الاقتصادية الماركسية، كالقيمة وقيمة البضاعة وقيمة قوة العمل.. وسنحاول باختصار شديد تقديم تعريف لهذه المفاهيم، يشفي الغليل ويفي بالغرض.
قيمة البضاعة: كل بضاعة تقاس بالعمل الضروري لإنتاجها. وسنقدم هنا مثالا للتوضيح أكثر، فورشة الخياطة التي تشغل 100 عامل وعاملة، تنتج على مدار الساعة 35 سروال جينز وفق العمل بالتسلسل، أي لكل عامل أو عاملة وظيفته الخاصة في إطار إنتاج البضاعة التي هي عبارة عن سروال، حيث هناك الفصالة، وخياطة الأطراف، وخياطة الجيوب والحزام، وتركيب الأزرار، والتحديد والتجفيف، والمراقبة والتلفيف والشحن، وأعمال الصيانة..الخ إذن فعلى مدار اشتغال المعمل لعشر ساعات يومية، فهو ينتج 350 سروال بما قيمتها لحظة البيع 100 درهم للوحدة/السروال أي 35000 درهم في المجموع. فما هي قيمة المصروف اليومي الذي يستهلكه إنتاج 350 وحدة؟ وفق قانون الحد الأدنى للأجور يتقاضى العامل والعاملة حوالي 10 دراهم للساعة، أي ما مجموعه 10000 درهم بالنسبة لمائة عامل اشتغلوا لمدة عشر ساعات. وإذا قدرنا، وهو تقدير تقريبي ناتج عن بحث ميداني وليس اعتباطي، استهلاك الماء والكهرباء 100 درهم/اليوم، والهاتف 100 درهم/ اليوم، وكراء الورشة 200 درهم/ اليوم، واستهلاك البنزين 200 درهم/اليوم، وصيانة الآلات 500 درهم/اليوم، وكلفة الضرائب 100 درهم/اليوم وكلفة المواد الخام من ثوب وخيط وأزرار..الخ 10000 درهم/اليوم سنصل إذن لما مجموعه 21200 درهم كمصاريف ضرورية لإنتاج 350 سروال جينز، تخصم من ثمن البيع لتصبح 14000 درهم ربحا صافيا يسقط بجيب الرأسمالي صاحب الورشة، كل يوم. فكلفة السروال الواحد هي 60 درهم بالتقريب أي ست ساعات من العمل، وبالتالي تكون قيمة البضاعة/السروال هي ست ساعات كعمل ضروري لإنتاجها، بما يعنيه أن العمال يشتغلون لمدة 4 ساعات مجانا لمصلحة رب العمل. لا تشكل المعامل التي يؤدٌي أربابها أجرة العامل كما تنص على ذلك "مدونة الشغل" التي تواطئت على صياغتها وتمريرها وتكريسها كأمر واقع، الدولة والباطرونا وقيادات النقابات واللجن الحزبية البرلمانية..الخ ضدا على مصالح العمال والكادحين وبسطاء الموظفين.. سوى نسبة ضئيلة وضئيلة جدا، لا تتعدى في أحسن الحالات العشرة في المائة. وأحياء مدينة طنجة، كغيرها من المدن العمالية، زاخرة بنماذج من النوع الذي لا يحترم القانون و"المدونة" على إجحافها وحيفها تجاه العمال والعاملات. فقانون الحد الأدنى للأجور، والذي لا يتعدى 2000 درهم كأجرة شهرية، لا يعكس بأي شكل من الأشكال متطلبات الحد الأدنى المعيشي للأفراد العزٌاب وبالأحرى المتزوجين. إذ لا توجد غرفة للسكن، في أبعد الأحياء وأكثرها وساخة وتهميشا، بثمن يقل عن 1000 درهم كواجب شهري للكراء، ولم تعد هناك من فاتورة للماء والكهرباء، في زمن الخوصصة وعلى عهد الشركات الاستعمارية أمانديس، ريدال وليديك..الخ بأقل من 200 درهم شهريا.. ولن نبالغ في الاحتياجات الغذائية، وسنحذف منها الأسماك التي يتراوح ثمنها ما بين 20 و30 درهم للكيلو الواحد، واللحوم البيضاء التي يتراوح ثمنها ما بين 30 و60 درهم للكيلو الواحد، كذلك الشأن بالنسبة للحوم الحمراء التي تصل لـ 90 درهم للكيلو الواحد، ثم الفواكه وثمنها الذي يتراوح ما بين 10 و20 درهم للكيلو الواحد..الخ فأمام انهيار القدرة الشرائية بالنسبة للغالبية العظمى من الكادحين وثقل تكلفة "القفة"، يجبر العامل العازب في غالبية الأحيان والحالات، على الأكل في المطاعم الشعبية، بالرغم من وساختها ورداءة وجباتها، ربحا للوقت وتهربا من أشغال إضافية أخرى لا يشجع عليها الإرهاق وضيق الغرفة..الخ ثم إن الحسبة الدقيقة تبيٌن وتعفي مباشرة المرء من الطبخ، بل وتدفع به بأن يفضل، وبدون تفكير في عواقب العفونة والأوساخ.. الأكل في "السوق" الذي أصبح ثمنه منخفضا، بسبب من المنافسة والبطالة المتفشية..، على تكلفة الطبخ بالمنزل. لن نجد، بالطبع، في المطاعم المسماة بالشعبية وجبة غذائية وكيفما كانت حالتها البئيسة، بأقل من 10 دراهم، وهي في غالبها عبارة عن عدس، فاصوليا أو فول.. من المستوى الرديء، ولا يمكن للعمال، مخافة من الموت من سوء وقلة التغذية، بأن يستغنوا عن الثلاثة وجبات الرسمية، التي هي الفطور، الغذاء والعشاء.. فالمصروف سيكون إذن، بما مقداره 30 درهم يومية أو 900 درهم شهرية خاصة بالتغذية. وإذا أضفنا واجبات النقل، والسجائر، والحمٌام، والحلاق، والنظافة، والتصبين، والأدوية، والملابس، وواجبات سفر الأعياد..الخ فلن تكفي هذه الأجرة، ولو تمت مضاعفتها كما تطالب بذلك بعض النقابات، حتى العزٌاب من العمال والعاملات وبالأحرى المتزوجين منهم والذين يتحملون مصاريف زائدة ومرهقة متعلقة بالزوجة والأطفال وأحيانا الآباء والأمهات..الخ
فائض القيمة لقد بيٌنا بفضل مثالنا السابق بأن العمال الذين يشتغلون بمعمل الخياطة يقدمون للرأسمالي صاحب الورشة أكثر مما هو ضروري لتجديد قوة عملهم، هذه الزيادة وهذا الفرق يسمى، حسب الماركسية، بفائض القيمة أو فضل القيمة أو القيمة الزائدة، يعني إن يوم العمل الذي هو عبارة عن عشرة ساعات في مثالنا، ينقسم إلى قسمين، قسم يعوض به العمال ما تلقوه من اجر وهو أربع ساعات ، وقسم يذهب إلى جيب الرأسمالي مجانا وعنوة، وهو ست ساعات ونصف من العمل. وبشكل عام، فالطبقة العاملة تنتج أجورها من عملها ولا يتصدق عليها احد، فالعديد من أرباب العمل الرأسماليين وحكوماتهم ومرتزقتها من المثقفين ورجال السياسة وفقهاء الجوامع.. يعتبرون الاستثمار وإنشاء المصانع، بما يعنيه من إحداث لمناصب الشغل، هو نوع من "العمل الخيري الإحساني".. ويدخلونه في إطار "الواجب الوطني" و"تنمية الاقتصاد الوطني للبلاد".. وكلها افتراء وبهتان لا ينطلي على أحد. فعكس ما يدعيه البرجوازيون وسماسرتهم، فعلاوة على كون الطبقة العاملة تنتج خبزها وملبسها.. بكدٌها وكدحها، فهي من تخلق مدخول العديد من الطبقات والفئات العليا المتربعة على عروش الهرم الاجتماعي. بأية طريقة؟ بفضل فائض القيمة الذي تنتجه، والذي يتدفق إلى جيوب الأسياد وعلٌية القوم عبر ألف وسيلة ووسيلة.. قسم يستحوذ عليه الرأسمالي مباشرة في شكل أرباح، وقسم يذهب لمالك الأرض، أو كما نسميه بالمالك العقاري، على شكل ريع عقاري، وقسم آخر يدخل لخزائن الدولة الرأسمالية على شكل ضرائب تجمعها مصلحة الضرائب ووزارة المالية لتعيد توزيعها من جديد على الحفلات والسهرات "الفنية" الهابطة، والمواسم ومهرجانات الفلكلور.. لاجتذاب السياحة ولإلهاء الشباب وتطويع المراهقين.. إضافة للمؤتمرات والملتقيات من كل نوع واختصاص، مؤتمرات الحرب على "الإرهاب" وعلى "المخدرات" و"الجفاف" و"الأمراض".. ملتقيات "حوار" الأديان والأجناس والأعراق..الخ يعني يصرف جزء من فائض القيمة الذي أنتجته الطبقة العاملة على جميع منتجي الرداءة والشعوذة.. من مثقفي وفناني الدولة الرأسمالية، وكذا وسطائها في التجارة والتسيير والتسويق، وجميع رجال القانون و"العلماء" ومحترفي السياسة والسماسرة من نشطاء "العمل الجمعوي" ودعاة "التنمية البشرية"..الخ فكل أنماط الاقتصاد أو أشكال الإنتاج السابقة عن الرأسمالية، كالعبودية والإقطاعية وشبه الإقطاعية أو الأسيوية، أو الما قبل الرأسمالية، كما هو الحال ببلادنا، عاشت على الاستغلال بأشكال ودرجات مختلفة، حيث استغلت العبيد والأقنان وبسطاء الكادحين..الخ لكن الإنتاج والاستغلال في عهدها لم يكن يستهدف سوى سدٌ الحاجيات المباشرة وتوفير مستوى من الرفاهية والعيش الراقي للأسياد وليس إلاٌ.. أما في ظل الرأسمالية، فالإنتاج عبر الاستغلال وتكثيفه يتخذ منحى آخر ويستهدف في المقام الأول والأخير، الربح. فالربح هو محرك الإنتاج الرأسمالي وربه المعبود، هو إلهه الحقيقي الذي لا يستغني عنه ولا يتأخر عن عبادته.. من هنا تتضح حالة البرجوازي في جريه كالمجنون وراء الأرباح، موظِـٌٌفا جشعه الظاهر والخفي، في الثقافة والعلم، ومختبرات الجامعات، والكنائس، والجوامع، وقاعات البرلمان.. للبحث عن أنجع الوسائل وأكثرها مرونة ونفاقا واحتيالا.. لإنتاج الربح والزيادة في قيمته ومراكمته في اتجاه لا حدٌ له ولا قرار. خلاصة القول، فالمال له قيمته كذلك، داخل نمط الاقتصاد الرأسمالي وخلال حركته داخل الإنتاج ينتج لنا فضل القيمة، والإنتاج الرأسمالي برمته ليس سوى إنتاجا لفضل القيمة، هذا الفضل أو الفائض الذي يمكن أن يتخذ شكل المال، أو الأسهم، أو الآلات، أو المواد الأولية، أو الأبنية، أو السلع الجاهزة للتسويق..الخ وحول هذا الفائض يدور الصراع، الصراع بين المالكين الرأسماليين وحكوماتهم ومثقفيهم وجيوشهم وبوليسهم.. من جهة، وبين المنتجين المباشرين، العمال والعاملات وحلفائهم المثقفين الثوريين وسندهم جمهور الكادحين في المدن والأرياف.. ويتخذ هذا الصراع شكله الاقتصادي أو السياسي أو الإيديولوجي.. إنه صراع الطبقات الذي سنتخذه كموضوع في إحدى الحلقات القادمة.
الطبقة العاملة ومواقعها في الإنتاج تحتل الطبقة العاملة في دائرة الإنتاج والعمل، ثلاثة مواقع رئيسية يمكن أن تتفرع عنها مواقع ثانوية أخرى، وهي الإنتاج الصناعي والإنتاج الزراعي والإنتاج الخدماتي. ويهدف الصنفان الأولان في إطار عملية الإنتاج الرأسمالي إلى إنتاج بضاعة معينة ـ سيارات، ألبسة، أحذية، أفران، معادن.. أو إنتاج الورود، البواكر، الحوامض، الحبوب، الحليب، قصب السكر..الخ بالنسبة للصنف الثالث أي الإنتاج الخدماتي، فهو يهدف إلى إنتاج خدمة نافعة ومطلوبة من حيث السوق الاستهلاكية، كعمال ومستخدمو القطاع السياحي في الفنادق والمقاهي والمطاعم، وعمال النظافة، وعمال وعاملات صالونات الحلاقة والتجميل..الخ بعض "المجددين" في الماركسية يتخذون من اتساع رقعة القطاع الخدماتي على حساب القطاعين الصناعي والزراعي، ذريعتهم للتشكيك في الرسالة التاريخية للطبقة العاملة.. صحيح أن بعض المقومات الثورية المميزة للطبقة العاملة تفتقدها فئتها المشتغلة في القطاع الخدماتي باعتباره قطاعا هشا، وباعتباره كذلك مجالا لا يسمح لها إلا نادرا بالتنظيم والتمرس في آلياتها الطبقية الخاصة.. لكن ليس هناك من مبرر بألاٌ تجتهد الطلائع العمالية الثورية وكل المثقفين الماركسيين لحل إشكالات العمل اليومية والميدانية، فلكل إشكال ملموس تحليله الملموس وإجاباته الملموسة الخاصة. صحيح أننا نجد داخل المقهى الواحد، أو المطعم الواحد، أو صالون الحلاقة الواحد، وضمن العديد من المحلات المشابهة، عددا مقلصا من العمال، من أربعة إلى ستة عمال.. يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال، وفي وضعية يصعب عليهم خلالها أن ينتظموا أو يؤسسوا نقابة للدفاع عن حقوقهم، ولتحسين أوضاعهم، ولتطوير وعيهم.. لكن التنظيم لم يكن يوما مستحيلا ولا منعدم الإمكانيات، فالتجربة المحلية والعالمية أكدٌت هذه الإمكانية، إمكانية خلق نقابة فدرالية تجمع عمال جميع مقاهي المدينة، مثلا، وتفرض بالتالي على الدولة وأصحاب المقاهي الرأسماليين انخراط جميع المستخدمين في النقابة، لتكون بالتالي المحاور والمفاوض الوحيد على مشاكلهم بدون أن يتعرضوا للمنافسة والابتزاز. فلا يمكن الاختباء وراء عجزنا وتخلفنا وتراجعنا عن الممارسة الميدانية.. لكي ننظٌر للإحباط.. فحين نجد أن "مدونة الشغل" الحالية لم تلق المواجهة اللازمة والحازمة، بل لقيت الترحيب والإجماع والدعم للتراجعات الخطيرة التي دشنتها من خلال قوانينها في مجال الحق في الإضراب والحق في تأسيس النقابات.. فلن يقبل منا أي تبرير. فغير بعيد عن بلدنا، ومن داخل بعض التجارب العربية فقط، ولا نقول الأوربية أو الأمريكية، استطاعت الطبقة العاملة أن تفرض الحق في تأسيس نقابة تنظم العمال وتدافع عن حقوقهم بشرط ألاٌ يقل عددهم على عشرة عمال في الورشة الواحدة. في بلدنا، وبالرغم من المجهودات التي بذلت من طرف بعض النقابيين اليساريين في فضح وانتقاد القوانين المعادية للتحرر العمالي، ما زالت الحركة العمالية تحتاج من الماركسيين الثوريين الكثير، خصوصا في مجالات التنوير والتأطير والتنظيم.. ضدا على التراجع الذي طال شرط الانتماء أو تأسيس النقابة من 50 إلى 100 عامل وعاملة داخل الورشة الواحدة، والمساس بحق الإضراب المشروط بـ"الحق في الاشتغال" في ظل قرار الإضراب الذي يمكن أن تتخذه غالبية العمال والعاملات بالورشة أو المقاولة أو الشركة..في الوقت الذي ما زال "قانون النقابات" مطروحا على طاولة النقاش زاحفا وملتهما ما تبقى من المكتسبات.. والبقية تأتي. ليست الطبقة العاملة وفئتها الخدماتية، في قدرها وطبيعتها هشة، ولن نقبل بما يروج عنها كفئة سلبية معطلة لمشروع التغيير.. بل أطروحة التشكيك والذرائعية، هي التي تفيض هشاشة وضبابية بخلفية إلغاء أو تعطيل مهمة الطبقة العاملة في قيادة الجماهير الكادحة نحو البديل التحرري الديمقراطي الاشتراكي. فمن الطبيعي جدا ألاٌ يقدم المجددون بدائلهم، وألاٌ يعلنوا صراحة وبوضوح عن خلاصاتهم النظرية لتبقى الأسئلة الجوهرية معلقة. فما المطلوب أمام حملة التشكيك هذه؟ هل هو التخلي عن الأطروحة الماركسية التي آمنت منذ "البيان الشيوعي" ـ برنامج الطبقة العاملة والحركة الاشتراكية الثورية ـ برسالة الطبقة العاملة في قيادة الطبقات الكادحة والمحرومة والمستغلة.. في الثورة على الرأسمال وطبقته البرجوازية وحلفائها من المالكين، ودولتهم الاستبدادية؟ أم التخلي نهائيا عن مهمة تغيير الأوضاع والمجتمع بالشكل الذي نومن به كثوريين لإلغاء الحالي القديم، والبناء بشكل ثوري للجديد الذي يتٌسع للجميع دون الحاجة للاستغلال والاضطهاد والتمييز، ودولة الاستبداد؟ أم ماذا؟ فكما كان الشأن بالنسبة لمنظري الاشتراكية الشعبوية خلال القرنين الماضيين، اشتراكية البرجوازيين الصغار الذين شككوا بقدرات الطبقة العاملة في بعض البلدان ذات الارتفاع الهائل لنسبة الفلاحين، متشبثون بحجة التفاوت في التطور بين البلدان.. نجد "المجددون" يتشبثون الآن بهذا التفاوت وبهذه "الخصوصيات" المحلية المتميزة، وبظروف العولمة وبهيمنة الرأسمال المالي المضارباتي ليبرروا تراجعاتهم ومراجعاتهم للماركسية. فبماذا نجيب؟ سنجيب كما أجاب الماركسيون آنذاك، بأن التفاوت شرط لوجود الرأسمالية نفسها، وبألاٌ ننتظر من الرأسمالي الفرجة على تخفيض وانهيار أرباحه دون اللجوء إلى حل من الحلول التي تضمن مصالحه من جهة، وتحافظ في المستقبل عليها، وبقوة. وكما لجأ الرأسماليون في السابق إلى رفع أرباحهم عن طريق تصدير الرأسمال وعن طريق الاستحواذ على منابع المواد الخام عبر النهب والاستعمار واستغلال اليد العاملة الرخيصة.. فهم الآن يطورون أنشطتهم ويبحثون عن مخارج لأزمتهم الدائمة. فالرأسمالي لا يكون رأسماليا إذا بحث عن الحلول التي تهدف لإبقائه على قيد الحياة وفقط، أو على الحفاظ على رأسماله وفقط، أو الحفاظ على أرباحه دون تخفيض وفقط.. بل الرأسمالي هو من يسعى إلى الزيادة في أرباحه عبر القضاء على منافسيه، وعبر تسخير العلم والدين والخرافة والدجل والحروب والاحتيال.. وكل شيء لمصلحته. وإذا عجز، مؤقتا، قطاعي الإنتاج الصناعي والزراعي، عن تحقيق هذه المهمة، سيلجأ إلى القطاع الخدماتي بدون شك ولو مؤقتا وعرضيا كذلك. فبالنظر للأرباح التي يوفرها الآن، وبالشروط التي توجد عليها قوة العمل، العاجزة مرحليا عن المقاومة والتنظيم، يراهن الرأسماليون بقوة على هذا القطاع للتنفيس عن أزمتهم. والنماذج كثيرة أمامنا، إذ لا غرابة أن نجد الرأسمالي ببلادنا يملك مصنعا ضخما يشغل العشرات من العمال والعاملات، وفي نفس الوقت يملك المقاهي والمطاعم ومحلات البيزا والمحلبات.. ولا غرابة كذلك أن نجده حين اصطدامه بكل أزمة سيولة، يلتجأ لهذه المحلات الصغيرة كمصدر ومنبع مضخ لها. فالماركسيون لا يخافون الهشاشة والتشتت، بل إنهم واعون كل الوعي بحقائق صادمة أخطر من هذا، واعون بأن ظروف الانقسام والمنافسة، والتهديد بالبطالة.. كنتيجة لفوضى الإنتاج الرأسمالي، ستقذف بالطبقة العاملة على الدوام إلى القاع ـ على حد تعبير لينين ـ قاع الانحلال والهمجية والتفسخ.. فمهمتنا هي تحويل البروليتاريا إلى قوة لا تقهر وليس الانبطاح والاستسلام لقدر الرأسمالية السرمدي. كيف ذلك؟ عن طريق الحفاظ على الوحدة الإيديولوجية للطبقة العاملة أي الماركسية اللينينية، بدون شوائب أو إضافات طبقية أخرى بدعوى التجديد. فقط، الإضافات التي تنتجها الطبقة العاملة في إطار صراعها اليومي ضد الرأسمالية ومفكريها البرجوازيين من كل شاكلة ونوع، هي وحدها الجديرة بالاهتمام لما تشكله من إضافات حية وحقيقية. مهمتنا كذلك الحفاظ على وحدة الطبقة العاملة، الفعلية والميدانية، التي تضمن في نفس الوقت استقلاليتها التنظيمية، وقدرتها على قيادة جيش الكادحين كشرط لا بد منه لتحويل جحافل الكادحين إلى جيش ثوري لا يقهر، جيش تحت إمرة وقيادة الطبقة العاملة المنظمة في حزبها الماركسي اللينيني الثوري. "فأن ينسى المرء مصالح البروليتاريا الجذرية والمميزات الجوهرية لمجمل النظام الرأسمالي ولكل التطور الرأسمالي، أن يضحي بهذه المصالح الجذرية من أجل منافع وقتية، فعلية أو مفترضة، تلك هي السياسة المراجعاتية" فليست بالمرة الأولى التي يعلن فيها على أن تعاليم ماركس/انجلس قد شاخت في البعض من جوانبها وخلاصاتها.. وبالتالي، لم تعد كافية لاعتبارها أساسا مكينا للنظرية الثورية كنظرية موحدة لجميع الاشتراكيين الثوريين.. فالماركسية، عكس ما يدٌعونه "المجددون" والمراجعون، نظرية نقدية وستبقى فكرا نقديا ثوريا، فكر يومن بالتاكتيك دون أن يلغي إستراتيجية الاشتراكية الثورية، فكر ثوري متشبث بنظرته الثورية للإصلاحات والنضال الإصلاحي، فكر لا يفصل النضال من اجل الإصلاحات عن النضال من أجل الهدف النهائي بما يعنيه الثورة الاشتراكية، فكر يدعو "لإخضاع النضال من أجل الإصلاحات، بوصفه جزءا من كل، للنضال الثوري من أجل الحرية ومن أجل الاشتراكية"
يتبع
#الماركسيون_اللينينيون_المغاربة__أنصار_الخط_البروليتاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاتر تثقيفية - الحلقة الثانية
-
دفاتر تثقيفية -الحلقة الأولى
المزيد.....
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|