|
هل من المعقول ان يكون الذئب حملا وديعا وحمامة سلام ؟!
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 2785 - 2009 / 9 / 30 - 21:58
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس من باب الفضول وحب الاستطلاع كنت قد تتبّعت خطاب رئيس حكومة اليمين بنيامين نتنياهو مساء الخميس الماضي في الجمعية العمومية للامم المتحدة، بل من باب تعزيز وشحن الموقف في مواجهة اعدى اعداء الانسانية وحق الشعوب في الحرية والسيادة الوطنية، اعداء السلام العادل الملطخة اياديهم بدماء ضحايا مجازرهم وجرائمهم. فخطاب نتنياهو امام ممثلي دول العالم من رؤساء وملوك ومشايخ جاء بعد يوم واحد من اللقاء المسرحي الثلاثي للرؤساء باراك اوباما الامريكي ومحمود عباس الفلسطيني ونتنياهو الاسرائيلي، وبعد خطاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد والامريكي باراك اوباما. وفي اول تعليق له على خطابه للصحافة الاسرائيلية المدجنة في خدمة السياسة العدوانية الاسرائيلية قال بنيامين نتنياهو لمراسل صحيفة "يديعوت احرونوت" الجمعة 24-9-2009 " انه يستعد لهذا الخطاب منذ اثنين وستين عاما، انه خطاب حياته"!! وقد صدق نتنياهو في هذا التعبير باصابة كبد حقيقة الموقف. فبصفته فنانا في التضليل المنهجي وينافس في الديماغوغيا السياسية والاجتماعية ديناصورات المضللين عالميا، فقد اعتمد في صقل البنية الهيكلية لخطابه على المقولات الاساسية للصهيونية التضليلية العدوانية الممارسة عمليا منذ نكبة الشعب العربي الفلسطيني وقيام اسرائيل وحتى يومنا هذا. فخطاب نتنياهو جرى صقله على ابراز ثلاث رسائل اساسية، الاولى الاستغلال بشكل انتهازي لجرائم النازية والكارثة والهولوكست المدانة لدر العطف والتأييد للسياسة العدوانية الاسرائيلية وتبرير جرائمها الوحشية وكأنها "دفاع عن النفس" والثانية، طمس حقيقة جوهر الصراع الاساسي في المنطقة، الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي، الذي في مركزه، تعتبر القضية الفلسطينية القضية المفصلية، ومحاولة اسرائيل والقوى الامبريالية والرجعية العربية اختلاق بديل تضليلي وهمي وكأن الصراع الاساسي هو بين "القوى المعتدلة" وقوى التطرف والارهاب، بين السنة والشيعة، بين "محور الشر" الذي تقوده ايران ويشمل سوريا وحركات المقاومة اللبنانية والعراقية والفلسطينية. بديل يطمس حقيقة الاحتلال الاسرائيلي وجرائمه العدوانية كما يطمس الموقف الاستراتيجي الامبريالي والاسرائيلي ضد حركات التحرر الوطني والتقدم في المنطقة. اما الرسالة الثالثة التي تضمنها خطاب نتنياهو فمدلولها تقمص دور حمامة السلام وان اسرائيل تمد يدها للسلام مع الفلسطينيين والعرب ولكن ما يعيق انجاز السلام هو عدم اعتراف الفلسطينيين بدولة اسرائيل كدولة الشعب اليهودي! بمعنى ان فلسطين التاريخية من البحر الى النهر هي ملك ووطن الشعب اليهودي وانه في اطار "النية الحسنة" الصهيونية تبدي حكومة نتنياهو استعدادها "للتنازل" للفلسطينيين عن فتات من السيادة المخصية بشكل كيان ممزق الاوصال يطلق عليه جزافا اسم دولة فلسطينية ولكنه لا يعدو كونه محمية استعمارية مربوطة بحبال التبعية لنظام ابرتهايد تزرد رقبة الشعب الفلسطيني سياسيا واقتصاديا وامنيا.
** البنية التضليلية: لقد لجأ بنيامين نتنياهو في خطابه الى تقسيمه الى اربعة اجزاء، اربع قضايا مركزية مترابطة من حيث المنطق التضليلي الاسرائيلي الصهيوني، وتصب جميعها في خدمة الهدف المركزي وهو طمس الطابع العدواني الاسرائيلي وتجنيد التأييد العالمي لسياستها الممارسة. ففي القسم الاول من خطابه ركز على مهاجمة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد مستغلا التصريحات الحمقاء للرئيس الايراني المتنكرة للهولوكوست. اننا مع ادانتنا لهذه التصريحات التي لا يستفيد من ورائها سوى العدوانية الاسرائيلية، فان نتنياهو قد استغل هذه التصريحات بالضرب على وتر العواطف باللجوء الى سرد تاريخي للمجازر ومعسكرات الاعتقال ضد اليهود، وذلك لاثبات ان النظام الايراني عنصري، وان اسرائيل محقة في موقفها ضد النظام الايراني. وبصورة مسرحية توجه نتنياهو من على منصة الامم المتحدة "موبخًا" رؤساء دول وحكومات البلدان التي لم تترك القاعة اثناء خطاب احمدي نجاد، صاح نتنياهو " الا تخجلون بالتصفيق لاحمدي نجاد المتنكر للكارثة والداعي للقضاء على اسرائيل العضو في الامم المتحدة. عليكم الاختيار الى أي جانب تقفون، الى جانب اسرائيل دولة الدمقراطية اللبرالية – او الى جانب ايران دولة دعم الارهاب"!! ونتنياهو انطلاقا من ادراكه ان قضية البرنامج النووي الايراني مطروحة على اجندة الكثير من البلدان الامبريالية والعربية والتلويح بالتهديد النووي الايراني من قبل اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، انطلاقا من ذلك فقد خصص القسم الثاني من خطابه للتهويل من الخطر النووي الايراني الذي يهدد ليس أمن اسرائيل فقط، بل امن العالم وبلدان المنطقة، كما يدعم "قوى الارهاب" في كل مكان – على حد ادعاء نتنياهو، ومطالبته وحثه لدول العالم بمعاقبة ايران لمنع تطور برنامجها النووي للاغراض العسكرية. ورغم اعلان ايران عن ان برنامجها النووي هو للاغراض السلمية وان منشآتها مفتوحة لمراقبة اللجنة الدولية للطاقة النووية، فان اسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية وترفض التوقيع على وثيقة جنيف للحد من انتاج ونشر اسلحة الدمار الشامل، اسرائيل ترفض وضع منشآتها النووية تحت مراقبة اللجنة الدولية للطاقة النووية، وتواصل استغلال احتكارها للسلاح النووي كوسيلة ضغط للابتزاز السياسي من اطراف الصراع في المنطقة، وكوسيلة تهديد لردع كل من يواجه سياستها العدوانية. ولجأ نتنياهو بعد تحذيره من مخاطر البرنامج النووي الايراني على أمن اسرائيل والعالم، لجأ الى توجيه اصبع الاتهام الى الامم المتحدة، الى تقرير لجنة تقصي الحقائق الاممية، التي اقامتها لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة. فقد ادعى نتنياهو في خطابه حول حرب غزة بقوله "ان اسرائيل كانت تدافع عن نفسها ضد الارهابيين الا ان الامم المتحدة قامت بادانة الضحية بدلا من ادانة الارهابيين" وفي اطار هجومه على هذه اللجنة برئاسة ريتشارد غولدستون ادعى نتنياهو "انه عندما يصف تقرير الامم المتحدة جنود وقادة الجيش الاسرائيلي كمجرمي حرب فان الامم المتحدة تحوّل اسرائيل الى كيان غير شرعي، يهدر بذلك دمها"!! وبشكل ديماغوغي صارخ قارن نتنياهو وشبه اطلاق حماس للصواريخ بقصف النازيين لبريطانيا ورد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بضرب المدن الالمانية وقتل آلاف الاشخاص!! إن "شقلبة" الحقائق وتزويرها لتجميل صورة الجلاد الاسرائيلي، مجرم الحرب والمجرم بحق الانسانية، وتقمصه جلد الحمل الوديع والضحية المهدور دمها، هذه الشقلبة يا نتنياهو لن تستطيع بواسطتها تزوير الحقائق الدامغة حول جرائم الاحتلال الاسرائيلي ومجازره الهمجية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة. ففرض حصار التجويع على مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة خلال اكثر من سنتين هو جريمة حرب ضد الفلسطينيين والانسانية، وحرب الابادة المعروفة في سجل الجرائم الاسرائيلية باسم "الرصاص المصبوب" التي اجرمت بقتل وجرح المئات والالوف من المدنيين في قطاع غزة، من الاطفال والنساء والمسنين والشباب وهدمت آلاف المساكن والجامعات والمدارس والجوامع وشبكات المياه والكهرباء، هي جرائم حرب بحق الفلسطينيين والانسانية. ومواصلة ارهاب الدولة الاسرائيلية المحتلة للمناطق الفلسطينية المحتلة منذ اكثر من اربعين عاما هي جريمة حرب بحق شعب بأكمله. وتاريخ اسرائيل الرسمية سجل ومسلسل متواصل من المجازر وجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني. فغدًا الخميس، الاول من اكتوبر ستحيي جماهيرنا وشعبنا وقوى انصار حقوق الانسان الذكرى السنوية التاسعة لمجزرة القدس والاقصى التي ارتكبها جند وقوات القتل الاحتلالية ضد ابناء شعبنا وجماهيرنا، بقتل 13 من خيرة شباب جماهيرنا وجرح العشرات لا لسبب الا لانهم تظاهروا ضد مجزرة المحتل الدموية الوحشية. اما القسم الاخير من خطابه، فانه بعد بلورة الصورة المزورة للضحية الاسرائيلية والمخاطر التي يهددها من "الارهابيين" في ايران والمنطقة امثال حركة حماس، بعد هذا ركز على ابراز ان اسرائيل حمامة سلام تمد يدها للسلام مع الفلسطينيين والعرب! وقد ادعى في خطابه مؤكدا "نحن نطلب من الفلسطينيين ان يعملوا ما رفضوا ان يعملوه خلال 62 سنة، ان يقولوا نعم لدولة يهودية، اليهود ليسوا شعبا محتلا في دولة اسرائيل. هذه دولة آبائنا، أنا أومن انه بالامكان التوصل الى سلام، ولكن فقط اذا نجحنا في هزيمة قوى الارهاب، الذين يحاولون تدمير السلام والقضاء على اسرائيل وتغيير نظام العالم"! انها قمة التضليل المنهجي، اليست اسرائيل الرسمية هي التي تتنكر خلال 62 عاما لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لمحو آثار النكبة بعودة اللاجئين من الشتات القسري واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ألا يوجد احتلال اسرائيلي استيطاني منذ السبعة والستين في المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة! من يرفض تجميد كل اشكال الاستيطان واستئناف العملية التفاوضية؟ ونتنياهو لم يتطرق ابدا للاستيطان في خطابه. لقد اكدنا في الماضي ونؤكد اليوم انه ليس من المعقول ان يكون الذئب المفترس حمامة سلام وحملا وديعا. فخطاب نتنياهو هو بمثابة رسالة مدلولها مواصلة السياسة العدوانية المعادية للسلام العادل في المنطقة.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرحية اللقاء الثلاثي - مأتم جنائزي للسلام العادل!
-
في أعقاب تقرير الادانة: لصقل الموقف في مواجهة العدوانية الاس
...
-
الفقر والمجاعة من أبرز مؤشرات -النمو الاقتصادي- في اسرائيل !
-
مدلولات الأفق الاستراتيجي الكارثي لحكومة نتنياهو اليمينية !
-
تدفع حكومة نتنياهو اليمينية باتجاه مأسسة نظام ابرتهايد؟!
-
وزير الشؤون الفاشية
-
هل تقود سياسة الحكومة الى تضخم مالي منفلت العقال؟!
-
أوباما يصطدم بحيتان الطغمة المالية الأمريكية
-
مؤتمر فتح السادس: نهج التسوية السياسية هو الخيار الاستراتيجي
...
-
امبراطورية مافيا يهودية امريكية – اسرائيلية للفساد وغسل الام
...
-
في التسعين من عمره المتجدد: لا تشوهوا دور الشيوعيين الكفاحي
...
-
ماذا وراء عناق -الكاوبوي- الامريكي مع -الدب- الروسي في موسكو
...
-
هل تأجيل الحوار سيساهم في ترتيب وتعزيز البيت الفلسطيني؟!
-
حذار من محراك الشر التخريبي في لبنان والعراق!!
-
هل وصلت اقدام الصراع الى عتبة بوابة التسوية السياسية الاقليم
...
-
حقيقة الموقف من الاحداث المأساوية في ايران !
-
بعد خطابه التاريخي مهمات اساسية لمواجهة التحديات الكارثية لم
...
-
نتائج الانتخابات الايرانية: مؤشرات لمخاض داخلي لم تنجح في تغ
...
-
مدلولات سياسية بارزة للانتخابات اللبنانية ونتائجها؟!
-
خطاب اوباما في موازنة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني !
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|