أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - اغتصاب رفح















المزيد.....

اغتصاب رفح


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 846 - 2004 / 5 / 27 - 04:08
المحور: القضية الفلسطينية
    


تنقض قوة الجيش الإسرائيلي الهائلة، التي استجمعت من كافة أنحاء البلاد، على بلدة فلسطينية صغيرة تقع على أطراف قطاع غزة البائس. مقاتلون وسكان فلسطينيون يقتلون بالجملة، بيوت تُدمر، مشاهد نزوح السكان الهاربين طلبا للنجاة تذكرنا بما حدث عام 1948.

ما الهدف من هذا كله؟

يبدو لأول وهلة بأن هذه العملية عملية سخيفة ومنافية للعقل. شارون اقترح الانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة كاملا، وكانت خطته الأصلية تشتمل على التخلي عن "محور فيلادلفيا". بما معناه: كل هذه المناطق غير ضرورية لضمان أمن إسرائيل. فمن وجهة نظره، قطاع غزة هو عبء عسكري وديموغرافي، وكلما أسرعنا في الخروج منه، كلما كان ذلك أجدى.

أما شاؤول موفاس، رئيس الأركان سابقا ووزير الدفاع حاليا، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك. غزة ليست جزءا من ميراث أجدادنا. هذا ما قاله هذا المفكر العظيم، وأضاف بأن الاستيطان هناك كان خطأ منذ البداية. بما معناه: كل الجنود الذين قتلوا هناك تحت إمرته، سقطوا دون مقابل، بسبب خطأ، وكل جندي يسقط الآن هناك هو ضحية تُقدم من دون سبب.

وها هم جنود آخرون يرسلون إلى منطقة الموت. عشرات الفلسطينيين، ومن بينهم أطفال ونساء، يقتلون، ويتم تدمير البلدة بهدف الاستمرار في هذا الخطأ.

هل يُعقل مثل هذا الجنون البشع؟ ما هو المس الذي حذا برئيس الحكومة ورئيس الأركان إلى الشروع في هذه العملية العسكرية في منطقة من المتوقع أن ينسحب منها الجيش في وقت قريب؟

يجب أن يكون هناك نهج منطقي في مثل هذا الجنون أيضا. ما هو السبب الحقيقي للاجتياح؟

التعليل الرسمي هو الحاجة إلى "تدمير الأنفاق" الموجودة تحت محور "فيلاديلفيا". إلا أن هذه الأنفاق قائمة هناك منذ سنين عديدة. ويزعم الجيش بأنه كان قد فجر 98 نفقا في الماضي. وقد اكتشف حتى الآن في هذه الحملة نفق واحد فقط. من الواضح تماما أنه لا يمكن لأي عملية عسكرية أن تضع حدا لهذا. حتى وإن دمروا المزيد من البيوت، فإن الأنفاق القادمة ستكون أطول من الأنفاق التي سبقتها.

إلا أن الأنفاق هي، بطبيعة الحال، مجرد ذريعة. خدعة ترويجية. إذا كان الأمر كذلك، فما هي الأسباب الحقيقية لهذا الانقضاض الساحق على البلدة المسكينة؟

السبب الأول هو الأبسط من بين الأسباب: حب الانتقام. لقد تلقى الجيش الإسرائيلي ضربتين مذلتين، وقادته يريدون الانتقام. عشرات القتلى الفلسطينيين مقابل 13 جندي، مئات البيوت المهدمة مقابل مدرعتين.

أضف إلى ذالك تعليل المعنويات. لقد قال الضباط ذلك بشكل واضح: كانت هناك حاجة إلى عملية ضخمة، تبرهن تفوق الجيش الإسرائيلي، بهدف رفع معنويات الجنود بعد تلك الهزائم المؤلمة.

من الممكن أن نضيف إلى ذلك أيضا الضمير النائم لدى القادة، الذين أرسلوا جنودهم إلى مناطق الموت، يستقلون مدرعات مدججة بالمواد المتفجرة وغير محمية بشكل كاف. لو كان الجيش جيشا ينتهج المنطق، لكان هؤلاء الضباط المسئولين عن ذلك، وعلى رأسهم رئيس الأركان الفاشل، سيستقيلون في التو واللحظة. إلا أن ذلك ليس من عادة الجيش الإسرائيلي. بل على العكس، من يفشل يرتقي إلى رتبة أعلى.

إذا نظرنا إلى الناحية العسكرية المحضة فإن "محور فيلاديلفيا" هو نوع من الجنون. من غير الممكن حمايته دون ارتكاب أعمال بشعة، تشكل جرائم حرب أو تكاد تكون كهذه. إنه يستقطب الداغرين كما تستقطب الشمعة الفراشة. غير أن قادة الجيش، الذين اخترعوا هذا المحور، لن يعترفوا قطعا بحماقتهم.

هناك تعليل آخر لهذه الحملة: يريد الجنرالات الخروج من غزة "برأس مرفوع". إنهم لا يريدون السماح لمقاتلي العصابات الفلسطينيين بالادعاء بأنهم هم الذين طردوا الجيش الإسرائيلي بالقوة، كما فعل حزب الله في لبنان.

هذا تعليل صبياني، يتلاءم وعقلية عسكرية معينة. بعد رفح سيحدث العكس تماما: ستقنع هذه الحملة الفلسطينيين أكثر فأكثر بأن بطولتهم هي التي أدت إلى خروج الجيش الإسرائيلي. وهل هناك من يمكنه إنكار ذلك؟

لقد صادقت الزعامة السياسية على حملة الانقضاض على رفح، حيث كانت بحاجة إلى عملية استعراضية كبيرة، مليئة بالقتل والدمار، بهدف إشباع الأحاسيس الرجعية لدى قسم من الجمهور. وكأنهم يقولون: سنلقنهم درسا. لقد كالوا لنا، فسوف نكيل لهم الصاع صاعين. عشر أعين بعين، ومئة سن بسن. بهذه الطريقة يمكن شراء الأصوات.

لكن لدى شارون سبب شخصي أكثر أهمية لإنجاز مثل هذه الحملة الضخمة في أزقة رفح: بعد هزيمته في استطلاع الرأي بين منتسبي الليكود، واجه طريقا مسدودا. لقد سد خصومه السياسيون في حزبه وفي حكومته كافة المسالك السياسية في وجهه.

بعد عدة أيام من استطلاع الرأي في الليكود نشرت "كتلة السلام" الإعلان التالي تحت عنوان "تحذير":



"شارون يشبه الآن ثورا جريحا.

"الحيوان الجريح هو حيوان خطر.

"لقد قُضي على برنامجه. ليست لديه أية إمكانية لإزالة حتى مستوطنة واحدة. ليست لديه أية إمكانية في إنجاح أي برنامج آخر.

"الإمكانية الوحيدة المتاحة أمامه أصبحت القيام بحملات عسكرية استعراضية فقط.

"لا حدود للممارسات الدموية التي يمكنه ممارستها الآن لضمان بقائه."

نُشر هذا التحذير في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 7 أيار. لم يمض أسبوعان على نشره، وها هي الحملة تبدأ.



إضافة إلى حب الانتقام وضغوط الجنرلات، تأتي هذه الحملة لتخدم مصالح شارون الشخصية. فقد بدأت الأنباء الدراماتيكية الواردة من رفح، التي ملأت نشرات الأخبار، تنسي الجمهور هزيمته السياسية. بدأت تعيد إلى أذهانه صورة الزعيم المصمم. لقد حولته ثانية إلى شخصية دولية مركزية. صحيح أن كل العالم يكن له الاستنكار، غير أن هذا الأمر، من وجهة نظر منتخبيه، يزيد من شموخه وارتفاع شأنه.

وأين المعارضة؟ قبل أسبوع واحد وفد 150 ألفا من دعاة السلام إلى ساحة رابين في تل أبيب، للتعبير عن اشمئزازهم من الوضع الحالي وتطلعهم إلى التغيير. لقد نصّب بعض السياسيين أنفسهم زعماه لهذا الجمهور الطيب وأمطروا عليه وابلا من الأفكار المشوشة. غير أن أحدا من هؤلاء الخطباء لم يتصد لهذه البشاعة، التي بدأت في رفح غداة ذلك الاجتماع الجماهيري. وبقيت حركات السلام الراديكالية لوحدها مرة أخرى على الحلبة. بعد عدة ساعات من الفتك بالمتظاهرين في رفح، تصادمت هذه الحركات مع الشرطة في شوارع تل أبيب، وأجرت مظاهرة بالأمس على مشارف رفح.

من الواضح أن اجتياح رفح سيفشل، كما فشل اجتياح جنين في حينه. لا يستطيع جيش نظامي، ولتكن قدرته العسكرية ما تكون، أن يسحق الداغرين (محاربي العصابات)، الذين يقف من ورائهم جمهور يائس. بل على العكس، كلما كان الجيش أكثر بطشا وقوة، كلما انخفضت احتمالات نجاحه. بمقدوره قتل العشرات والمئات، وتدمير أحياء كاملة، وطرد الناس من بيوتهم وإحداث "نكبة" بسهولة، لكن ذلك كله لن يجدي نفعا. يمكن للتسوية والسلام فقط وضع حد لحرب العصابات هذه

يجدر بنا التذكير: كلمة "غيريلا" (الحرب الصغيرة) نشأت في اسبانيا في فترة التصدي لنابليون. لقد كان رد فعل الفرنسيين وحشي جدا، وقد تم تجسيده في لوحة الرسام غويا الشهيرة. لم يساعدهم ذلك. يؤمن العديد من المؤرخين بأن الغيريلا الإسبانية هي التي أسدت أول لكمة قاضية إلى حكم نابليون، حتى قبل اجتياح روسيا الذي حمل في طياته كارثة كبيرة.

شارون ليس نابليون، حتى وإن ظن هو بأنه يشبهه. سيخرج من رفح كما دخل إليها. لن يتغير أي شيء فيما عدا شيء واحد: رفح، مثلها مثل جنين، ستنضم إلى الملاحم الوطنية التي ستغذي الأجيال الفلسطينية القادمة.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوشارون: العد التنازلي
- المسخ الذي تصدى لصانعه
- فأنونو: السر الدفين
- جلد شارون، وجلد بوش المرقط
- الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة
- رسالة إلى عرفات
- ثلاثة جنرالات وقديس واحد
- كل الاحترام، يا أصدقائي
- روميو الفلسطيني
- طالما ظل الجيتو في القلب
- الدب الراقص
- نعم سيدي الوزير!
- إلى غزة!
- إكليل الأشواك
- رجل أسكيمو في البنطوستان
- اللا سامية – دليل المصطلحات
- العجلة من الشيطان!
- النوم على سرير (برنامج سياسي) مريح
- الأمر المُطلق
- صدام إلى هاغ!


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - اغتصاب رفح