|
أزمة الثقافة العربية وتحدياتها في ظل الهيمنة الغربية
محمد بسام جودة
الحوار المتمدن-العدد: 846 - 2004 / 5 / 27 - 03:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن معطيات العالم الجديد تضع الثقافة العربية بخصوصيتها وتميزها أمام تحديات كثيرة تفرض عليها الخروج من الشرنقة والتفتح على ثقافات الآخر ،مع مراعاة أنها الثقافة الزاخرة تاريخياً ،ومعرفيا،ً وحضارياً، وتراثياً ، لأنها تستقي ذلك الوهج من الحضارة الإسلامية وتستمد ديمومتها من تنوعها وعراقتها تبعاً للأبعاد الجغرافية، والبيئية ،والتاريخية ،واللغوية التي تمنحها إمكانية تشكيلها معطى حضاري يجعلها محل اهتمام وقلق بالنسبة للغرب. إن الثقافة العربية في ظل تدفق المعلومة والديمقراطية وبمفهوميها الشكلي والضمني واختلاف الرؤى حولها توضع الآن في أكثر من موقع، وبين من يراها كفيلة بالصمود أمام التحديات وبين من يحكم عليها بأنها ثقافة هشة تعكس أزمة فكرية حادة. فكيف يمكن للثقافة العربية أن تواجه تأثيرات العولمة ؟ إن قضية الفكر العربي تعتبر من أهم القضايا العربية التي تأخذ كل مرة حيزاً من الاهتمام والمتابعة لدى الباحثين، وفي ظل الأحداث السياسية التي يشهدها الوطن العربي منذ حرب الخليج الأولى والثانية والقضية الفلسطينية المستمرة لعقود متتابعة من الزمن ، تركت هذه الأحداث واقعاً مأساوياً علي البنية الفكرية العربية والتي جسدت منها أمة عربية مشتتة إلى أقطار وأمم ودويلات. ويؤكد الباحثون بأن الواقع الثقافي يرتبط بشكل مباشر بالواقع السياسي وبجوانب الإعلام والاقتصاد الذي تعكسه الحروب والتوترات الداخلية والتشتت.،وهذا إن صح القول يعيدنا لما أعلنه الغرب بوضوح ومن منابر كثيرة بأن القرن الواحد والعشرين سيشهد نشر النموذج الثقافي الأمريكي، والقيم الأمريكية ،والسلوك الأمريكي ، وأنه كما شهد القرن الماضي انهيار الشيوعية والماركسية ، فسيشهد هذا القرن انهيار الإسلام والعروبة ، وأنه لم يعد هناك مجال للحديث عن أمة عربية ولا عن طموحات قومية ، فأفق الطموح لأي قطر عربي هو أن يرى نفسه آمناً في حدوده الحالية دون أية أوهام أو أحلام أو طموحات قومية من أي نوع وفي مقدمتها التحرير والوحدة العربية. لاسيما وأن واقع وتحديات الثقافة العربية في ظل المتغيرات العالمية المحيطة بها وأقصد هنا العولمة تهدف إلى الانفتاح اللامحدود للعالم بكل مقاييسه وأدواته ،فهل يدخلها المثقف العربي أم أنه سيظل متوجساً من الدخول إلى هذا العالم الغريب الذي يسقط في الكثير من لوائحه الماضي بقيمته وتراثه وثقافته العريقة ،بحثاً عن حداثة تدمر الجانب المشرق في حضارتنا وتعبث عمداً بهمومنا لتسلخنا عن قيمنا ومثلنا ، لتؤذي بلا شك إلى عولمة عائدة لحضارات منقرضة. إن الشكل الذي نشأت عليه الثقافة العربية عبر امتداد الزمن ،يجابه اليوم تحديات العولمة والثقافات الغربية في الحين الذي تحول فيه العالم إلى " قرية إلكترونية " في عصر التسلح الإعلامي وتطور وسائل الاتصال والمعلومات والمعرفة ،التي ألغت الحدود الجغرافية ومحت كل الخرائط والحدود أمام هذه الكونية ،فلكي تتحرر الثقافة بكل مقوماتها فإن ثورة المعلومات وتوظيفها الصحيح، هي القادرة على تقديم كل ما يلزم لتحرير الثقافة العربية من قيود التبعية والهيمنة التي يحاول الغرب أن يفرضها تحت عنوان العولمة. لاسيما وأن الثقافة العربية تمثل إحساسنا بالحياة وبالكينونة وسط عوالم تحدوها صراعات المال والأديان والنزاعات التي لم تسلم منها الكثير من الدول ،وإن كان الوضع الراهن قد وضع الثقافة العربية في زاوية التشريح والتعرية ، فإن الإشكاليات المطروحة من خلالها تفرض نفسها لحتمية الوقوف على أسبابها ودوافعها. إن الثقافة العربية تضعها التحديات الراهنة في مواجهة العديد من الجبهات والأصعدة التي لا بد أن تخوضها وفق مقاييس جديدة تحقق صمودها ، ولأن المثقف العربي عرف في السنوات الماضية وضعاً مزرياً أرسته أزمات فكرية لها أكثر من دافع ،كل ذلك يفتح المجال أمام استعراض مستلزمات لابد من توفيرها ودراسات لابد من وضعها ، ففي الوقت الذي نحاول أن نرسم فيه خطوط حرية ثقافتنا الفلسطينية ، ونقاوم من اجل نيل السلام والحرية يصطدم ذلك بممارسات الاحتلال الإسرائيلي ، الذي يعيث فسادا في حضارتنا و يعيث بمستقبلنا ، تحت ما يسمي بثقافة السلام التي تمضغ تقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا ، بأضراس الحرب العنصرية البشعة . وهنا لابد من التأكيد علي ضرورة وأهمية خلق وإبداع خطاب فكري وثقافي عربي نوعي يتلاءم والمعطيات الراهنة ، يكون قادر علي توجيه موازين القوي ويسهم في رسم وتحديد فعالية وتأثير المثقف العربي . خطاب ثقافي يستحضر بقاءه ويستمد قوامه من الحاضر ، إذ نملك حينها القدرة العربية علي استقصاء صورة المستقبل وتحقيق أهدافه الثقافية والحضارية ، التي من شانها أن تساهم بشكل كبير في صنع أي قرار عربي . غـــــــزة-فلسطين
#محمد_بسام_جودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة وآفاق المستقبل
-
من الجدار إلى الانسحاب من غزة ماذا يخطط شارون!!! كي لا نلدغ
...
-
صفعة مزدوجة من الليكود لشارون وبوش !!!
المزيد.....
-
-لن أقول تعليقا غير محترم-.. تركي الفيصل يتحدث لـCNN عن خطة
...
-
حصيلة دامية في غوما: دفن 900 قتيل في مقابر جماعية بعد أسابيع
...
-
كريستيانو رونالدو: من طفل فقير إلى صاحب إمبراطورية بقيمة 850
...
-
من هو رحيم الحسيني الزعيم الجديد للإسماعيليين النزاريين؟
-
بعد مطالبته للغرب بتزويد كييف بسلاح نووي.. برلماني أوروبي يت
...
-
اتفاق على إبرام عقد جديد مع الشركة الفرنسية المشغلة لمحطة ال
...
-
ارتفاع مخزونات النفط الأمريكية بمقدار 8.7 مليون برميل خلال أ
...
-
جريمة تغذي الصراع.. البرلمان العربي يشن هجوما على تصريحات تر
...
-
زيلينسكي يعترف بخشيته التفكير في سيناريو وقف المساعدات الأمر
...
-
هل تنجح خطة ترامب للسيطرة على قطاع غزة؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|