زهيرالأسعد
الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 20:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دول المعابد
عند دراسة حالة الأنسان وعلاقته بالعالم الغير ملموس بما فيه الارواح والالهه وبعيداً عن التعاليم الدينية,وبالاعتماد على الدراسات الأثريه, نرى أن الأنسان عبر التاريخ وحتى بداية المدنية , كان يؤمن بوجودعالم غير ملموس ذو سلطة خفيه, الا انه بعد بداية المدنية كعمران,زراعة وإقتصاد دأب لجعل مركز السلطة التي تُخضع الجميع في مجتمعه لنظم اجتماعية واقتصادية وسياسية,تلك المعابد التي أسكنها الاله,هذه السلطة المبتكرة التي اوجدها من خلال قدرته الروحية ,جاء التعبيز عنها من خلال الرسم ثم التجسيم وأخيراً باللغة تدويناً ونطقاَ.
هكذا اصبحت هذه الالهه الساكنه في المعابد حجر الاساس الذي جعل بناء الدولة ممكنا,لانها تجعل الجميع يخضعون تحت سلطه ابدية غير قابله للتغير أو التحدي لكونها واقعه خارج الدائرة المادية للانسان,وبذات الوقت تبقي القادة كافراد او عائلات - من الذين لهم القدرة المادية لفرض سلطةهذه الالهه-وكلاء شرعين,لأن التأكيد على شرعية سلطانهم كان يتأتى من خلال رجال الدين الذين يخدمون هذه الالهه في المعابد فبمقابل تأمين الحماية العسكرية والدعم المادي لهذه المعابد ورجال الدين يأتـي التصديق على شرعية القادة ,والامثله المثبته لواقعية هذه النماذج من الديانات والسلطات كثيرة,وأقربها للوطن العربي والجزيرة تحديدا نجده في الحضارات الفرعونيه, السومرية, والفارسية.
هذه الحضارات,كان لها مطلق واحد(اي اله واحد)وبغض النظر عن التسمية او طبيعة التصوير, الا ان جميعها كانت في معابد كمراكز للسلطة التي اوجد على اساسها نظام الدولة, هذه القاعده لبناء الدولة لم تكن موجودة في الجزيرة العربية لغاية القرن السادس للميلاد,لأن المحقق في تاريخ هذه المنطقه سيجد النقيض,ليس من حيث تعدد الالهه وحسب,بل وتعدد المعابد ايضا,حتى وان اعتمد التاريخ الاسلامي الغير مدعم بعثريات او دراسات اثرية-باعتباره يقر بان الكعبة الوحيده المُبقى عليها لغاية يومنا هذا قد سكنتها عدة الهه- سيجد أن إنعدام وجود سلطة مركزيه واحدة, يخضع لها الناطقون بلغة واحده, نابعه من معبد واحد, يسكنه اله واحد, أثمر إستحالة قيام الدولة السياسية الواحدة, لذا لابد أن يُعزي لتعدد الالهه والمعابد و وجود حالة التشرذم و العدائية التي تطغى على تاريخ المجتمعات في تلك المنطقة كسبب- إن لم يكن الرئيس- لعدم قيام الدولة.
هنا ومن هذه النافذه, يتأتي الاعتقاد, أن قيام الفكر الاسلامي كفلسفة بشرية,هدف أولاً وأخيراً لأنشاء دولة تُخضع الناطقين باللغة الواحدة تحت سلطتها,لأن الناظرلنشأة الدولة الاسلامية يمكن ان يرى بوضوح ان الدعوة لأنشائها جاءت كلاسيكية الطابع من حيث المناداة بوجود اله واحد,الا ان الحاجة لمعبد واحد وهو مركز السلطة بقي قائماً,لذلك سيجد ايضا انه ولإعتبارات مادية الخصائص-تكتيكية,عسكرية,إقتصادية- كان لا بد لهذه الدعوة ان تأتي كبداية سلمية الافعال والردود ,عكس هذا ما يمكن ملاحظته عند التمعن في قيام نظام الدولة في اي من الحضارات الآنفة الذكر,حيث كان لمنشئيها القدرة االمادية لفرض سلطة المعبد وساكنه وبالتالي انشاء الدولة.
كثيرة هي المؤشرات التي تؤكد على ان الفكر الاسلامي كدين قام لأنشاء نظام الدولة-ولو حتى بعيد ما يسمى بالهجرة على أقل التقادير-وللايجازنذكر الاتي:
أولا ,التغير الذي أحدثه مؤسس الفكروالدولة على موقع المعبد –مركز السلطة الالهية-من بيت المقدس الى مكه,نقول هذا لأننا نعتقد ان بعض اسباب ذلك هي لبعد الاول جغرافيا,صعوبة الاستيلاء عليه,ولا يحمل الارتباط به للمنتمين للفكر والناطقين بلغته اي اهمية قصوى,اما الثاني فناهيك عن قربه الجغرافي وسهولة بسط النفوذ عليه اسهل,فهو ذو اهمية سياسية,اقتصادية,واجتماعية بالغة القيمة ,لذا تم تدارك وجوب ان يكون الهدف الاستراتيجي الاول.
ثانيا,التناحر الذي نجده واضحا بين الافراد القياديين الذين ساهموا في انشاء السلطة ومركزها ممن رأوا انفسهم وكلاء شرعيين لسلطة الدولة بعد وفاة مؤسسها,مرورا بما يسمى بحروب الردة,وخلال فترة الخلافات الاسلاميه ولغاية سقوط اخرها ابان الحرب العالمية الاولى.
اننا لنجد ايضا انه كما فشلت كل الفلسفات السلطوية في الحضارات القديمة والتي حاولت ان تجعل الالهة والمعبد اساسا لقيام الدولة ,كذلك فشل الفكر الاسلامي ,أو ليس وجود أكثر من نظام سياسي-ولو كان اسلامي التطيف- تخضع تحت سلطته مجتمعات عربية أومعربة دليلا واضحا على ذلك..؟,فالمعبد وساكنه - مكة – لم يعد المانح لشرعيه بقاء الملوك والقاده في مراكز السلطة.
يقول "دون كيوبت" في كتابه ما بعد الله ، ان احدى القواعد الدالة على تأثير اللغة في حياة الانسان هي:ان المجتمع ومن خلال الممارسات الدينة, يؤكد لذاته الطرق المختلفة التى تجعل لغته الباني الاوحد لعالمه.من إتفاقنا معه نقول ان اللغة هي المعبّر والمصّور الوحيد لقدرة الانسان الروحية وكل الافكار بما فيها تصويره للمطلق وإعطائه الصفات والنعوت حسابا للإرث الاجتماعي المُبنى على اللغة .
للمعاين أن يرى بوضوح ان المطلق في الفكر الاسلامي ما هو إلا انعكاس مُجسد للحالة الطبغرافية والاجتماعية المتسمه بالقسوة والخيال المعبّر عنهما و المصورتان من خلال اللغة،ولا ايسر من العثور عليهما في الادب العربي, سواء قبل او بعد ظهور الاسلام كسلطه او فكر للمطلق, وخصوصا الشعر الذي يعتبر أصدق الاساليب المصورة لامتلاك الانسان للقدرة الروحية كفكر حرّ غير مقيد باي سلطة بما فيها سلطة الالهة، المعبد،او المطلق.وما محاربة الاسلام –فكرا و سلطة- لهذه الناحية من الادب الا دليلا على حاجتة لاعدام كل ما يتعارض مع طموحاته لانشاء سلطة الدولة باعتبارها سلطة المطلق .
كل ما سلف ذكره نجد عكسه تماما في الفكر المسيحي، فهولم يدعُ لجعل المطلق مركز السلطة المادية،اي كاساس لسلطة الدولة.فالفكر المسيحي لم ينادِ لأنشاء نظام الدولة بل دعا لأنشاء ما يمكن ان نسميه دولة الذات ، ما نعنيه بذلك هو ان يكون للانسان من خلال قدرته الروحية الكاملة الخيار الحرّ لقبول أو رفض سلطة المطلق-هنا لا بد ان نذكر من يؤمنون بالتكوين ان يعودوا لقصة آدم- وعليه ان يتحمل وحده تبعات خياره ،ونعود لنقول ان تفعيل هذه السلطة الذاتية الراذلة لكل الماديات, هي وحدها القادره على تمكين الانسان ليكون قادرا على مراعاة متطلبات الحق،المنطق و المطلق ، بعيدا عن الشعور بالعجز المادي النسبي او الحاجة لنظام الدولة ،والتي وإن عاش تحت سلطتها لن تكون حجر عثره في طريق بناء ذاته الانسانيه.
مانستشفه من تعاليم الفكر المسيحي هو انه رأى بوضوح أن أي أيديولوجيا تقوم للتسلط على الانسان من خلال الايحاء بأنها سلطة المطلق،ليس فقط تبوء بالفشل،بل انها ستحيله الى حالة تيه في محاولات بائسه بين تسديد العجز المادي النسبي والتحرر الروحي لأنشاء دولة الذات .
#زهيرالأسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟