|
إسهامات الأستاذة مارجريت ميد في الإنثروبولوجيا النفسية
إبراهيم حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 04:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد كثرت الدراسات الانثروبولوجية الميدانية التي قام بها الانثروبولوجيون في القرون المنصرمة، إلا إن ابرز الدراسات الانثروبولوجية التي ضاع صيتها في الأوساط العلمية هي دراسة راد كلف براون لجزر الاندمان، وكذلك دراسة مالينوفسكي لجزر التروبرياند، و دراسة روث بندكت لقبيلة زوني ودراسة مارجريت ميد لجزر ساموا، وغيرها من الدراسات الانثروبولوجية التي يصعب ذكرها. إلا إن اغلبَ هذهِ الدراسات لم تحظى بأهتمام واسع، على الرغم من أن هذهِ الدراسات هي دراساتٌ رصينة وقيمة وتدّرس أينما توجد الانثروبولوجيا. لكن لم يكن هنالكَ إمتداد لهذهِ الدراسات، أقصد وجود نقد من قبل الانثروبولوجيين المُعاصرين لهذهِ الدراسات أو على الأقل تصحيحها أو الاستفادة من نتائجها بالشكل الذي يتلاءم مع ما توصلت إليهِ أنثروبولوجيا القرن الواحد والعشرين.وإن وجد نقد أو تصحيح فهو لا يتعدى أن يكون تسطيحاً لهذهِ الدراسات.
تبرز دراسة مارجريت ميد من بين هذهِ الدراسات كدراسةٍ رائدةٍ فريدةٍ من نوعِها، والذي يلاحظ دراسات مارجريت ميد، يشعرُ بالخدمة الكبيرة التي قدمتها هذهِ العالمة للعلم بشكل عام.وللانثروبولوجيا النفسية أو الحضارة والشخصية بشكل خاص. لقد تصدت هذهِ العالمة لعدة فرضيات كانت تعتبر من المُسلمات التي لا يجوز الشك فيها. غير إن هذهِ العالمة فندت تلكَ الفرضيات وفتحت الباب أمام الباحثين الغربيين إلى تنقيحها والاستفادة منها.أنها على أية حال إنطلاقة فذة قامت بها ميد في مجال البحث الانثروبولوجي – النفسي.
من ابرز الموضوعات النظرية التي تصدت لها ميد هي موضوع المراهقة.فقد تردد في بحوث العلماء النفسيين الغربيين والأميركيين أفكاراً كثيرة تكشف عن طبيعة المراهقة والمشكلات التي تصاحبها.فلا شك إن المراهقة تمثلُ مرحلة حساسة في حياة كل إنسان، وعليهِ فلا بد من وجود مشكلاتٍ تحيط بالفرد أبان تلكَ الفترة.لذا فأن العلماء الغربيون في مجالات البحث النفسي توصلوا إلى رأي مفادهُ إن المراهقة تمثلُ مرحلة حساسة في حياة كل فرد.هذهِ المرحلة تتسمُ بخصائصَ بايولوجية وعاطفية وذهنية، ولاشكَ إن هذهِ الخصائص تمثلُ تغيّراً في حياة الفرد، وعليهِ فلا بد من ظهور سلوكٍ مُغاير للسلوك الذي كانَ يتبّعهُ الفرد قبل دخولهِ مرحلة المراهقة.كما إن هذهِ التحوّلات أو التغيرات البايولوجية والنفسية والعاطفية يتمخضُ عنها فورانٌ نفسي - عصبي داخل الفرد.مما يجعل الفرد يتخذ سلوكاً معيناً، ربما يختلفُ كل الاختلاف عن سلوك الأفراد البالغين.الأمر الذي يجعل التجارب والمواقف التي يمر بها المراهق عاملا موبخاً أو سلبيا كما يشعرُ بهِ.فأحياناً يشعرُ بالألم من موقفٍ معين. وأحياناً أخرى يشعرُ بالخجل أو الخوف والحرمان، وفقدان الطمأنينة وعدم الاستقرار النفسي. هذا كل ما توصل إليهِ علماء النفس في الغرب من نتائجَ عن مرحلة المراهقة وهذهِ هي الصورة التي شكلوها عن حياة الفرد المُراهق بصورةٍ عامة بغض النظر عن جنسهِ – ذكر أم أنثى- وعممّوا نتائجهم هذهِ على مجتمعات العالم دونَ إستثناء.
لم تكن الأستاذة ميد بمعزل عن هذهِ الفرضيات أو الصورة التي شكلها العلماء عن مرحلة المراهقة، بل كانت إن صحَ التعبير تراقبُ عن كثب ما يتوصل إليهِ علماء النفس من نتائجَ عن مرحلة المراهقة.وأخيراً قامت الأستاذة ميد بدراسة مجتمع ساموا البدائي لدراسة موضوع المراهقة، لمعرفة صدق أو كذب الادعاءات التي تبناها علماء النفس. فقد ركزت ميد على نشأة شخصية الأطفال منذ ولادتهم لحين انتهاءهم من مرحلة المراهقة، مع الاهتمام بشكل كبير على ملاحظة حياة الفتيات، وتوسّعت ميد بهذا الأمر حيث حاولت أن تتعرف على حياة الفتيات منذ نشأتهن وما يحيط بحياتهن من علاقاتٍ إجتماعية – داخل وخارج الأسرة – وحضارية أيضا.وكشف طبيعة الحياة التي تعيشها المراهقات والمراهقون في تلكَ الجزيرة. كما حاولت أيضاً التركيز على النتائج العاطفية والذهنية التي تنتجُ من خلال تلكَ العلاقات الذي تتبناها الفتيات داخل المجتمع.
إستطاعت الأستاذة مارجريت ميد أن تخلص إلى عددٍ من النتائج من خلال دراستها الدقيقة لهذا المجتمع.فبينت ميد بأن حياة الفتيات المراهقات في جزيرة ساموا " المجتمع المبحوث" لا تتسم بسلوكٍ غير سوي أو عصبي، ولا يتسمُ بالفوران العاطفي والقلق الذهني،.كما توصلَ إليهِ علماء النفس في الغرب، بل وجدت الأستاذة مارجريت ميد إن التركيبَ الحضاري في جزر ساموا يتيحُ للأطفال منذ نشأتهم الحرية الكاملة في تصرفاتهم مما يجعل شخصياتهم تنمو نمواً حراً غير مقيدا يخلو بدرجةٍ كبيرة من الفوران النفسي والقلق الذهني.أي إن الحالة الاجتماعية والنفسية للفتيات المراهقات مُستقرة وطبيعية. كما وجدت الأستاذة ميد إن مجتمعَ ساموا يسمحُ للأطفال – من الذكور والإناث – الاختلاط والمصاحبة والدخول في تجاربَ عاطفية. بل لاحظت الأستاذة ميد أنَ هنالكَ تجارب جنسية تحصل بين الجنسين، حيث إن العرفَ في مجتمع ساموا يمنحُ للأفرادَ حرية كبيرة دون تقييد، كما وجدت ميد إن التركيبة النفسية المعتدلة التي تمتاز بها شخصيات أفراد مجتمع ساموا ترجع إلى عدم إهتمام الآباء بالزعامة وإستئثارهم بها وعدم فرض سلطتهم وآراءهم على الأبناء كما هو الحاصل في المجتمعات ذات الزعامة الأبوية " تلك التي درسها فرويد". هذه هي الصورة التي صاغتها لنا الأستاذة ميد من خلال دراساتها الميدانية الموّسعة لجزيرة ساموا، من خلال هذهِ الدراسة، ثبت أن ما جاء بهِ علماء النفس الغربيون من نتائجَ مُعممة على جميع المجتمعات هي نتائج مبالغٌ فيها، وإن وجدت هذهِ النتائج في مجتمع ما فليست بالضرورة وجودها في مجتمع آخر بنفس الصورة. هذا ما توصلت إليهِ دراسة الأستاذة ميد والتي إنتهت بحقيقةٍ مفادها إن نظامَ الضبط الاجتماعي في تلكَ َالجزيرة "ساموا" يقوم على ضمان قدر قليل من طاعة الصغار لوالديهم وإعطاؤهم حق اكبر من حرية التصرف.من خلال هذهِ الدراسة نستنتج ما يلي:
1- إن الصورة التي صاغها لنا علماء النفس في الغرب عن مرحلة المراهقة هي صورة مخطوئة ولا تعتمد على دليل.أو هي صورة مبالغٌ فيها. 2- لا يمكن تعميم النتائج التي توصل إليها علماء النفس عن مرحلة المراهقة على مجتمعات العالم. 3- هنالك حالة من الاستقرار النفسي والعاطفي لدى مراهقات جزر ساموا، ولا وجود لفوران عاطفي أو قلق ذهني كما إدعى علماء النفس. 4- لا توجد ضغوط نفسية من قبل الوالدين على شخصيات الأطفال في جزر ساموا منذ نشأتهم وحتى إنتهاءهم مرحلة المراهقة. 5- الأطفال والمراهقون في جزر ساموا يتمتعون بقدر كبير من حرية التصرف تفوق قدر طاعتهم لوالديهم. 6- لا يشعر المراهقون في مجتمع ساموا بالمواقف التي يمرون بها بالخوف أو الألم والحرمان كما إدعى علماء النفس.
#إبراهيم_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيمفونية الصمت
-
أسطورة العراق الجديد
-
من سيقذفُ أوُباما بحذاءهِ ؟
-
ثرثرة رجلٌ يائس !
-
التنمية البشرية.....مجرد وعود !!
-
ما هي ألانثروبولوجيا ؟
-
هلوسة الصباح
-
الفهم الخاطئ للحرية.... هل سيؤدي بالعراقيين إلى الهلاك ؟
-
في ظل غياب الوعي الثقافي... هل نشهد عدم توزان أفكارنا ؟
-
دوّرُ الوعَيّ الفِكري فيّ إرشاد الفرَدِ العِراقي
-
عطر الغايب لـ جمعة الحلفي.... معالم لحركة تجديد في الشعر الش
...
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|