|
ما تبقى من: حوار مأزوم حول الأدب وقلة الأدب وما بينهما...!؟ 2
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 00:36
المحور:
مقابلات و حوارات
ما تبقى من: حوار مأزوم حول الأدب وقلة الأدب وما بينهما...!؟ 2
بين الروائي الفلسطيني أفنان القاسم والكاتب السوري جهاد نصره
"هل تعرف أن في إسرائيل بدأت المنظمات اليهودية المحبة للسلام تلتف من حول الخطة، وتدعو إلى التعايش والتساوي بالحقوق اللذين أدعو إليهما، وهي ترى فيها دعوة غير رسمية من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين، غير رسمية أكرر، وهذا شيء مهم جدا! الالتفاف الإسرائيلي الفلسطيني العربي أساس قوي من أسس ما تسميه تفاؤلي"...
كنا قد قطعنا شوطناً ماكراً في الشوط الأول من هذا الحوار تكلمنا فيه عن قلة الأدب وحيثيات النجومية الأدبية ومتعلقاتها وانعكاس ذلك على أم المعارك ـ معركة الحرية ـ في دول ما يسمى العالم العربي عالم الرعايا والطوائف والمذاهب والفساد المعمم..!؟ ربما نكون قد اتفقنا على أن ماهية الحوار تتحدد في مدى توفر وعي ونضج كافيين لإدارة التباينات الفكرية وغيرها كيما تكون هناك جدوى من أي حوار..!؟ نحن نلحظ مع الأسف شبه غياب لهذا الوعي وذاك النضج الأمر الذي جعل من الحوارات القائمة في أوساط النخب صراعات صاخبة تغلب عليها العصبيات الإيديولوجية أو الشخصية بحيث غدت أشبه بصراع الديكة منه بصراع مثقفين...!؟ على كلٍ دعنا نكمل ما بدأناه:
8 ـ والآن لنتحدث عن جوائز تبييض اللحى..! هذه الجوائز الملكية والأميرية والجمهورية التي لا تساوي قيمتها ثمن الأحذية السنوية التي يستهلكها أمراء البذخ والضياع..! ومع ذلك تجد الذين يكتبون أو يبدعون يهرولون في سباق حامي الوطيس للاستلقاء تحت فتافيت المزاريب الشحيحة متوسلين نيل هذه الجائزة المالية أو تلك..! لقد اطلعت في حينه على بعض من تلك الكتابات الفائزة بفردة حذاء أو زوج من الأحذية فماذا أقول لك..؟ يا ( للبهدلة ) التي نحن عليها لقد كفرت بعيد ذلك بالأدب والأدباتية وقد شعرت بالمهانة نيابةً عن جحافل المهرولين بدافع الشهرة ربما والعوز بالتأكيد..! لقد صُدمت حقاً صُدمت حين أعلن الروائي الاسباني خوان غويتيسولو منذ أيام رفضه القاطع لجائزة ( القذافي ) كما لكل جوائز الأنظمة العربية الاستبدادية..!؟ وبعد كلِّ هذا قد يقول قائل: أنت عدمي يا ابن الخال.. ليكن.. لا يهم أمام هذا الانحطاط والبؤس الثقافيين...!؟ أفنان: هل أنت عدمي بنفس المقدار أم ماذا...!؟
ج ـ منظرو العدمية كانوا من الثورية عندما نفوا وجود أي شيء على الإطلاق بعد أن نظروا إلى العالم فرأوا الأشباه يعومون في الفراغ كالهوام، وعندما تنكروا لقيم هؤلاء الأشباه اللا أخلاقية، وكذلك عندما أرادوا تحرير الفرد من كل سلطة، هناك إذن سياق تاريخي واجتماعي وسياسي وثقافي لهذه الفلسفة النهلستية التي أكثر ما تنطبق على عصر الانحطاط العربي والبؤس الثقافي كما أحسنت وصفه. كيف إذن سنفهم الإنسان عبر هذا الأدب المتوَّج، هذه "البهدلة" كما تقول، التي لا تعرف شيئا آخر غير لغتها ومعجمها وقواعدها الصرفية، والتي يتوقف الإدراك المعرفي عند أول جملة نقرأها منها؟ عرفات كان يجعل من حراسه وماسحي أحذيته وبوابيه الخصوصيين كُتابا لساعة من أجل التصويت لفلان ضد علان في اتحاد كُتابه، وبعد ذلك جوائزه كجائزة مبارك وجائزة القذافي وجائزة الأخت الزميلة سمو الأميرة سعاد الصباح لهم كانت بآلاف بله بعشرات آلاف الدولارات، إنها جوائز أقرب إلى الرشوة، فللصمت ثمن، وللصياح ثمن، لهذا دائما ما كانت وراء الجوائز في الغرب قبل تسليعها وحتى بعد تسليعها مؤسسات أدبية عريقة مثل جائزة غونكور وجائزة رونودو وجائزة فيمينا وجائزة الأكاديمية الفرنسية وفي هذه السنين الأخيرة تم استحداث جائزة تلامذة الثانويات الذين يعلمونهم في الغرب منذ هذه السن الباكرة كيف يقرءون وكيف ينقدون وكيف يتوجون، جائزة برأيي أهم من نوبل، وكل هذه الجوائز لها قوانين ومعايير توجب احترامها.
9 ـ من الميلة الثانية لا تنسى مهرجانات الأنظمة الأبوية التي يتقاطر للاشتراك فيها من هب وانبطح فيخرج الأب القائد الزعيم الأوحد الفيلد مارشال من باب الحارة ليحقق انتصاراته المتتالية على العدو الإسرائيلي المهزوم دائماً من غير شك..!؟ نعم يخرج وحده أمام أنظار الناس العرب محمولاً على أكتاف الفرسان الأدباء متأدباً وأديباً مبدعاً وصانعاً للأدب وللأدباء ومن لا يعجبه المشهد يجد فوراً وحالاً من يقول له: طز.. بلِّط البحر..!؟ يا لسوء حظك أنت الذي تسنى له المشاركة في واحدة أو أكثر من تلك الاحتفاليات السنوية و الفرجة عليها عن قرب أصدقني القول: ألست سعيداً الآن من استبعادك عن تلك الكرنفالات...!؟
ج ـ طوال حياتي لم أشارك سوى في مهرجان المربد مرتين، كان أمر الحرب، وكان أمر بغداد، وكان أمر العراق، وكان أمر شهرزاد، وكان أمر أبي نواس، وكان أمر حلم قديم أبدا لم يتحقق، وفي المرتين لن تجد لي لقاء واحدا في جريدة، ولا صورة على غلاف. كنت ذات صباح مع جمال الغيطاني وناصيف عواد، فهجمت الكاميرات علينا لكني انسحبت، وعاتبني ناصيف لأني انسحبت. وكنت ذات مساء أجلس بين جبرا إبراهيم جبرا وسهيل إدريس، كانا يتجاذبان الحديث عبر صمتي، وكان جبرا يضطر إلى تأكيدي أو نفيي لما يقول بطرح السؤال الشائع: "وأنت ما رأيك يا أفنان؟" لم أكلم آلان روب غرييه الذي كان يجلس على مائدة الطعام معي، لم أحضر مرة واحدة لسماع شعراء البلاط، كانت الصورة المعلقة في كل مكان ترعبني تطاردني تحاول هدم جدراني، وأنا لهذا كنت ألجأ إلى غرفتي في الفندق دون أن أرد على الهاتف. أنا أحاول أن أحمي نفسي من العالم الخارجي بوضع نفسي في برج ليسه البرج العاجي، إنه برج من جهنم أحرق فيه جزءا مني في كل مرة أنجز فيها كتابا، وفي بغداد كنت أنجز لحظة من أتعس لحظات الوجود. حتى مهرجانات نصف الساعة التي كانت تقام هنا في باريس احتفاء بهذا الشاعر أو ذاك لم أكن أحضرها، وفي إحدى المرات تلفن لي إميل حبيبي يسأل لماذا لم آت إلى معهد العالم العربي؟ قلت القيّم على الدعوات فيه يدعو أبعد الأدباء عن باريس، وأنا لا، أقربهم إليها! صاح إميل غاضبا: أنا أوجه لك الدعوة، فتعال، لكني لم أذهب إلى كرنفال من كرنفالاتهم! أنا لا أنظر إلى الوراء، أنظر أمامي، وإلى المستقبل دوما، وإذا صدف أن نظرت إلى الوراء، بعد كل هذا العمر ووقر السنين، وأجدني وحدي، نعم، أبتسم سعيدا.
10 ـ وهكذا، وبناءا على ما تقدم، كنت قد سألتك عن اليأس والتفاؤل وما بينهما..! ذلك، لأن كل شيء منوط بالنخب العربية..! فإذا كانت أحوال الأدباء على هذه الصورة المزرية وهم الجزءٌ الحيويٌ من هذه النخب يا حيا الله..! فمن أين بربك ـ هذا إذا كان لا يزال عندك رب غير ربي ـ تستحلب تفاؤلك وبخاصة إذا ما تعلق الأمر بموضوعات كبيرة وحساسة مثل موضوعة: بلاد كان اسمها فلسطين.. ومدينة كان اسمها: القدس ومؤتمر تحلم بانعقاده في بال.. وخطة سلام اقترحتها أنت قبل أعوام لتكون بديلاً عن خطة الطريق وبند أساسي في جدول أعمال المؤتمر إذا ما قُدِّر له أن ينعقد..!؟ وموضوعة التعايش المدني العربي الإسرائيلي ليس في فلسطين وإسرائيل فقط بل على مستوى اتحاد مشرقي يشمل عدة دول كالسعودية والأردن كمجال حيوي لهذا التعايش يا للهول..؟ ألا ترى أنه ليست هناك إرادة دولية ولا إقليمية لمثل هذه الاجتراحات صراحةً لا أتفهم دواعي تفاؤلك ولا أشاركك فيه وكيف أشاركك وكل شيء متوقف بل مرهون بتوفر شهامة أو وعي عند بعض الممولين الفلسطينيين.. يا له من رهان... خاسر...!؟
ج ـ لن أحدثك عن التفاؤل التاريخي الساذج للماركسية، ولكني سأعود إلى مفهوم الصدفة التاريخية، وأحاول تفصيله من الناحية اللغوية على الأقل. الصدفة أو المصادفة بالإمكان أن تأخذ معنى المقامرة أو الاتفاق أو المخاطرة، ولكنها في هذه اللحظة التاريخية من لحظات عالمنا العربي لحظة عدمية انحطاطية بؤسية إلى آخره، المقامرة والاتفاق والمخاطرة كلها موضوعية، أي ابنة زمنها. خطتي للسلام ومؤتمر بال ينهلان من هذا البعد، تحت شرط ألا يتم ذلك بلا تبصر، وألا يعول في أمر ذلك على المثل المعروف "رب صدفة خير من ألف ميعاد" أو المثل الآخر "رمية من غير رام"، فأنت أكثر من يعرفني، أكثر من يعرف جدلي الهيغلي حين جمعي بين الطريحة والنقيضة، وخاصة تمثُّلي الفكري من أجل الكشف عن التشابه القائم بين الظواهر المختلفة. من هذه الزاوية كل الأبواب مفتوحة لتطبيق الخطة ولانعقاد المؤتمر، التطبيق سيقف من ورائه من بين من سيقف الأدباء المنبوذون مثلنا وهم كثر والمؤتمر سيكون أداة التطبيق، لأن الخطة إذا كانت خطة السلام المؤتمر مؤسسة السلام ودولة فلسطين كما نريدها نحن والإتحاد المشرقي كما نريده نحن. الرهان الآن على الممول. هل تعرف أن في أمريكا وحدها 25 ملياردير فلسطيني؟ يجب الوصول إلى عمالقة المال هؤلاء. وهل تعرف أن في إسرائيل بدأت المنظمات اليهودية المحبة للسلام تلتف من حول الخطة، وتدعو إلى التعايش والتساوي بالحقوق اللذين أدعو إليهما، وهي ترى فيها دعوة غير رسمية من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين، غير رسمية أكرر، وهذا شيء مهم جدا! الالتفاف الإسرائيلي الفلسطيني العربي أساس قوي من أسس ما تسميه تفاؤلي، فأنا مثلك لا أعول كثيرا على النخب لا نخبهم ولا نخبنا.
انتهى
www.parisjerusalem.net
[email protected]
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مأزوم حول الأدب وقلة الأدب...!؟
-
نحو مؤتمر بال فلسطيني
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|