|
عصمة الأئمة وعدالة الصحابة وقداسة المراجع وعصمة الپاپوات
تنزيه العقيلي
الحوار المتمدن-العدد: 2781 - 2009 / 9 / 26 - 19:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قلنا فيما يتعلق بالعصمة إنها من ممكنات العقل، وليست لا من واجباته، ولا من ممتنعاته. ولكن الخلل يقع في المبالغة، والغلو في الاعتقاد بها، كما هو الحال مع غلاة الشيعة، ومع معظم السنة الذين يقولون بعصمة الصحابة والخلفاء الراشدين، وينفون إمكان وقوعهم في خطأ، رغم إنهم لا يقولون من حيث المبدأ بعصمتهم، ولكن ضمنا يتعاملون معهم كمعصومين، بحيث يُعَدّ مجرد نقدهم مروقا عن الدين، وفي الوقت الذين يُجوّزون على النبي من مجانبة العصمة، ما لا يجوزون على بعض الخلفاء والصحابة. كما إن غلاة الشيعة يوصمون سائر الشيعة، ممن لا يقولون بقولهم المغالي بمروقهم عن دائرة الولاية لأهل البيت، ثم هم يسلكون نفس سلوك السنة مع المراجع، فيقدسونهم، وينفون عنهم الخطأ، ويعادون من ينتقدهم، أو يخطئهم، رغم عدم إيمانهم من حيث العقيدة بعصمتهم، لأنهم يحصرون العصمة في الإسلام في أربعة عشر معصوما؛ هم النبي، وفاطمة، والأئمة الاثني عشر دون غيرهم، إلا السابقون من الرسل والأنبياء، إذا لم يفضلوهم على سائر الرسل والأنبياء باستثناء نبي الإسلام، بل بعض المغالين قد يفضل عمليا عليا على الرسول، ويفضل فاطمة على أبيها وزوجها وولدها. ولدينا أيضا الكاثوليكية التي تدعي عصمة الپاپا، مما لا يقبله عقل عاقل. والمبالغة في الشخصيات الدينية له شواهد كثيرة، فعيسى يتحول من نبي مرسل، إلى ابن الله، ثم إلى الله نفسه، وعلي بن أبي طالب يغالي به بعض الغلاة، فيعتبرونه هو الله، وهكذا في مسيرة المبالغة في تقديس الشخصيات، من الصالحين، والقديسين، والأولياء، وأئمة المذاهب، وأئمة الطرق الصوفية، بل والقادة الدينيين لأحزاب إسلامية، وتيارات، ولحكومات الإسلام السياسي المعاصر، وغيرهم.
العصمة شيعيا وسنيا وعقليا لا نريد إعادة بحث مبحث العصمة، ولكن رأيت أن أتناول بشكل إجمالي بعض الفروق بين العصمة عند كل من السنة والشيعة، وموقف العقل الفلسفي من كل من الرؤيتين، ولو إن هناك لدى كل من السنة والشيعة مجموعة رؤى ومدارس ومذاهب في العصمة تتفاوت فيما بينها، مما يجعل بعض الرؤى الشيعية ربما أقرب إلى بعض الرؤى السنية منها إلى رؤى شيعية أخرى، كما يجعل بعض الرؤى السنية ربما أقرب إلى بعض الرؤى الشيعية منها إلى رؤى سنية أخرى.
والعصمة عموما تشمل الصواب والخطأ من جهة، ومن جهة أخرى الحَسِن والقبيح، فالمعصوم لا يخطئ، ولا يأثم. وحيث قلنا أن العصمة نسبية، فعدم الخطأ، وعدم الوقوع في الإثم، أو الإساءة، أو سمها المخالفة الشرعية، أو المفارقة الأخلاقية، نسبيتان، ولكن تمثلان المعلم الواضح في شخصية وسلوك ومسيرة المعصوم. طبعا هذا كله مع فرض وجود أشخاص اختارهم الله اختيارا، واصطفاهم اصطفاءً لمهمة إلهية، رسلا كانوا، أو أنبياء من غير رسالة، أو أئمة منصوص عليهم، أو قديسين، أو صديقين، أو أولياء وأصفياء.
بالنسبة للشيعة، وأعني من الشيعة العقليين المعتدلين في عقائدهم، وليس المغالين، وأعني بالغلو ليس بالضرورة بمعنى القول بإلوهية نبي أو إمام، بل الغلو ما دون ذلك، كالقول بالولاية التكوينية، التي تعني أن لعلم المعصوم من الإحاطة كإحاطة علم الله، ولقدرته على الكون ما لقدرة الله، باستثناء الفرق بأن علم وقدرة الله ذاتيان ومستقلان، بينما علم وقدرة المعصوم تبعيان، أي مستمدان من مشيئة الله سبحانه. أقول بالنسبة للشيعة القائلين بأن النبي والإمام المشترك مع النبي، بصفة كونه منصوصا عليه من الله، وبالتالي فهو معصوم، أنهما معصومان عن الخطأ في القول، لاسيما في التشريع، وعن ارتكاب الذنب، وعن السلوك المعارض للقيم الأخلاقية، فقول الشيعة هذا بالعصمة من الناحية الفلسفية واجب الصواب، لأنه شرط صدق النبوة. لأن الله، إذا تدخل واختار هو بنفسه عز وجل إنسانا لمهمة خطيرة، وهي مهمة إلهية، أي بالتبليغ عن الله، والدعوة إليه، فلا بد من أن يختار أكفأ من ينهض بهذه المهمة، من صدق، وعدل، واستقامة، وشجاعة، وحكمة، وسمو خلق، وذكاء، وإيمان، وتقوى، ذلك لأن وجود هكذا أشخاص ممكن الحدوث، ولأن الله يعلم بأحوال خلقه مسبقا، وبالتالي يعلم بمن هو متصف بتلك الصفات بأعلى مستوياتها البشرية، وثابت عليها، ولأن خطورة المهمة تتطلب مثل هذه الصفات، فعدمها، أي اختيار الله لغير المؤهل لهذه المهمة الخطيرة، يعني، ضمنا وبالضرورة، تشكيكا، إما بعلم الله، وإما بقدرته، وإما بحكمته ولطفه، فيكون عدم تحققها فيمن يدعي النبوة دليلا للشك بصدق دعوى النبوة، ومن ينفيها، فإما لتعصب لمذهب ورثه، وإما لعدم فهم التلازم الفلسفي بين التكليف الإلهي الشخصي للنبي، ووجوب العصمة. ولكن من حيث الواقع ربما تكون رؤية السنة لمدى عصمة النبي هي الأقرب للحقيقة، فهم أخطأوا في تحكيم القواعد العقلية، ولكن لعلهم أصابوا في تشخيص الواقع، فإن كان الأمر كذلك، فقد وقعوا في التناقض، لأن إيمانهم بعدم عصمة النبي، لازم عقلي لإنكار نبوته. ومن أجل الخروج من مأزق التناقض، ليس في هذا الموضوع حصرا، جرى تأسيس مذهب تعطيل العقل في علم الإلهيات. وهذا لا يعني أن العقليين من الشيعة والمعتزلة قد أفلحوا في تأصيل مرجعية العقل، فمذهبهم العقلي ليس عقليا إلا بمقدار المقايسة مع المذهب النقلي أو الوحيوي، كما إن هذا القول لا يعني أن أصحاب مدرسة تعطيل العقل، قد عطلوه كليا، بل منحوا العقل دورا ثانويا جدا، لأن النص، بل وظاهر النص، هو المقدس فوق كل تقديس عندهم، مع إن تقديس النص الديني (النص المقدس)، هو آفة كل الدينيين، وبالتالي كل المسلمين، ولكنه عند الشيعة العقليين، أخف منه عند غلاة الشيعة، وعند أهل الحديث من السنة، ولعله عند المعتزلة أخف منه عند الشيعة.
كتبت في وقت سابق
روجعت في 25/09/2009
#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العصمة بين الحقيقة والوهم
-
لماذا يستثنى المؤمنون اللادينيون من حوار الأديان؟
-
الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين
-
دعاء ما بعد الاهتداء إلى الإيمان اللاديني
-
مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 3/3
-
مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 2/3
-
مع وجود الله، هل وجود الدين واجب أم ممكن أم ممتنع؟ 1/3
-
كلمات من وحي عقيدة التنزيه
-
العقليون في التوحيد نقليون في النبوة والإمامة
-
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
-
الدينية واللادينية والإلهية واللاإلهية
-
ما هي مصادر المعرفة للإنسان؟
-
التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين
-
بين تنزيه الله وتنزيه الدين
-
خاطرة ستبقى تحوم حولي الشبهات
-
تسبيحة من وحي عقيدة التنزيه
-
عقيدة التنزيه ومراتب التنزيه في الأديان
-
شكر واعتذار وملاحظات للقراء الأعزاء
-
النبوة الخاصة والعامة بين الإمكان والوجوب والامتناع
-
الأنبياء بين الدعوة إليه والادعاء عليه سبحانه
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|