|
خصخصة حق تقرير المصير.. هى الحل
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 845 - 2004 / 5 / 26 - 05:05
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قبيل انعقاد القمة العربية " الحائرة " فى تونس ، شهدت المملكة الأردنية انعقاد الدورة الثانية لمؤتمر " البحر الميت " ، وهو المؤتمر الذى يرعى تنظيمه المنتدى الاقتصادي العالمى ، المشهور باسم منتدى دافوس . فإذا كانت نتائج قمة تونس قد "فاجأت" الكثيرين من حسنى النية، أو حيرت البعض لعجزها عن الارتقاء الى طموحات المواطن العربى المهيض الجناح ، فان إلقاء الضوء على " قمة " البحر الميت ، ربما يساعد على فهم بعض ألغاز لامعقول السياسة العربية . وأول ما يلفت النظر فى منتدى البحر الميت انه افتتح أعماله يوم 15 مايو الجارى ، الذى يصادف ذكرى النكبة وإعلان قيام إسرائيل ! الأمر الثانى ان منتدى البحر الميت ، الذى عقد فى العام الماضى تحت عنوان "المصالحة"، عقد هذا العام تحت عنوان " مواجهة التحديات – المشاركة فى التغيير – السلام – التنمية " . وليس المهم هو مدى جدية التعامل مع مفردات هذا العنوان الطويل . المهم حقاً هو ان هذه الاجندة تم النقاش حولها بينما فلسطين والعراق يشهدان أوضاعاً كارثية وشلالات الدم العربى المسفوك لا تتوقف . الأمر الثالث ان " نجوم " مؤتمر البحر الميت كانوا هم المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين الذين هرول " الكومبارس" العرب الى خطب ودهم وإجراء اللقاءات وإبرام الصفقات معهم ، فى الوقت الذى مازالت فيه الدماء تلطخ أيدي هؤلاء المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين . ففى نفس الوقت الذى كانت تجرى فيه محادثات البحر الميت كانت رفح تشهد مذبحة مروعة على يد الإسرائيليين . وكانت كربلاء والنجف والقائم تتعرض لعدوان أمريكي بربرى استهدف حتى اغتيال زغاريد النساء والصبايا فى الأعراس ! ومع ذلك .. جلسنا مع جلادينا فى تلك الخيمة المكيفة الهواء فى تلك البقعة التى هى الأكثر انخفاضاً عن سطح البحر على ظهر الكرة الأرضية ، وتبادلنا معهم الأحاديث الحميمة عن " البيزنس " والتعاون الاقتصادي . وغنى عن البيان أننا لسنا ضد الحديث عن التنمية الاقتصادية ولا عن البيزنس بشكل عام، فهذه إحدى ضرورات الحياة لتبادل المنافع ، لكن المهم هو متى يجرى هذا الحديث .. ومع من .. وعلى أي أساس ؟ وغنى عن البيان كذلك ان البيزنس والسوق لا يوجدان فى فراغ وانما يوجدان فى " وطن " .. وهذا الوطن له استحقاقات كثيرة ومتشابكة ، سياسية واقتصادية واستراتيجية .. لا يمكن اختزالها فى عنصر واحد ووحيد مهما كانت أهميته . التطبيـــــع مــــع الجــــــلاد أما ما حدث فى البحر الميت ، وبالشكل الذى حدث به ، وبالأطراف التى شاركت فيه ، فانه أشبه ما يكون بمن تشتعل النيران فى بيوتهم ومع ذلك يجلسون فى العراء يتناقشون فى " البيزنس " الذى يمكن ان يتم إبرام صفقاته فى المستقبل . وهم بهذا لا يتجاهلون فقط الحريق الذى ياتى على الأخضر واليابس فى بيوتهم وانما هم ايضاً يقفزون على السنة النار ليبحثوا التعاون الاقتصادي والتجارى بالذات مع من أضرموا هذه النار فى بيوتهم مع سبق الإصرار والترصد وعلى مرأى العالم وسمعه !! هذا هو بالضبط ما حدث فى البحر الميت .. حيث يتم بحث " مواجهة التحديات – المشاركة فى التغيير- والسلام والتنمية " مع نفس اولئك الذين ينتهكون سيادتنا الوطنية ويغتالون أحلام شعوبنا فى الاستقلال الوطنى وحق تقرير المصير ! وهو ما حدث فى المنتدى الذى عقد فى العام الماضى بنفس الخيمة تحت شعار "المصالحة"، وقيل وقتها على لسان كلاوس شواب رئيس منتدى دافوس أن " قمة المصالحة انطلقت فكرتها بعد نهاية الحرب الأمريكية على العراق .. وان القمة ستصبح جزءاً من عملية السلام الجديدة فى الشرق الأوسط بعد قمتى شرم الشيخ والعقبة " . وكما نذكر أيضا فان قمة شرم الشيخ المشار إليها هى التى ضمت عدداً من القادة العرب مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ، وان قمة العقبة هى التى جرت على أثرها وضمت رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون ورئيس الحكومة الفلسطينية ( وقتها ) محمود عباس ( ابو مازن ) . وفى العام الفاصل بين قمة " المصالحة " وبين قمة " مواجهة التحديات " رأينا إجابة الواقع على هذه الرطانه الخائبة فلا الحرب الأمريكية على العراق انتهت كما قال شواب (نقلا عن بوش) ولا البربرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى توقفت ، بل إنها تضاعفت وازدادت بشاعة . وفى ظل شلال الدم العربى النازف من بلاد الرافدين ومن فلسطين اصبح اى حديث – مع بوش وشارون- عن التنمية الاقتصادية أو الإعمار أو إعادة الإعمار او البيزنس .. لغوا وكلاما فارغاً . فـلســـــفـة دافــــــوس والإصرار على الحديث عن البيزنس و" التعاون " الاقتصادي والتجارى و" الإصلاح" فى المنطقة ، فى ظل استمرار هذا الحريق الهائل المشتعل فى ديارنا ، وبالذات مع أن من اشعلوا هذه النيران فى بيوتنا، ليس جهلاً أو عبطاً ، وانما هو يعبر عن الإطار الفكرى لمنتدى دافوس ، الذى يعبر بدوره عن الوجه السائد للعولمة .. نعنى " العولمة المتوحشة " . هذا الإطار الفكرى " المتعولم " لا يعترف بشئ اسمه " الوطن " فكل ما يراه هو " السوق " . ولا يعترف بشئ اسمه " الشعوب " فكل ما يراه هو " الشركات " العابرة للقوميات والجنسيات واى شئ يتناقض مع مصالح هذه السوق " الكونية " وتلك الشركات العابرة للقوميات يجب قمعه وتدميره باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمدنية ، حتى لو تم ذلك بأبشع الأساليب دكتاتورية ووحشية وبربرية على النحو الذى نراه فى الإبادة الجماعية فى رفح وخان يونس وغزة وجنين ، وعلى النحو الذى نراه فى السادية المرضية فى سجن ابو غريب والقائم وعلى مشارف العتبات المقدسة فى النجف وكربلاء والكوفة وفى افغانستان ، وفى جوانتانامو ! . وعندما ياتى كولن باول وزوليك وشالوم الى البحر الميت ويطرحون علينا – فى هذا الوقت – اجندة تتحدث عن " البيزنس " و " التعاون " الاقتصادى والتجارى ، فانما يقولون لنا بصراحة : انسوا حق تقرير المصير للعراق وفلسطين .. انسوا الاستقلال الوطنى .. انسوا كل هذه "الشعارات" السياسية، واعترفوا بالأمر الواقع واقبلوا بالفتات الذى يمكن ان نعطيه لكم من الكعكة . وحتى قبل ان تقبلوا بهذا الفتات يجب ان تنفذوا كل الشروط التى نمليها عليكم وتجعلكم مؤهلين من وجهة نظرنا لتعاطى هذا الفتات . وعندما يتعمدون ان يكون تاريخ انعقاد مؤتمر البحر الميت هو نفس يوم النكبة العربية وإعلان قيام الدولة اليهودية ، فان هذا يعطى لهذا المؤتمر دلالته الرئيسية . وعندما يتعمدون ان يكون انعقاد مؤتمر البحر الميت ، فى نفس يوم النكبة وعشية انعقاد القمة العربية " التائهة " ، فان هذه رسالة ثانية لا تخطئها العين . والواضح ان قمة تونس التقطت الرسالة واستجابت لها.. وكان لهذه الاستجابة اكثر من وجه. أولها.. غياب تسعة من القادة العرب عن القمة .. حتى استحقت القمة اسم قمة "وزراء الخارجية". ثانيا .. انسحاب العقيد الليبى معمر القذافى من الجلسة الاولى ومعاهدة تونس بأسرها بعد دقائق من بدء أعمال القمة. ثالثا.. مسارعة العديد من القادة الذين حضروا الى مغادرة تونس قبل صدور البيان الختامى وقبل انتهاء المداولات. رابعا.. امتناع القادة العرب عن توقيع وثيقة "العهد والوفاق والتضامن" وتفويض وزراء الخارجية بذلك. خامسا.. استمرار الأساس الفكرى والسياسى السابق، الذى اعتمده النظام العربى الأسمى وتبناه سنوات طويلة وكانت نتيجته هذا الهوان وذاك الخراب الشامل، ورغم تعدد الوثائق التى تبنتها القمة السادسة عشرة فان هذا التعدد لم يشتمل على نقد لهذا الأساس الفكرى والسياسى المأزوم والمهزوم، ولم يتضمن إشارة – مجرد إشارة- الى استراتيجية بديلة تتلاقى نقاط الضعف القاتلة السابقة وتلتقط الأوراق والإمكانيات العربية المهدرة، وتعيد النظر فى التحالفات الإقليمية والدولية. كلمة السر لفهم كل هذه الألغاز.. هى "البحر الميت" والفلسفة الكامنة وراء منتداه الذى يرى – بحكم مصالح رعاته – أن "العربى الطيب" هو "العربى الميت".
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مهرجان »كان« السينمائي أهم من قمة تونس العربية
-
يحيا العدل.. الأمريكي !
-
اكبــر ديمقـراطيـة .. فى بـــلاد تركب الأفيــال
-
الغضب .. أفيون العرب!
-
جــريمـــــة الـقــــرن الحــــادي والعشـــــــرين
-
الــــــورطــــــــــة !
-
- وعد بوش - .. لاقامة إسرائيل الكبرى
-
حكاية سيدة محترمة اسمها - ميريام - اطلبوا الإصلاح .. ولو من
...
-
بعد أن تحول العراق من »وطن« إلي »كعكة« سباق دولي وعربي محموم
...
-
رسالة مفتوحة الى أصحاب الجلالة والفخامة والسموالبقية فى حيات
...
-
بين -الدير- و-الشيخ- .. -ياسين- يدفع فاتورة الاستشهاد جرائم
...
-
رئيس الحكومة صاحب المزاج العكر .. أول ضحايا لعنة العراق
-
من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف
...
-
من لا يقـــدر على - بــوش- وزعــانفــــه فليقــــذف نــادر ف
...
-
العربى مريض .. فمن يكون - بوش - : الطبيب أم الحانوتى ؟
-
صاحبـــة الجــلالة تنهـض من تحـت الأنقــاض
-
بمناسبة انعقاد المؤتمر العام الرابع للصحفيين مـصــــر تستـحـ
...
-
حــرب - الكــاتشــب - و - النفــط - للفــوز بالبيت الأبيــض
-
انتبهوا أيها السادة : تهويد التاريخ بالاحتيال بعد تهويد الجغ
...
-
أمريكا فى مواجهة العالم
المزيد.....
-
شاهد.. ركاب يقفون على جناح طائرة بعد اشتعال النيران بمحركها
...
-
سوريا.. القلم الأخضر بيد أحمد الشرع عند توقيع الإعلان الدستو
...
-
كالاس: وشنطن وعدتنا بعدم قبول أي شروط روسية حول أوكرانيا إلا
...
-
الاتفاق بين دمشق والأكراد.. ماذا عن التفاصل والآثار المحتملة
...
-
سوريا.. محافظ اللاذقية يعزي سيدة من الساحل في مقتل نجليها وح
...
-
شيخ الموحدين الدروز الحناوي: لم نطلب الحماية من أحد ويجب إعط
...
-
طهران: العقوبات الأمريكية الجديدة دليل على الخداع وخرق القا
...
-
حريق ضخم في أحد مباني المعامل المركزية لوزارة الصحة المصرية
...
-
محامو الطالب الفلسطيني محمود خليل يطالبون بالإفراج الفوري عن
...
-
اكتشاف قد يحدث ثورة في علاج داء الثعلبة
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|