باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 13:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من أعراض مرض التّفكير التّساؤل و البحث الدّائم عن الحقيقة بحيث تتشكّل تبعا لذلك ممانعة مستديمة للتّسليم بما هو واقع و متاح و تُلازم المريض حالة تتّصف عادة بعدم الرّضى بالجاهز و المعلّب من الأفكار و بانحياز واضح للمنطق و العلم و الموضوعيّة و العقلانيّة أكثر من أيّ شيء آخر....
و نظرا لأنّي أُصبت مرغما بهذا المرض الخبيث (التّفكير) بعد أن وجدت نفسي دون أن يُؤخذ رأيي و قد وُلدت (لست أدري ألحسن حظّي أم لسوءه) في بيئة ثقافيّة معيّنة يعتبر الدّين الإسلامي أحد أبرز و أهمّ عناصرها و مكوّناتها....ثقافة مشوّهة تتّسم بالضّبابيّة و تلفّ أجواءها حيرة الغيبيّات و الخرافات و تكتنف محيطها التّساؤلات...و عليه و استنادا على ما سبق و بقصد فرز و تصفيّة ما ورثته و بُرمجت عليه منذ الولادة فقد دأبت منذ عدّة سنوات أنبش ميراث السّنين بحثا لا أقول عن الحقيقة لأنّي موقن بأنّه بحث محكوم عليه بالفشل لا محالة و لكن بحثا عن الاطمئنان و الرّضى ليس إلاّ....!
ما توصّلت إليه (لا أدّعي أنّي اقتنصت الحقيقة أو رضيت بما وصلت إليه) أنّ الدّين الإسلامي يقوم على كلّية مفادها دار الإسلام و دار الكفر، أي أنّ جوهر فلسفته نشأت أساسا على التّمييز بين المسلم و غير المسلم...!
الإسلام =الحقّ وأي دين أو عقيدة أخرى= الظّلال.
المسلم مهديّ فائز بالرّضى الإلهي موعود بالجنان و غير المسلم كافر ناكر للدّين مغضوب عليه موعود بالعذاب و الخلود في النّار و من أبرز ما يفرّق بين هذا و ذاك و يمدّ سورا منيعا بينهما يبدأ من هنا أي من حياتنا الدّنيا إلى هناك أي يوم الحساب إلى ما بعد الموت عقيدة الولاء و البراء و هي عقيدة تلخّص فلسفة الإسلام و عقليّة المسلم إلى أبعد حدود...
هذا يعني أنّ حتّى أولئك الّذين ضحّوا أو وهبوا أنفسهم من أجل كرامة و حرّية الإنسان أو قدّموا أعمالا جليلة لخدمة الإنسانيّة و الرّقيّ بالبشريّة هم و بقيّة أمم و شعوب الأرض قديما و حديثا من المغضوب عليهم و من المعذّبين و المحكوم عليهم بالخلود في جهنّم...ببساطة لأنّهم ليسوا مسلمين....؟!!
و أبرز ما يدعّم هذه النّظرة السّاذجة السّطحيّة الفوقيّة عقيدة الولاء و البراء، و لعلّها من أعقد القضايا الشّائكة في الدّين الإسلامي الّتي يعمل الكثير من الأئمّة و المشايخ في ظلّ طغيان البعد الإنساني في العصر الحالي على تجنّب الخوض فيها أو المراوغة و الالتفاف حولها و ليّ معاني الكلمات في محاولات يائسة لتكييفها مع المعطيات الحديثة رغم أنّها (الولاء و البراء) تعتبر أصل الدّين و دعامته العقديّة الأساسيّة و يصعب تجاهلها و المرور عليها هكذا..!!
تعني عقيدة الولاء و البراء الحبّ في الله والبغض في الله، حبّ الله وأولياءه وبغض أعداءه على اختلاف مشاربهم ومناهجهم. يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله. وقال ابن عباس -رضي الله عنه- : من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك؛ وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا (رواه ابن جرير). وقال الشّيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان في كتابه (محاضرات في العقيدة والدّعوة) وهو يتكلّم عن الولاء والبراء: « فمن أصول العقيدة الإسلاميّة أنّه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحبّ أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم وذلك من ملّة إبراهيم والذين معه؛ الذين أمرنا بالإقتداء بهم حيث يقول سبحانه وتعالى: ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ). [الممتحنة؛الآية:4). وهو دين محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ). [المائدة؛ الآية:51). فهذا أصل عظيم من أصول الإسلام عمل به الأنبياء والمرسلون من لدن نوح عليه السلام إلى أخرهم وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- , وما قصّه الله علينا في سورة يونس وغيرها من السور عن حال الأنبياء والمرسلين مع أممهم من أهل الشرك من البراءة منهم, وعدم الركون إليهم وبغضهم ومعاداتهم وعدم موالاتهم, لهو أكبر دليل على هذا الأصل العظيم. ولذلك كان من شروط لا إله إلاّ الله البراءة من الشرك والبدع وأهلها. ولقد قام نبينا محمد بهذا الأصل خير قيام اقتداءا بإخوانه الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ). وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ). التوبة؛ الآية:23). وقال تعالى: إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ). المائدة؛ الآيات:56,55). وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة ). الممتحنة؛ الآية:1). وثبت في الصّحيحين عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: « سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول جهارا- من غير سر- : إن آل فلان ليسوا لي بأولياء-يعني طائفة من أقاربه- إنما ولي الله وصالح المؤمنين ». قال الإمام الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ –رحمه الله- : « وأما الموالاة والمعاداة فهي من أوجب الواجبات. وفي الحديث: « أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ». وأصل الموالاة الحب وأصل المعاداة البغض, وينشأ عنها من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة, كالنصرة والأنس والمعاونة, وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك من الأعمال. والولي ضد العدو ّ» (عيون الرسائل- 576-577) ويدخل في هذا كله - أيضا- معاداة البدعة وأهلها وموالاة السنّة وأهلها, وكما قيل: " البدع بريد الكفر". فلا بد من قيام هذا الأصل العظيم في قلوب أهل التوحيد والسنّة المحضة؛ فالواجب عليهم بغض أهل البدع بشتى صنوفها وأنواعها وعدم لين الجانب لهم وعدم مماشاتهم ومصاحبتهم وترك التبسم في وجوههم ومن المؤسف له أن تسمع - من ينتسب إلى أهل السنة- من ينادي بهذه الأمور التي تنافي مبدأ الولاء والبراء، كل هذا بزعم المصلحة أو مصلحة الدعوة أو عدم تنفير الناس "وما تركتم أحدا" وغير ذلك من أقوال" أهل التمييع المثلّجين", وبذلك يضيع المنهج السلفي منهج التوحيد الحق والإتباع السليم فالسكون والمعاشرة لأهل البدع مع القدرة على الإنكار هي عين المداهنة. وليعلموا أنّ هذا الولاء والبراء الذي فرضه الله على أهل طاعته هو الذي أوجب الإفتراق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
حتّى التّبسّم في وجه غير المسلم ممنوع بل أنّ الغلظة له في كلّ شيء مطلوبة و مستحبّة للآخر أي للكافر و غير المسلم..؟!!
هذا بين الدّولة الإسلاميّة إن وُجدت و غيرها من دول العالم، أمّا غير المسلم إن كان يعيش بين المسلمين فإنّ الفقه الإسلامي يقسّم الكفّار إلى فئتين : الكتابيين والمشركين ، و يفرّق بينهما (الفقه الإسلامي) بتساهل نسبي و بصيغة المنّ و الإذلال أو الإخضاع، بفرض الجزية على الكتابيين ( أي المسيحيين واليهود ) حقنا لدمائهم و بدل قتلهم، أمّا المشركين فليس أمامهم الا أحد خيارين : الاسلام .... أو السيف، و يُستثنى مشركي العرب الذين لا يُقبل منهم الاّ الإسلام أو القتل...؟!
ميزة الإسلام أنّه ابقى الكفّار احياء ، فلم يقتلهم ولم يعذّبهم ولكن ... هل أعطاهم حقوقهم القانونية والانسانية كاملة ؟؟
كلّ ما هنالك أنّه همّشهم وجعلهم مواطنين من الدّرجة الثّانية من خلال منظومة تشريعيّة خاصّة بهم أهمّها/
- يُنهى المسلم عن المبادأة بإلقاء السّلام على اليهود أو النّصارى على حدّ قول النّووي ( و نحن مأمورون بالإغلاظ عليهم و منهيّون عن ودّهم فلا نظهرهم كنوع من الامتهان و الاذلال لهم..؟!
- لا تُقبل شهادته (غير المسلم) إتّفاقا لأنّه متّهم في حقّه بل لقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم قبول شهادة الكفّار بعضهم على بعض لأنّ الكافر ليس بذي عدل حسب أحكام أهل الذمّة !!
- اذا قتل الكافر مسلما فالجزاء هو القصاص بلا خلاف .. ولكن .. ماذا لو قتل المسلم كافرا ؟؟؟ الحكم عند جمهور الفقهاء : لا يُطبّق القصاص في هذه الحالة اعمالا لرواية البخاري ( لا يُقتل مسلم بكافر ) ربما لأن الكافر نصف مواطن أو ادنى درجة من المسلم !!
- عدم جواز تولّي الكافر الخلافة و الامارة..!
- عدم الاستعانة بالكافر وتوليته الوظائف العامة العادية أو الحكوميّة فقد منعها جمهور الفقهاء ( وذهب البعض الي التّحريم صراحة )؟!!
- لا حدّ على من قذف كافرا بل يُعزّر فقط !! لأنه يُشترط في القذف ان يكون المقذوف مسلما باتّفاق الفقهاء.
راجع عزيزي القارئ وثيقة الإذلال العمريّة المقنّنة لأهل الذّمة من اليهود و المسيحيين عندما دخل بيت المقدس فاتحا..؟!
فهل تصلح عقيدة الولاء و البراء الّتي هي من صميم الإسلام لهذا العصر...؟!!
#باهي_صالح (هاشتاغ)