|
مابعد سليلو
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 06:19
المحور:
الادب والفن
الكاتب : اد مو تعريب : خليل الشيخة لست متأكداً مما دفعني للذهاب، ربما بسبب الحماس الشبابي، وربما استجابة في نفسي لنداء المعرفة. كان البرق مرشدي، والقمر المعطاء درعاً يحميني في الطرقات. كان ذلك في ربيع سنة 1964 حيث انتهت أمجاد لعبة كرة القدم المدرسية، ولم يبق أمامي سوى مواجهة مستقبلي الممل، بينما كنت أمعن النظر في نهر كولومبيا تسللت إلى ذهني ذكريات تلك الأوقات التي قضيتها هناك، كان النهر صديقاً ودوداً لي، وأذناً صاغية لنجواي. جذبت شلالات سليلو السياح البيض بألبستهم البيسبولية، وقبعاتهم القشية، وخوذاتهم القوية، الذين توافدوا إلى الشلالات ليرقبوا صيد الهنود على السقالات، وكانوا يرتدون السراويل القصيرة التي أظهرت انتفاخات ركبهم، ويعلقون نظاراتهم الشمسية في رقابهم البرونزية، وقد قدموا لنا أرباعاً فضية لنستعرض لهم بعض الصور مع أولادهم وأحفادهم، تمنيت لو أنني قريب من فتاة بيضاء صغيرة جميلة فإن شعرت بالخوف وذرفت الدموع من عينيها هرعت إليها واحتضنتها. لابد أنك تدرك ماذا يعني كونك هندياً، إنها حقيقة مروعة! كان النهر ساكناً، والتيار هادئاً وخيوط الشمس ترسم ظلالها على أمواجه الفضية. في عام 1957 أنشأت الحكومة سد دالس، وأبعدتنا نحن الهنود خارج أماكن صيدنا المعتادة، لم يكن لدينا الرغبة أن نغادر أماكننا ولكن فعلوا بنا ذلك تحت ضرورة ما أسموه " التقدم "، أتذكر أنهم عقدوا عدة اجتماعات في بيوت الناس، واجتمعنا نحن الهنود لنجد حلاًّ لهذه المعضلة ونبحث أمور مستقبلنا، كانت أياماً عصيبة جداً، اطلع والدي على مخططات المشروع في مكتب دالس للتجارة، وحاول أن يحذر الناس في سليلو، فما كان منهم إلا أن رموه بسهام سخريتهم ومضايقتهم، داعين إياه الرجل الصيني العجوز لكونه لم يكن يعقد جمائر شعره كما كان يفعل الرجال الهنود في القرية، عندما باشر المهندسون بهدم الأرض وإنشاء طريق جديدة للسكة الحديدية، أدرك هنود القرية عندئذ أن الحكومة عازمة على تنفيذ ما خططت له، فعادت ذاكرة البعض إلى أحداث جرت عام 1930، عندما أنشأت الحكومة سد بونفييل وأجبرت هنود هرهان على الرحيل عن أوطانهم دون دفع تعويضات لهم، وقد نظم والدي اجتماعات الهنود في قرية سليلو على أسس هادفة، فنحن نرفض الرحيل عن أوطاننا دون دفع تعويضات مناسبة لنا، وقد كتب والدي إلى (نيوبركار) سيناتور أورغان يسأله العون، قدم السناتور وثيقة إلى الكونغرس مطالباً الحكومة بدفع تعويضات لأعمالنا وشراء بيوت جديدة لنا؛ في ذلك الوقت كنا نفاوض لتحديد التعويض المناسب، قال ابن الزعيم : " عليكم أن تدفعوا خمسين دولاراً عن كل لوح من ألواح السقوف الجافة، فهذه هي طريقتنا في الحياة "، استشاط رجل الحكومة غضباً، وصرح بأننا نحن الهنود علينا أن نقبل عروضهم القانونية وإلا سيذهب إلى القاضي في بلدة واسكو، ويصادر أراضينا ويهدم كل شيء دون أن يدفع أي شيء، في ذلك اليوم، عندما مالت الشمس نحو المغيب؛ انتهى العمال من قياس مساحة الأراضي، وكان على البعض منا أن يقتلع الأوتاد من الأرض ويردم الحفر، ثم يضرم النار حول الأوتاد، أما البعض الآخر فقد كان عليه أن يتسلق المنحدر الصخري ويطلق النار من البنادق على الشاحنات الكبيرة للنفايات عند تفريغ حمولتها، كنا نطلق الضحكات عندما يوقف السائق شاحنته، ونحاول بوسائلنا الطفولية البسيطة أن نعرقل بناء السد. وأخيراً، عندما باءت محاولتنا بالفشل وأصبح الرحيل أمراً لا بد منه. كان علينا أن نحرق منازلنا، قمت بإنقاذ ما أود الاحتفاظ به، وتركت ما تبقى لألسنة اللهيب، وفي اللحظة التي أضرم بها والدي النار تذكرت خزانتي الصغيرة بجانب سريري، فعدت مسرعاً إلى البيت لإحضارها، تأخرت في الوصول إلى تلك الخزانة القديمة التي استحالت إلى أنقاض بالية، وبمزيج من الأسى والسرور راقبنا كيف تبتلع النيران ذلك البيت العتيق، وأصبح علينا أن نكتري بيتاً جديداً بجانب النهر، تنقلنا في معظم مناطق (وشرام) في واشنطن، في ذلك المجتمع الأبيض، وبعد عام من الجهد، قبلنا أنا وأخي في المدرسة، في إحدى المرات، صبت فتاة بيضاء صغيرة جام غضبها علي، وبصقت في وجهي وطلبت مني أن أعود من حيث أتيت، لم يكن بإمكاني العودة إلى المكان الذي أتيت منه، لأن ذلك المكان ذهب أدراج الرياح، ولم أفهم لماذا تفوهت الفتاة بتلك الكلمات. ترعرعت في ظروف قاسية جداً، ولجأت إلى الكتب والمطالعة فهي ملاذي الوحيد للهروب من ذلك الواقع القاسي، فضلاً عن أن شخصيات الكتب التي أطالعها لم تكن توجه لي أي إساءة، واستطعت أن أخلق لنفسي ذلك العالم الذي يتقبلني، ولا ينبذني كحشرة ضارة لكوني هندياً أتيت من قرية فقيرة. كانت خيوط الشمس الذهبية تندس بهدوء لتختفي خلف الأفق، عندما وقفت على الطرف الشمالي لنهر كولومبيا، فجأة، توقفت أمامي سيارة زرقاء وسألني الشاب الذي بداخلها : " كم تبعد المسافة التي تنوي الذهاب إليها " ؟ أجبت وقد لاح لي طيف من الأمل : ـ سأذهب إلى بورتلاند. ـ اصعد إذن. قدم الشاب لي سيكارة، كانت السيارة تعج برطانة الكلمات وأصوات الموسيقى الغربية، عبرنا جسر نهر هود وتابعنا السير جنوباً، وقد أوضح لي أن بإمكانه إيصالي إلى نهاية كاسكيد فقط. كنت سعيداً لذلك، وضعني عند مدخل إحدى الطرق ثم قال مودعاً: ـ حظاً موفقاً. ـ شكراً لك. توارت الشمس خلف الأفق تماماً، وغرق الكون في غياهب الظلمات، وبدأ الخوف يتسلل إلى نفسي، من الممكن أن يبحث شرطي عن هارب من مدينة صغيرة، اقتربت سيارة مني مسلطة أضواءها الأمامية على وجهي، استوضحت معالم السيارة، كانت بيك أب، اقتربت من جانب الطريق ووجهت أنظاري داخل السيارة فوجدت رجلاً أسود ضخماً يجلس خلف المقود، فبادرني بالقول آمراً : ـ اصعد. ترددت في الركوب، إلا أنه سألني بسأم: ـ هل تريد الركوب أم لا ؟ دخلت السيارة وتبادلنا أطراف حديث قصير حتى وصلت إلى (بورتلاند)، أوصلني إلى الطرف الشرقي لجسر برنسايد حيث يقيم المتشردون والمترحلون، وهناك حط بي المطاف، ودعني الرجل ناطقاً بكلمات الحقيقة الفعلية : ـ تابع سيرك على طريق الجسر أيها الولد وستجد أناسك هناك. شكرته وبدأت السير على طريق الجسر. ------------------------------------------------------------------------- إد مو كاتب من الهنود الحمر، إضافة إلى كتابته القصة القصيرة هو شاعر ومسرحي. وهو الآن مدرس للشعر وفن القصة في ولاية أرغن، نشرت له مجموعة شعرية بعنوان (هذه كلماتي) عام 1985. هذه القصة عبارة عن توضيح لا يقبل الشك عن حجم المعاناة التي يعيشها السكان الأصليون في الولايات المتحدة وهي تحمل أيضاً رمزاً لكيفية اغتصاب الأرض بطريقة غير شرعية. ويمثل سليلو هذا الجزء من التاريخ الطويل برمزيته وجوهره كمكان وصلة الناس به .
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذئاب بلا أنياب
-
القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
-
موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي
-
الرحيل
-
إصدار المجموعة المترجمة (رسالة إلى السماء)
-
من أجل غرين كارد
-
إصدار غابة الذئاب - تعليق خليل السواحري
-
نفاق
-
علم تحليل الشخصية - الشخصية اليقظة
-
من العم توم الى باراك اوباما
-
قراءة في كتاب (الرقيق) – ميندي نزار *
-
إصدار كتاب إنطباعات الزمن الفائت
-
ماوراء أعياد الربيع....سانت باتريك - النيروز - الفصح
-
قراءة في رواية -عمارة يعقوبيان- لعلاء الاسواني
-
تركيز الثروة العالمية بين أفراد
-
تركها زوجها وفر مع صاحبته الامريكية
-
الذات العربية والكيان الاسرائيلي
-
قراءة في مجموعة (الكلاب) من الكاتبة ريما فتوح
-
مشكلات التنمية في الوطن العربي
-
الثقافة العربية ومرحلة الضياع
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|